«مذبحة بحر البقر».. مجزرة إسرائيلية لم تُمح من ذاكرة المصريين
Share
51 عامًا مرت على ذكرى مجزرة بحر البقر، الهجوم الذي شنته القوات الجوية الإسرائيلية في صباح يوم الثامن من أبريل عام 1970، في قرية الحسنية بمحافظة الشرقية، تجرد من المشاعر من الكيان الصهيوني، في زهق أرواح أطفال أبرياء، ذهبوا لتلقي العلم، ولكن كانوا على موعد غدر من عدو صهيوني، أدى إلى تدمير المدرسة بالكامل، فضلا عن وفيات الأطفال الأبرياء.
«الدرس انتهى لِمُّوا الكراريس، بالدم اللي على ورقهم سال، في قصر الأمم المتحدة، في مسابقة لرسوم الأطفال».. بكلمات بسيطة مؤلمة نسّج الشاعر الراحل صلاح جاهين مأساة بالغة، حُفرت في ذاكرة البلاد بدم الأطفال الأبرياء، وقعت يوم الأربعاء 8 أبريل 1970، وعرفها العالم باسم «مذبحة بحر البقر».
قبل 51 عاما، حمل عشرات الأطفال حقائبهم المدرسية بابتسامات بريئة ودّعوا بها ذويهم، وهم يرسمون في أذهانهم مخططاتهم البسيطة لمستقبل مزهر حُر خالٍ من الاحتلال الذي هزموه مرارا في مخيلتهم، ليتجهون إلى مدرستهم البسيطة في مدينة الحسينية بمحافظة الشرقية، «بحر البقر الابتدائية المشتركة»، التي تتكون من دور واحد يضم 3 فصول، يتكدس بكل منهم 150 طفلا.
كانت ضحكاتهم البريئة تتعالى، وأحلامهم تكبر داخلهم، لكن كل هذا قطعه بغتة قصف جوي ضمّ 5 طائرات فانتوم تابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، لتتوقف الحياة تماما بعد أن جاوزت عقارب الساعة التاسعة وعشرون دقيقة صباحا.
خلال دقائق معدودة، تحولت المدرسة البسيطة إلى أطلال مهدمة، ملطخة بدماء 30 طفلا وإصابة أكثر من 50 آخرين بجروح بالغة، وخلّفت عددًا من المعوقين، لتقتل أسفلها أحلام وطموحات لم تكتمل، وضحكات حالمة وأعين لم تر العالم بعد، بعد أن استباح الاحتلال دور العلم المقدسة وسفك دماء الأبرياء، لتهتز البلاد حزنا عقب مجزرة بحر البقر.
الرد الإسرائيلي: المدرسة ظهرت كهدف حربي
وعلى وقع الألم المرير والحزن البالغ الذي هزّ مصر، لم تقدم إسرائيل الرد المناسب لذلك الموقف ولم تعترف بالمجزرة، وزعم وزير دفاعها موشي ديان، أنّ المدرسة التى ضربتها طائرات الاحتلال الإسرائيلي ظهرت كـ«هدف حربي»، معللا ذلك بأنّ «تلاميذ المدرسة الابتدائية كانوا يرتدون الزي الكاكي اللون، وكانوا يتلقون التدريب العسكري».
وتغاضت وقتها أمريكا عن المجزرة التي تخالف قرارات مجلس الأمن الدولي بوقف إطلاق النار، أو اتخاذ موقف تجاه آلاف الأسر التي مزّقها الحزن على فلذات أكبادهم الذين فارقوا الحياة دون سبب.
متحف شهداء مذبحة بحر البقر
قدّمت حينها الدولة للضحايا دعم رمزي، قيمته 100 جنيه لأسر الشهيد و10 جنيهات للمصاب، وخلّدت ذكراهم بجمع متعلقاتهم من «الكراسات، والمرايل، وسبورة، وتختة، والأقلام، وكتب، وأحذية»، وما تبقى من ملفات، إضافة للجناة من بقايا القنابل التي قصفت المدرسة، داخل حجرة متحف عبارة عن حجرة أو فصل من إجمالي 17 فصلا تضمها جدران مدرسة بحر البقر الابتدائية، تعلوها عبارة مكتوبة بخط اليد وهي «متحف شهداء بحر البقر»، ونقلت هذه الآثار، إلى متحف الشرقية القومي بقرية هرية رزنة بالزقازيق، الذي افتتح عام 1973، قبل أن تعود لمدرسة شهداء بحر البقر للتعليم الأساسي.
قصيدة صلاح جاهين
وكتب صلاح جاهين رائعته (الدرس انتهى لموا الكراريس) مسجلاً تلك المجزرة في ذاكرة الشعر العربي والأغنية العربية ولحنها الموسيقار سيد مكاوي ليحملها صوت الفنانة شادية:
الدرس انتهى لموا الكراريس
بالدم اللى على ورقهم سال
فى قصر الامم المتحدة
مسابقة لرسوم الاطفال
ايه رايك في البقع الحمرا
يا ضمير العالم يا عزيزى
دى لطفلة مصرية سمرا
كانت من اشطر تلاميذى
دمها راسم زهرة
راسم راية ثورة
راسم وجه مؤامرة
راسم خلق جبارة
راسم نار
راسم عار
ع الصهيونية والاستعمار
والدنيا اللى عليهم صابرة
وساكتة على فعل الاباليس
الدرس انتهى
لموا الكراريس
ايه رأى رجال الفكر الحر
فى الفكرة دى المنقوشة بالدم
من طفل فقير مولود في المر
لكن كان حلو ضحوك الفم
دم الطفل الفلاح
راسم شمس الصباح
راسم شجرة تفاح
فى جناين الاصلاح
راسم تمساح
بالف جناح
فى دنيا مليانة بالاشباح
لكنها قلبها مرتاح
وساكتة على فعل الاباليس
انتهى الدرس
لموا الكراريس
ايه رايك ياشعب ياعربى
ايه رايك يا شعب الاحرار
دم الاطفال جايلك يحبى
يقول انتقموا من الاشرار
ويسيل ع الاوراق
يتهجى الاسماء
ويطالب الاباء
بالثأر للابناء
ويرسم سيف
يهد الزيف
ويلمع لمعة شمس الصيف
فى دنيا فيها النور بقى طيف
وساكتة على فعل الاباليس
الدرس انتهى
لموا الكراريس
قصيدة محمد طه البدحي
إن كُـنـتو نسيـتو إللّى جــرا
هـاتو الـجـرايـد تـنـقـرا
نرجع سوا بالذاكره
أول صفحه بخط كبير
صورالدمار والمجزره
فاكرين عيال بحر البقر
إقرا وسمعنا الخبر
إفتح وفرجنا الصور
فى الصبح كان بعد الطابور
الجو صاحى والدنيا نور
والكل كان حيّـا العلم
كل الصغار دخلوا الفصول
وكانت الحصه ابتدت
وفـ لحظه كانت مجزره
كل العيال بين التُخـِـت
صبحوا جثث متنـتوره
صوت القنابل جلجلت
والأرض فجأه إتزلزلت
والدنيا نار وشعللت
تحت الحطام ضاعوا الصغار
وسط الخراب وسط الدمار
دخان غبار ولهيب ونار
لسه الأيدين ماسكه القلم
أصوات أنين وآهات ألم
ودى شنـطه أهيّـه
ودا سندويتش وزمزميه
ودى بنت لسّه صُـغيـّره
وشعورها حلوه مضفرّه
واخده أخوها في حضنها
ودمه سايل عا التراب
بيجرى ناحية دمها
ودى أم جايـّه من بعيد!
تصرخ وتبكى فين ولـيـد؟
قلبى ضنايا إبنى الوحيد
وبإيدها ترفع في الحطام
وعايزه تاكل في الحديد
وبصوت حزين تصرخ وليـد
دا لسّه ابوك من كام سنه
فى الحرب برضه مات شهيد
والدم سال عالكراسات
وتـُهنا ونسينا اللى فـات
والقصه صـبحت ذكريات
دم العيال راح ونسيـتوه
حتى السلام بتشـحتوه
وطن الجدود هاتضـيـّـعوه
ياناس ياهوه يالاّ الـحـقـوه
ولسه بيقولوا ســــــلام
وعقدوا قمة الزعامات
بيانات وشجب وشعارات
عايزننا نخضع من ُسكات
عالم ضميرهم ضاع ومات
عالم ضميرهم ضاع ومات
كتب يكشف تشومسكي في هذا الكتاب ما دأب علي كشفه في كتابات سابقة من زيف الخطاب الأمريكي والإسرائيلي حول السلام في منطقة الشرق الأوسط، إذ يبرهن سلوك الإمبراطورية الأمريكية الصاعدة وحليفتها الصغري إسرائيل علي الأرض أن خطابهما عن السلام ليس أكثر من فقاقيع في فضاء المجتمع الدولي،
ويلاحظ تشومسكي مثلاً أن أحد مقومات النظام الأيديولوجي الأمريكي، هو أن تكون الصحافة انتقادية لإسرائيل والولايات المتحدة بشكل عرضي، لكنها حين تتحدث عن المتطرفين العرب فإنها تفتقر إلي أي قدر من الدماثة والموضوعية،
ومن ثم فإن مصطلحات مثل الإرهاب لا تقترب من تلك الأفعال التي تمارسها القوات الأمريكية في العراق أو أفغانستان علي بشاعتها وتصادمها مع قرارات الأمم المتحدة وتوجهات المجتمع الدولي، و هو الذي يسميه المؤلف إرهاب القرصان (في حالة إسرائيل) أو إرهاب الإمبراطور (في حالة الولايات المتحدة)، ولا يفكر المؤلف أن ثمة حوارًا يدور حول هذه الإشكالية في الميديا الأمريكية،
وحول النواتج الفاسدة لإمبراطورية الشر تلك، إلا أنه يبقي دائمًا في إطار الدوائر المسموح بها والتي لا يجوز تجاوزها، وكخط أحمر، فإن مقاومة الجيش المحتل أو مرتزقته المحليين تعد إرهابًا يستحق انتقامًا قاسيا، لكن نظرة تشومسكي المنصفة تستطيع أن تري دائمًا الدوافع الحقيقية خلف ردود الأفعال العنيفة للفعل الإسرائيلي أو الأمريكي،
فإذا كانت الصحافة الإسرائيلية والأمريكية ركزت علي ما قام به سليمان خاطر في أكتوبر 1985 من قتله لسبعة سائحين إسرائيليين واصفة تلك الفعلة بأنها جريمة وحشية،
فقد أعاد تشومسكي التذكير بالقصف الإسرائيلي الوحشي لقرية بحر البقر المصرية والتي راح ضحيتها 47 من تلاميذ مدرسة بحر البقر الابتدائية، وهي القرية التي ينتمي إليها خاطر، لكن ذلك كله يغيب عن الميديا التي تغذي إرهاب الأباطرة والقراصنة، ولا يحضر إلا وصفها من يدافعون عن حقوقهم ضد صلف القوة وبطش المحتل بأنهم إرهابيون.
عبر سبعة فصول يكشف تشومسكي عن سياسات الخداع والكيل بمكيالين والتي تجد تجلياتها الفاضحة في وسائل الإعلام الصهيونية.