هل تعد الحرب والصراعات قضية ذاتية وجوهرية أم تبعية وعرضية؟ هل الحرب تعد ضرورة ناجمة عن الإجبار أم اختيار ناجم عن الضرورة؟ هل الحرب قضية لا مفر منها ولا تنفصل عن المجتمعات البشرية أم يمكن الاجتناب منها، وإبعادها عن المجتمعات الإنسانية؟ يمكن الإجابة على هذه الأسئلة من مختلف الزوايا.
فمن منظار الداروينية ان نظام الطبيعة قد امتزج مع أساس صراع البقاء وان الصراع جزء لا يتجزأ من هذا النظام، فان تطور الأنواع لم ولن يتم إلا بصراع البقاء بين مختلف أنواع الحيوانات في الطبيعة، ان البشر كونهم جزء من هذا النظام متأثرون بأساس صراع البقاء ويعيشون دوما حالة صراع وحرب مع القوى الطبيعية ومع المنافسين الأقوياء من الحيوانات الأخرى، على هذا فان الصراع على البقاء مؤسس ومنظم في ذات الإنسان وتحول إلى سمته الطبيعية، وان الإنسان كونه من أنواع الكائنات الطبيعية، يتبنى سلوكا مؤسسا على ذاته وعلى أساس ضرورة الحياة، مع هذا فان الفارق الجوهري الذي يميز الإنسان من الكائنات الأخرى في الطبيعة، يتجلى في تطور فكره وآلياته أسلوبها بغية البقاء والحفاظ على كيانه، وذلك باستخدام أنواع الآليات غير العدائية والسلمية، في الحقيقة ان تاريخ الحرب يمتد إلى الإنسان البدائي وعصر الحجر ليصل فترة الإنسان الحديث، مع هذا فان الحرب والصراع في المجتمعات الإنسانية تحولا من أول خيار والخيار الوحيد إلى آخر خيار من الخيارات المتوفرة بيد الإنسان.
ليس من قبيل المبالغة تاريخيا لو قلنا بان الحرب والصراع هما أهم ظاهرة وأكثرها تأثيرا في تاريخ البشر، ان دراسة تاريخ الحضارة يعني دراسة الحرب وتأثيراتها وتداعياتها وتطوراتها اللاحقة، ان الحروب تعد مبدأ التاريخ وان الفترات التاريخية المهمة تنقسم إلى قبل الحروب وبعدها، ومنها عصر الحرب الباردة وما بعدها وحروب نابليون وما بعدها وبالرغم من المصائب والكوارث الناجمة عن الحروب فان البشر والمجتمعات الإنسانية وجد طريقه من جوف تلك الحروب والصراعات، وسار نحو التطور.
من منظار الهوية والثقافة فان الحروب والصراعات تشكل أهم العناصر المكونة للهوية القومية ومن أقوى المكونات الثقافية للشعوب والأمم، فان أساطير الأقوام والقبائل والشعوب هي أبطال ساحات الحرب، واهم ملامح الشعوب هي ملامح المحاربين ورموز الانتصار، فان ساحة الانتصار تشكل في اغلب المدن الأوروبية والعالم المتحضر كما يطلق عليه، أهم معالم ساحات المدن الحديثة، فلدى كل المجتمعات والشعوب تعد الحروب أهم ذاكرة مشتركة وعنصر الهوية، إذ ان رمز الجندي المجهول ومقبرة القتلى في الحرب تحظى بمكانة خاصة لدى كل الشعوب، وان الكتب التاريخية مليئة بمفاخر الحروب وان الحروب تشكل مفخرة للمنتصر وسبب التضامن الاجتماعي وتعزيز الهوية وتجلي طموحات الشعب، كما تعد للمغلوب وسيلة شرعية لأخذ الثأر واستعادة المكانة القومية.
عقائديا وإيديولوجيا تعد الحرب قيمة للدفاع عن الحق وتحقيق الطموحات وتفوق العقيدة، فمنذ الأساطير الإغريقية المليئة بالحروب بين مختلف أنواع الآلهة حتى أيديولوجية الماركسية المؤسسة على التعارض الطبقي، نعثر على الحرب والصراع بوضوح، وفي الأيديولوجيات المؤسسة على القومية وشكلها المتطرف أي الشوفينية، تتحقق اكبر المفاخر القومية بالحرب، وتعد الحروب سببا لاستمرار الهوية وكيان شعب ما، وتفوقه على الشعوب الأخرى، كما ان فلسفة الأديان الإلهية الجوهرية التي وردت في الكتب المقدسة وعلى يد الأنبياء، كانت تهدف إلى السيطرة على غريزة التسلط لدى البشر، ان الدين كونه أكثر الظواهر انتشارا في المجتمعات وأكثرها نفوذا، يحمل في طياته السلام، وبالرغم من هذا فان صراع المؤمن وحربه مع قوى الشر وجهاده مع ذاته والعالم الخارجي، يعد من التعاليم الدينية ولم تقم الأديان برفض الحرب إنما عدته مشروعا دفاعا عن النفس وعن القيم الدينية والعقائدية، إذ عد الجهاد الدفاعي قيمة ومقدسا.
من منظار نظرية العلاقات الدولية وخاصة نظريات التيار الرئيس أي الواقعية والليبرالية، فان الحرب تعد حقيقة في النظام الدولي، إذ كانت لها حضورها طيلة التاريخ بين الوحدات السياسية أي الدول والشعوب والإمبراطوريات واللاعبين، فان الواقعية ترد بلا على سؤال مفاده هل يمكن تجنب الحرب، وتركز على الذات الإنسانية المتشائمة، وتعتمد على الأسس النظرية للنزوع نحو السلطة وتضخيم الأمن، وفي المقابل يأتي رد الليبرالية الحاملة لنظرة متفائلة تجاه ذات الإنسان المسالم وتعتمد على مكونات التعاون والمأسسة والمصالح المشتركة، على نفس السؤال إيجابيا.
فمن أي منظر نظرنا إلى الحرب نراها تعكس واقعا مريرا وصورة عنيفة لحياة المجتمعات الإنسانية، طيلة التاريخ البشري، بالرغم من هذا فإنها وعلى غرار الظواهر الإنسانية والاجتماعية الأخرى لها مسار تطوري مختلف، إذ نرى هناك ثلاثة تطورات حدثت في مفهوم الحرب وحقيقتها طيلة مختلف القرون، أولها ان الحرب لم تعد الوسيلة الوحيدة لحلحلة الخلافات بين البشر، فان المجتمعات تبنت أساليب مختلفة لحلحلة الخلافات، وان الحرب تعد آخر الحلول، ثانيا ان الحرب لم تعد قيمة سامية، يمكن تحقيق الفخر القومي بها، ثالثا ان الحرب لم تتلخص في إطارها العنيف والعسكري، فاليوم ان حرب المعلومات والحرب الاقتصادية والإعلامية والسايبرية تجري بشدة وحدة، ومن خلالها يمكن للدول ان تحقق أهدافها ونواياها دون اللجوء إلى القوة، ان الحرب والصراع حقيقة حياة البشر لا يمكن رفضها إذ لن تنتهي إنما تنتقل من صورة إلى أخرى.
المصدر: موقع ديبلماسي إيراني
————————
المقالات والتقارير المنقولة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع