مجلس الأمن منصة دولية لتبرير الحرب والحصار على اليمن
أولاً: القرارات الممهدة للقرار (2140):
•الأهداف المعلنة:
بدأ مجلس الأمن إظهار اهتمامه بالشأن اليمني بإصدار القرار رقم (2014) الذي اتخذه مجلس الأمن في جلسته (6634) المعقودة في 21 أكتوبر 2011م بعد صمت استمر (17) عاماً منذ آخر قرار صدر في 1994م.
أكد القرار (2014) التزام المجلس بوحدة اليمن وسيادته واستقلاله وسلامة أراضيه، ومطالبته لـ”كافة الأطراف بالامتناع فورا عن استخدام العنف وسيلة لبلوغ أهداف سياسية”، الالتزام الذي ناقضه مباشرة في الفقرة التالية التي نسف فيها التزامه بسيادة اليمن واستقلاله من خلال تشجيعه على التدخل الخارجي في شؤون اليمن الداخلية وذلك بترحيبه بدعوة مجلس التعاون الخليجي للرئيس علي عبدالله صالح “التوقيع فوراً على مبادرة مجلس التعاون الخليجي وتنفيذها”(1).
أما في القرار (2051) لسنة 2012م الذي اتخذه مجلس الأمن في جلسته (6784) المعقودة في 12 يونيو 2012، فقد أكد الالتزام السابق بقوله “وإذ يعيد تأكيد التزامه الشديد بوحدة اليمن وسيادته واستقلاله السياسي وسلامته الإقليمية”! بدأ مجلس الأمن قراره هذا بتغيير في التزامه فلم يذكر سلامة أراضيه، وإنما استبدلها بـ “سلامته الإقليمية”، في إشارة خطيرة جداً لإغفال حق واضح وصريح لسلامة الأراضي والذي يشمل سلامتها من أي غزو أو احتلال أو قصف أو تقسيم، واستبداله بمصطلح “السلامة الإقليمية”، والذي يعني: “الحيلولة لعدم تأسيس حركات انفصشالية أو تغييرات حدودية”(2).
كما جدد التأكيد أن هدفه الرئيسي هو إنجاح ودعم عملية انتقال السلطة، والترحيب بجهود الأمين العام ومستشاره الخاص جمال بنعمر في الصدد ذاته وإسداء المشورة للأطراف “بالأخص في إطار دعم عملية الحوار الوطني”(3).
أ- مبررات تدخله في اليمن:
كافة الإشكاليات التي استعرضها مجلس الأمن في قراريه (2014، 2051) وقدم التوصيات حولها لم تتجاوز الإطار اليمني ولا تتعدى الشؤون اليمنية حالها حال بقية البلدان التي حصلت فيها انقلابات وثورات وتغييرات سياسية من خلال تحركات شعبية جماهيرية تعبر عن إرادة الشعب وممارسته لحقه في حرية التعبير وحرية تقرير المصير، فقد أكد المجلس في القرار (2014) أن الأزمة في اليمن يكمن حلها في “عملية انتقال سياسية شاملة تستجيب لمطالب الشعب اليمني وتطلعاته المشروعة إلى التغيير”، ويعتبر هذا اعترافاً صريحاً وواضحاً من مجلس الأمن أن الأزمة وما يمر به اليمن من مخاض سياسي هو شأن داخلي، وعزز المجلس ذلك في ديباجة القرار التي ذكر فيها الكثير من المعالجات التي لا تتعدى الوضع الداخلي اليمني مثل الانتقال السلمي للسلطة وإجراء انتخابات مبكرة إلى جانب إدانته لانتهاكات السلطة واعتدائها على المواطنين(4).
• الوضع اليمني الداخلي يشكل تهديدا على الأمن والاستقرار الإقليميين!
بدأ مجلس الأمن محاولة التأسيس لتشريع التدخل في الشؤون الداخلية عبر الفقرة الأخيرة من ديباجة القرار (2014) والتي جاء فيها: “وإذ يدرك مسؤوليته الرئيسية في مجال صون السلم والأمن الدوليين بموجب ميثاق الأمم المتحدة، وإذ يشدد على التهديدات التي يشكلها للأمن والاستقرار الإقليميين تفاقمُ الحالة في اليمن في ظل غياب تسوية سياسية دائمة”، مثلت هذه الفقرة إجراءً استباقياً سيئ النية من مجلس الأمن، الغرض منه اقناع العالم بأن غياب التسوية السياسية الدائمة في اليمن سيشكل تهديداً على الأمن والاستقرار الإقليميين مبدئياً ولم يستطع التصريح بأن ما أسماه “غياب تسوية سياسية دائمة”، تشكل تهديداً على الأمن والاستقرار الدولي.
لم يأتِ المجلس في قراره (2014) بشاهد واحد على الأفعال التي هددت الإقليم، فلم يعتدِ اليمنيون بمختلف توجهاتهم على مصالح دولية ولا على الممرات البحرية ولم تقدم السلطة أو القوى الوطنية او الثورية على أي فعل عدواني ضد أي دولة في الإقليم.
• هجمات القاعدة على أجزاء من اليمن وموقف المجلس منها:
توافق المجتمع الدولي على أن “الإرهاب”، يعتبر من أشد الأخطار التي تهدد السلام والأمن الدوليين ولم يكن أمام مجلس الأمن من مبرر سوى إقحام نشاط القاعدة لإظهار أن تحركاتها في اليمن تُعد تهديداً على الأمن والسلم الدوليين، وإصراره على دعم قائد الفرقة الأولى مدرع “علي محسن الأحمر”، وفرضه على الثوار اليمنيين رغم علمه بأنه أكبر الجنرالات في اليمن المتهمين بدعم القاعدة، كل ذلك مع تأكيده أن هجمات القاعدة المزعومة لم تتعدَ الأراضي اليمنية، وجاء ذلك في القرار (2014) بصريح العبارة: “وإذ يعرب كذلك عن القلق الشديد من زيادة التهديد الذي يمثله تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وخطر حدوث هجمات إرهابية جديدة في أجزاء من اليمن، وإذ يؤكد من جديد أن الإرهاب بشتى أشكاله ومظاهره يعد واحداً من أشد الأخطار التي تتهدد السلام والأمن الدوليين وأن أي أعمال إرهابية هي أعمال إجرامية وغير مبررة أياً كانت دوافعها”، أمام هذا القلق الشديد – على حدّ تعبير – القرار اكتفى مجلس الأمن بإدانة الهجمات التي أسماها “إرهابية وغير إرهابية”، التي تستهدف البنى التحتية الاقتصادية على وجه الخصوص، فكان إقحامه للقاعدة وللإرهاب مبرراً واهياً ومفضوحاً ومرفوضاً للتدخل في اليمن، خاصة مع إعلان جميع القوى اليمنية رفضها ومواجهتها لنشاط القاعدة، وإثباتها بعد ذلك فعلاً قدرتها على إنهاء وجودها في مختلف المحافظات غير الواقعة تحت احتلال قوات التحالف(5).
كما لم يتعدَ موقف مجلس الأمن في قراره (2014) بخصوص قتل المتظاهرين والاعتداء عليهم سوى إدانة ضعيفة اللهجة بدون الإشارة إلى بشاعة الجرائم وإدانة مرتكبيها وتهديدهم ولو بالحد الأدنى بإعلان نية المجلس فتح تحقيق في تلك الانتهاكات والجرائم، كما يصدر عنه عادةً أمام هذه الجرائم حال وقوعها في دول أخرى!، وإن كان طالب بعد ذلك “كافة الأطراف بالامتناع فوراً عن استخدام العنف وسيلة لبلوغ أهداف سياسية”، هذا المطلب نفسه انقلب عليه مجلس الأمن في قراراته ومواقفه اللاحقة التي أيد وبارك فيها جهود المملكة العربية السعودية وتحالفها الذي قام بشن حرب عدوانية على اليمن لبلوغ أهداف سياسية أعلنها هدفاً لعدوانه الذي راح ضحيته عشرات الآلاف من اليمنيين جلهم من النساء والأطفال.
أما القرار (2051) 2012 فقد ركز مجلس الأمن على إدانة وإبراز ما أسماها “الهجمة التي وقعت في صنعاء 21 مايو 2012”، وهي جريمة انتحارية استهدفت تدريبات عسكرية لجنود يتبعون “الأمن المركزي”، في ميدان السبعين بصنعاء، بعد أن قام أحد الجنود بتفجير نفسه، وتبنى تنظيم القاعدة هذا التفجير. (6) وهي الجريمة التي استغلها مجلس الأمن لترسيخ مبرره في قراره السابق (2014)، بأن هجمات تنظيم القاعدة في اليمن تهدد “السلام والأمن الدوليين”، وإن لم يذكرها صراحة، حيث ربط الحادثة بعبارته المكررة في كافة قراراته “إن الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره يشكل أحد أفدح الأخطار التي تهدّد السلام والأمن الدوليين”، هذه الإشارة وردت في بيان إدانة الحادثة الذي صدر من مجلس الأمن في حينه لإدانة الجريمة، وجاء فيه: “إن أعضاء مجلس الأمن يؤكدون أن الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره يمثل أحد التهديدات الخطيرة للأمن والسلم الدوليين وأن أي عمل إرهابي إجرامي وغير مبرر بصرف النظر عن دوافعه ومن ارتكبه وأينما ارتكب”(7).
كل ذلك التكرار ظهر هدفه جلياً في محاولة مجلس الأمن نشر حالة من الإرهاب الإعلامي ونشر الذعر على المستوى الدولي بأن الوضع الأمني في اليمن صار فعلاً يهدد السلام والأمن الدوليين، حتى وإن كانت تلك الجرائم والأحداث مازالت في إطار داخلي، كما أن تنظيم القاعدة لم يعلن عن أهداف غير داخلية (8).
• استمرار تدهور الحالة الإنسانية والأمن في اليمن حالة تهدد سلام وأمن المنطقة:
لم يعلن مجلس الأمن في قراره (2051) صراحة أن الوضع في اليمن وتفجيرات القاعدة تهدد السلام والأمن الدوليين، ولكنه استغل تفجير 21 مايو 2012م بإعلان أن “استمرار تدهور الحالة الإنسانية والأمنية في اليمن هي حالة تهدد السلام والأمن في المنطقة”، عازياً ذلك إلى ضرورة تنفيذ المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، كما طالب المجلس بإيقاف جملة من الأعمال الداخلية في اليمن قال إنها “تهدف إلى تقويض حكومة الوفاق الوطني وتقويض عملية الانتقال السياسي”، في اعتراف صريح منه بأنها أعمال تستهدف الوضع السياسي اليمني وليس لأي دولة أخرى، ولكنه وبدون إيراد أي حجة منطقية أو مبرر يستند للعرف أو القانون الدولي، أعلن عن أن هدفه من كل ذلك التدرج في التبرير بأنه “يعرب عن استعداده للنظر في اتخاذ مزيد من التدابير، بما في ذلك اتخاذ تدابير بموجب المادة 41 من ميثاق الأمم المتحدة إذا استمرت هذه الأعمال”،(9) هذه الفقرة شكلت تهديداً واضحاً بإدخال اليمن ضمن إجراءات الفصل السابع إذا لم تلتزم مختلف القوى الوطنية في اليمن بالخطة الخليجية لتقرير مصيره وكانت إعلاناً صريحاً وجريئاً بمخالفة ميثاق الأمم المتحدة في مهام المجلس ومخالفته لقرارات الأمم المتحدة القاضية بعدم ممارسة صلاحياتها في التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة مادام وضعها لا يهدد فعلاً الأمن والسلم الدوليين ولم تعتد على أي دولة أخرى، عوضاً عن فداحة جريمة التهديد لفرض نظام سياسي وتحديد مصير شعب رغماً عنه.