قتلت أكثر من 800 ألف وشردت 37 مليون إنسان.. كيف نصبت أمريكا نفسها “شرطي” العالم؟

في الحادي عشر من الشهر الجاري صدر قرار من الرئيس الأمريكي جو بايدن ينص على تجميد سبعة مليارات دولار من أموال البنك المركزي الأفغاني المودعة في مؤسسات مالية أمريكية ويعطي للولايات المتحدة حق التصرف في هذه الأموال على النحو التالي، نصف المبلغ ينفق كمساعدات إنسانية للشعب الأفغاني والنصف الآخر يقدم كتعويضات لضحايا الحادي عشر من سبتمبر/أيلول.

لأول وهلة حين قرأت هذا الخبر، لم أحتج أن أدقق النظر ولا أن أعرضه للتحليل السياسي، لأنه بكل بساطة “بلطجة” تشبه تلك البلطجة التي نعهدها في بلادنا من أفراد يعرفون بهذه الصفة ونعهد تصرفاتهم وأقوالهم في النواحي المالية.
ولكن البلطجة الأمريكية هي “بلطجة” من نوع آخر، إنها بلطجة عالمية تم التعبير عنها بمصطلح “شرطي العالم”، وهو مصطلح يُجَمِّل الصورة الأمريكية، حيث لفظة الشرطي تعني “الذي يفرض الأمن ويعطي نفسه حق التدخل لتحقيقه”، لكن سياسة الولايات المتحدة على الأقل في عالمنا العربي والإسلامي كانت بخلاف ذلك.
ينظر إلى الولايات المتحدة نظرة سلبية في تعاملها مع القضايا العربية والإسلامية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، حيث ناصرت الولايات المتحدة الكيان الصهيوني باستمرار وأعطته دعماً سياسياً وإعلامياً ومالياً غير محدود ودعمته في المحافل الدولية باستمرار وقدمت غطاءً سياسياً لكل جرائمه ودافعت عنه وكأن هذا الكيان هو أمريكا ذاتها، فكانت سياساتها إجرامية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وهذا لا يخفى على أي متابع.

كانت فلسطين مبدأ القضايا التي “بلطجت” فيها أمريكا على العالمين العربي والإسلامي، ثم جاءت بعد عقود قضايا أفغانستان والعراق، حيث تم غزو الأولى بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول عام 2001 والثانية في عام 2003 بحجج وادعاءات ثبت كذبها عن وجود أسلحة دمار شامل في العراق وبالنظر لحجم الخسائر التي تكبدها العالم الإسلامي جراء هذه الحروب الإجرامية نجد أنها مكلفة لهذه الشعوب بالشكل الذي يجب على الولايات المتحدة أن تقدم تعويضات لهذه الشعوب لا أن تأخذ من أموالها أو تجمدها.
ففي مقال كُتب في صحيفة “New york times” ترجم بواسطة موقع الجزيرة  ذكر فيه “تشير تقارير لمعهد واتسون للشؤون الدولية والعامة التابع لجامعة براون، إلى أن حروب أمريكا التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، أسفرت عن مقتل أكثر من 800 ألف شخص وتشريد 37 مليوناً آخرين وأنها كلفت نحو 6.4 تريليونات دولار.

إذاً فحجم الخسائر في الأرواح التي تكبدتها تلك الشعوب في مواجهة “البلطجة الأمريكية” لا تستطيع أمريكا أن تعوضه، وبدلاً من ذلك تستمر في سياستها وتقوم بسلب أموال هذه الشعوب وأصول دولهم.

و هذه “البلطجة” كما لم تسلم منها الشعوب الإسلامية والعربية، لم تسلم منها أيضاً شعوب أمريكا اللاتينية، ففي بلدان المخروط الجنوبي في أمريكا الجنوبية قامت انقلابات عسكرية أقامت ديكتاتوريات منذ حقبة الستينيات وحتى أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، كانت هذه الديكتاتوريات العسكرية تحظى بدعم واضح من الولايات المتحدة في مواجهة اليسار المتصاعد في ذلك الحين، وذلك في إطار الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي.

وفي عام 1975 تم إنشاء تنسيقية عسكرية “سرية” بين دول المخروط الجنوبي لأمريكا الجنوبية سميت باسم (operacíon condor) وتعني “عملية الكوندور” والأخير نوع من الطيور الجارحة في أمريكا اللاتينية. أقيمت تلك التنسيقية بهدف القضاء على المعارضة اليسارية في هذه الدول، شاركت الاستخبارات الأمريكية في دعم هذه التنسيقية، بل هناك روايات تتحدث عن مشاركتها بشكل مباشر في حملات القمع والتعذيب ضد المعارضين لهذه الأنظمة، وبلغ حجم ضحايا (operacíon condor) ما يقارب الـ60 ألف معارض موزعين على هذه البلاد طبقاً لهيئة بي بي سي البريطانية.

هذا ما استنتجته حسب ما قرأته وما علمته، وإلا فإن المتخصصين والمتابعين للسياسة الأمريكية في القديم والحديث سيجدون ما يثبت هذه “البلطجة” بشكل واضح لا لبس فيه، فأمريكا ليست جنة السلام ولا الشرطي الذي يوفر الأمان للعالم أو المحامي الذي يدافع عن الحقوق الإنسانية بتفانٍ، لكنها الدولة التي تتصرف وفقاً لمصالحها حتى ولو على حساب أرواح الناس وثروات الشعوب.

*مراد السيوفي- عربي بوست

– المقالات المنقولة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع

قد يعجبك ايضا