احتجاز للسفن وابتزاز للشركات وغرامات تفوق ثمن الجمركة
تعاني البلاد أزمة خانقة في المشتقات النفطية، اعتبرت الأشد منذ منع تحالف العدوان دخول الوقود عبر ميناء الحديدة، حيث أعلنت المحطات نفاد مخزونها من المشتقات النفطية، وتقف مئات المركبات في طوابير طويلة أمام هذه المحطات، أملاً في وصول شحنات من المشتقات النفطية خلال الأيام القادمة، فيما أبلغ مندوبو محطات الكهرباء التجارية المشتركين في أحياء عدة من العاصمة صنعاء، بأن تلك المحطات ستضطر إلى قطع التيار لساعات خلال اليوم والليلة، نتيجة لنقص الديزل المشغل لهذه المحطات.
استطلاع / يحيى الربيعي
أزمة وقود تعصف بعموم المحافظات اليمنية، نتيجة لممارسات وإجراءات ثنائي الأزمات الاقتصادية والمعيشية في اليمن، التحالف السعودي الإماراتي، لم تسلم منها حتى المدن التي تضم الموانئ التي حددت لاستقبال سفن المشتقات النفطية، ناهيك عن المحافظات المنتجة للنفط كشبوة وحضرموت.
وتأتي الأزمة الحالية، في أعقاب قرار حكومة المرتزقة أواخر ديسمبر الماضي، حصر توزيع وتسويق وبيع المشتقات النفطية الموردة في السوق المحلية على فرع شركة النفط اليمنية بعدن، وهو القرار الذي يحرم شركة النفط اليمنية المركز الرئيس بصنعاء وفروعها في بقية المحافظات التابعة لحكومة صنعاء من استيراد النفط وتوزيعه، كما يمنع على التجار استيراد النفط إلى هذه المحافظات، الأمر الذي حذر اقتصاديون حينها من أنه سيترتب عليه تأثيرات كارثية جراء نقص إمدادات الوقود أو انعدامها.
وجاء قرار حكومة المرتزقة بعد مضي عام ونصف من المعاناة التي يعيشها المواطنون في هذه المحافظات، جراء احتجاز قوى التحالف وحكومة المرتزقة سفن النفط المتجهة إلى ميناء الحديدة، وما نتج عن ذلك الإجراء من نقص حاد في إمدادات الوقود، ضاعف من معاناة المواطنين، وبات يمثل تهديداً حقيقياً بوقف العديد من القطاعات الحيوية والإنتاجية والخدمية، وعلى رأسها قطاع الصحة الذي يهدد تعطله، جراء نقص الوقود، حياة الآلاف من المواطنين.
طوابير طويلة
توقف مئات المركبات أمام محطات الوقود في صنعاء وبقية المحافظات اليمنية الحرة في طوابير طويلة، أمر اضطر ذوي الحاجات الطارئة اللجوء إلى الشراء من السوق السوداء التي ارتفعت فيها أسعار المشتقات النفطية في السوق السوداء إلى مستويات قياسية، ليصل سعر العبوة سعة 20 لتراً إلى 30 ألف ريال يمني.
وأصبح من المؤسف في صنعاء، مشاهدة من يحملون بأيديهم علب الماء ذات العبوات المختلفة، وقد أعيدت تعبئتها بالبنزين، وهم يقفون على قارعة الطريق لبيعها لأصحاب السيارات، خاصة سيارات الأجرة والنقل المتوسط.
وفاقمت أزمة المشتقات النفطية من معاناة قطاعات واسعة من سكان مناطق اليمن، حيث تضاعفت أسعار المواصلات والمواد الاستهلاكية الأساسية، وتهدد المستشفيات والمرافق الصحية بالتوقف، وكذلك محطات شبكة الصرف الصحي، ناهيك عن تسبب ارتفاع الأسعار في مشاكل للطلاب، وصغار الموظفين، ومحدودي الدخل، في ظل أزمة انقطاع الرواتب عن معظم مرافق الدولة.
مسلسل تعسفي
من جهته، أكد المتحدث الرسمي باسم شركة النفط اليمنية بصنعاء، عصام المتوكل، في تصريح لوسائل الإعلام، أن مسلسل احتجاز السفن يسير بالأسلوب السابق نفسه، والمتمثل في «القرصنة على السفن النفطية»، مبيناً أنه خلال العام الماضي 2021م، لم يتم السماح سوى بدخول 5 سفن نفطية للاستهلاك العام.
وأضاف المتوكل أن التحالف «لا يزال يحتجز 6 سفن نفطية، جميعها تم تفتيشها وحاصلة على تصاريح دخول من الأمم المتحدة، رغم ذلك تمت القرصنة عليها في المياه الدولية، مع أنها تحمل طابعاً إنسانياً، وليس لها علاقة بالجانب العسكري أو السياسي ويستفيد منها كل أبناء الشعب اليمني».
وقال متحدث شركة النفط: «نحن نعيش هذه الأيام أزمة خانقة في المشتقات النفطية، وتعتبر الأشد منذ ارتفاع وتيرة الحصار»، مرجعاً السبب في ذلك إلى أن المواد النفطية التي كانت تصل من مناطق سيطرة التحالف وحكومة المرتزقة، لم تكن تمثل سوى ما نسبته 25 % من الاحتياج الفعلي للمناطق المحررة، والتي بحسب المتوكل «لم تعد تصل إلينا بسبب عدم توفر تلك المواد في تلك المناطق المحتلة، وبالتالي فإن الشعب اليمني اليوم يعاني من أزمة خانقة في المشتقات النفطية في كل مدن الجمهورية اليمنية».
انتقام من اليمن
وعلى الصعيد ذاته، تعيش المحافظات الواقعة تحت سيطرة التحالف وحكومة المرتزقة، متوالية أزمات اقتصادية ومعيشية، يأتي على رأسها شح الوقود والغاز المنزلي، وهي المحافظات التي على الأقل كان من المفترض ألا تخضع الإمدادات والواردات إليها لأي قيود، كون من يفرض القيود على الواردات إلى اليمن هو الطرف المسيطر عليها إلا أن الحقيقة تقول أنها حكومة انتقام من كل اليمنيين.
تكبر المقارنة بين الأزمات التي تعيشها مناطق سيطرة التحالف وحكومة المرتزقة، وبين الأوضاع في صنعاء والمحافظات الشمالية من البلاد، التي يفرض التحالف وحكومة المرتزقة قيوداً على الواردات إليها، ويمنع دخول السفن وعلى رأسها سفن الوقود والغاز المنزلي إلى ميناء الحديدة، الذي يعد الشريان الوحيد لتدفق الواردات إلى تلك المحافظات.
منذ يونيو 2020م يواصل التحالف وحكومة المرتزقة منع دخول سفن الوقود إلى ميناء الحديدة، عدا بضع سفن دخلت إلى الميناء بفارق زمني كبير بين كل سفينة وأخرى، فيما غادرت غالبية السفن المكان الذي تحتجزها فيه قوى التحالف، بكامل حمولتها، بعد تراكم غرامات التأخير، بما يفوق ثمن الحمولة.
احتجاز التحالف للعشرات من سفن الوقود خلال أكثر من عام ونصف، ومنعها من الدخول إلى ميناء الحديدة، رغم خضوعها للتفتيش وفقاً للآلية الأممية المعتمدة للتفتيش والتحقق، وحصولها على جميع التصاريح اللازمة من قبل بعثة التفتيش الأممية، تسبب في أزمات خانقة في الوقود عانت منها جميع المحافظات المحررة، باتت معها غالبية القطاعات الحيوية الهامة وعلى رأسها قطاع الصحة، مهددة بالتوقف، فيما تعطل العمل في الكثير من القطاعات الإنتاجية والخدمية، وتسبب ذلك في خسائر اقتصادية بعشرات ملايين الدولارات كغرامات احتجاز وتأخير ناهيك عن الخسائر غير المنظورة في الإنتاج والحركة اليومية لحياة المواطن.
احتجاز وغرامات
وكانت وزارة النفط والمعادن، أكدت في مؤتمر صحافي لها في 8 ديسمبر الماضي، أن عدد سفن المشتقات النفطية التي احتجزها التحالف منذ 2018م، بلغ 167 سفينة، وخلال 2021 بلغ 21 سفينة، 7 سفن منها اضطرت للمغادرة ووصلت غراماتها 17 مليوناً و166 ألف دولار.. كما بيّنت الوزارة أن عدد سفن الغاز المنزلي المحتجزة خلال عامي 2020 و2021م بلغت 12 سفينة، وإجمالي غرامات احتجازها 13 مليوناً ونصف المليون دولار تقريباً.
خسائر وإجراءات
وفي صنعاء، باتت غالبية القطاعات الحيوية الهامة وعلى رأسها قطاع الصحة، مهددة بالتوقف، فيما تعطل العمل في الكثير من القطاعات الإنتاجية والخدمية، وتسبب ذلك في خسائر اقتصادية بملايين الدولارات.
شركة النفط اليمنية في صنعاء نفذت العديد من أنشطة الرقابة المكثفة على المحطات ومصادر تمويلها بالوقود في ظل تفاقم الآثار الكارثية الناتجة عن الحصار الأمريكي السعودي على أبناء الشعب اليمني والقرصنة على سفن المشتقات النفطية.
واتخذت جملة من الإجراءات بما في ذلك المتعلقة بالحد من تهريب المواد النفطية بالتعاون مع الجهات المختصة فضلا عن التدابير الهادفة إلى تقديم الخدمة للمواطنين والتخفيف من معاناتهم رغم شحة المواد المتوفرة نتيجة الحصار الجائر.
وأكدت الشركة في عدد من بياناتها أن استمرار أمريكا بفرض الحصار على اليمن واحتجاز السفن النفطية – رغم حصولها على التصاريح الأممية بعد تفتيشها من قبل بعثة التحقق والتفتيش التابعة للأمم المتحدة- يعد جريمة حرب أسقطت قناع الإنسانية عن الوجه الأمريكي المتوحش.
محذرة من خطورة التداعيات الكارثية للقرصنة الأمريكية على سفن الوقود وفي مقدمتها ارتفاع الأسعار وزيادة تردي الوضع المعيشي ومضاعفة معاناة أبناء الشعب اليمني.
ولفتت إلى شمولية تلك الأضرار المباشرة وغير المباشرة وتأثيرها الفادح على جميع القطاعات الحيوية وأهمها الصحة والكهرباء والمياه والصرف الصحي والنظافة والنقل وغيرها من القطاعات الهامة.
ونوهت بأن على دول العدوان أن تتحمل مغبة الاستهتار بالوضع الإنساني المأساوي لأبناء الشعب اليمني واستمرار الحصار الخانق عليه.
انفراج شبه جزئي
وكان مدير فرع شركة النفط بأمانة العاصمة عبدالله الأشبط قد أعلن عن انفراج شبه جزئي للأزمة المشتقات النفطية بالأمانة ، مشيرا إلى توزيع 14 مليون لتر من مادتي البنزين والديزل خلال الأيام الماضية .
وقال الاشبط لـ (سبأ) ، أن هذه الكميات وزعت على 93 محطة لتلبية احتياجات السوق والقطاعات الحيوية والخدمية بمختلف مديريات أمانة العاصمة.
وأوضح أن آلية التوزيع ستستمر في توفير المشتقات النفطية لمديريات الأمانة بكمية مليون و500 لتر يومياً، مبينا أن استمرار توزيع مثل هذه الكميات خلال الفترة القادمة سيسهم في إيجاد استقرار تمويني وتخفيف معاناة المواطنين.
وطالب مدير فرع شركة النفط، المجتمع الدولي والأمم المتحدة للقيام بدورها للإفراج عن بقية السفن النفطية المحتجزة من قبل التحالف.
عرقلة وبيان
وعلى امتداد طول الأزمة، واصلت قبائل حضرموت منع مرور قاطرات المشتقات النفطية الواصلة عبر ميناء المكلا.
وقالت نقابة مستوردي المشتقات النفطية- في بيان لها- إنها تتابع بقلق بالغ ما يحدث من (عرقلة خروج قاطرات المشتقات النفطية التابعة للقطاع الخاص من محافظة حضرموت) والواصلة عبر ميناء المكلا تأخير عبورها إلى المحافظات الأخرى (مع العلم أن وصولها عبر ميناء المكلا أمر فرضته الضرورة جراء استمرار إغلاق ميناء الحديدة، وهو الأمر الذي حمّل المستوردين تكاليف إضافية ونفقات باهظة مقارنة باستيرادها عبر ميناء الحديدة.
وأوضحت النقابة أنها مع كافة المطالب الشعبية، وحقوق كافة أبناء الشعب اليمني في جميع المحافظات، لكنها في الوقت ذاته أكدت أنه لا صلة بين العمل الشعبي لتحقيق المطالب المشروعة، وبين منع مرور المشتقات النفطية الأساسية لحياة ملايين اليمنيين والتي تعود ملكيتها لتجار محليين من أصحاب المصانع وملاك المحطات النفطية ومحطات الكهرباء التجارية وغيرها من المشاريع المتعددة في شتى أرجاء الجمهورية والتي تعتبر عصباً وشرياناً لحياة الناس واحتجازها سيؤدي إلى حرمان فئات كبيرة من الشعب من حقوقها دون أدنى ذنب.
ولفت بيان النقابة إلى إن استمرار منع مرور القواطر يفاقم الأضرار والتي لم تعد تقتصر على التأخير والخسائر والتكاليف الإضافية التي يتحملها أصحاب المشتقات النفطية بل تتجاوزها إلى توقف الطلب على المشتقات المخزنة في ميناء المكلا ودفع المستوردون المزيد من أجور تخزين المواد في الميناء وزيادة مخاطر ومصاعب عملية الاستيراد ويبدد جهود المستوردين في تغطية الطلب المحلي بعيدا عن كل التباينات السياسية.
وناشدت نقابة المستوردين عقلاء ووجهاء حضرموت وكافة قبائل حضرموت الأبية إلى تسهيل عبور القاطرات المحملة بالمشتقات النفطية المستوردة والسماح لها بالمرور والوصول إلى المواطن بأقل كلفة ممكنة، وكلنا ثقة بأن حضرموت طالما كانت نموذج الرقي الحضاري ورمز الخير والنماء ولن تكون إلا حيث مصالح الناس.
كما ناشدت النقابة الأمم المتحدة بسرعة فتح ميناء الحديدة وتسهيل وصول سفن المشتقات النفطية إليه بما يلبي احتياجات السوق المحلي ورفع المعاناة عن المواطن اليمني وتمكينه من التمتع بالحصول على المشتقات هم شرايين الحياة اليوم بأقل تكاليف وأقل مدة.
763 وقفة
أخيراً، يؤكد المدير التنفيذي لشركة النفط عمار الأضرعي أن اليمنيين في شبوة ومختلف المحافظات يعانون من انعدام المشتقات النفطية في الوقت الذي يتم فيه نهب آلاف الأطنان من النفط اليمني الخام.
وقال الأضرعي لوسائل الإعلام، إنه يتم إيداع إيرادات النفط المنهوب إلى البنك الأهلي في السعودية واللنش الذي يقوم بالنقل وصل من الفجيرة وهم يقومون بنهب النفط جهارا نهارا، محملا قوى العدوان كامل المسؤولية عن نهب وبيع النفط والغاز المسال من الأراضي اليمنية.
وأوضح أن قوى العدوان، لم تفرج من بداية العام سوى عن 4 % من الكميات التي يحتاجها الشعب اليمني ، مؤكدا أن العدوان لم يكتف بهذا بل إنه يمنع دخول الغاز من مارب ويمنع وصول بواخر المشتقات النفطية التي تم استيرادها من قوت أبناء هذا الشعب.
وتابع منددا بالصمت الدولي تجاه هذه الانتهاكات بقوله: «أكثر من 763 وقفة نفذت أمام مقر الأمم المتحدة بصنعاء من قبل كافة القطاعات الخدمية ولكن لا حياة لمن تنادي».
صمت دولي
ورغم أن الأمم المتحدة عند بداية الأزمة التي تدخل شهرها الثاني في صنعاء ومحيطها عبرت عن قلقها العميق تجاه تداعياتها المباشرة على المستشفيات والمرافق الطبية، خصوصاً بنوك الدم وغرف العمليات والإنعاش وأقسام الأمومة والطفولة إلا أنها لم تصدر حتى قراراً باللوم تجاه مفتعلي هذه الأزمة في تحالف العدوان وحكومة مرتزقته.