بعد عام هو الأسوأ في سنوات الحرب والحصار.. قصة استقرار قيمة الريال في مناطق صنعاء مقابل سقوطها في مناطق سيطرة التحالف
يمن إيكو: خمسة أيام مضت على انصرام عام 2021م المثقل بالأزمات الأسوأ في تاريخ الاقتصاد اليمني، فضلاً عن كونه أسوأ أعوام الحرب والحصار على مفارقات صادمة بين مناطق سيطرة التحالف ومناطق حكومة صنعاء، من حيث الاستقرار التمويني والأوضاع الاقتصادية والمعيشية، فعلى صعيد قيمة العملة شهد العام فجوة غير مسبوقة، ففي الـ4 من يناير 2021م قفزت قيمة العملات الصعبة أمام قيمة الريال اليمني، مسجلة 707 ريالات للدولار تراجعاً من 916 ريالاً للدولار في أوائل ديسمبر 2020م.
وعلى بُعد 365 يوماً ارتفع، اليوم الثلاثاء (4 يناير 2022)، سعر الصرف مجدداً في مناطق سيطرة التحالف ليسجل الدولار 1030 ريالاً يمنياً للدولار، تراجعاً من 1750 ريالاً للدولار في أوائل ديسمبر 2021م المنصرم.
التراجع اللحظي الذي شهدته أسعار الصرف في تلك المناطق على نهاية عام انصرم، وعام بدأ أيامه على إيقاع الانهيار الجديد لقيمة الريال بعد التراجع اللحظي شهده ديسمبر المنصرم، ليؤكد أن التراجعات صارت مناسبة موسمية فقط في معيار سياسة الحرب الاقتصادية، وكما لو أن التراجع حقنة تهدئة، هدفها تكييف المواطن على ظروف هي أصعب من سابقاتها، استعداداً لصعود صاروخي جديد، منذ بدء نقل وظائف البنك المركزي من صنعاء إلى عدن في نوفمبر 2016م.
فمع ارتفاعاته التي بدأت منذ بدء الحرب والحصار الذي فرضه التحالف على خارطة الجمهورية اليمنية في صبيحة 26 مارس 2015م، كانت المعالجات مسنودة بمرجعية مالية ونقدية صارمة يتخذها البنك المركزي اليمني في صنعاء، حيث كان سعر صرف الدولار مستقراً عند حدود 214.50-214.91 ريال شراء وبيعاً، ورغم شراسة الحرب، وإحكام الحصار، إلا أن معالجات البنك المركزي التي ارتكزت على تعزيز المسارات الرقابية على السوق، ومحاربة مظاهر السوق السوداء، أوقفت سعر الدولار عند هذه الحدود.
ومع احتدام الحرب وإيقاف الصادرات النفطية التي تمثل قرابة 75% من إيرادات البلاد، وتوقف جميع المساعدات الخارجية والاستثمارات الأجنبية وعائدات السياحة، وغيرها من مصادر الإيرادات التي تعرضت للاستهداف، بدأ سعر الدولار يتحرك في السوق الحرة إلى حدود 270 بيعاً في سبتمبر 2015م، لكن معالجات البنك الرقابية كانت مستمرة، حيث توصل البنك المركزي اليمني بقيادة “بن همام” والبنوك التجارية وشركات الصرافة، إلى اتفاق في 4 نوفمبر 2015م، تعهدت البنوك التجارية اليمنية بموجبه بتزويد التجار بالدولارات لتغطية احتياجات الواردات ووقف المضاربة بالدولار، ليتعافى الريال إلى 247 ريالاً للدولار الواحد.
وفي 20 إبريل 2015م أعلن البنك المركزي اليمني عن خفض سعر الريال اليمني أمام العملات الصعبة إلى مستوى سعر السوق الموازية، حيث انخفضت القيمة الشرائية للريال اليمني من 214.87 ريال للدولار شراء و214.91 بيعاً إلى 250 ريالاً شراء و250.5 ريال للدولار بيعاً، وتأرجحت أسعار الصرف خلال مايو ويونيو ويوليو وأغسطس بين 260-310 ريالات للدولار، وفي 6 يونيو 2016م سجل سعر صرف الدولار في السوق السوداء نحو 310 ريالات للدولار، وتراجع مع النصف الأول من سبتمبر سعر الدولار إلى 305 ريالات يمنية، وفي 18 سبتمبر 2016م أوعز التحالف لحليفه هادي قراراً قضى بنقل البنك المركزي اليمني من العاصمة صنعاء إلى فرعه في عدن، ورغم ذلك ظلت قيمة الريال مستقرة عند حدود 300-305 ريالات للدولار الواحد، حتى بدء العمل الإجرائي لنقل وظائف البنك المركزي اليمني إلى عدن في نوفمبر 2016م.
ورغم تأثير الانقسام المالي الذي أحدثه القرار على سعر صرف الدولار، وانعكاسات تحويل مسار الإيرادات إلى البنك المركزي بعدن، الذي تحول إلى وسيط بين الموارد المالية والبنوك الخارجية، خصوصاً السعودية، ظل سعر الدولار موحداً في الارتفاعات والتراجعات بين المناطق التابعة لحكومة صنعاء ومناطق سيطرة التحالف، وبرزت أولى نتائج القرار العكسية في نهاية يناير 2017م، حين قفز سعر صرف الدولار إلى 340 ريالاً يمنياً على حد سواء في صنعاء وعدن.
وصعد سعر الدولار بشكل متوازٍ خلال عامي 2017 و2018م حتى وصل في فبراير 2019م 590 ريالاً للدولار الواحد، وفق مؤامرة أمريكية كشفت عن نفسها في وقت سابق بتجديد واشنطن دعمها لإجراءات البنك المركزي بعدن، أثناء لقاء في الرياض جمع هادي مع السفير الأمريكي في اليمن، الذي سبق له أن هدد بصريح العبارة بجعل قيمة الريال اليمني لا تساوي قيمة الحبر الذي طبع به، وكانت الإجراءات التي يرمي إليها طباعة عملة جديدة بمواصفات مختلفة حجماً وشكلاً ومتانة ورقية، ومن فئات (100 – 200 – 250 – 500 – 1000).
ومع غياب الملف الاقتصادي في المفاوضات، وفشل الأمم المتحدة في تحييد الاقتصاد وإنهاء الانقسام المالي الناجم عن قرار نقل وظائف البنك المركزي، والذي حذّر منه خبراء الاقتصاد لتخفيف الآثار المعيشية على حياة اليمنيين، عمد البنك المركزي بصنعاء إلى دراسة خطوات حكومة هادي على صعيد السياسة النقدية، واتخاذ الإجراء المغاير لها تماماً، فبينما انتهج البنك المركزي بعدن سياسة نقدية قائمة على العرض والطلب، متخماً السوق بالأوراق النقدية من الفئات المذكورة والمختلفة، ليصل سعر الدولار في 31 ديسمبر 2018م إلى 590 ريالاً يمنياً، وفي 10 فبراير 2019م اعتمد البنك المركزي بصنعاء على سياسة مغلقة، ومحاربة السوق السوداء وتشديد الرقابة، لكن المسارين المتوازيين لأسعار الصرف في صنعاء وعدن ظلا مستمرين، خصوصاً وما أسمته صنعاء بالمؤامرة الرباعية ضد العملة اليمنية ترتكز على إتخام السوق بالأوراق المالية مختلفة المواصفات.
المؤامرة الرباعية (أمريكا، بريطانيا، السعودية، الإمارات) تجاه قيمة العملة اليمنية، تجلت بوضوح أكثر في إعلان الرياض في 1 أبريل 2019م توقيع اتفاق بين وزارة المالية بحكومة هادي والبنك المركزي بعدن ومؤسسة النقد العربي، نص على تحويل المرتبات بالريال السعودي، ويتولى الصرف البنك المركزي بعدن، تبع ذلك إقرار البنك المركزي بعدن آلية جديدة لمستوردي النفط 3 أبريل 2019م، بالسعر التفضيلي في أسعار الدولار التي لا تزيد عن 250 ريالاً للدولار الواحد، مقابل سعر السوق السوداء الذي يقارب الـ600 ريال، ليتجه البنك المركزي بصنعاء للدراسة الجادة لتلك التحولات والقرارات، لاتخاذ إجراءات رادعة توقف الانهيار المستمر للريال، على الأقل تنهي حالة التوازي بين صنعاء وعدن، عبر تشديد الرقابة أكثر على أسواق الصرافة ومحاسبة المخالفين، لكن ذلك لم يُجدِ، خصوصاً مع تدفق العملة الجديدة والمختلفة في المواصفات.
ومع استشعار البنك المركزي اليمني صنعاء، الخطر الذي يحدق بقيمة العملة، والذي لم توقفه تلك الإجراءات التي لم تفلح في وضع حد لمسار انهيار الريال في صنعاء توازياً مع انهياره في مناطق حكومة هادي فأعلن في 19 ديسمبر 2019م منع تداول أو حيازة الأوراق النقدية التي طبعتها حكومة هادي بإيعاز من تحالف الرباعية المذكورة، معللاً البيان بأن تداول وحيازة تلك العملة يشكلان إضراراً بالاقتصاد الوطني، وحدد مهلة ثلاثين يوماً تبدأ من يوم صدور القرار، لتسليم المواطنين ما بحوزتهم من الفئات النقدية الجديدة، وإذا لم يفعلوا فسوف يتعرضون للمساءلة القانونية.
كان هذا القرار بمثابة مقص القطع السريع لحالة التوازي، حيث اختلف سعر الدولار في كل من صنعاء وعدن بوصوله إلى 606 ريالات للدولار الواحد شراء و612 ريالاً بيعاً، والريال السعودي عند 160 ريالاً و160.5 ريال بيعاً، وفي عدن تجاوز سعر الدولار ذلك الحد بشكل طفيف إلى 607 ريالات للدولار شراء، و612 ريالاً بيعاً، والسعودي 161 ريالاً شراء، 161.5 ريال شراء، وبدأ سعر الدولار ينحسر في صنعاء من لحظتها، حتى وصل نهاية ديسمبر إلى 580 ريالاً بيعاً، والشراء 577 ريالاً للدولار الواحد، سعر صرف الدولار في التاريخ نفسه ظل مرتفعاً عند 609 ريالات بيعاً، و605 ريالات شراءً.
وفيما ظل من حينها سعر الدولار في صنعاء يتأرجح حتى اليوم بين 580-602 ريال شراء وبيعاً، والريال السعودي بين 155-160 ريالاً شراء وبيعاً، سلكت قيمة الريال اليمني من يومها في مناطق سيطرة التحالف مساراً متعرجاً من الاستقرار المنحدر والسقوط الحر، حتى وصلت قيمته الآن إلى قرابة 1500 ريال للدولار الواحد، والريال السعودي قرابة 400 ريال يمني.
كل ذلك النجاح ناجم عن السياسة المغايرة على صعيد الإجراءات الاقتصادية الصارمة والحازمة، وفق محافظ البنك المركزي اليمني بصنعاء، والقائم بأعمال رئيس اللجنة الاقتصادية العليا، هاشم إسماعيل، الذي كان أكد في حوار أجرته معه قناة العالم في 25 أغسطس الماضي، أن صنعاء ركزت بشكل رئيسي على إفشال الخطط الأمريكية وتجريدها من ورقة العملة، التي تُعدُّ أهم أداة لتركيع الشعوب، مضيفاً: “درسنا استراتيجية العدو الأمريكي كيف يفكر، كيف يخطط، كيف يخوض الحرب الاقتصادية بماذا يبدأ وبماذا، وما هي الخطوات البديلة التي يناور بها في الحرب الاقتصادية، وعملنا ضدها، فحالنا في الجبهة الاقتصادية هو حال وواقع المجاهدين في الجبهة العسكرية”.