تقرير أمريكي يسرد حكاية صحفية دفعت ثمنًا باهضًا لكشفها سجون الإمارات في عدن
Share
ركز موقع ” ذا انترسبت” الامريكي على قصة الإعلامية اليمنية هدى الصراري التي ساعد عملها، في كشف السجون السرية التي تديرها الإمارات داخل اليمن، وقال التقرير إن الثمن الذي اضطرت هدى إلى دفعه كان باهظاً للغاية.
وتابع كانت هدى الصراري تركز في عملها على قضايا العنف ضد المرأة، لكن مع تحوُّل الصراع في اليمن إلى حرب ، بدأت الصحفية مشواراً آخر من العمل أدى إلى كشف سجون سرية تديرها الإمارات وأمريكا، لكنها دفعت ثمناً باهظاً.
وأوضح التقرير إلى أن الصراري تمثل النساء في قضايا العنف المنزلي والعنف القائم على النوع لسنوات، ومع بدء الحرب على اليمن، بدأت النساء بالاتصال بهدى في منتصف الليل؛ لإخبارها بتعرض منازلهن للمداهمة والقبض على أزواجهن وأشقائهن وأبنائهن بالقوة.
بينما اتصلت بها أخريات بعد قضاء أيامٍ في البحث عن الأحباب المفقودين داخل السجون وأقسام الشرطة، والتوسل إلى المسؤولين، الذين قالوا إنه لا علاقة لهم باحتجاز الرجال ولا يعرفون مكانهم.
ففي تصريح قالت هدى لـ “انترسبت” أن العائلات كانت تقول لها (ساعدينا، لقد اختطفوا أبناءنا). ولم أستطع أن أسمع بتلك الانتهاكات والجرائم دون أن أفعل شيئاً”.
كانت حالات الإخفاء قد بدأت بعد وقتٍ قصير من إطلاق السعودية تحالف في اليمن، بدعمٍ من الولايات المتحدة وبمشاركةٍ من قوى إقليمية مثل الإمارات العربية المتحدة. ومع زيادة أعداد المخفيين قسرياً بالمئات داخل مدينة عدن وما حولها، بدأت التقارير تتوارد حول تعرض الرجال للاعتقال والضرب والتعذيب على يد قوات أمن يمنية غير رسمية بتدريب وتسليح إماراتي.
ولفت التقرير إلى أن الإعلامية هدى بدأت مع مجموعة محامين ونشطاء التحقيق في تلك التقارير بهدوء، وتمخضت جهودهم التوثيقية الدقيقة عن قاعدة بيانات تضمنت في وقتٍ من الأوقات أسماء أكثر من 10 آلاف رجل وصبي، غالبيتهم تم اعتقالهم خارج نطاق النظام القضائي للدولة. لتساعد بذلك في كشف شبكة من السجون السرية التي تُديرها الإمارات، وذلك بعلم القوات الأمريكية، وتورُّطها في بعض الأحيان.
وأشار التقرير إلى أن حجب هويات الأشخاص الذين يُوثقون الانتهاكات؛ نظراً لخوفهم من الانتقام في اليمن؛ لكن هدى ظهرت في مقابلات إعلامية واشتهرت بدورها بين العامة، وكانت هذه الشهرة سبباً في استهدافها. إذ واجهت حملةً ضارية لتشويه سمعتها، ومحاولات تهديد وترهيب، كما طالبها أفراد عائلتها بعدم الحديث علناً، قبل أن يُقتل ابنها برصاصة في أحد الاحتجاجات.
وبين التقرير إنه بعد وصول القوات الإماراتية إلى عدن، شرعت في تأسيس جهاز أمني ضخم، وبدلًا من إعادة بناء المؤسسات اليمنية، قام الإماراتيون بتدريب وتسليح منظومة من القوات الخاصة التابعة رسمياً للرئيس المستقيل (هادي)، لكنها كانت تابعةً في الواقع لتسلسل قيادة إماراتي.
بحسب التقرير بعد اشتهار هدى في حالات الاختفاء، كانت تتلقى ما يتراوح بين 10- 20 شكوى يوميًا عن المداهمات وحالات الخطف، وفي البداية، كانت تتوجه إلى أنظمة الشرطة والقضاء الرسمية، لكنها اكتشفت سريعاً أنّ “هناك قوات أخرى بخلاف قوات الأمن الرسمية هي التي تُنفذ تلك الاعتقالات”.
سجون سرية – تحقيقات منفصلة
وكشف التقرير أن هدى أصيبت بالإحباط ، لان توثيق الانتهاكات لم يتسبب في إيقافها: لكن في 2017م، تم توثيق وجود سجون سرية وتحقيقات منفصلة، حيث اعتمدت تلك التحقيقات بشكلٍ مكثف، على عمل هدى وغيرها من النشطاء المحليين، كما أكدها لاحقاً محققو الأمم المتحدة، فريق الخبراء البارزون الدوليون والإقليميون بشأن اليمن، في عام 2018.
وتضمنت التقارير شهادات من معتقلين سابقين أدانوا العنف والتعذيب على يد القوات المدعومة من الإمارات، إذ تحدث شهود العيان عن تعرضهم للضرب، والاعتداء الجنسي، والاحتجاز داخل حاويات شحنة مزدحمة، والبقاء بعصابات الأعين لشهور متواصلة.
كما قالوا إنّهم تعرضوا للضرب بالعصي، والأسلاك، والصواعق الكهربائية، حيث كانت مواقع الاعتقال السرية تقع داخل المطارات، والقواعد العسكرية، والمنازل الخاصة، والملاهي الليلية، بينما ذكر بعض المعتقلين أنّهم تعرضوا للاستجواب على متن سفن. وتضمنت عملية التعذيب أسلوباً يُدعى “الشواية”، وفيه يتم ربط الشخص بسيخ شواء وتقليبه داخل دائرةٍ من النار بحسب وكالة “اسوشيتد برس” الأمريكية.
وسرعان ما انتشرت التقارير على نطاقٍ واسع، لتصير هدى هي الوجه الإعلامي للخبر بعد أن ذكرت إحدى مقالات الوكالة الأمريكية اسمها. وفي أعقاب مقابلةٍ أجرتها مع قناة الجزيرة، شنّ أنصار التحالف الذي تقوده السعودية حملة مضايقة وتشهير شعواء ضدها. إذ وصفوها على الشبكات الاجتماعية بالجاسوسة، والمتعاطفة مع الإرهابيين، والمرتزقة، و”العاهرة”. وقد تصاعدت المضايقات الرقمية لتتحول إلى تهديدات من حسابات مجهولة الهوية. وفي إحدى المناسبات، اقتحم شخصٌ ما منزلها وسرق هاتفها. بينما هشّم آخَرُ زجاجَ نوافذ سيارتها، بحسب ما قالته للموقع الأمريكي.
كريستين بيكرلي، الباحثة اليمنية السابقة في هيومن رايتس ووتش قالت: “أي شخص كان يتحدث عن تلك الأشياء كان يُواجه مخاطر كبيرة. وقد دفعت هدى بحقٍّ ثمن العمل الذي قدمته”. وأردفت أن تقرير المنظمة في عام 2017 قد اعتمد بشكلٍ مكثف، على جهود هدى وأشخاصٍ آخرين.
وتطرق التقرير إلى حادث مقتل ابنها محسن 18 عامًا في2019م، الذي كان مشاركًا في احتجاجات بعدن، وتعرض لإطلاق نار، ليصاب بالشلل على الفور وظل في العناية المركزة لمدة شهر، قبل أن يُفارق الحياة متأثراً بجراحه، لتطالب والدته بالتحقيق في مقتله، إلا أن السلطات في عدن لم تفعل، حيث اكتشفت لاحقًا أن قتله كان متعمدًا، إثر تعرضه لإطلاق نار من مسافة قصيرة على يد شقيق عضوٍ بارز في قوات الحزام الأمني المدعومة من الإمارات.
وغادرت هدى اليمن بعدها بعدة أشهر، حين اشتدت حملة التشهير ضدها عقب الاعتراف العالمي بجهودها. وجاءت القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة لها حين وصل إليها تعليق من مجهول على الإنترنت، يُهدد ابنها الذي مايزال حياً. وكان التعليق يقول: “يجب أن يتخلصوا من ابنٍ آخر من أبنائك حتى ترحلي عن البلاد”.
الدور الأمريكي في التعذيب باليمن
لا تشعر هدى بالندم على تضحياتها، لكنها تشعر بخيبة أملٍ شديدة، لأن عملها لم يتمخّض عن تحركٍ أقوى من المجتمع الدولي -والولايات المتحدة تحديداً- لوقف الانتهاكات الإماراتية في جنوبي اليمن، حيث قالت “يجب على الولايات المتحدة أن تُحاسب الإمارات”.
كما أردفت في إشارةٍ إلى المسؤولين الأمريكيين: “لم يأتوا بأي خطوة تُحقق العدالة للضحايا، خاصةً بالنظر إلى وجود عناصر أمريكية بجوار الإماراتيين داخل معسكر التحالف. ولم يضغطوا على التحالف مطلقاً لوقف ارتكاب تلك الجرائم”.
وفي الواقع، ساعدت التقارير التي كشفتها هدى، على توريط الولايات المتحدة في تلك الجرائم، بعد أن قال معتقلون سابقون ومسؤولون يمنيون إنّهم رأوا أمريكيين داخل مواقع الاعتقال أو تعرضوا للاستجواب على أيديهم.