كي لا تنسى مجزرة حديثة في عام 2005 يوم اعدم «المارينز» الامريكي الضحايا «رميا بالرصاص»
Share
ما خلص الإعلام الغربي من فضائح أبو غريب وصور قتل الأسرى في مسجد الفلوجة واستخدام الفسفور الأبيض في اجتياحها، حتى طفت إلى السطح مجزرة جديدة. ينفذون المجازر ويكشفونها! الإعلام الغربي تكفل بكشف مجزرة الحديثة.
مجلة “تايم” وصحيفة “واشنطن بوست” الأميركيتان وصحيفة “تايمز” البريطانية الواسعة الانتشار وليس غيرها، من كشف تفاصيل مجزرة مدينة حديثة ـ 250 كم غربي بغداد ـ التي ارتكبتها مجموعات من جنود مشاة البحرية الاميركية “المارينز” في ساعة مبكرة من صباح يوم التاسع عشر من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وراح ضحيتها أكثر من عشرين عراقيا بعضهم أطفال ونساء وشيوخ كبار طاعنون في السن.
وما فعلته “التايم” و”واشنطن بوست” و”تايمز” هو أنها نشرت تقارير تضمنت سرد وقائع عن العملية، من بينها حوارات مع شهود عيان هم في ذات الوقت ذوو عدد من ضحايا المجزرة.
من هؤلاء الشهود صبية عمرها عشرة أعوام اسمها إيمان تحدثت لصحيفة “تايمز” وقالت “إنها كانت لا تزال ترتدي البيجاما عندما اقتحم جنود أميركيون منزل أسرتها حوالى الساعة السابعة صباح يوم التاسع عشر من تشرين الثاني الماضي، وإن والدها كان يصلي، وجدّها وجدّتها كانا نائمين”.
العملية بدأت بإطلاق النار، وبعد خمس عشرة دقيقة اقتحم جنود مشاة البحرية الاميركية “المارينز” منزل الاسرة وبدأوا عملية تفتيش بحثا عن مسلحين. وتشير الطفلة إيمان الى ان الجنود أخذوا يصرخون في وجه والدها ثم ألقوا قنبلة في حجرة جدها وجدتها، وأنها شاهدت أمها وقد أصابتها الشظايا.. بينما حملت خالتها أخاها الصغير وخرجت مسرعة من المنزل.
أفراد هذه الأسرة قضوا نحبهم كلهم الا إيمان وشقيقها الصغير عبد الرحمن.
المنابر السياسية ووسائل الاعلام العراقية تناولت الموضوع بشيء من الاهتمام، وبعضها اعتبرته ـ وربما هو كذلك ـ تكرارا أو استمرارا لانتهاكات “أبو غريب” التي كُشف عنها قبل أكثر من عام، وانتهاكات مماثلة في مناطق أخرى من العراق.. وما أكثرها!
رئيس الوزراء العراقي الاسبق نوري المالكي انذاك سارع إلى الإعلان عن تشكيل لجنة تحقيق للكشف عن ملابسات العملية، الى جانب مطالبته قوات الاحتلال تحويل ملف التحقيق في هذه القضية الى الجهات العراقية، وتقديم اعتذار رسمي الى الحكومة العراقية ودفع تعويضات مالية مجزية لذوي الضحايا.
ومع ان موقف رئيس الوزراء قوبل بارتياح نسبي في أوساط سياسية وشعبية، الا ان بعض الأطراف رأت انه لا بد من اتخاذ مواقف اكثر حزما تجاه ممارسات قوات الاحتلال ضد المدنيين، وتبسيط الامور من قبل القادة السياسيين والعسكريين الأميركان غير مقبولة، والتبريرات مهما كانت فإنها تبقى قاصرة عن تسويغ قتل المدنين الأبرياء.
ووزارة الحرب الأميركية “البنتاغون” المعنية بهذا الامر انذاك بدأت تحقيقا لمعرفة ما اذا كان جنود “المارينز” قد قاموا بقتل المدنيين العراقيين في حديثة بدم بارد أم لا!
وعبارة “بدم بارد أم لا”، تبدو فضفاضة الى حد كبير ولا يمكن إخضاعها لمعيار محدد وواضح يمكن ان تترتب عليه آثار قانونية سليمة وعادلة ومنصفة للضحايا، سيما ان الجهة المتصدية للتحقيق والبت في الموضوع ليست محايدة.. وحتى لو كانت كذلك فإن أحكامها لا ترقى الى مستوى الفعل الجرمي. فأحكام من قبيل الفصل من الجيش او خفض الرتبة العسكرية او الحبس عدة شهور او حتى عدة سنين، لا تتناسب بأي حال من الاحوال مع عملية قتل عشرات الأبرياء، سواء كان ذلك بدم بارد او ساخن! لا فرق..
وفي ذلك الوقت أعلن وزير الحرب الاميركي دونالد رامسفيلد “ان هناك تحقيقين سوف يتعاملان مع تلك المزاعم ـ وهو يطلق على ما كُشف عنه “مزاعم” ـ أحدهما جنائي بخصوص الحادث نفسه، وآخر حول ما إذا كان جنود مشاة البحرية قاموا بعدها بالتغطية على القضية”.
وبرغم الفضيحة وما سبقها حرص “رامسفيلد” انذاك على تأكيد مثالية جنوده بالقول: “إننا ندرك أن 99.9% من قواتنا تتصرف بطريقة نموذجية، كما ندرك أيضا أنه في الصراعات تحدث أمور لا ينبغي أن تحدث”.
في مقابل ذلك فإن “صنداي تايمز” البريطانية نقلت عن مسؤول أميركي رفيع المستوى لم تسمه قوله: “إن الصور تشير إلى أن جنود “المارينز” الذين اشتركوا في الحادثة يعانون من انهيار شامل في أخلاقياتهم وقيادتهم، لذا أمرت قيادة قوات التحالف القادة العسكريين الميدانيين بإدارة تدريبات تتعلق بجوهر القيم المطلقة للجندي، والتركيز على أهمية الالتزام بالمعايير القانونية والأخلاقية والمعنوية في ساحة القتال”.
في الوقت نفسه اعتبرت “واشنطن بوست” ان حادثة حديثة تشكل أخطر انتهاك لقوانين الحرب من جانب القوات الأميركية خلال ثلاثة أعوام من النزاع في العراق”. في حين تشير منظمة إحصاء الجثث، وهي منظمة غربية متخصصة، الى “ان اكثر الضحايا المدنيين في العراق قُتلوا على يد الجيش الأميركي”.
وبصرف النظر عن الدوافع والمبررات وراء قيام جهات وشخصيات سياسية وإعلامية غربية بتسليط الأضواء الكاشفة على جرائم من هذا القبيل، فإن ما يُتداول في الشارع العراقي لا يختلف عما تقوله وتذهب اليه بعض محافل السياسة والإعلام في الغرب ان لم يكن متطابقا معه.
لكن ذلك لا يعني ان تداعيات الامور بهذه الصورة ستقف عند حد معين، بل إنها بحسب ما يقول سياسي عراقي يجلس تحت قبة البرلمان: “لا تتصوروا ان الأميركان ستتفطر قلوبهم على العراقيين الأبرياء ومن ثم سوف يفكرون بانتهاج أساليب وسلوكيات أخرى أكثر إنسانية ورأفة، إن أكثر ما يمكن ان يفعلوه هو الاعتذار، وهل يجدي الاعتذار نفعا بعد ان تراق الدماء وتُزهق الأرواح؟”.
و في بداية عام 2008 أعلن متحدث باسم البحرية الأمريكية أن قائد مجموعة الجنود الأمريكيين المتهمين بارتكاب المذبحة – فرانك ووتريتش – لن يحاكم بتهمة القتل العمد ولكنه سيحاكم بتهم أخرى كالقتل الخطأ والاعتداء الجسيم والتخلي عن واجبه وغيرها من التهم.
في 5 يونيو 2008 أعلن مصدر عسكري ان هيئة محلفين في محكمة بكاليفورنيا قد برأت ضابطا من المارينز يدعى اندرو غرايسون (27 عاما) كان يحاكم لدوره في قضية مجزرة حديثة في2005
حصيلة الضحايا :
الحصيلة الإجمالية للمذبحة بلغت 19 شخصا بينهم عشر نساء وأطفال قتلوا في عدة منازل. يضاف اليهم خمسة أشخاص كانوا في سيارة توقفت قرب المكان فأطلق عليها الجنود الأميركيون النار وأردوا كل من فيها, في إحدى الجرائم الأكثر إثارة للجدل التي تتورط فيها القوات الأميركية في الحرب التي استمرت حوالي تسعة أعوام في هذا البلد.
شهادة المجرم !!
وروى الجندي في الجيش الأميركي ستيفن تاتوم في إدلائه بشهادته أمام المحكمة العسكرية كيف أنه في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2005 دخل عدة منازل في بلدة حديثة العراقية بحثا عن متمردين بعد مقتل احد رفاقه الجنود بانفجار قنبلة.
وقال الشاهد إن المتهم الرئيسي السرجنت فرانك ووتريتش، وبعدما سمع دوي طلقات نارية من سلاح نصف أوتوماتيكي، أمره بأن يعد أحد منازل البلدة هدفا “معاديا”.
القتل وطرح الأسئلة :
وأوضح أنه دخل المنزل برفقة الرقيب ووتريتش وجنديين آخرين، وأضاف أن “الظلام كان دامسا، لم أر الكثير، مجرد خيالات لأشخاص، خيالات صغيرة، كبيرة، لرجل على ركبتيه”. واكد أنه على الأثر ألقى قنبلتين يدويتين في المنزل “لتنظيفه”.
الناجية الوحيدة :
صفا يونس الناجية الوحيدة وصفت الحدث وكيف أنها نجتْ من المذبحة بعد أن أخفت نفسها بين جثة والدتها وبين جثث أخواتها متظاهرة كونها مقتولة كغيرها.
“طرق الأمريكان الباب. ذهب والدي ليفتح الباب. أطلق الجنود النار عليه من خلف الباب وقتلوه، ثم أطلقوا النار عليه ثانية بعد أن فتحوا الباب،” وبعدها توالت المجازر في الفلوجة وصلاح الدين والرمادي والموصل وديالى وبغداد وكركوك . . .
وعاش العراقيون في الحديثة بين مطرقة القاعدة وسندان القوات الأمريكية لفترات طويلة، فعندما سيطر التنظيم الأصولي على المدينة حوّلها إلى أهم معاقله، ومنها أعلن قيام ما بات يعرف بـ دولة العراق الإسلامية، وفي المقابل ارتكبت القوات الأمريكية أسوأ الأخطاء الميدانية هناك؛ حيث أطلق الإعلام الأمريكي وصف;مجزرة حديثة على العملية التي أدت إلى أهم المحاكمات العسكرية التي قامت بها وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون لعناصر من الجيش الأمريكي.
ِوكشفت أدلة جديدة قدمت إلى جلسة استماع قبل محكمة في كاليفورنيا ان بعض المدنيين الذين قتلوا في بلدة حديثة العراقية على يد مشاة البحرية الأمريكية ومن بينهم نساء وأطفال ، قد لاقوا حتفهم إثر إصابتهم بجروح رصاصات بطريقة الإعدام وليس بسبب انفجارات قنابل. وقد قتل 24 مدنيا عراقيا في عام 2005 في هجمات شنها عناصر مشاة البحرية الأمريكية.
وأفادت صحيفة لوس أنجلس تايمز في وقت سابق بأن الدليل ، الذي كشف عن معلومات لم يتم الإعلان عنه من قبل ، قدمه مدعي عسكري خلال جلسة الاستماع قبل محاكمة ضابط متهم بالفشل في إجراء تحقيق في الحادث. و كان المدعون يقولون إن القتلى سقطوا نتيجة هجمات بقنابل يدوية استهدفت ثلاثة منازل. وأشار التقرير إلى أن الليفتنانت كولونيل بول أتربيري أخبر محكمة في قاعدة كامب بندلتون العسكرية في جنوب كاليفورنيا إن خمسة عراقيين على الأقل قتلوا من مسافة قريبة برصاصات أطلقت في رؤوسهم أو وجوههم. ووصف أتربيري كيف قتلت امرأة برصاصة في رأسها وتم العثور عليها وهي في وضع يدل على الرعب الذي عاشته وهي تمسك بطفل قتل أيضا برصاصة في رأسه.
وأضاف أتربيري أن خمسة رجال قتلوا بالقرب من سيارتهم على ما يبدو وهم ساكنون وربما يكونون رافعين أيديهم في الهواء للإعلان عن استسلامهم. وقال أتربيري إنه لم يتم العثور على أسلحة في السيارة أو بجانب جثث الرجال كما لم يتم العثور على أي أسلحة في المنازل الثلاثة التي قتل فيها بعض أفراد الأسر الثلاث حيث قام جنود مشاة البحرية بـ”تطهير” المنازل باستخدام القنابل ونيران بنادق “ام “16 وذلك وفقا لإفادة ليفتانانت بمشاة البحرية قام بتفقد المنازل وإخلاء الجثث. ووجهت لثلاثة من مشاة البحرية تهمة القتل فيما يتعلق بالحادث. ووجهت اتهامات لأربعة ضباط بالتغطية على الحادث أو الفشل في إجراء تحقيق بشأنه كما ينبغي.