كيف ننصر مسلمي الهند؟

 تطالعنا الأخبار يومياً بفظائع ومذابح يرتكبها متطرفون هندوس ضد بني وطنهم من المسلمين الهنود، وهو أمر بشع ومأسوي. وهي جرائم تجري أمام أعين السلطات الهندية، بل وبتشجيع ومشاركة من بعض قواتها الأمنية جهاراً نهاراً. فمنذ مجيء حزب “بي جي بي” الهندوسي المتطرف بقيادة رئيس الوزراء نارندرا مودي، تفاقمت الأوضاع واحتقنت البلاد بخطاب كراهية عنصري ومذابح بعضها لا يرى طريقه إلى شاشات وسائل الإعلام الحديثة.

كان حزب مودي قد ألغى قبل سنتين الحكم الذاتي الذي كانت تتمتع به مقاطعة جامو وكشمير في شمال غربي البلاد، كما سن قوانين تحد من تجنيس المسلمين القادمين من بنغلاديش وباكستان، وحجتهم في ذلك أن المسلمين قرروا الانفصال عن الهند بعد استقلالها عام 1948 من الاستعمار البريطاني، وأنهم اختاروا قيام دولتين مسلمتين هما باكستان الغربية (باكستان الحالية)، وباكستان الشرقية (بنغلاديش الحالية)، وأن على المسلمين النزوح لهاتين الدولتين المسلمتين اللتين كانتا قد ارتكبتا بدورهما عمليات تهجير وتطهير وفظائع ومذابح ضد الهندوس عند قيامهما، وقام الهندوس بما لا يقل بشاعة من المذابح والتطهير الديني ضد المسلمين وطردهم إلى باكستان. يذكر أن عدد المسلمين في الهند يقارب الـ200 مليون مسلم، ولا أعرف كيف للسيد مودي وحزبه المتطرف الإرهابي أن يطرد هذا العدد الفلكي من مواطنيه إلى خارج بلادهم!

مناصرة الإنسان في كل مكان هي واجب تفرضه علينا ضمائرنا كبشر، وما يجري للمسلمين من انتهاكات يجب أن يكون موقفنا منها شمولياً ضد  أنواع الانتهاكات كافة في كل مكان وضد أي ملة كانت.

لكن السؤال الأهم هنا هو: كيف يمكننا مناصرة المسلمين في الهند مناصرة حقيقية؟

لا شك بأهمية بيانات الإدانة والاستنكار، واجتماعات الدول الإسلامية، والاتصال بالمنظمات الإنسانية والحقوقية، والاستمرار في فضح هذه الانتهاكات مسألة مطلوبة، كما العمل على توجيه الرأي العام العالمي ضد هذه الفظائع. لاحظ أن الإعلام العالمي (بالذات الغربي منه) يسلط الضوء على انتهاكات الصين ضد مسلمي شرقها من الإيغور وعددهم يقارب العشرة ملايين، لكنه يتجاهل إلى حد كبير مأساة 200 مليون مسلم في الهند بسبب العلاقات المتميزة مع حزب مودي اليميني المتطرف، والمصالح المشتركة بين الهند والغرب في مواجهة الصين. فالغرب اليوم (بقيادة الولايات المتحدة الأميركية) مهووس بمواجهة التنين الصيني والحد من قوته الاقتصادية ونفوذه العالمي، والهند لديها مشكلات تصل حد الصدامات العسكرية المسلحة مع الصين، سواء على حدودهما شرقاً، أو شمال غربيها، حيث للصين منفذ حدودي على إقليم كشمير منحهم إياه مؤسس باكستان محمد علي جناح لخلق توازن قوة مع الهند.

لكن كيف يمكن للعالم أن يستمع لمناشداتنا وتضامننا ويحترمها ويصدقها ويعطينا آذاناً صاغية؟ كيف للعالم أن يأخذ غضبنا على انتهاك حقوق المسلمين في الهند على محمل الجد؟ لماذا لا يصغي العالم لمناشداتنا، ولا يستمع لصرخاتنا؟

الجواب باختصار هو أن العالم لا يأخذ مناشداتنا على محمل الجد كمسلمين، لأننا أتباع الدين الوحيد في هذا الكوكب الذين يقتتلون في ما بينهم في القرن الـ21، فلا يوجد أتباع دين في هذا القرن (هذه الألفية) على كوكب الأرض يقتتلون في ما بينهم إلا المسلمين! فمن العراق إلى سوريا وكردستان ولبنان واليمن وليبيا والسودان والصومال وأفغانستان ومالي والنيجر وتشاد ونيجيريا وغيرها من بلاد المسلمين، نقتتل من دون رحمة أو هوادة، تشتعل بيننا الحروب الطائفية والقبلية والداخلية الأهلية وكل أنواع الاقتتال، وغالباً ما يكون ذلك باسم الإسلام.

إن المناصرة الحقيقية لمسلمي الهند أو غيرهم من المسلمين هو بحقن دمائنا وحمايتها من بعضنا بعضاً، وبوقف “تطهيرنا” الطائفي لبعضنا بعضاً في مناطق الاقتتال. إن العالم يستهزئ بمن لا يقدس دمه ويطالب الآخرين بحماية وتقديس دماء بني دينه، سواء في الهند أو أي مكان آخر.

من ينشد المناصرة الحقيقية للأبرياء المسلمين في الهند أو في غيرها، عليه أن ينتصر لنفسه أولاً بوقف نزيف الدماء بين المسلمين أنفسهم في بلاد المسلمين، ثم يلتفت بعد ذلك لمناصرة من يستحق النصرة في أي مكان آخر. “يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم” (قرآن كريم).

*سعد بن طفلة العجمي- اندبندنت عربية

– المقالات المنقولة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع

قد يعجبك ايضا