الليشمانيا : آكلة وجوه الاطفال ..
فايز الضبيبي
كلما رأتني هرعت تحتضنني وتقبلني، وتقول لي ببراءة الطفولة: أبي أنا جميلة لولا هذه -وتشير إلى أنفها، مكان إصابة الليشمانيا التي كادت تنخر أنفها، فأرد عليها وقلبي يكاد يتفطر حزنًا وألمًا، أنتي أجمل بنت في العالم يا “هند”، وستزول هذه الإصابة ولم يبقَ لها أثر في وجهك بإذن الله.
“هند” طفلة تبلغ من العمر 8سنوات، من محافظة البيضاء، الموبوءة بداء الليشمانيا، أصابتها الليشمانيا إلى جانب أختيها وأحد إخوانها الذي لا يزيد عمر أكبرهم عن 13عامًا، وللمرة العشرين والثلاثين يتحمل أبو “هند” عناء السفر من منطقته الرياشية بمحافظة البيضاء إلى صنعاء لعلاج أولاده من إصابة الليشمانيا، خلال ثلاث سنوات من المعاناة والتعب والخسائر المالية الكبيرة “، وفق والد هند.
مرض طفيلي
ويعرف داء “الليشمانيا” أو ما يطلق عليها في اليمن (البلة -البداة -الأثرة – العوفية)”أنه مجموعة من الأمراض التي يسببها طفيلي الليشمانيا، وينتقل عن طريق لدغة أنثى ذبابة “الرمل” الفليبوتومين المصابة، إلى الانسان”، وفق منظمة الصحة العالمية.
يقول والد هند ” في البداية أصيبت زوجتي قبل ثلاث سنوات في وجهها وتحديدًا تحت عينها، فحاولت علاجها بالأعشاب لوقت طويل لكنه لم ينفع، فدلوني على مركز مكافحة الليشمانيا بمدينة رداع، فذهبت إلى المركز وكان لديهم الحقن الخاصة بالليشمانيا، فتم علاج زوجتي خلال ثلاثة أسابيع بتلك الحقن، وزالت منها الإصابة، وسررت بذلك كثيرًا بعد تعب ومعاناة مع تجارب خبراء الأعشاب في المنطقة”.
لن تكتمل معاناة أبو خطاب فقد أصيبت ابنته هند بعد أمها بالليشمانيا في أنفها، ولحقتها أختها الأخرى بعد أسبوعين بإصابة في خديها، وللأسف فإنه عندما عاد ببناته إلى مركز مكافحة الليشمانيا في رداع لعلاجهن، كانت الحقن الخاصة بالداء قد انقطعت في المركز، ولا زالت منقطعة إلى اليوم، يقول أبو خطاب عندئذ ” أظلمت الدنيا أمامي، وأضيفت لي معاناة جديدة إلى جانب معاناة المرض، وهي البحث عن العلاج المعدوم في البلاد “.
وحسب منسق مركز مكافحة الليشمانيا في محافظة البيضاء الدكتور فؤاد غالب “فقد توقفت الحقن الخاصة بالليشمانيا التي كانت تصرف لنا من المركز الإقليمي في صنعاء في عام 2017، مما يضطر المرضى للذهاب إلى صنعاء للعلاج “.
الإصابات في اليمن
وكانت دراسة سابقة للدكتور محمد الكامل قامت على تحليل البيانات المأخوذة من السجلات الطبية لـ 152 مريضًا مصابًا بداء الليشمانيا النشط المؤكد في اليمن.. أوضحت “أن 94% من المرضى من سكان الريف، وكانت البيضاء أكثر المحافظات توطنًا للداء حيث مثلت 59.9% من الإصابات، ومثل الأطفال النسبة الأعلى تعرضًا للخطر بنسبة59.1%، تليهم الإناث “البالغات” بنسبة 32.9%”.
وينهي والد هند قصته المؤلمة بالقول: “للأسف أثر الإصابة لازالت باقية في أنف ابنتي هند بعد علاجها، وتركت أثرًا كبيرًا في نفسها، فكلما لبست البرقع، تنفجر بالبكاء وترميه.. وتقول لا يصلح لي البرقع، لأنه لا يظهر سوى العيب التي تركته الليشمانيا في أنفي “.
ويشير الدكتور الكامل استشاري الأمراض الجلدية في اليمن “إن لداء الليشمانيا تداعيات نفسية واجتماعية واقتصادية خطيرة، فغالبا ما يخلف “وصمات” جمالية ونفسية للمريض، وإعاقة إمكانية انخراطه في الأنشطة المعيشية والاجتماعية والثقافية، وقد ارتبطت الوصمة باسم المريض في كثير من المناطق اليمنية الموبوءة، حيث يعرفونها بأسماء مرادفة للوصمة مثل البداة أو الأثرة أو العوفية”.
نقص وانعدام للدواء
في هذا السياق يفيد رائد السلامي المختص في إدارة برنامج مكافحة الليشمانيا في وزارة الصحة بصنعاء “بأن الحقن الخاصة بالليشمانيا نفدت لدى الوزارة خلال هذا العام، ولا زلنا منتظرين لكميات جديدة، تأتينا من المانحين حسب وعودهم، في حين عانت الوزارة من نقص شديد في الحقن الخاصة بالليشمانيا، وأن الكميات التي حصلت عليها الوزارة من المانحين، كانت لا تكفي لتغطية احتياجات الوزارة ومكاتبها في المحافظات، وكان يتم بها علاج الحالات الخطرة التي تأتي إلى صنعاء من عدة محافظات، والذي يتم معالجتها في مستشفى السبعين والجمهوري بصنعاء”.
من جهته يفيد رئيس المركز الإقليمي لمكافحة الليشمانيا في اليمن “بأن الحقن التي كان يوفرها المركز وفروعه في المحافظات الثلاث (البيضاء – حجة -إب) مجانًا للمرضى، توقفت من قبل المانحين والجهات الشريكة منذ 2017 إلى اليوم، بسبب الحرب في البلاد”.
اليمن موطن الليشمانيا
تؤكد منظمة الصحة العالمية “أنه اتضح من الدراسات، التي أجريت على 42حالة في محافظتي حجة وعمران في اليمن، أن الليشمانيات الجلدية متوطنة في هذه المنطقة – أي “اليمن”.
وحسب الدكتور الكامل “تعد اليمن واحدة من تسع دول هي الأكثر وبائية بالمرض في العالم، حيث يعتبر داء الليشمانيا أكثر الأمراض الجلدية المعدية انتشارًا في اليمن بنسبة 20.6%، بحجم انتشار 140000و180000حالة في اليمن، ومعدل إصابة سنوية تتراوح بين 10000و20000 إصابة، ونسبة وفيات غير معروفة، في حين أن معظمهم قرويون من النساء والأطفال”.
انعدام الدواء ومخاطر الأعشاب
” يعاني مرضى الليشمانيا في القرى والأرياف البعيدة والفقيرة في اليمن، من صعوبة الوصول إلى الخدمات الطبية والحصول على العلاج المناسب، الأمر الذي يدفعهم الى اللجوء للمعالجين الشعبيين، واستخدام بعض طرق المعالجة غير الآمنة، كالنار والأعشاب والكاوية والأحماض ولعاب بعض الحيوانات، الأمر الذي قد ينتج عنه الكثير من المضاعفات، كالإصابات المركبة وتوسع حجم الآفة وانتشارها، وكذلك الحصول على ندبات وتشوهات أكثر بشاعة” وفق الدكتور الكامل
وينصح مرضى الليشمانيا “بتجنب استخدام طرق العلاج الشعبية وخصوصا لإصابات الوجه أو الأغشية المخاطية لما لها من مضاعفات قد تكون وخيمة”.
وفي ظل انعدام الحقن الخاصة بداء الليشمانيا في اليمن يوضح الدكتور الكامل “بأنه وبعض من الأطباء المختصين في اليمن، قد ابتكروا وسائل جديدة فاعلة وآمنة لعلاج المصابين بالليشمانيا، تتمثل في أدوية موضعية وحقن وحبوب وتقنيات التجميد والليزر، وهي تغني عن الحقن المخصصة بالليشمانيا”.
” تم إنتاج هذه المادة من قبل شبكة إعلاميون من أجل طفولة آمنة التي يديرها مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي وبتمويل من اليونيسف (منظمة الطفولة)”.