المرأة اليمنية تقتحم سوق العمل بنسبة 80% من الأيدي العاملة في الجانبين الزراعي والحيواني
تتكسب المنظمات الإنسانية العاملة في اليمن ومن خلال ما تقدمه من بحوث ودراسات عن النوع الاجتماعي عبر إشاعة مفارقات غير منطقية في أن اليمن بلد لا يحترم المرأة وأن المرأة تتعرض للعنف والاستغلال غير الإنساني، فيما الحقيقة بعيدة كل البعد عن هذه المغالطات الصادرة عن قناعات غير مسؤولة وغالبا ما يكون الغرض من ورائها هو التكسب المادي أو التهكم السياسي على حساب إخفاء الحقيقة أو جزء منها.
الثورة / يحيى الربيعي
غرض يضطر معه ناشطون إلى تركيز تحصيل المعلومات على إظهار كل ماهو سلبي، وتجاهل كل ما هو إيجابي انطلاقا من الاعتقاد الخاطئ أو الممنهج، في أن نقل الحقيقة كما هي عليه من نسبية التفاوت بين الإيجابي والسلبي عمل غير مقبول، ولا يؤدي الغرض.
وكأن الغاية الأساس من أي بحث أو دراسة تقوم منظمة في هذا الجانب أو ذاك من الجوانب الإنسانية هو التشويه وإظهار الفشل ليس إلا.
على سبيل المثال، نظرة المجتمع اليمني إلى النساء العاملات هي نظرة احترام في الغالب الأعم من قبل عدد كبير من اليمنيين خاصة النسوة اللاتي يعملنَ في مساعدة عائلاتهنّ، أما تلك النظرة التي تحرم عمل المرأة أو خروجها، فثقافة دخيلة على العرف اليمني الذي يرى في المرأة نصف الوجود فهي شريك للرجل في المسؤولية والتنمية.
صحيح، ارتفع عدد النساء اللاتي صرن مسؤولات عن إعالة أسرهن إلى الأضعاف ما كان عليه الحال قبل الحرب والحصار مما ضاعف الأعباء على النساء مع وجود شحة في الموارد وارتفاع في أسعار السلع الغذائية.
ذلك بالاضافة إلى أعباء الأسرة والنساء بالذات في الاهتمام والرعاية بأعداد متزايدة من المعاقين من أطفالهن وأزواجهن الذين تعرضوا للإعاقة نتيجة للحرب الحصار، مع قلة الدعم والبرامج المخصصة لهذه الفئة التي تعتبر أكثر الفئات هشاشة وتوقف ما يقارب 90% من الخدمات المخصصة لهذه الفئة.
كما، ولا نغفل، الأضرار النفسية التي تعاني منها النساء جراء فقدان أزواجهن وآبائهن وأولادهن في المعارك، خاصة عندما اضطر كثير من النساء إلى قبول القيام بأعمال لم يكن مستحبا اجتماعيا أن تقوم بها النساء كالعمل في الأسواق أو المحلات التجارية أو قيادة سيارة تاكسي.
بعض المنظمات، للأسف، تعتبر ذلك مؤشرا سلبيا قد يؤدي، حسب توقعاتها، إلى تعرض النساء للابتزاز والاستغلال والانتقاص من القيمة الإنسانية وفي الأجور وخاصة في أوساط النساء الأشد فقرا والنازحات والمهاجرات اللاتي اضطررن للعمل بأجر زهيد جدا إلى حد يكاد أن ما تتقاضاه المرأة كأجر يومي لا يفي بتغطية قيمة قوت يوم لها فضلا عن أن نساء كثيرات صرنَ الآن هن “العائل الوحيد” لعائلات بأكملها جراء الحرب والحصار.
لكن، ورغما عن ذلك، نلاحظ المرأة اليمنية وهي تكسر حاجز الخوف وتخوض مضمار العمل في مهن لم تكن تفكر مجرد التفكير فيها.. ها هي اليوم تصنع تحولا إيجابيا في حركة سوق العمل الذي صارت تمثل فيه نسبة 80% من الأيدي العاملة في الجانبين الزراعي والحيواني، فضلا عن أنها اتجهت نحو الاعتماد على إمكانات الذات في مواجهة التحديات التي فرضتها ظروف الحرب والحصار لتحول تلك الضغوط إلى فرص نجاح.
قصة نجاح
ولنأخذ، على سبيل المثال، قصة “أم عمر” الذي ذهب عنها زوجها للمشاركة في معركة الدفاع عن الوطن ضد المعتدين منذ الوهلة الأولى للحرب؛ أي: قبل ست سنوات وهي لا تدري ما هو مصيره أحي هو أم ميت، المهم أنها سلمت أمرها إلى الله، ولم تستسلم ولم تترك فرصة أمام طوفان الوهن ليحرفها عن الطريق القويم، فقد قررت الالتحاق بجمعية المرأة وهناك تعرفت على نساء وصفتهن ببنات الحلال، قمن بالتعرف على ظروفها ومنها اتجهت نحو تعلم مهنة الخياطة، في البداية لاقت مشقة وعناء في التوفيق بين مهمة العناية بأطفالها الثلاثة الرضيع عمر ونبيلة في الرابعة ووفاء في الثانية والنصف.. لم يقصر فاعلوا الخير في مساعدتها من الجيران والتجار والجمعيات الإنسانية في بداية سنوات الحرب.
“أم عمر” تمكنت من النجاح بتفوق دفعها إلى التقدم بطلب منحة من الهيئة العامة للزكاة، الأخيرة بدورها منحتها على ماكينة خياطة ومستلزمات بسيطة من خلالها واصلت المشوار في مواجهة صعوبات الحياة وتحديات فقر أسرتها وأسرة زوجها اللتان تركتا الأم مع ثلاث من الأطفال يواجهون قساوة الحياة في بيت الإيجار الذي كان لإمرأة طيبة صبرت عليها في تأجيل بعض الإيجارات ومسامحتها في بعض.
مشروعها الصغير بحمد الله حظي بقبول جيد وفتح الآفاق أمامها تعاون أصحاب محلات بيع ملابس أطفال أخذوا منها منتجاتها من الملابس الجاهزة، وهي الآن تعيش في المدينة صنعاء من دخل هذا المشروع البسيط بل وتساعد أسرتها وكذلك أسرة زوجها في القرية.. لا تزال متمسكة بأمل أن يعود أبو عمر، ولا تفكر حاليا بشيء سوى إكمال المشوار في تربية أطفالها وتعليمهم.
ونجاح آخر
من جهتها، قالت المواطنة ف.ن: بعد استشهاد زوجي بداية العدوان، اضطررت إلى تحمّل مسؤولية تربية طفلي، ولأنّني لا أملك مصدر دخل، فقد بحثت عن عمل أستطيع من خلاله توفير متطلبات الحياة الأساسية لي وله، عملت في مركز تجاري تركته بعد مدّة وجيزة بسبب سوء معاملة صاحب المركز ومماطلته في سداد الرواتب، إلى جانب أنّ مردوده المادي كان ضعيفاً بالمقارنة مع ساعات العمل المطلوبة.
أم سامر أوضحت “خلال فترة عملي في المركز التجاري تعرّفت إلى مستوردي ملابس بالجملة، لذا قرّرت شراء بضاعة منهم ثمّ رحت أبيعها في الحيّ حيث أسكن.. فأتت النتيجة جيّدة، وقد سُجّل إقبال كبير على ما أبيع في فترة قصيرة.. وهذا شجّعني على فتح محلّ في بلدتي، وصار لديّ اليوم مصدر دخل ثابت وتحسّنت حالتي الاقتصادية كثيراً.”
وتؤكد أم سامر أنّ النساء في اليمن يعشنَ أوضاعاً بالغة السوء وهنّ في حاجة ماسة إلى العمل لمساعدة عائلاتهنّ، مشددة على ضرورة أن يغيّر المجتمع نظرته إلى المرأة العاملة، داعية حكومة الانقاذ والهيئة العامة للزكاة ومؤسسات الإنتاج الزراعي والصناعي والشهداء والجرحى إلى مضاعفة جهودهم في مساعدة النساء وإلحاقهنّ بسوق العمل بعد تأهيلهنّ.
حياة قاسية
في اليمن نعم، تدفع المرأة اليمنية فاتورة العدوان الجائر على البلاد منذ ستة أعوام، خصوصا من فقدن أزواجهن وأقاربهن بسبب العدوان والحصار فأضطررن إلى تحمل مسؤولية إعالة أسرهن والحفاظ عليها من التفكك.
هذا بالاضافة إلى أن الوضع العام باليمن يحمل المرأة المسؤولية بجانب الرجل، وربما في بعض الأحيان تضطر لتحمل المسؤولية كاملة، إما بسبب فقد العائل وظيفته أو حرفته، أو انعدام فرص العمل، أو بسبب انخراطه في جبهات أو اغترابه وغيابه.
ظروف مجتمعة أجبرت نسوة على اقتحام سوق العمل والبحث عن مهن ذات أجر زهيد بل ومهن لم يكن يمارسها إلى وقت قريب سوى الرجال.
إلا أن المرأة اليمنية بذلك غيرت النظرة السلبية عن وجود المرأة في سوق العمل وخاصة في بعض الأعمال والمهن، إذ حولت بقوة إيمانها في حقها في العيش الكريم نظرة الاستهجان وعدم القبول أو ما يعتقده البعض بأنها مهن غير ملائمة ولائقة بالمرأة إلى نظرة احترام وتقدير بل وتتلقى التشجيع والدعم عبر مشاريع “الأسرة المنتجة” التي تتبناه الهيئة العامة للزكاة، ومؤسسة بنيان التنموية، ورجال الأعمال، وبعض المنظمات الإنسانية العاملة في اليمن.
ناهيك أن نساء في بعض المدن اليمنية وجدن أنفسهن يعملن في بيع الخضروات والفواكه والقات وبالحال ذاتها نجد نساء في معظم قرى اليمن يمارسن أعمالا وحرفا يدوية وبشكل متواصل كصناعة الحصير والحباكة وصناعات الفخار والزراعة.
كما يجدر بنا ألا ننسى دور المرأة في القرى والبلدات الريفية اليمنية من خلال ممارسة الأعمال التقليدية كجمع الحطب والرعي ونقل المياه في الجبال، والقيام بالكثير من الأعمال المرتبطة بالزراعة والاهتمام بالأرض إلى درجة أن إسهاماتها تفوق دور شريكها الرجل في كثير من الأحيان.
كما أن هناك نساء أخريات يبتكرن لأنفسهن مشاريع أسرية منتجة كالمخابز الخاصة بصناعة المعجنات والخبز والحلويات والطعمية والشبس والآيسكريم، وبيعها لمحال تجارية أو بيعها بصورة مباشرة في الأحياء ذاتها، وخاصة في العاصمة اليمنية صنعاء أو غيرها من المدن.
المعلمة اليمنية هي الأخرى لجأت إلى ابتكار مشروع إضافي، فهي المعلمة في المدارس الحكومية صباحا في تحد صارخ لظروف توقف الراتب ووفاء لوطنها وحق أبنائه في استمرار العملية التعليمية رغم كل التحديات، ولها مدرسة مصغرة لتعليم الأطفال في المنزل؛ فكرة لاقت إقبالا غير متوقع، خصوصا لدى الأسر المقتدرة على دعم أن يتلقى أطفالها تعليما متفوقا.