صيادو الحديدة .. بين أنياب أسماك القرش وشباك القراصنة !!

قضايا الصيادين متعددة، ومآسيهم لا تعد ولا تحصى، فلم يعد البحر ملاذهم الآمن ومصدر رزقهم الوفير كما في السابق، هو اليوم بؤرة الخوف وساحة الصراع من أجل البقاء، وبالنسبة لصيادي الحديدة كما هو حال غالبية الصيادين اليمنيين لم يكن البحر غداراً، مؤخراً فقط صار كذلك .. ولم يعد الصيد مهنةً مغريةً على الإطلاق في وجود ثالوث مرعب يعترض طريق الصيادين بدءًا بالجرف الجائر والاصطياد العشوائي من قبل شركات دولية داخل المياه الإقليمية، التي قتلت الأحياء البحرية وهبرت الأسماك بعيداً، وحين يحاول الصيادون ملاحقتها يجدون أنفسهم في مواجهة غير متكافئة مع قوات إريترية لا تهتم كثيراً للقوانين الدولية أو حقوق الجوار، فتقوم بقتل الصيادين ومصادرة قواربهم، ومن ينجو من نيران القوات الإريترية يقع في شباك القراصنة، ومن يفلت من الشباك يواجه خطراً ثالثاً ونيران قادمة من بارجات أو أساطيل بحرية تتبع ما بات يُعرف بالقوات الدولية التي تواجدت في المياه الإقليمية اليمنية بذريعة محاربة القرصنة .

*آدمية منتهكة*

دقّ ناقوس الخطر مع ظهور مروحية تحوم فوق قارب صيد يمني صغير يقطع مياه البحر الأحمر، لتظهر بعدها سفينة حربية توجّه بنادقها نحو القارب مطلقة وابلٌ من الطلقات شقّ المياه المحيطة بالقارب قبل أن تخترق هذه الطلقات الهيكل الخشبي الرقيق للقارب .
أصيب أحد الصيادين بطلقة في عينه وأصيب آخر في رأسه، بينما اشتعلت النيران في محرّك القارب .
قفز أفراد الطاقم من القارب وكان من بينهم بشّار قاسم البالغ من العمر 11 عاماً قبل دقائق كان الفتى يسحب الشباك من مؤخرة القارب، أما الآن فهو يجدّف بيديه كي ينجو بحياته وسط الحطام المشتعل والجثث الطافية والناجين المتشبثين ببراميل المياه الفارغة .
توقفت السفينة الحربية عن إطلاق النيران مع رؤية القارب وهو يغرق داخل المياه،
قال بشّار: “دارت السفينة حولنا عدة مرات لتتأكد من غرق القارب، ثم انطلقتْ بعيداً.”

*من يقاوم يُقتل*

“الممارسات والانتهاكات التي تطال صيادو الحديدة في سواحل البحر الأحمر قد تجاوزت حدود الاختطاف من قبل القوات الإريترية في المياه الإقليمية ومصادرة قواربهم والزج بهم في السجون، إلى الاعتداء الجسدي والتعذيب والقتل العمد للبعض منهم” وفقا لشهادات موثقة لبعض الصيادين الذين نجو من تلك الجرائم الوحشية المتتالية المرتكبة بحقهم من قبل دول التحالف منذ بدء عدوانهم على اليمن .

ففي لقاءات أجريت معى الصيادون ، أدلى فيها احد الناجون منهم بشهادات مروّعة لواحده من تلك الجرائم والمحن التي عاشوها؛ كتلك المروحية الهجومية التي حلقت مرات عديدة فوق رؤوس الصيادين البالغ عددهم 86 صيادًا كانوا على متن قواربهم الستة، لقى 50 صياداً منهم مصرعهم، قبل أن تمطرهم بوابل من الرصاص؛ والصيادين الذين قفزوا من القوارب المشتعلة ليجدوا أنفسهم وسط مياه مشتعلة، والناجين الذين ظلوا في المياه أياماً متواصلة يشاهدون في يأس أصدقاءهم وأشقاءهم وهم يلقون حتفهم تحت الأمواج .

وصف الناجون المدفعي الذي كان يرتدي زيّاً عسكريّاً عند باب المروحية والذي تجاهل توسلاتهم بوقف إطلاق النيران، يقول عبده أفداه، 30 عاماً، الذي أصيب بطلق في يده أثناء تشبثه بالقارب المقلوب: “ رفعنا الأسماك بأيدينا لنؤكد له أننا لسنا مصدر تهديد، لكنه استمر في إطلاق النيران ” فيما وصف فايز عبدالله، 24 عاماً، ظليت أسبح في المياه المحيطة بنا بحثاً عن ناجين آخرين “وكلّ ما عثرت عليه كان جثة مقطوعة الرأس ”

“ اتخذت النيران شكل حلقة كنت أنا في منتصفها.” هكذا علّق أحمد البحيري، وهو يرفع ملابسه ليكشف عن آثار الحروق البالغة على جسده، وهو احد الناجيين من الهجوم على قاربهم الذي لقى فيه تسعة صيادون مصرعهم .

*اعتقال تعسفي، وتعذيب، وسوء معاملة*

تواجد البوارج الحربية والسفن التابعة لقوى العدوان بالقرب من الشريط الساحلي ، أثر كثيراً على قدرة الصياد بالتعمق أكثر في البحر، لأن ” الأسماك الاقتصادية ذات المردود المالي موجودة في الأعماق وبالتالي لا يستطيع الصياد الوصول إليها “، حيث يتعرض الصيادون للأحتجازات والأعتداءات التعسفية المستمرة ومصادرة قواربهم وممتلكاتهم وأيداعهم بالسجون من قبل السلطات السعودية والامارتية والإريترية بدون أٌسس قانونية كان اخرها احتجاز 83 صيادا من محافظة حجة والحديدة بالسجون السعودية .

احد الصيادين العائدين من السجون السعودية تحدث عن المعاملة الوحشية التي تعرضو لها خلال فترة اعتقالهم الاخيرة في منشأة أحتجاز قرب ميناء جآزان قائلاً : واجهنا معاملة سيئة أثناء استجوابهم لنا بلغت حدّ التعذيب، عصبوا على أعيننا وقيدوا أيدينا وضربونا بكابل… كنت أفقد الوعي. كل ليلة لمدة 15 يوما. جميعنا خضعنا للتحقيق وتعرضنا للضرب… كانت هناك دماء… كانوا يستجوبوننا لساعات. كنت أذهب إليهم بنفسي، من خلال الضرب والأصوات التي كنت أسمعها، كنت أشعر أن 3 أو 4 أشخاص كانوا يضربونني بطرق مختلفة وفي أماكن مختلفة – على رجلي وصدري وخصري ومؤخرتي. كما علقوني على أنبوب من ذراعي ورجلي، ثم أسقطوني، كانوا يقولون “أنت حوثي… اعترف بأنك حوثي وسوف نتوقف عن هذا” في الأخير بصمتُ لهم على ورقة دون أن أقرأها بعدها “ وقف أحد الجنود لالتقاط صورة معنا في محبسنا وقال “ نأسف إن كنا قد آذيناكم.” وحذرونا من التحدث عما حصل لنا بعد أن نعود إلى اليمن، ومايزال هناك صيادين يمنيين محتجزين أوضاعهم ، غير معروفه .

*أسترزاق أُممي وتواطئ دولي*

منظمة ” هيومن رايتس ووتش ” الدولية المعنية بالدفاع عن حقوق الانسان والدعوة اليها قالت أن البوارج والسفن البحرية والمروحيات الحربية التابعة للتحالف بقيادة السعودية نفذت على الأقل 5 هجمات قاتلة على قوارب صيد يمنية منذ 2019. وأكدت مشاركة سفن حربية ومروحيات تابعة للتحالف في هجمات أسفرت عن مقتل 47 صيادا يمنيا على الأقل، منهم 7 أطفال، واحتجاز أكثر من 100 آخرين، بعضهم تعرض للتعذيب أثناء الأحتجاز في السعودية. وافادت بقولها ” يبدو أن هجمات التحالف على الصيادين ومراكب الصيد كانت متعمدة، واستهدفت مدنيين وأعيانا مدنية في انتهاك لقوانين الحرب “. مسؤولو التحالف الذين أمروا أو نفذوا الهجمات أو عذبوا المحتجزين متورطون على الأرجح في جرائم حرب .

بريانكا موتابارثي، مديرة قسم الطوارئ بالنيابة في هيومن رايتس وواش: ” هاجمت قوات التحالف البحرية بشكل متكرر مراكب صيد وصيادين يمنيين دون التأكد من أنهم أهداف عسكرية مشروعة. قتلُ الصيادين رغم أنهم كانوا يلوحون بأقمشة بيضاء، أو ترك طاقم المراكب المحطمة يغرقون، هي جرائم حرب”.
قابلت هيومن رايتس ووتش ناجين وشهود ومصادر مطلعة على 7 هجمات استهدفت مراكب صيد : 6 منها حصلت في 2018 وواحدة في 2016. في 5 من هذه الهجمات مات مدنيون، نفذت قوات التحالف الهجمات باستخدام أسلحة صغيرة وثقيلة، شاركت سفن بحرية ومروحيات في الهجمات من مسافات قريبة، ولذلك كان ينبغي أن تكون الطبيعة المدنية لمراكب الصيد بارزة ” لوّح الصيادون بأقمشة بيضاء ورفعوا أيديهم ليظَهروا أنهم لا يشكلون أي خطر. في 3 من هذه الهجمات، لم تحاول قوات التحالف إنقاذ الناجين الذين سقطوا في البحر، فغرق الكثير منهم .

ينصّ “دليل سان ريمو بشأن القانون الدولي المطبق في النزاعات المسلحة في البحار”، الذي يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه يعكس قوانين الحرب العرفية في البحر، على أن تفعل القوات المهاجمة كل ما بوسعها حتى تقتصر هجماتها على الأهداف العسكرية. يُفترض اعتبار المراكب مدنيّة ما لم تكن تحمل تجهيزات عسكرية أو تشكل خطرا مباشرا للسفينة المهاجمة، وتُستثنى “المراكب الصغيرة المخصصة للصيد على السواحل” من الهجمات، ويتعين على هذه المراكب الخضوع لتحديد الهوية والتفتيش عند الاقتضاء، والامتثال للأوامر، بما فيها أوامر التوقف أو الابتعاد عن الطريق. كما تفرض قوانين الحرب على أطراف النزاع، كلما سمحت الظروف وخاصة بعد الاشتباك، اتخاذ جميع التدابير الممكنة للبحث عن المصابين والغرقى وانتشالهم .

قالت هيومن رايتس ووتش إن التحالف بقيادة السعودية واظب على عدم التحقيق في جرائم الحرب المزعومة وغيرها من الهجمات غير القانونية، ومنها تلك التي استهدفت مراكب الصيد، ولا توجد معلومات عن تعرض أيّ عناصر من التحالف إلى التأديب أو المحاكمة بسبب مهاجمة مراكب الصيد اليمنية في البحر الاحمر .

*أخيراً ودعناهم*

هذه الاعتداءات المجتمعة وغيرها الكثير لم يسع المجال لذكرها هنا جعلت الصياد اليمني يعيش حرب غير معلنة من قبل قراصنة تحالف العدوان يكون فيها الحلقة الأضعف، وبالتالي يتكبد خسائر فادحة .
فما بين الاعتقالات والمصادرات الإريترية، وزمجرات البحر غير المقدور على صدها يتحول الصيادون من مالكي قوارب الى فقراء معدمين يعملون بالأجر اليومي .

ودعناهم وهم لايزالون يبحثون عن وطن، كالأسماك التي تعيش بلا وطن مشوار تعب وشقاء سيبقى وصمة عار على جبين تحالفاتهم .. إنها سيرة ألم يحترق فيها صيادو الحديدة السمر، الذين ما تعودوا على قول لا .. لا .. لسياسة الهدم والإفقار .. لا لسياسة التجويع ولا للذين يحتالون على منجزات الوطن ومقدراته، فالصيادين هم عشاق البحر والرزق الحلال، ولابد من بلوغهم لثمرة نضالهم وتضحياتهم الكريمة ..

قد يعجبك ايضا