الدور البريطاني في اليمن.. من العدوان إلى الاحتلال
أعلنت بريطانيا قبل أيام عن تعرض أحد سفنها لهجوم بحري بالقرب من شواطئ بلدتي “نشطون” و”قشن”، التابعتين لمحافظة المهرة، وأثارت هذه المزاعم حفيظة اغلب اليمنيين لا سيما في المحافظات الجنوبية، سيما وانها أعادت الذاكرة إلى عام 1837م حين زعمت بريطانيا أن سفينة تابعة لها تدعى “دريادولت” جنحت بالقرب من ساحل عدن، كما زعمت أيضاً أن سكان عدن هاجموا السفينة ونهبوا بعض حمولتها، لتستخدم تلك القصة المختلقة كمبرر لفرض تدخل عسكري باحتلال عدن ومن ثم الجنوب، غير أن مراقبين يرون أن ما حدث في القرن قبل الماضي لن يتكرر اليوم مرة أخرى بعد أن تكشفت حقائق وبراهين أسباب الحرب على اليمن.
بريطانيا تحاول اليوم أن تعيد المسرحية الهزلية عبر تبريرها للتواجد العسكري الأمريكي شرق اليمن سواءً على الأرضي اليمنية كبناء قاعدة عسكرية أمريكية كما تتحدث التسريبات أو لفرض تواجد عسكري أمريكي بحري على المياه الإقليمية اليمنية والذي كُشف عنه مؤخراً خلال لقاء مساعد وزير الخارجية الأمريكي بقائد الجناح العسكري لحزب الاصلاح، علي محسن الأحمر في الرياض، هذه المسرحية حسب مراقبين تعيد التذكير بالتبريرات التي ساقتها لندن لاحتلال جنوب البلاد وفرض تواجد عسكري في عدن لأكثر من 127 عاماً.
ومن البديهي ان تتضح الصورة فالحرب على البلاد تقودها واشنطن وتساعدها في ذلك لندن، باعتبارهما أول دولتين والأكثر على الإطلاق من بين الدول التي تزود السعودية والإمارات بالسلاح الذي يستخدم في العدوان على اليمن خلال السنوات الماضية.
وكانت قوات أمريكية وسعودية مشتركة، نفذت في نهاية الشهر الماضي عمليات انتشار واسع في سواحل المهرة.
وتزامن ذلك مع اعلان القيادة المركزية الامريكية تنفيذ مناورات بحرية قبالة السواحل الشرقية لليمن عقب زيارة مفاجئة للسفير الأمريكي لدى اليمن لهذه المحافظة الواقعة على بحر العرب والتي تطمح السعودية للسيطرة عليها.
عقب ذلك قام السفير الأمريكي لدى اليمن كريستوفر هينزل بزيارة الى المهرة حيث التقى بالمحافظ المعين من الفار هادي وقيادات عسكرية موالية للعدوان.
ولا يقتصر التحركات في السواحل الشرقية لليمن على الجانب الامريكي فالمستعمر البريطاني دخل على الخط، وهو ما يتضح من خلال مزاعم الهجوم على سفينة تابعة له على بحر العرب قبالة سواحل محافظة المهرة، والتي أتت بعد أيام قليلة من زيارة السفير الأمريكي التي قال إنها بشأن “الإرهاب” في المنطقة.
الدعم البريطاني للانفصال
وعلى الشق السياسي فإن نظرة شاملة لمستوى الحضور البريطاني وراء ما يسمى اتفاق الرياض، من خلال السفير البريطاني لدى اليمن، والمبعوث الأممي البريطاني الجنسية مارتن غريفيث، ووجودهما القوي في تفاصيل الصراع الحاصل في جنوب اليمن بين فصائل العدوان سواء الموالية للسعودية او الامارات سيدرك خطورة الدور البريطاني، فهي أول دولة تمد يدها لدعاة الانفصال، واحتضنت قيادات منهم كما رعت عدة فعاليات لهم.
اما السفارة البريطانية اثناء تواجدها بصنعاء فدائماً ما كانت قريبة من الفصائل الجنوبية والحركات الداعمة للإنفصال.
بقول احد المراقبين أن نظرة إلى سطحية الى ما يسمى بالمجلس الانتقالي الجنوبي، منذ نشأته وخطوات تأسيسه تنبئ عن تفاصيل كثيرة للسياسات البريطانية القديمة التي تتكرر بحذافيرها.
وتتفق مصادر تاريخية عدة في طبيعة السياسات البريطانية التي اعتادت على استخدامها في اليمن قديما وحديثاً، حيث كانت تحرص ايام احتلالها لجنوب اليمن على تمزيق أوصال المجتمعات المحلية، وتكريس الكراهية داخل الجنوب، وبين جنوب اليمن وشماله، وتحفيز النزعات الانفصالية، وتغذية الصراعات، وهو ما يتكرر اليوم في أبين والضالع ومن قبلها في عدن وشبوة وحضرموت.
مبرر اليوم
وبالعودة الى الهجوم الغامض الذي استهدف سفينة تابعة للبحرية البريطانية قبالة سواحل المهرة شرقي اليمن بحسب المزاعم البريطانية، فيتفق جميع السياسيين بمختلف اتجاهاتهم – باستثناء الانفصاليين- يلتقون عند نقطة أن الحادثة اتت ذريعة أخرى لتكريس التواجد العسكري الامريكي السعودي في المهرة وسواحلها.
وجاء الرد على هذه المزاعم عبر مشائخ المهرة وعدد من الناشطين بينهم صالح المهري، حيث اكدوا أن السفينة التجارية البريطانية UKMTO-IO لم تتعرض للاعتداء كما نشرت بعض وسائل الإعلام العربية والدولية.. مؤكدين ايضا ان السفينة كانت قادمة من ميناء جبل علي في الإمارات ودخلت إلى المياه الإقليمية اليمنية التي تسيطر عليها قوات تحالف العدوان دون أي تصريح أو أذن مسبق، ولتتوقف بشكل مريب في ( 4 ديسمبر 2020 )، لتبدأ بتفريغ حمولة مشبوهة يرجح أنها “أسلحة خفيفة ومتوسطة ومخدرات” اعادت الامارات والسعودية على ادخالها الى اليمن وذلك باعترافات مسبقه جاءت على لسان وسائل الإعلام المحسوبة على الفار هادي وما يسمى بالمجلس الانتقالي.
ومع تواجد البوارج التابعة لتحالف العدوان في تلك المناطق والتي منعت وتمنع الصيادين من أبناء المهرة واليمن من الدخول إلى المياه الإقليمية إلا أنها لم تتحرك نهائياً مع دخول تلك السفينة وافراغها لحمولتها لتصدر بلاغاً إلى خفر السواحل في ميناء نشطون والتي وصلت الى السفينة في تمام الساعة الواحدة بعد منتصف الليل ليوم (5 ديسمبر 2020) لتطلق طلقات تحذيرية بحسب قوانين الملاحة الدولية، ولكن بعد أن كانت القوارب الصغيرة قد نقلت الشحنة و المواد المشبوهة من السفينة البريطانية UKMTO-IO.
ومما يثير الشبهة أن القوات السعودية المتواجدة في المياه الاقليمية اليمنية لم تتدخل وكان بلاغها للجهات الأمنية اليمنية رغم معرفتها بضعف الامكانيات لدى خفر السواحل اليمني .
وبعد هذا كله شرعت الصحف البريطانية في نشر الادعاءات عن تعرض السفينة UKMTO-IO للاعتداء وهو ما تناقلته وسائل الاعلام دون أن يكون هناك رد رسمي من الجهات المختصة في ميناء نشطون.
تكريس الوجود الأجنبي
وكانت بريطانيا زعمت في 17 مايو الماضي تعرض سفينة بريطانية قبالة سواحل المكلا لهجوم وجاء الهجوم بعد تحركات وزيارات قام بها السفير الامريكي لمحافظة حضرموت.
ما يدلل على وجود مخطط لتكريس الوجود الأجنبي هو ما ذهب اليه السفير الأمريكي بقوله: إنه سيجري التعامل مع الوضع باعتبار ما تعرضت له السفينة البريطانية تهديد لحركة التجارة العالمية، في منطقة تعتبر ممرا تجاريا قريبا من سواحل عمان ومضيق هرمز وهو موقع استراتيجي وممر حيوي دولي للتجارة العالمية ومنها النفط والبضائع الأخرى.
فضلا عن الانتشار المكثف للقوارب العسكرية السعودية في سواحل المهرة ، وخصوصا في الساحل الشرقي للمحافظة من قبالة “ميناء نشطون” وصولا إلى ساحل مديرية “حصوين”.
ويتضح أن أمريكا وبريطانيا وعبر ادواتها السعودية والامارات يريدون تعزيز وجودهم في المهرة تحت لافتة محاربة “الارهاب”، وهو إرهاب مفتعل ولا وجود له على ارض الواقع.
ومما يدحض أيضا افتراءات أمريكا وبريطانيا بمحاربة “الارهاب” هو ما كشفته صحيفة “ديلي ميل” البريطانية العام الماضي أن “قوات الكوماندوز البريطانية تشارك بشكل مباشر في العدوان على اليمن”، مشيرة إلى “جرح عدد من أفرادها في اشتباكات مع الجيش اليمني واللجان الشعبية”.
وأشارت إلى ان “القوات البريطانية تقاتل إلى جانب المليشيات ومن وصفتهم بالمتشددين الذين يصنفوا في بريطانيا كإرهابيين منهم مجندين تتراوح أعمارهم بين 13 و14 سنة فقط جندهم مشائخ يمنيون لصالح القوات السعودية”، كاشفةً أن “5 آلاف كرتون لزجاجات الماء كانت ممتلئة بالزجاجات التي لم يتم استخدامها بعد جديدة تم إتلافها لإخفاء أي شيء يكشف عن عملية التدريب التي تلقتها مجموعة معارك الدبابات الملكية البريطانية، في عمان في مناخ وتضاريس شبيهة بتلك الموجودة في اليمن”.
وأكدت أنه “تم إصدار تعليمات للقوات البريطانية بتدمير العبوات والكراتين لإخفاء ما حدث وحتى لا يكشف حجم القوات الكبيرة التي تشارك بالقتال المباشر ضد الجيش واللجان الشعبية”، مشيرة إلى أن “المسؤولين بوزارة الدفاع البريطانية تهربوا من الإجابة على هذه الأسئلة المتعلقة بعمليات التدريب السرية في عمان”.