صلف الحرب وحصاره يحول السرطان في اليمن إلى عقوبة إعدام
لا تكمن المشكلة في توفر الأدوية فقط، فمن انعدام مستلزمات نقل الدم إلى محاليل فحصها ومستلزمات العمليات وكذلك أدوية التخدير والإنعاش والمحاليل وأجهزة تشخيص أنواع الأورام تتفاقم معاناة مرضى السرطان إلى جانب تعذر الحصول على الأدوية ومع دخول كثير من مراكز علاج الأورام السرطانية مرحلة الانهيار بسبب الحصار الجائر فإن هذا المرض أصبح في كل يوم يفتك باليمنيين وما زاد الطين بلة توقف البرنامج الوطني للإمداد الدوائي والمركز الوطني لعلاج الأورام عن توزيع الأدوية المجانية للمرضى الذين لم يعد أمامهم سوى البحث عنها في السوق التجارية، وأمام عجز الآلاف عن دفع ثمنها فإنهم يواجهون المصير المحتوم وعذاب الموت البطيء.. تفاصيل أكثر في السطور القادمة:
الثورة / حاشد مزقر
تلك مأساة كل مريض بورم سرطاني (عالي الجعشني) واحد من هؤلاء يعرفه الناس بوجهه الشاحب وجسده النحيل الذي اثقل كاهله المرض وهو دائم التردد على المركز الوطني للأورام في أمانة العاصمة ..وهو الذي قادته ظروف الحياة ليعيش واقعا مريرا مع سرطان اللثة وعمره اليوم 50 عاماً أصبح طريح الفراش يعاني المرض ويكابد أوجاع الألم مما جعل ابنه الأصغر (ودود) يتحمل مسؤولية 4 بنات بالإضافة إلى والديه (الأب والأم) وتكاليف العلاج باهظة الثمن والتي لم يعد قادرا على تأمينها بعد انقطاع الأدوية من القطاع العام وارتفاع أسعارها في الصيدليات حتى بعد ما اضطرته الظروف القاهرة للخروج من مدرسته إلى الشارع والقرية والمدينة «حاملاً أوجاع والده في قلبه».
لم يعد هناك قريب أو صديق لوالده إلا وطلب «ودود» منه المساعدة كما يقول ويضيف : “أصبحت ظروف الناس صعبة للغاية بسبب انقطاع الرواتب، وعدوان الآثمين على اليمن، وليس لي خيار آخر غير مشاركة والدي في آلامه وأوجاعه».
مرارة المرض
ما إن يغادر (عصام) المستشفى بعد إعطاء ولده (وسيم) جرعة علاج كيماوي لمرض سرطان الدم (اللوكيميا) حتى يقوم بإخفاء وجهه لكي لا يتعرف عليه أحد من أصدقائه أو جيرانه فهو لا يريد أن ينظر إليه الناس بنظرة شفقة.. يقول: منذ أربع سنوات وأنا أجوب المستشفيات باحثاً عن الشفاء لابني الذي لا يتجاوز عمره العاشرة ومع كل مساء أذهب لعملي كحارس في إحدى الشركات الخاصة لأعود إلى منزلي مع حلول منتصف كل ليلة و لأجني مع نهاية كل شهر مبلغا زهيدا لا يتجاوز الـ 40 ألف ريال والذي لا يوفر نصف ثمن الأدوية علاوة على طعام وحاجيات زوجتي وأطفالي الثلاثة.
وأضاف: كنت قبل أن تبدأ السعودية عدوانها على اليمن احصل على الأدوية من البرنامج الوطني للإمداد الدوائي ولو بشيء من الصعوبة أما الآن لم يعد أمامي غير الصيدليات التجارية والتي أصبحت تبيع الأدوية بأسعار باهظة لقد بعت الكثير من أثاث المنزل وأصبحت غارقا في الديون من اجل بقاء ابني على قيد الحياة.
معاناة وحرمان
ثقيلة هي الأيام وهي تمر على المرضى وهم يعانون الآلام الشديدة لمرض السرطان الذي لا يميز بين كبير وصغير، كما هو حال الطفلة عبير جعمان» ذات التسعة أعوام الذي يفتك السرطان بجسدها الضعيف ولم تعد تمتلك من الحياة إلا القليل من النظرات توزعها هنا وهناك وعيناها تذرفان الدموع من شدة الألم والوجع وهي مستلقية على فراش المرض وتحت نظرات والديها المكلومين قهراً على ابنتهما في ظل انهيار النظام الصحي والذي دمرته دول الشر.
«عبير» التي تعاني بجانب المرض من سوء التغذية جراء عوز وفقر أسرتها، ترقد في مستشفى الثورة بصنعاء إلى جوار عشرات المرضى الذين يترددون من محافظات يمنية عدة على مركز علاج أمراض السرطان بحثاً عن بصيص أمل في تخفيف آلام المرضى والبقاء على قيد الحياة.
11ألف حالة جديدة كل عام
أشار تقرير لمنظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة في سبتمبر 2020م إلى إنه يوجد في اليمن حوالي 35 ألف مريض بالسرطان، مضيفة أنه يتم تشخيص 11ألف حالة جديدة كل عام في البلاد.
وحذرت المنظمة من وفاة هؤلاء المرضى إن لم يتوفر التمويل اللازم لعلاجهم.. وشددت المنظمة على أنه “لا ينبغي أن يعد السرطان بمثابة عقوبة إعدام لكنه في اليمن أصبح كذلك”.. وأوضحت أن الكثير من اليمنيين لا يستطيعون تحمل تكاليف العلاج ويضطرون للبقاء في منازلهم دون علاج في انتظار الموت الذي قد يوقف آلامهم.. وبحسب تقريرها الأخير توضح منظمة الصحة العالمية أن سرطانات الجهاز الهضمي تمثل في اليمن ما نسبته 8.13% يليه سرطان الفم واللثة بنسبة 7.10 % وهذا نوع من السرطان ينتشر في الحديدة بشكل خاص ثم سرطان الغدد اللمفاوية بنسبة 5.10% وسرطان الثدي 4.10 فيما تمثل نسبة سرطان الدم 9.8%.
ولاشك أن هذه الأرقام والحقائق مهولة لكنها رغم ضخامتها أقل بكثير من الحقيقة إذا ما أدركنا أن المجتمع اليمني ريفي بتكوينه وأن عدداً كبيراً من الريفيين يموتون بعيداً عن أروقة المستشفيات من دون أن ترصدهم الإحصاءات الطبية.
التشخيص المتأخر
وبحسب تقرير منظمة الصحة العالمية، فإن مرضى السرطان في اليمن، لا يخضعون للتشخيص إلا في مراحل متأخرة مبينة أن نسبة سرطان الثدي تمثل 25% من أنواع السرطانات التي تصيب نساء اليمن وأضافت المنظمة التابعة للأمم المتحدة في تقرير نشر على موقعها الإلكتروني، إنه “في بلد يعاني من تدهور حاد وغير مسبوق في الوضع الاقتصادي والإنساني جراء الصراع المستمر، تمثل نسبة سرطان الثدي خمسة وعشرين بالمائة من أنواع السرطانات التي تصيب نساء اليمن”.
وأكدت أنه في ظل غياب فرص التشخيص المبكر، فإن المرضى لا يخضعون للتشخيص إلا في مراحل متأخرة قد لا يكون فيها العلاج الشافي خياراً متاحاً أمامهم بعد ذلك.. وأشار التقرير إلى أن المنظمة والبنك الدولي وفرا من خلال مشروع الصحة والتغذية الطارئ جهاز التصوير الإشعاعي للمستشفى الجمهوري بصنعاء بهدف زيادة الوصول إلى الكشف عن سرطان الثدي في مراحل مبكرة، الذي من شأنه تحسين حصائل سرطان الثدي وتحسين معدلات بقايا مرضاه ويظلّ حجر الزاوية لمكافحة هذا المرض.. وأوضح أن هذا المشروع يعمل على إبقاء المرافق الصحية في اليمن قيد التشغيل مبيناً أن نحو 16.4 مليون شخص في اليمن في حاجة ماسة إلى الرعاية الصحية وكثير من المرافق الصحية في اليمن تفتقر إلى الموارد الأساسية، مثل الوقود والمياه والسلع الأساسية التي أصبحت نادرة.
تداعيات العدوان
فاقمت الأوضاع السياسية والاقتصادية المأزومة التي تعيشها اليمن معاناة مرضى السرطان حيث أدت إلى حرمان كثير منهم من الأدوية في المستشفيات الحكومية والتي يكلف شراؤها أثمانا باهظة ومع شن العدوان السعودي لأولى غاراته على بلادنا في 26 مارس 2015 واستهدافه للقطاع الصحي بكل ضراوة وفرضه حصارا اقتصاديا شاملا تدهور الوضع الصحي لمرضى السرطان بعد أن انعدمت الأدوية في المستشفيات التابعة لوزارة الصحة وأصبح معظم مرضى السرطان لا يتمكنون من الحصول على جرعاتهم العلاجية بشكل منتظم لأنها تكلف مبالغ كبيرة في القطاع الخاص ولكن حتى الخدمات الطبية لمرضى السرطان لم تعد أغلبها متوفرة لدى القطاع التجاري مما أدى إلى تدهور حالة المرضى الصحية وتزايد حالات الوفاة وهناك العديد من الأدوية التجارية لا تزال متوفرة في الأسواق لمرض السرطان تكلف في الحد الأدنى (200 دولار) وتصل بعض الجرع منها إلى (500 دولار) في وقت يعيش فيه اليمن مرحلة تدهور حاد للعملة المحلية جراء حرب العدوان الاقتصادية بحيث أصبح الحصول على العلاج صعب المنال.