تحتفي دول العالم اليوم الثلاثاء باليوم العالمي للإحصاء والذي يصادف الـ20 من أكتوبر كل خمسة أعوام، لتسليط الضوء على أهمية الإحصاء في التنمية، وإبراز أهمية الثقة والبيانات الموثوقة والابتكار في النظم الإحصائية الوطنية.
ويأتي الاحتفال هذا العام تحت شعار (ربط العالم بالبيانات التي يمكننا الوثوق بها)، وهو الشعار الموحد من قبل اللجنة الإحصائية التابعة للأمم المتحدة انطلاقا من أهمية وجود بيانات موثوقة في العالم الذي نعيش فيه اليوم، وقد اقتصر الاحتفال على المنصات الإلكترونية نظرا للظروف الصحية الاستثنائية الحالية التي يمر بها العالم بسبب جائحة “كورونا”.
ويؤكد شعار هذه المناسبة الدور الحاسم الذي تؤديه المعلومات الإحصائية الرسمية العالية الجودة في إجراء التحليلات واتخاذ القرارات المستنيرة بشأن السياسة العامة دعما للتنمية المستدامة.
وجاء هذا الشعار تلبيةً للحاجة المتزايدة للإحصائيّات الموثوقة في ظل جائحة كورونا، وانتشار إشاعات وأخبار كاذبة ومضلّلة.. ويعكس ما تكتسبه القدرات الإحصائية الوطنية المستدامة من أهمية أساسية في إنتاج إحصاءات ومؤشرات موثوقة وآنية بشأن قياس ما يحققه أي بلد من تقدم.
وفي رسالته بهذه المناسبة التي تتزامن مع احتفال الأمم المتحدة بالذكري السنوية الـ75 لإنشائها قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش: “مع احتفال الأمم المتحدة بالذكرى السنوية ال75 لتأسيسها، ونشر العالم البيانات لمواجهة تحدٍ مشترك، فلنستخدم اليوم العالمي للإحصاء لتسليط الضوء على دور الإحصاء في النهوض بالتنمية المستدامة للجميع”.
وأكد أن الإحصاءات أساسية لعملية صنع السياسات القائمة على الأدلة، والبيانات الفعلية والمعول عليها وحسنة التوقيت والموثوقة تساعدنا على فهم العالم المتغير الذي نعيش فيه وعلى دفع عجلة التحولات اللازمة، دون ترك أحد خلف الركب.. مشيراً أن جائحة كورونا أسهمت في تعزيز أهمية البيانات من حيث إنقاذ الأرواح والتعافي بشكل أفضل.
وتابع قائلاً إن “إستراتيجية العمل من أجل تمكين الجميع من استغلال البيانات، في كل مكان، والتي أطلقناها مؤخرًا هي عبارة عن خطة لبذل جهود قائمة على البيانات من أجل تعزيز الرؤى المستمدة منها وأثرها وسلامتها بينما نسعى جاهدين إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة”.
وختم رسالته بالقول: “هذا اليوم يتيح لنا الفرصة للإعراب عن تقديرنا للإحصائيين في جميع أنحاء العالم الذين يعملون على توفير بيانات موثوقة، والالتزام بالمبادئ الأساسية للإحصاءات الرسمية، وبناء منظومات بيانات أكثر مرونة وقيمة”.. داعياً بهذه المناسبة إلى الالتزام بالاستثمار في الدور الحيوي للبيانات ودعمه في مواجهة تحديات عصرنا الحاضر.
هذا وقد تم الاحتفال بهذه المناسبة لأول مرة في العام 2010 بموجب قرار صادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث نظم ما لا يقل عن 40 منظمة من المنظمات والكيانات الدولية والإقليمية أنشطة في أكثر من 130 دولة وحقق نجاحا باهراً.
وفي عام 2015، قررت الجمعية العامة تخصيص يوم 20 أكتوبر 2015 ليكون اليوم العالمي الثاني للإحصاء تحت شعار (بيانات أفضل من أجل حياة أفضل)، والاحتفال باليوم العالمي للإحصاء كل 5 سنوات في 20 أكتوبر.
ويُعد الاحتفال الثالث باليوم العالمي للإحصاء لعام 2020 ذات أهمية قصوى لتزامنه بذكرى تأسيس الأمم المتحدة، فهو بمثابة مسعى تعاوني عالمي تنظمه اللجنة الإحصائية التابعة لهذه المنظمة الدولية.
وتُعد شعبة الإحصاء التابعة لإدارة الشؤون الاقتصادية بالأمم المتحدة هي المنسق العالمي للحملة، حيث تحدد الرسائل الرئيسية العالمية وتتيح موارد التوعية للبلدان والشركاء الآخرين من خلال ذلك الموقع.
وتعمل المكاتب الإحصائية الوطنية بوصفها مكاتب تنسيق وطنية تترجم المواد الترويجية إلى اللغات الوطنية وتنظم الفعاليات وجهود التوعية على الصعيدين الوطني ودون الوطني.. وتضطلع المنظمات الدولية بدور رئيسي في تضخيم الحملات على الصعيدين العالمي والإقليمي وتنظيم الفعاليات الخاصة بها.
ومن مظاهر احتفالية يوم الإحصاء العالمي 2020م.. منتدى الأمم المتحدة العالمي للبيانات.. الذي يجمع خبراء البيانات والإحصاءات والمستخدمين من الحكومات والمجتمعات المدنية والقطاعات الخاصة والهيئات الخيرية والوكالات الإقليمية والدولية والمجتمع الجغرافي ووسائل الإعلام والأوساط والهيئات الأكاديمية والمهنية لتحفيز الدعم السياسي والمالي رفيع المستوى للبيانات، وبناء مسار خاص لبيانات أفضل للتنمية المستدامة، ويجري اللقاء هذه السنة افتراضيًا بسبب جائحة كورونا.
بالإضافة إلى ندوة (LISA 2020) وهي برنامج لبناء قدرات التحليل الإحصائي وعلم البيانات في البلدان النامية، وتجري ندوة هذا العام أيضًا عبر الإنترنت.. وكذلك المؤتمر الدولي السادس للبيانات الضخمة، والذي أقيم في كوريا الجنوبية، وعبر الإنترنت أيضاً.
ويتم تطبيق الأساليب الإحصائية في جميع المجالات التي تنطوي على اتخاذ القرار، لإجراء استنتاجات دقيقة من مجموعة مجمعة من البيانات ولاتخاذ القرارات في مواجهة عدم اليقين على أساس المنهجية الإحصائية.
ويعتبر علم الإحصاء من العلوم المهمة التي تلبي الحاجات الملحة للمؤسسات المعاصرة التي تتبنى عملية التخطيط في اتخاذ القرارات بما ينسجم مع المؤشرات التي تتوصل إليها الدراسات الإحصائية.
والإحصاء هو العلم الذي يستعمل العمليات الحسابية المختلفة وتكون النتائج مبنية على المعطيات أي بنتائج مبنية على المنطق.
وتكمن أهمية علم الإحصاء في أنه استطاع في الآونة الأخيرة أن يضع أساليبه العلمية ونظرياته موضع التطبيق، إضافة إلى أهميته النظرية وفوائده التطبيقية الواسعة في الكثير من المجالات، كإحصاءات الدخل القومي، والتجارة الداخلية والخارجية، والإنتاج الصناعي والزراعي، وغيرها من الإحصاءات.
وأدى استخدام أجهزة الحاسوب الحديثة إلى تسريع العمليات الحسابية الإحصائية على نطاق واسع، كما أتاح إمكانية استخدام طرق جديدة غير عملية لأدائها يدويًا.. ويدخل علم الإحصاء في العديد من المجالات منها: المجال الاقتصادي، والمجال الطبي، والمجال الهندسي.
وبالعودة إلى تاريخ الإحصاء وباعتبار الاحتمالات أحد أهمّ أعمدة الإحصاء، فإنّ نشأة الاحتمالات كانت ممهّدة لولادة علم الإحصاء ككلّ، فأقدم الكتابات في الاحتمالات تعود إلى القرن الثامن الميلادي لعالم اللغة العربية وواضع علم العروض الخليل بن أحمد الفراهيدي، الذي كتب كتاب رسائل التشفير، والذي يحوي أوّل استخدام للتبديلات، لسرد جميع الكلمات العربية الممكنة مع وبدون أحرف العلّة.
أمّا أول ما كُتب في الإحصاء بشكلٍ خاصّ فهو بحث في الإحصاء كتبه العالم العربي أبو يوسف يعقوب ابن اسحق الصباح الكنْدي، في القرن التاسع الميلادي، حيث قدّم فيه وصفًا تفصيليًا لاستخدام الإحصاءات والتردّد في فكّ تشفير الرسائل المشفّرة، وفيما بعد في القرن الـ13 قدّم الأديب عليّ بن عدلان الموصليّ الذي كان مهووسًا بالألغاز مساهمةً في استخدام حجم العيّنة في تحليل التردّد.
أما أقدم مساهمة أوربية في الإحصاء فكانت في القرن الـ17 على يد التاجر الإنجليزي جون جرونت الذي طوّر (جدول الحياة)، وهو جدول يُلخص فرص البقاء على قيد الحياة حسب السن أو المرحلة لأفراد مجموعة سكان، بناءً على معدلات المواليد والوفيات.
ثمّ تتالت الإنجازات في هذا المجال بعد تطوير نظرية الاحتمالات بواسطة جيرولامو كاردانو وبليز باسكال وبيير دي فيرما، والتي ساهم في وضعها دراسة ألعاب الحظ بشكلٍ رئيسي، وتسارعت الأبحاث والدراسات في هذا المجال بعد إدراك أهمّية الإحصاء في كثير من مجالات العلوم خاصّة البيولوجيا والاقتصاد والسكّان.
وتعتبر الأيام الدولية هي مناسبات لتثقيف عامة الناس حول القضايا ذات الأهمية ولتعبئة الموارد والإرادة السياسية لمعالجة المشاكل العالمية والاحتفال بالإنجازات الإنسانية وتعزيزها، ورغم أن الاحتفالات ببعض الأيام الدولية تسبق إنشاء الأمم المتحدة، إلا أن الأمم المتحدة تبنت هذه الاحتفالات كأداة قوية لنشر الوعي.
ويعطي كل يوم دولي فرصة للعديد من الجهات الفاعلة لتنظيم الأنشطة المتعلقة بموضوع اليوم.. وتسعى مؤسسات ومكاتب الأمم المتحدة، بالإضافة إلى الحكومات وقطاعي المجتمع المدني والخاص والمؤسسات التعليمية والمواطنين بشكل أعم، لجعل اليوم الدولي نقطة انطلاق لأنشطة التوعية الخاصة بموضوع اليوم وأهدافه.
سبأ