كلما اقترب موسم الإنفلونزا يتنامى الخوف لدى الكثيرين من تزامنه مع انتشار الوباء العالمي كوفيد-19، بيد أن من الملاحظ أنه بحلول منتصف شباط/فبراير 2020، بدأت مؤشرات نشاط فيروس الإنفلونزا في الانخفاض في نصف الكرة الشمالي.
تعزى هذه التغييرات إلى تقيد دوران فيروس الإنفلونزا بسبب تنفيذ التدابير الإحترازية الواسعة النطاق لتقليل فرص انتقال فيروس كورونا المستجد والمتسبب في وباء كوفيد-19.
أشارت البيانات الواردة من الولايات المتحدة إلى انخفاض انتشار الإنفلونزا بين الفصول (خلال الفترة 17 أيار/مايو إلى 8 آب/أغسطس 2020) إلى أدنى مستوياته التاريخية، كما أظهرت بيانات الإنفلونزا لدى منظمة الصحة العالمية الواردة من 3 بلدان في نصف الكرة الجنوبي وهي أستراليا وأمريكا الجنوبية وجنوب أفريقيا إلى نشاط إنفلونزا منخفض للغاية خلال الفترة من أيار/يونيو إلى آب/أغسطس 2020، وهي الأشهر التي تشكل موسم الأنفلونزا النموذجي في نصف الكرة الجنوبي.
ومن المحتمل أن يكون لاتخاذ التدابير الاحترازية واسعة النطاق، ومنها على سبيل المثال إرتداء أقنعة الوجه، والتباعد الاجتماعي، وإغلاق المدارس، والعمل عن بعد، بالإضافة إلى التطعيم ضد الإنفلونزا، دوراً فعالاً في الحد من حدوث وتأثير فيروس الأنفلونزا، مما قد ينبئ بتقيد نشاط الإنفلونزا خلال الموسم المقبل في نصف الكرة الشمالي. كما قد يكون لبعض هذه التدابير دور في الوقاية من الإنفلونزا في المواسم المستقبلية أيضاً.
ومع ذلك، ونظراً لحداثة جائحة كوفيد-19، وعدم اليقين بشأن مدى إستمرارية التدابير الاحترازية المجتمعية، من المهم التخطيط لدورة الإنفلونزا الموسمية في الخريف والشتاء، ويظل التطعيم ضد الإنفلونزا لجميع الأشخاص البالغين من العمر 6 أشهر أو أكثر، هو أفضل طريقة للوقاية من الإنفلونزا، وهو مهم بشكل خاص هذا الموسم عندما ينتشر فيروس كورونا المستجد وفيروس الإنفلونزا.
وبينما تواصل جائحة كوفيد-19 تطورها، يكثر عقد المقارنات بين فيروس كورونا المستجد وفيروس الإنفلونز، فكلاهما يسبب مرضاً تنفسياً، لكن ثمة فروقاً هامة بين الفيروسين وطريقة انتشارهما. ويترتب على ذلك انعكاسات هامة بالنسبة للتدابير الوقائية المتعلقة بالصحة العامة، التي يمكن تطبيقها في التصدي لكلا الفيروسين.
ومن أهم أوجه الشبه بين فيروس كوفيد-19 وفيروس الإنفلونزا، هي تسببهما بمرض تنفسي تتراوح شدته من عدم ظهور الأعراض أو الأعراض البسيطة إلى العنيفة وحتى الوفاة. كما أن كلا الفيروسين ينتقل باللمس للأدوات الملوثة أو الرزاز، وبالتالي فإن تدابير الصحة العامة نفسها، كتنظيف اليدين وآداب النظافة التنفسية ومنها السعال بطي المرفق أو في منديل ورقي يتم التخلص منه على الفور، وبعد ذلك تعد تدابير مهمة قد تكفي للوقاية من العدوى لكليهما.
أما عن أوجه الاختلاف بين فيروس كورونا المستجد وفيروس الإنفلونزا، فتعد سرعة الانتقال نقطة اختلاف هامة بين الفيروسين. فمتوسط فترة حضانة فيروس الإنفلونزا (وهي الفترة من لحظة العدوى حتى بداية ظهور الأعراض)، وكذلك فترة الفاصل التسلسلي (وهي المدة الفاصلة بين الحالات المتعاقبة)، أقصر من فيروس كورونا المستجد. ففترة الفاصل التسلسلي لفيروس كوفيد-19 تقدّر بين 5 و6 أيام، في حين تبلغ 3 أيام بالنسبة لفيروس الإنفلونزا، وهو ما يعني أن الإنفلونزا يمكن أن ينتشر بوتيرة أسرع من كورونا المستجد.
كما أن انتقال الفيروس في الأيام الـ3 إلى الـ5 الأولى من المرض، أو ربما انتقاله في الفترة السابقة لظهور الأعراض هو عامل انتقال رئيسي بالنسبة للإنفلونزا، في حين لوحظ أن هناك أشخاص بإمكانهم طرح فيروس كورونا المستجد قبل 24 إلى 48 ساعة من بداية ظهور الأعراض، فلا يبدو في الوقت الراهن أن ذلك يشكل عاملاً رئيسياً في انتقال العدوى.
ومن المفهوم أن معدل التكاثر الأساسي – أي عدد العدوى الثانوية التي تنتج عن كل فرد مصاب بالعدوى – يتراوح في المعتاد بين 2 و 2.5 بالنسبة لفيروس كورونا المستجد، وهو أعلى من معدل التكاثر بالنسبة لفيروس الإنفلونزا. غير أن التقديرات المتعلقة بكل من فيروس كورونا المستجد وفيروس الإنفلونزا ترتبط بسياق وفترة زمنية محددين، مما يجعل من الصعب عقد مقارنات مباشرة بينهما.
ويمثل الأطفال عامل مهم في نقل فيروس الإنفلونزا وسط المجتمع المحلي، أما بالنسبة لفيروس كورونا المستجد، فتشير البيانات الأولية إلى أن الأطفال أقل تعرضاً للعدوى من البالغين، وأن معدلات النوبات السريرية بين الفئات العمرية أقل من 19 عاماً متدنية،إلا أن هذه النقطة لا تزال محل خلاف بين الدراسات.
وفي حين يتشابه نطاق الأعراض التي يسببها كلا الفيروسين كما سبق الحديث، فإن نسبة المرض شديد الأعراض تبدو مختلفة. فبالنسبة لفيروس كورونا المستجد تشير البيانات إلى أن 80% من حالات العدوى إما خفيفة أو عديمة الأعراض، في حين أن 15% منها وخيمة وتتطلب التزويد بالأكسجين، و5% منها حرجة وتتطلب التهوية. وهذه النسب من الإصابة بالعدوى الوخيمة والحرجة أعلى مما هو ملحوظ في حالات العدوى بالإنفلونزا. وتشمل الفئات الأكثر عرضةً لخطر الإصابة بعدوى الإنفلونزا الوخيمة الأطفال والحوامل والمسنين والمصابين بمشاكل طبية مزمنة أو بنقص المناعة. أما بالنسبة لكورونا المستجد فيشير الفهم الحالي إلى ازدياد مخاطر الإصابة بمرض وخيم مع تقدم السن ووجود أمراض مزمنة أخرى متلازمة.
ويبدو أن معدل الوفيات الناجمة عن الإصابة بكورونا المستجد، أعلى من معدل الوفيات المرتبطة بالإنفلونزا، لاسيما الإنفلونزا الموسمية. وفي حين لن يتسنى استيعاب معدل الوفيات الحقيقي لفيروس كورونا المستجد بشكل كامل قبل مرور فترة من الزمن، فإن البيانات المتاحة حتى الآن تشير إلى أن معدل الوفيات الخام (ويعني عدد الوفيات المبلغ عنها مقسوماً على عدد الحالات المبلغ عنها) يتراوح بين 3% إلى 4%، أما معدل الوفيات بالعدوى (أي عدد الوفيات المبلغ عنها مقسوماً على عدد العدوى الفعلية) فسيكون أقل من ذلك. بالمقابل فإن معدل الوفيات بالنسبة للإنفلونزا الموسمية أقل بكثير من 0.1% غير أن من المعروف أن الوفيات ترتبط إلى حد كبير بالحصول على الرعاية الطبية وجودتها.
أما عن التدخلات الطبية المتاحة لكل من فيروس كورونا المستجد وفيروس الإنفلونزا، فإنه في حين أن هناك عدداً من العلاجات قيد التجارب السريرية حالياً وأكثر من 20 لقاحاً، يجري تطويرها ضد فيروس كورونا المستجد، فلا توجد حالياً أي لقاحات أو علاجات مرخصة له، وبالمقابل تتوفر مضادات فيروسات ولقاحات ضد الإنفلونزا. ورغم أن لقاح الإنفلونزا ليس فعالاً ضد فيروس كورونا المستجد، إلا أنه يوصى بشدة بأخذ هذا اللقاح كل عام للوقاية من الإصابة بعدوى الإنفلونزا.
*الدكتورة منال محمد السيد/ دكتوراه في علم الميكروبيولوجي والمناعة