سوريا: بصيص أمل خافت عقب اجتماع اللجنة الدستورية الأخير ودعوة إلى التركيز على تسوية سياسية تلبي تطلعات الشعب السوري المشروعة
يحتاج السوريون، سواء داخل البلاد أو ملايين اللاجئين في الخارج، بشدة إلى تخفيف معاناتهم ورؤية مسار للخروج من هذا الصراع طويل الأمد.
هذا ما أكد عليه غير بيدرسون المبعوث الخاص إلى سوريا في مستهل إحاطته، اليوم الجمعة، أمام مجلس الأمن الدولي قائلا إن معاناة الشعب السوري الكبيرة تمتد على حوالي عقد من الزمن.
وتشمل هذه المعاناة بحسب المبعوث الخاص، الموت والإصابة والنزوح والدمار والاعتقال والتعذيب والرعب والإهانة وعدم الاستقرار والعوز على نطاق واسع، مشيرا إلى أن السوريين يتصارعون الآن مع جائحة كوفيد-19 وانهيار اقتصادي.
بصيص أمل
أمام الوقائع الصعبة وانعدام الثقة العميق بين الأطراف السورية، “أشرق بصيص أمل خافت ولكنه حقيقي” وفقا لما أفاد به بيدرسون أمام أعضاء مجلس الأمن لافتا الانتباه إلى أن مكتبه تمكن في الأسبوع الأخير من آب/أغسطس، من عقد جلسة ثالثة للهيئة المصغرة للجنة الدستورية في جنيف، بعد توقف دام تسعة أشهر.
ووصف المبعوث الخاص المناقشات داخل اللجنة ب “الموضوعية” في معظمها، قائلا إنها سارت على جدول الأعمال المتفق عليه. وأضاف:
“أخبرني الرئيسان المشاركان أنهما استشعرا ظهور أرضية مشتركة بشأن بعض الموضوعات.”
ومع ذلك، استدرك بيدرسون قائلا: ” كانت هناك اختلافات حقيقية للغاية من حيث الجوهر”. وأوضح أن الرئيسين المشاركين، لم يكونا قادرين -كما كان يأمل – على الاتفاق أثناء وجودهما في جنيف على جدول أعمال للدورة المقبلة. وقال: “نحن بحاجة إلى جدول أعمال مقترح إذا ما كانت اللجنة ستجتمع.”
وقد عمل المبعوث الخاص ومكتبه بجد في جنيف منذ ذلك الحين لمساعدة الرئيسين المشاركين على التوصل إلى اتفاق. وتستمر هذه المناقشات في الوقت الحالي بشأن اقتراح حل وسط.
هذا ويستمر المبعوث الخاص في حث اللجنة الدستورية على المضي قدما بما يتماشى مع الشروط المرجعية المتفق عليها، قائلا “إذا تمكنّا من وضع اللمسات الأخيرة على جدول الأعمال والمضي قدما بهذه الطريقة، فما زلت آمل في أن نتمكن من تعميق هذه العملية بجلسة رابعة قريبا” وجلسات أخرى في الشهر المقبل حسبما يسمح الوضع في ظل كوفيد.
دعوة إلى رفع العقوبات
لن تؤدي الجائحة إلا إلى زيادة الاحتياجات الإنسانية التي لا تزال حادة، كما وذكر المبعوث الخاص الذي أوضح أن العديد من السوريين يوجه انعدام الأمن الغذائي والفقر والحرمان، لا سيما في مواجهة الانهيار الاقتصادي غير المسبوق والضغوط الاجتماعية والاقتصادية.
وكان وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية، مارك لوكوك، قد أحاط مجلس الأمن منذ أيام حول الوضع الإنساني مشيرا إلى انتشار واسع النطاق لجائحة كوفيد-19.
وما تزال المرافق الصحية تعاني من تحديات في استيعاب عدد الحالات المشتبه بها، خاصة وأن العاملين الصحيين يعانون من نقص في الموارد الطبية كما أنهم أنفسهم أصيبوا بالفيروس.
وتطرق بيدرسون إلى ارتفاع أسعار الغذاء الكبير وانقطاع المياه من محطة علوك في الشمال الشرقي من البلاد خلال شهر آب/أغسطس المنصرم، قبل أن يتدخل بعض الدول الأعضاء لحل المشكلة.
وفي هذا السياق، كرر نداءه بأهمية تسيير المساعدات الإنسانية وفقا للقانون الإنسانية الدولي، قائلا إنه “لا يزال من الضروري أن يتم رفع أي عقوبات أو تدابير يمكن أن تقوض قدرة الدولة على ضمان الوصول إلى الغذاء والإمدادات الصحية الأساسية والدعم الطبي لكوفيد-19.”
كما جدد مطالبته بالإفراج عن المعتقلين والمختطفين على نطاق واسع ومن جانب واحد – لا سيما النساء والأطفال وكبار السن والمرضى – واتخاذ إجراءات أكثر جدوى بشأن الأشخاص المفقودين.
حوادث مقلقة تزعزع الاستقرار
وفي حين أن الوضع في سوريا أهدأ من ذي قبل، تستمر حوادث مقلقة في زعزعة الاستقرار.
وأوضح المبعوث الخاص أن مشادة بين القوات الأمريكية والروسية أدت إلى إصابة جنود أمريكيين، وتبادل اتهامات بخرق ترتيبات عدم الاحتكاك القائمة. هذا بالإضافة إلى جولات الغارات الجوية المنسوبة إلى إسرائيل من قبل الحكومة السورية على مواقع عسكرية في سوريا.
وذكر بيدرسون أن الجنوب الغربي مازال مسرحا لحوادث أمنية منتظمة ناتجة عن التوترات الجيوسياسية.
تذكرنا الحقائق على الأرض أنه فقط بالتركيز على التسوية السياسية يمكننا تلبية التطلعات المشروعة للشعب السوري واستعادة سيادة سوريا واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها– غير بيدرسون
ورغم أن اتفاق مارس/آذار بين تركيا وروسيا لا يزال ساريا، إلا أننا شهدنا تصعيدا بما في ذلك تبادل إطلاق الصواريخ والمدفعية، وفقا لما أفاد بيدرسون لمجلس الأمن في جلسته الصباحية اليوم، حيث أشار أيضا إلى استمرار نشاطات داعش المقلقة في الصحراء وهجوم الجماعة الإرهابية على خط أنابيب في المنطقة حيث لا يزال التنظيم نشطا، الأمر الذي أدى إلى انقطاع الكهرباء على صعيد البلاد في أواخر الشهر الماضي.
وناشد المبعوث الخاص كل الأطراف الفاعلة بضرورة احتواء العنف والحوادث المزعزعة للاستقرار، والبناء على الهدوء النسبي والعمل وفقا لبنود القرار 2254 الذي ينص على وقف إطلاق نار شامل على صعيد البلاد لحماية المدنيين والحفاظ على السلام والأمن الدوليين ودعم مسار العملية السياسية.
وقال بيدرسون:
“تذكرنا الحقائق على الأرض أنه فقط بالتركيز على التسوية السياسية يمكننا تلبية التطلعات المشروعة للشعب السوري واستعادة سيادة سوريا واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها.”
إلى ذلك، نوه المبعوث الخاص بالمحادثات التي جرت بين مندوبي روسيا والولايات المتحدة وتركيا وإيران على هامش محادثات اللجنة الدستورية السورية في جنيف، قائلا إنه في تواصل وثيق معهم ومع محاورين عرب وأوروبيين.
وكان بيدرسون قد زار موسكو مؤخرا والتقى بوزير الخارجية الروسي لافروف ووزير الدفاع شوغو حيث تناقش معهما حول زيارة لافروف إلى سوريا الأسبوع المقبل.
هذا وشجع المبعوث الخاص كلا من روسيا والولايات المتحدة على تعزيز حوارهما. ودعاهما بالإضافة إلى ضامني أستانة وأولئك الذين يجتمعون في جماعات صغيرة وأعضاء مجلس الأمن، إلى العمل معه نحو الهدف المشترك في سوريا، ألا وهو “تسوية سياسية تتماشى مع القرار 2254.”