بعد 2000 يوم من العدوان على اليمن:السلام بعيد المنال بقرار أمريكي
بعد مضي 2000 يوم على العدوان السعودي الأمريكي على اليمن ، لا تزال الحرب الظالمة مستعرة ومستمرة على البلاد أرضا وإنسانا ، رغم تعالي الأصوات والدعوات والمساعي الإقليمية والدولية المطالبة بوقفها ،لإنهاء معاناة اليمنيين . ويتفق الجميع أن الحل في اليمن لن يكون إلا سياسيا وان الحسم العسكري غير وارد ، ولن يكون، ولن يحل أزمات اليمن المتعددة، لكن واشنطن تسعى لإطالة أمد الحرب ، وتعرقل كافة المساعي الرامية للحل السياسي ، وإعادة السلام إلى هذا البلد المنكوب.
الثورة /عبد الملك الشرعبي
استحلاب الأموال الخليجية
وبحسب المراقبين والمحللين السياسيين والمهتمين بالشأن اليمني فإن الموقف الأمريكي في استمرار العدوان والحصار على اليمن يعد موقفاً محورياً، ومفصليا ويرون أن واشنطن من خلال مشاركتها في الدعم والتخطيط والتنفيذ للعدوان السعودي الإماراتي هي من تدير هذه الحرب وتتحكم فيها بل إن استمرارها مصلحة أمريكية بحتة تضمن استحلاب أموال السعودية والإمارات مقابل تقديم واشنطن الدعم العسكري واللوجستي لأدواتها « الرياض وأبوظبي «، وأيضا مقابل حماية نظاميهما العميلين .
وتجسد تصريحات وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الأخيرة أكبر دليل على إصرار واشنطن على استمرار الحرب والحصار على اليمن ، رغم سوء الأوضاع الإنسانية والتحذيرات التي تطلقها مئات المنظمات الدولية الإنسانية ، حيث قال بومبيو : إن إدارة الرئيس ترامب تعارض فرض قيود على المساعدات الأمريكية للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن بعد القرار الذي اتخذه مجلس الشيوخ الأمريكي المتضمن إنهاء الدعم العسكري الأمريكي لتحالف العدوان ، مؤكدا أن بلاده ستستمر في دعم السعودية والإمارات بدعوى الحاق الهزيمة بأنصار الله، وربط بين دعم بلاده للسعودية وسياسة واشنطن العدائية تجاه إيران ، التي تتحذ منها «بعبعا» في استمرار الحرب متجاهلا الأدلة القاطعة على أن بلاده هي من أوصلت اليمن إلى هذا الجحيم وهذه الكارثة والمأساة .
وبرر ترامب اتخاذه حق الفيتو ضد مشروع قانون أقره الكونغرس ينهي الدعم الأمريكي للعمليات العسكرية في اليمن بأن وقف الدعم الأمريكي لقوات التحالف بقيادة السعودية في اليمن سيعرض حياة الأمريكيين للخطر.
وقال ترامب في البيان: «هذا القرار محاولة غير ضرورية وخطيرة لإضعاف سلطاتي الدستورية، ما يعرض حياة المواطنين الأمريكيين والجنود الشجعان للخطر اليوم وفي المستقبل».
واعتبر ديفيد ميليباند، رئيس لجنة الإنقاذ الدولية، إن فيتو ترامب يمثل «ضوءا أخضر فعالا لاستراتيجية الحرب في اليمن ، التي أدت إلى استمرار أسوأ أزمة إنسانية في العالم».
وأضاف: إن 10 ملايين شخص على شفا مجاعة في اليمن. «وهناك ما يصل إلى 100 ضحية مدنية في الأسبوع، واحتمالية مقتل اليمنيين في منازلهم أكثر من أي مكان آخر».
ووصف السفير الأميركي السابق لدى السعودية روبرت جوردان الدعم الأميركي بأنه حيوي لقدرات الرياض العسكرية.
وقال جوردان أن الإدارة الأمريكية اذا علقت فقط توفير قطع غيار لطائرات أف 15و 16 فإن الطلعات الجوية السعودية والإماراتية سوف تتعطل في غضون أسبوعين. مضيفا أن تعطلها سوف يدفع الدولتين للذهاب إلى طاولة المفاوضات مع سلطات صنعاء وإنهاء الحرب.
ويرى الكثير من المحللين أن واشنطن تجني فوائد مالية كبيرة من هذه الحرب لذلك تصر على استمرارها وحماية السعودية والإمارات حتى سياسيا واقتصاديا، حيث عقدت الدولتين صفقات أسلحة بمئات المليارات من الدولارات كما أن الدولتين الحليفتين في العدوان تدفعان رشاوى وهبات مالية بمئات الملايين للعديد من الأشخاص والشركات في واشنطن والعديد من العواصم المؤثرة كما أن إطالة أمد الحرب يضغط على أبوظبي والرياض للارتماء أكثر في أحضان ترامب وتنفيذ سياساته في المنطقة، لصالح واشنطن وتل ابيب واهما دفع هذه الدول إلى التطبيع مع كيان الاحتلال الإسرائيلي وتصفية القضية الفلسطينية التي تعتبر قضية محورية للأمتين العربية والإسلامية.، وهو ما أخذ يتحقق بالفعل ، بعد التطبيع الرسمي مع الكيان المحتل من قبل الإمارات والبحرين كخطوة أولى في انتظار التطبيع الرسمي الكبير من قبل الرياض .
مشروع « اليمن الكبير»
ولدى الولايات المتحدة وفق الخبراء مشروع في اليمن على غرار مشروع «الشرق الأوسط الكبير» ، وهو مشروع «اليمن الكبير» والذي تستهدف من خلاله:
– تعميق الانقسام السياسي العربي وتأمين ظهور معارك دموية جديدة فيما بينهم.
– تفتيت اليمن وترسيخ الانقسام الراهن في العالم الإسلامي.
– توجيه السعودية، التي تميل للخروج من السيطرة، بما يتناسب مع ما هو مقترح في مشروع الشرق الأوسط الكبير وخلق مساحات فوضى جديدة في المنطقة.
– الانتشار في المنطقة بشكل أقوى من قبل، والسيطرة على منطقة ذات استراتيجية/جيوسياسية هامة لدى «الشرق الأوسط الأمريكي».
– السيطرة على الممرات المائية وخصوصا باب المندب وتعزيز قبضتها فيما يخص أمن الطاقة ومشروع الحزام والطريق.
لقد أدرك قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين منذ الوهلة الأولى للعدوان ، أن الحرب التي تشنها دول التحالف على اليمن ، هي حرب أمريكية إسرائيلية بامتياز ، فأمريكا هي من تخطط وتمول ، وتنفذ عبر وكلائها ، مؤكدا ذلك في معظم خطاباته .. وأوضح قائد الثورة في كلمته الأخيرة بمناسبة بذكرى استشهاد الإمام زيد عليه السلام، أن السعودية والإمارات هي مجرد أدوات لتنفيذ الأجندة الأمريكية .. وقال ” الآن تجلت الأمور أكثر فأكثر، والبعض كان لا يستوعب أن المعتدين يتآمرون على اليمن، ويريدون احتلاله، وأن يمكنوا الأمريكي والإسرائيلي، أن يأتي من خلفهم ويسيطر على اليمن”.
وأضاف ” قلنا منذ بداية العدوان أن السعودية والإمارات ومن معهما مجرد أدوات لتنفيذ مخططات أمريكا وإسرائيل في استهداف الشعب اليمني ، فبعد تمكن الاحتلال من السيطرة على المحافظات الجنوبية، أصبح لدى الأمريكي قاعدة في مطار الريان بحضرموت، ويتواجد في شرورة وإلى حد ما في عدن».
وترى واشنطن في استمرار الحرب على اليمن ، فرصة ذهبية من خلال بيع الأسلحة للسعودية والإمارات بصفقات كبيرة لم تحدث من قبل في تاريخ واشنطن وكذلك الأموال الطائلة التي يتقاضونها من خلال دعمهم السياسي والعسكري والمخابراتي للنظامين السعودي والإماراتي في هذه الحرب التي أصبحت احد عوامل الاستحلاب الترامبي للأموال الخليجية وفق المراقبين
ومع اعتراف الولايات المتحدة بان الحرب على اليمن أحدثت وضعا إنسانيا صعبا ودمرت البلاد بشكل كامل، إلا أنها كانت تبرر هذا العدوان البربري بأنه يحارب ما تسميه بالنفوذ الإيراني في اليمن، حتى لو كان ثمنه إبادة شعب بأكمله.
وكشفت العديد من المنظمات السياسية والحقوقية أن الإدارة الأمريكية لا ترغب في إيقاف هذه الحرب نظرا للفوائد المادية والسياسية والاقتصادية التي تجنيها من استمرارها .
وقالت كبريات منظمات الإغاثة الدولية أن تقديم الدعم العسكري واللوجستي وتوفير الغطاء الدبلوماسي المكثف للسعودية والإمارات من قبل الولايات المتحدة ، أدى إلى إطالة الحرب وعمق الأزمة الإنسانية في اليمن وذلك ما يدلل على أن واشنطن تمثل العائق الرئيسي لعملية السلام في اليمن .
تحول دراماتيكي
ومنذ تولي ترامب دفة الحكم في الولايات المتحدة تكشفت الحقائق بشكل كبير ، وشَهد الموقف الأمريكي تحولاً دراماتيكياً ، وكانت اليمن مسرحاً لقراءة التحول الأمريكي في الشرق الأوسط، إذ التزمت واشنطن خلال 2017 بدعم حلفاءها، بشكل مضاعف ، وكانت لزيارة جيمس ماتيس (وزير الدفاع الأمريكي) في ابريل 2017 وادعاء الولايات المتحدة الأمريكية بتورط إيران في تسليح الحوثيين ، حيث سعى جاهدا للدفع باتجاه ما اسماه تحرير محافظة الحديدة من انصار الله لوقف الدعم والتمدد الإيراني على حد قوله
وقَدم ماتيس طلباً للبيت الأبيض في مارس 2017م يطالب فيه بدعم السعودية والإمارات من أجل احتلال محافظة الحديدة -وهو طلب كانت أبوظبي قد تقدمت به منتصف عام 2016م.
وتتجلى المشاركة الأمريكية في الحرب على اليمن من خلال :
• إدارة العمليات العسكرية مع قيادات التحالف وتزويد طيران العدوان بكافة المعلومات عن المواقع العسكرية ومواقع السلاح والأجهزة الحكومية الحساسة وغيرها من المعلومات الاستخباراتية ، على اعتبار أنها كانت الحاكم النافذ والمؤثر في اليمن قبل الحرب عبر سفرائها الذين كانوا يديرون شؤون البلاد من الخلف .
• تزويد السعودية والإمارات بمختلف أنواع الأسلحة الثقيلة والخفيفة بما فيها القنابل العنقودية والموجهة ، وكذا تزويد طيران التحالف بالوقود وقطع الغيار ، مقابل الحصول على أموال طالة لها من الرياض وأبو ظبي .
• المشاركة بطائرات دون طيار لاستهداف قيادات الحوثيين وتمركز قواتهم إضافة إلى المسح الأرضي للاستطلاع.
• تزويد تحالف العدوان صور فضائية عبر الأقمار الصناعية لمسح الألغام وتقدم القوات ومعرفة أماكن تواجد الجيش واللجان الشعبية وخنادقهم.
• شكلت أمريكا غطاءً سياسياً للجرائم التي ارتكبها التحالف بقيادة السعودية؛ حيث وقفت أمام المشروع المقدم من روسيا لحل الأزمة، وتبنت المشروع الخليجي المقدم من السعودية، كما وقفت أمام المشروع الهولندي، الذي طالب بتشكيل لجنة تحقيق محايدة تجاه الجرائم التي يرتكبها التحالف بقيادة السعودية كي لا يتم مساءلة السعودية، أو تحملها مسؤولية جرائم الحرب.
ومثلت المواجهة الأمريكيَّة ضد أنصار الله وفق خبراء ومراقبين أول تدخل من نوعه ، فإن لهذا التدخل تداعياته، لكن وجود السعودية ، التي أسند اليها هذا الدور ، كقوة ناعمة ومؤثرة في الشرق الأوسط إلى جانب الإمارات ، خفف من التداعيات الإقليمية والدولية ، لأن السعودية استطاعت بأموالها شراء كل الأصوات الدولية المؤثرة ، مقابل التغاضي عن جرائمها بحق الشعب اليمني .
انكشافات
وبالعودة إلى البدايات الأولى للعدوان إلى دشن من الولايات المتحدة ، أكدت واشنطن حينها أن عاصفة الحزم تعتبر خطوة ضرورية، كما أعلن البيت الأبيض، أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما، أجاز تقديم مساعدة لوجستية ومخابراتية، تدعم العملية العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن..
وزير الخارجية الأمريكي جون كيري قال خلال زيارته إلى الرياض يوم 22 /1 /2016م: «نحن ندعم التحالف الذي تقوده السعودية لمواجهة الحوثيين في اليمن.. مؤكدا أن علاقات الولايات المتحدة مع دول الخليج مبنية على أساس المصالح المشتركة، وهي استراتيجية، ونحن ملتزمون بدعمها لصد أي اعتداء، وأن واشنطن لن تتخاذل في حماية دول الخليج .
سفير أمريكا السابق باليمن ستيفان سيش قال : لا يجب ترك العرب يقاتلون وحدهم وعلينا التدخل والتفاوض على مصالحنا. ورأى أن أمريكا لا يمكنها البقاء خارج إطار المواجهات بالمنطقة باعتبار أنه لا ينبغي ترك أحد يتصرف نيابة عنها برعاية مصالحها.
وأضاف: “أظن أن عجزنا عن رؤية النتيجة العامة لسياساتنا ينعكس في عدم قدرتنا على رؤية الصورة العامة لمقاييس النجاح أو الفشل في اليمن، ففشل العملية السياسية في اليمن هو سبب ظهور القاعدة وهذا الفشل أيضا هو سبب قوة الحوثيين المدعومين من ايران على حد قوله ، وهو البعبع الذي تريده واشنطن مع أدواتها لتبرير استمرار الحرب على اليمن .
وتابع « لدينا مصالحنا ويجب أن نكون على الأرض بأنفسنا ويجب أن نشارك في الحوارات وفي المفاوضات مع الجميع في تلك الدول والتأكد من أن مصالحنا محترمة”.
أموال طائلة
وجنت واشنطن أموالا طالة من السعودية والامارات مقابل بيعها مختلف انواع الاسلحة في الحرب على اليمن ومن ذلك على سبيل المثال
• موافقة واشنطن بتاريخ 17 /11 /2015م على طلب السعودية بيعها صفقة أسلحة بمبلغ 1.3مليار دولار بينها قنابل ذكية…
• دفعت السعودية مليار دولار، لتغطية تكاليف نشر الآلاف من قواتها الإضافية وبطاريات الدفاع الصاروخي في السعودية، بعد الهجمات التي طالت ، أكبر منشآتها وإنتاجها النفطي شرق الرياض في سبتمبر 2019م
• في 21 مايو 2017 أعلن ترامب صفقات بين السعودية وأمريكا تتجاوز 400 مليار دولار.. منها مبيعات دفاعية للسعودية بقيمة 110 مليار دولار
• بلغ حجم صادرات السلاح الأمريكي إلى السعودية، من 2015م وحتى 2017م، أكثر من 43 مليار دولار، وشملت معدات وأسلحة عسكرية ومروحيات وسفناً حربية ودبابات «آبراهامز»، إضافة إلى طائرات حربية. تستخدمها في العدوان على اليمن
• خلال الأشهر الأولى من 2018م، بلغ حجم صفقات السلاح من الولايات المتحدة للسعودية قرابة 3 مليارات دولار. وشملت قنابل وصواريخ وعربات مصفحة، وقطع غيار بقيمة وقطع غيار لصيانة المقاتلات؛ مثل «أباتشي» و»بلاكهوك» و»إف 15»، بقيمة 552 مليون دولار، وجميعها تستخدم في الحرب باليمن.
• في ديسمبر 2018، طالب الجيش الأمريكي بالحصول على تعويض قدره 331 مليون دولار من السعودية والإمارات ، بعد اكتشافه أنه فشل في توجيه الاتهام بشكل صحيح إلى التحالف، الذي تقوده السعودية في اليمن، مقابل خدمات التزود بالوقود الجوي.
كبريات الصحف الأمريكية
بعد عام من بدء العدوان نشرت كبريات وسائل الإعلام الأمريكية مثل (واشنطن بوست ونيويورك تايمز ويو إس نيوز ونيوز ويك) تحليلات للإجابة عن سؤال: «هل ستتمكن السعودية من الانتصار على اليمنيين؟»، وكانت الاستنتاجات تؤكد أنها لن تستطيع الانتصار وهذا يعني أنها لن تحقق أهداف هذه الحرب التي لا ناقة للسعودية فيها ولا جمل.
وقالت : إن مجرى أحداث هذه الحرب منذ الماضي حتى الآن تدل على أن إدارة أوباما هي التي دفعت السعودية لشن حرب شاملة على اليمن وهما الدولتان الأكثر تعداداً للسكان في شبه الجزيرة العربية لكي تحقق عدداً من الأهداف ومنها :
أولاً: إعادة تفتيت الدولتين اللتين كانتا حليفتين لها ،فقد وضعت المخابرات المركزية الأمريكية دراسات حول ضرورة تفتيت السعودية إلى دويلات للطوائف والقبائل في هذه المرحلة لأسباب استراتيجية تخص مستقبل المنطقة ولأسباب اقتصادية يتوافر من خلالها تصدير النفط الأمريكي الصخري بشكل ينافس التصدير السعودي بعد تقسيم البلاد.
ثانياً: تقدر وزارة الدفاع الأمريكية أن حرب السعودية على اليمن من المتوقع لها أن تطول وتستنزف بالتالي جزءاً كبيراً من الأسلحة والذخائر الأمريكية التي تستخدمها السعودية، وهذا ما سوف يوفر أرباحاً لصناعة الأسلحة الأمريكية بعشرات المليارات من الدولارات سنوياً إضافة إلى فوائد تكثيف وجود الخبراء الأمريكيين في السعودية.
ولهذا فرضت واشنطن في مجلس الأمن قراراً تدرك أن صنعاء لن توافق عليه لأنه يطالبهم بالاستسلام دون قيد أو شرط. وهذا ما سوف يوفر استمرار الحرب بين تصعيد ومناورات تطول لسنوات كثيرة.
ثالثاً: يبدو أن واشنطن وضعت في توقعاتها إمكانية أن تزج موسكو نفسها في هذه الحرب، فتقوم بتقديم دعم عسكري لصنعاء بمجرد أن تبدأ الغارات السعودية على اليمن، ولكن روسيا أبدت حذراً وانتهجت سياسة تدعو إلى الحل السلمي من دون أن تتدخل إلا فيما يخص هذا الحل. لكن تحقيق هذه الأهداف الأمريكية ما زال يصطدم بقدرة صمود منقطعة النظير للشعب اليمني على الرغم من الفرق الهائل بين قدرة السعودية العسكرية والقدرة العسكرية اليمنية الشعبية المناهضة للهيمنة السعودية والأمريكية، بل إن القوى اليمنية المسلحة لـ»أنصار الله» والجيش بدأت تزداد خبرة وقدرة خلال الأشهر الستة الماضية على اختراق الحدود السعودية والوصول إلى مواقع عسكرية قرب مدن سعودية، أي إن السعودية ستدفع ثمناً باهظاً على الرغم من أنها تعتقد أنها تفرض ثمناً باهظاً بشرياً ومادياً على الشعب اليمني.
خبراء ومحللون أمريكيون يكشفون الحقائق
في تحليل نشره في مجلة (كونسوتيوم نيوز) تحت عنوان «حرب السعودية على اليمن تشبه الحرب على فيتنام أو أفغانستان» ..قال المستشار السابق في مجلس السياسة الخارجية الأمريكي والمختص بشؤون الشرق الأوسط (وليام بولك) أن واشنطن حين شنت الحرب على فيتنام لم تكن تتصور أنها ستدوم ١١ عاماً وستستقطب قوى كثيرة داخلية وخارجية ضد الولايات المتحدة.
ويعترف (بولك) بأنه قال لكينيدي حين كان يعمل مستشاراً في التخطيط السياسي الأمريكي أن فتح الحرب سهل لكن الصعوبة في كيفية إنهائها، وهذا ما حدث للسياسة الأمريكية في فيتنام. ويبدو أن عوامل التشابه بين الحرب الأمريكية على فيتنام وبين الحرب السعودية لا تتعلق هنا بتشابه بين قوة عظمى تقود كتلة دولية مثل الولايات المتحدة وبين السعودية الدولة التي تستند في كل شؤونها ومستقبلها على الولايات المتحدة، لكن عوامل التشابه هنا كانت من صنع الولايات المتحدة التي دفعت الرياض لشن هذه الحرب بدلاً منها.
وقال: إن واشنطن هي التي زينت للرياض وجود نفوذ إيراني في اليمن وأخطار امتداده في شبه الجزيرة العربية، ووصفته لها بالخطر الذي يهدد المملكة لكي تدفعها إلى المبادرة بالهجوم بهدف ترتيب اليمن على طريقة سعودية، وهو نفس ما زعمته واشنطن عن نفوذ الشيوعية في فيتنام وضرورة منع وجوده وامتداده من فيتنام وتحالفت واشنطن مع كمبوديا ولاوس ودول في جنوب شرق آسيا في العدوان على فيتنام. في المقابل، دعت السعودية إلى تحالف ضم دول الخليج ومصر والسودان والمغرب والأردن ضد اليمن.
من جانبه كشف (دانا سوستير) المحلل المختص بالأمن الدولي في تحليل نشره في مجلة (فورين بوليسي) أن المؤسسة العسكرية الأمريكية تشترك بأشكال متنوعة في حرب السعودية على اليمن بدعم من البيت الأبيض ومن الكونغرس، ويعترف المشاركون الأمريكيون في الأعمال الحربية بأن السلطة السعودية الحاكمة أساءت التقديرات في هذه الحرب وصمتت الإدارة الأمريكية على سوء تقديرها لأن العاهل السعودي كان يتصور أن الحرب على اليمن ستنتهي بأسابيع قليلة أو بأشهر، وها هي تزداد تعقيداً أو تطول أكثر فأكثر دون أن تعرف السعودية وحلفاؤها كيف يمكن إنهاؤها.
وبحسب (كينت بولاك) البروفيسور في (مركز بروكينغز) للأبحاث الاستراتيجية الذي طالب (بكبح جماح السعودية وحلفائها من أجل مصلحتهم). فان لولايات المتحدة تراقب انتكاسات الحرب السعودية وتلاحق مضاعفاتها على مصالحها وليس على مصالح المنخرطين في الحرب على اليمن، وأصبح من الواضح أن هزيمة السعودية في حربها ضد اليمن لن تلحق الأضرار إلا بمصالح السعودية وليس المصالح الأمريكية. ويتساءل (بولاك): هل ستقبل واشنطن أن تتحول حرب السعودية على اليمن إلى جزء من مسار الحرب الباردة التي أطلت برأسها؟
ويبدو أن المصلحة الأمريكية تفترض تسخير كل حروب المنطقة باتجاه يخدم دورها في أي حرب باردة مقبلة على غرار ما فعلته في أوروبا حين استحضرت وبعثت عوامل حرب بين موسكو وكييف، وبين اليابان وكوريا الجنوبية والصين. وحين تصبح السعودية جزءاً في قلب شبكة أمريكية في أي حرب باردة مقبلة فسوف تخسر كثيراً. أما اليمن فسوف يجد نفسه أكثر استقلالاً في قراره ورسم مستقبله من السعودية على غرار ما جرى في فيتنام التي انتصرت وتوحدت وأصبحت في طليعة الدول المستقلة في جنوب شرق آسيا.