ازدواجية أممية في التعامل مع الأزمة الإنسانيّة في اليمن.. كيف سلبت الأموال السعوديّة القرارات الأمميّة؟
في حديثها بمناسبة اليوم العالمي للعمل الإنساني، حذرت “ليزا غراندي”، منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن، من وقوع أزمة إنسانية في الأسابيع المقبلة ونقص المواد الغذائية في اليمن وأكدت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن أن آلاف الأطفال قد يموتون بسبب سوء التغذية والأمراض المتفشية في العديد من المناطق والمدن اليمنية. وجاءت تصريحات منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن في الوقت الذي أزالت فيه الأمم المتحدة مؤخرًا اسم المملكة العربية السعودية وتحالف العدوان من القائمة السوداء لمنتهكي حقوق الطفل. وكان الأمين العام للأمم المتحدة قد زعم مؤخرًا في تقريره السنوي الذي ارسله إلى مجلس الأمن أنه سيتم إزالة اسم تحالف العدوان السعودي من القائمة السوداء بعد انخفاض كبير في الوفيات والاصابات نتيجة الضربات الجوية التي نفذتها المقاتلات السعودية والإماراتية على الاحياء السكنية في اليمن.
الأزمة الإنسانية في اليمن
حذّرت “ليزا غراندي”، منسقة الشؤون الانسانية للامم المتحدة في اليمن، يوم الأربعاء الماضي من أنّ نقص التمويل بدأ يتسبّب بإغلاق أو تقليص برامج المنظمة الأممية في البلد الغارق بالحرب، ما يهدد ملايين السكان بالموت. وقالت “غراندي” في بيان “تأثّرت نصف برامج الامم المتحدة الرئيسية في اليمن جرّاء نقص التمويل. وقد تم بالفعل إغلاق أو التقليص لـ12 من برامج الامم المتحدة الرئيسية الـ38″، بينما يواجه 20 برنامجا آخر المصير ذاته. وأضافت “ليس أمامنا خيار. فعلينا التزام أخلاقي بتحذير العالم من أن ملايين اليمنيين سوف يعانون وقد يموتون لأننا لا نملك التمويل الذي نحتاجه للاستمرار.” وبحسب هذه المسؤولة الأممية، فإنه منذ نهاية عام 2018، عملت الوكالات الاغاثية على إدارة واحدة من أسرع وأكبر عمليات توسيع نطاق المساعدات المقدمة في التاريخ الحديث، حيث وصلت إلى عدد غير مسبوق، 14 مليون شخص شهريا. لكن نقص التمويل تسبّب بخفض الحصص الغذائية لأكثر من 8 ملايين شخص إلى النصف في شمال اليمن، وتم قطع الخدمات الصحية أو تقليصها وتم إيقاف صرف مخصصات نحو 10 آلاف ممن يعملون في الخطوط الأمامية، وتوقفت الامدادات اللازمة لعالج مرضى ومصابين.
ولفتت هذه المسؤولة الأممية إلى أنه إذا لم يتوفر التمويل “بصورة عاجلة” خلال الأسابيع القادمة، سيتم قطع 50 في المئة من خدمات المياه والصرف الصحي، وستتوقف الادوية والمستلزمات الضرورية عن 189 مستشفى، ومن المحتمل أن “يموت آلاف الأطفال ممن يعانون من سوء التغذية والمرض“. وفي غضون ذلك، أعرب ممثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر في اليمن من جهته بأن اليمن تعتبر واحدة من خمس مناطق في العالم سيتسبب فيها تفشي فيروس “كورونا” بوقوع حالة طارئة وخطيرة، وعدم القدرة على السيطرة على “كورونا” يمكن أن يتسبب في أضرار جسيمة لسكان هذا البلد. وفي الوقت نفسه، يُقال إن حوالي 80 بالمائة من سكان اليمن بحاجة إلى مساعدات إنسانية، بما في ذلك 1.2 مليون طفل ويعاني الآلاف من الأطفال اليمنيون من سوء التغذية و 36 ألف منهم دون السنة الواحدة وكذلك 27 مليون شخص في اليمن ليس لديهم الغذاء الكافي و 4.3 مليون شخص شردوا خلال السنوات الماضية من منازلهم بسبب هذه الحرب العبثية والحصار الجائر الذي يفرضه تحالف العدوان السعودي على اليمن.
وتشير آخر التقديرات إلى أن حصيلة القتلى في اليمن بلغ 200 ألف شخص وعدد الاشخاص الذين ماتوا بسبب الجوع والمجاعة والامراض وصل إلى نحو 85 ألف شخص في البلاد، ورغم كل هذه الأزمات تواصل السعودية وقوات التحالف الغازية مهاجمة العديد من المناطق والمدن اليمنية وتواصل قصف البنى التحتية المدنية في البلاد، كما احتجزت القوات الغازية التابعة للتحالف السعودي سفنا محملة بالوقود والمواد الغذائية في الموانئ اليمنية ورفضت الإفراج عنها.
مواقف الأمم المتحدة السياسية المتناقضة مع الأزمة الإنسانية في اليمن
حذرت الأمم المتحدة وإداراتها المختلفة مرارًا وتكرارًا من المحنة الخطيرة التي يعيش فيها أطفال اليمن ودعت إلى زيادة المساعدات لهذا البلد الفقير. ولكن هذه المنظمة الدولية قامت باتخاذ بعض المواقف السياسية المتناقضة، وذلك من أجل إزالة المسؤولية عن كاهل تحالف العدوان السعودي في خلقه الوضع الحالي في اليمن وإزالة الضغوط الدولية عن هذا التحالف الغازي.
يذكر أنه في أكتوبر 2017، أدرجت الأمم المتحدة تحالف العدوان السعودي على القائمة السوداء لقتل وجرح 683 طفلاً يمنيًا ومهاجمة عشرات المدارس والمستشفيات، لكن الأمين العام للأمم المتحدة قام مؤخرًا بشطب اسم التحالف الغاشم الذي تقوده السعودية من القائمة السوداء للمنظمة، وقال بأن هذا التحالف لم تكن له يد ودور في وفاة الأطفال وانتهاك حقوقهم، وفي هذا الصدد، أكد مدير إدارة حماية حقوق الطفل في منظمة “هيومن رايتس ووتش” ردًا على هذا الإجراء وقال: “إن قيام الأمين العام للأمم المتحدة بحذف اسم تحالف العدوان السعودي من القائمة السوداء، على الرغم من استمراره في قتل الأطفال في اليمن، تعتبر وصمة عار في صفحة هذه المنظمة العالمية”. مضيفاً، “لقد قام “جوتيريز” بشطب اسم هذه الدول من القائمة السوداء للأمم المتحدة دون أي مبرر، على الرغم من تقديم الأمم المتحدة أدلة على انتهاكات حقوق الطفل من قبل هذه الدول القوية العضوه في تحالف العدوان.”
وعلى صعيد متصل، أكد وكيل وزارة الإعلام “نصر الدين عامر”، أن الأمم المتحدة منذ بداية العدوان منحازة بالكامل لدول العدوان نتيجة الهيمنة الأمريكية على القرار الاممي. وقال “عامر”، أن “الموقف الأممي تجاه العدوان على اليمن، لم يعد صامتاً بل بات متحاملاً على الضحية لمصلحة القاتل”، مشيراً الى أن المال السعودي والاماراتي يستلب القرار الأممي الى حد كبير وهذا ورد على لسان الأمين العام السابق للأمم المتحدة بانكي مون الذي أزال السعودية من قائمة العار لانتهاكات الأطفال بعد تهديدات السعودية بوقف التمويل للسعودية وتمت ازالتها خلال أيام. ولفت إلى أن الوضع العام وخصوصاً الوضع الصحي ينذر بكارثة لا سيما مع تفشي وباء كورونا الذي تسببت دول العدوان بدخوله الى اليمن والان تساهم في انتشاره من خلال منعها كل الاحتياجات اللازمة لمواجهته واخرها ازمة الوقود التي تسببت الى الان بوقف جزئي للكثير من المرافق الصحية التي هي في الاساس ضعيفة جدا وقليلة جدا نتيجة استهدافها بالغارات منذ بداية العدوان. وأشار إلى أن الشعب اليمني لن يظل مكتوف الأيدي تجاه حصاره والعدوان عليه، لافتاً إلى أن الانجازات العسكرية اليمنية ستستمر وستتصاعد حتى يتوقف العدوان ويرتفع الحصار وتتحرر كل الاراضي اليمنية ويتوقف نهب الثروات اليمنية من قبل العدوان ومرتزقته .
الجدير بالذكر أنه في عام 2016، ولأول مرة في التاريخ، أدرجت الأمم المتحدة المملكة العربية السعودية على القائمة السوداء لفترة وجيزة، ولكن وفقًا للأمين العام للأمم المتحدة آنذاك؛ فلقد مارست السعودية الكثير من الضغوط على الأمم المتحدة لحذف اسمها من القائمة وهددت بقطع التمويل ولهذا فلقد تراجع الامين العام عن قراره وقام بشطب اسم السعودية من هذه القائمة السوداء. لذلك، يبدو أن الأمم المتحدة، لم تستطع اتخاذ مواقف مستقلة ومسئولة وذلك بسبب الضغوط التي تمارسها دول تحالف العدوان عليها، ولهذا فلقد شهدنا خلال الفترة الماضية بعض المواقف السلبية التي اتخذتها الأمم المتحدة تجاه الأزمة الإنسانية في اليمن والوضع الراهن في هذا البلد الفقير يكفي لتحذير العالم أجمع بقرب وقوع كارثة إنسانية في هذا البلد.
وفي الختام، يمكن القول أن حكومة صنعاء لا يمكنها أن تعّول ابداً على الأمم المتحدة في تحقيق اي تقدم نحو السلام العادل ولن تعّول عليها في أي أمر في ظل الهيمنة الأمريكية والمال السعودي عليها والذي اخرجها تماما عن دائرة الاستقلال . وما استمرار قيادة صنعاء في مجاراة الأمم المتحدة إلا من باب التأكيد على حسن نواياها وعلى رغبتها الحقيقية في الوصول إلى السلام العّادل والمشّرف، وهو في ذات الوقت تأكيد على أن المواجهة والصمود هو خيارها الوحيد بدون السلام العادل وأن على تحالف العدوان والامم المتحدة أن يعلموا أن الإستسلام غير وارد ولا وجود له في كل قواميسها أياً كانت النتائج التي تتمخض عن هذا الموقف الاساسي والمبدئي لليمنيين قيادة وشعباً.