الراقصون على أشلاء الأوطان ..
أحمد يحيى الديلمي
الخيانة هي الخيانة ليس لها زمان أو مكان ، لكن أبشع الخيانات هي التي تتعلق بالأوطان ، لأنها تُبيح النهب وابتزاز المشاعر وتوضح النوايا الخبيثة لهدم ودمار كل شيء بما في ذلك الأخلاق والقيم ، لا يوجد أي فرق بين خائن في لبنان أو في اليمن أو في أي بلد، لأن الخيانة لا تصدر إلا عن مجموعات تعيش على الدم وتتاجر بالأوطان وأشلاء أبنائه وتسعى بكل ما تمتلكه من قوة لإرضاء مصدر التمويل مهما كانت النتائج كارثية على الوطن المستهدف ، الممول هو صاحب اليد الطولى من يستخدم هؤلاء الخونة لإرضاء غرائزه المجنونة ونواياه الخبيثة على حساب كل شيء، وهؤلاء الخونة دائماً ما يفقدون بوصلة الانتماء للوطن وينعدم لديهم أي إحساس بالمسئولية أو الشعور بصدق الانتماء لمسقط الرأس ، ما حدث في لبنان مثل درساً بسيطاً لما يحدث في اليمن، فالمؤامرة مسبقة ومن خلال التفاصيل التي أفصح عنها قبطان السفينة تتضح الصورة الحقيقية لما جرى وأن العملية لم تكن محض صدفة أو حادثاً عرضياً كما قال الرئيس الفرنسي ماكرون ، لكنها مصيبة مدبرة قبل سنوات وضعها الأعداء كبديل لتغطية الفشل الذريع الذي مُنيت به المحكمة الخاصة بقضية الرئيس رفيق الحريري ، لأن الهدف واضح هو إسقاط صوت المقاومة في لبنان ، والله أعلم كم من مصيبة يخبئونها تحت عباءتهم الخسيسة لهذا البلد .
هكذا يجري المشهد في اليمن بنفس التفاصيل والأدوات القذرة التي ارتضت أن تبيع نفسها للشيطان وأن تتحول إلى مجرد أدوات يُحركها المجرمون على مستوى دول أو أفراد بالريمونت كنترول ، وعلى هذا الأساس تستمر سياسة النهب وابتزاز المشاعر وتتضح النوايا الخبيثة للهدم والدمار من خلال منظومة متكاملة دولية وإقليمية ومحلية ، وتتجه بوصلة هذه التحالفات المشبوهة نحو كل دولة تنزع إلى الاستقلال والحفاظ على السيادة الوطنية ، وها هو رئيس الوزراء المستقيل في لبنان حسان دياب يوضح الصورة فيقول ” أصبحت منظومة الفساد في لبنان أكبر من الدولة.. كل الطبقة السياسية موغلة في الفساد ، لا همّ لهذه الطبقة إلا تسجيل الأهداف والإمعان في خداع الناس والكذب على اللبنانيين من أجل تحقيق مكاسب في أي دورة انتخابية”، وهذا هو ما يجري اليوم وسيجري غداً على أساس أن كل شيء أصبح مُباحاَ عربياً وإسلامياً وأصبحت أمريكا هي الراقصة الأكبر على رؤوس تلاميذها الصغار أمثال السعودية والإمارات وغيرهم خاصة النخبة الفاسدة في لبنان ومرتزقة العصر في اليمن كلهم مجرد أدوات ساعدوا ويساعدون على توفير المناخ الملائم لتعميق الأزمة الاقتصادية واستغلال الخلل البنيوي الخطير الذي تحول إلى أزمة وجود وانتهى إلى اغتصاب إرادة الفعل الذاتية ونقل القرار السياسي بيد قوى دولية وإقليمية كبرى .
لنُعد بالذاكرة قليلاً إلى الوراء، فنجد أنه عام 2000م قبل انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان بشهور عرض كوفي عنان – أمين عام الأمم المتحدة، آنذاك سلسلة مطالب على حكومة لبنان، منها ترسيم الحدود مع دولة الكيان الصهيوني، فرفضها الرئيس الحص لأنها تمس السيادة الوطنية وتمثل تدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية ، لأن الرجل كان وطنياً صادقاً .
نفس الاعتبارات تغيرت تماماً بعد عدة سنوات من اغتيال الرئيس رفيق الحريري ، بعد أن توغلت السعودية في الداخل اللبناني وأصبحت الطرف الأقوى المتحكم في قرار طرف سياسي بذاته تديره وتتحكم في شؤونه نيابة عن أمريكا والدولة الصهيونية ، وكانت نفس القوة هي الممسكة بزمام الأمور أثناء دخول الكميات المتفجرة وتخزينها في مرفأ لبنان ، مع ذلك تعالت الأصوات من الطرف السياسي الخاضع للإرادة السعودية للمطالبة بتشكيل محكمة دولية تتولى التحقيق في جريمة انفجار مرفأ بيروت بحجة انعدام الثقة في القضاء اللبناني ، وهنا تتضح الأبعاد والنوايا الخبيثة وحالة الترابط بين اغتيال الحريري وتفجير مرفأ لبنان ، أي أن المدبر واحد والصانع واحد والمستفيد أيضاً واحد والخونة والعملاء مجرد أدوات ينفذون ما يُملى عليهم ، وهنا تكمن الإشكالية الكبرى وحالة التردي الذي وصلت إليه الأمور في الوطن العربي ، الكل يرقص على أشلاء الوطن لا يُبالي بأي ثمن سيدفعه هذا الوطن المسكين ، والأثمان فادحة جداً تمثل آثاماً وخطايا كبرى لا تُغتفر ، بينما من يرقصون على هذه الآثام لا يُهمهم إلا جني الأموال المدنسة ، ولا يفكرون في الثمن ويعتبرون الوطن مجرد ساحة لتصفية حسابات ذاتية والإيغال في اقتراف الآثام، وفي النهاية هم من يبررون أفعال المعتدين ويخلقون حالة عبثية من التسيب والإهمام لدى أصحاب الشأن الحقيقيين ، إنها بالفعل مأساة !! وأي مأساة أكبر من هذه حينما يتحول الوطن إلى ملهاة يتسلى بها العملاء والخونة والمرتزقة أصحاب الشذوذ الفكري ممن قذفهم الزمن إلى خلف أسوار الحقيقة وجعلتهم المطامع يرتمون في أحضان أي ناعق طالما أنه سيدفع ، لا يُهمهم ما يجري من أهوال أو كوارث، كما هو حال اليمنيين القابعين.