موظفو الأمم المتحدة في لبنان: أنتم لستم وحدكم، ونحن نتشارك معكم هذه المحنة
كان يوم السبت الماضي يوما حارقا آخر من أيام أغسطس/آب في العاصمة اللبنانية المدمرة بيروت، لكن موظفي الأمم المتحدة، الذين تجمعوا خارج مقر الأمم المتحدة – التي تضررت هي نفسها بسبب الانفجار – كانوا مصممين على العمل مباشرة، والتضامن مع البلد الذي يعدونه وطنا.
بدأ موظفو الأمم المتحدة، من مختلف الوكالات في جميع أنحاء البلاد، وهم يرتدون القبعات والكمامات والقفازات، ويحملون المجارف والدلاء وأكياس الخيش، تفعيل مبادرة # UN4Beirut لنقابات الموظفين، بهدف تنظيف الزجاج والحطام والأنقاض من الشوارع، ومساعدة السكان الضعفاء على تنظيف منازلهم المتضررة.
انضم لموظفي الأمم المتحدة أفراد أسرهم وأصدقاؤهم. وشهد الحدث مشاركة بعض الأطفال الصغار. وإدراكا منهم للاضطرابات التي تعم المدينة، قام الموظفون بتفقد بعضهم البعض، وسردوا قصصا عن كيفية نجاتهم، بأعجوبة، من الانفجار وكيف فقد بعضهم منازلهم، وتحولوا للعيش في الفنادق، في الوقت الحالي.
مهمة التنظيف
قسم الموظفون أنفسهم إلى مجموعات ونزلوا إلى الشوارع، حيث غطوا ثلاث مناطق رئيسية داخل بيروت، تأثرت بشدة من الانفجار.
وقالت نائبة المنسق الخاص والمنسقة المقيمة والمنسقة الإنسانية في لبنان، نجاة رشدي، التي وصلت إلى بيروت، قبل أيام قليلة من وقوع المأساة، بهدف تولي منصبها الجديد:
“إنه لأمر مفجع أن نرى حجم الدمار الكبير الذي لحق بهذه المدينة، ذات الجمال الاستثنائي. ومما لا شك فيه أن الصدمة التي خلفتها هذه النكبة لن يحس بها فقط من سمع بها أو تأثر مباشرة من جراء هذا الانفجار المروع، بل سيشعر بها أيضا كل اللبنانيين الذين شهدوا هذا الدمار الهائل. وقد هزت هذه المأساة العالم كله والذي اجتمع لدعم لبنان “.
نحن هنا للبقاء وخدمة الناس
وانضمت السيدة نجاة رشدي للمتطوعين الذين كانوا يعملون بجد لتنظيف الطرقات. وقالت “أنا أضع قلبي وأسخر طاقتي ووقتي، ولن أدخر وسعا في سبيل مساعدة الشعب اللبناني. نحن هنا لنبقى وننجز. نحن هنا للدعم والمساعدة، وسنتجاوز هذه المأساة تماما.”
وأعربت السيدة رشدي عن قناعتها بأن تضامن اللبنانيين ومثابرتهم – اللذين ظهرا على مر السنين – سيساعدانهم على التعافي والخروج من الأزمة أقوى مما كانوا عليه.
ارتدى محمد صالح، مسؤول البرامج في منظمة اليونيسف، كمامة وحمل مجرفة، وكان مصمما على تقديم المساعدة على الأرض. وقد وقف مشدوها من هول الدمار الذي رآه في موقع الانفجار في كل مكان، وقد جاهد ليصف شعوره قائلا: “نحن جميعا على قلب رجل واحد، بغض النظر عن المكان الذي نعيش فيه في هذا البلد.”
بلد صغير لكنه صامد
لبنان، أحد الأعضاء المؤسسين للأمم المتحدة عام 1945، هو واحد من أصغر الدول ذات السيادة المعترف بها في آسيا، بمساحة تبلغ 10452 كيلومتر مربع فقط.
وأضاف المسؤول بمنظمة اليونيسف:
“بيروت هي عاصمتنا وعلينا أن نقف إلى جانب شعبنا وسط هذه الأزمة الإنسانية. يمكن لمجرفة صغيرة واحدة أن تحدث فرقا، ويمكن أن تساعد الناس على التعافي بوتيرة سريعة للغاية.”
وقادت هذه المبادرة منى فتاح، رئيسة مجلس موظفي لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، وهي مسؤولة التنمية المستدامة في اللجنة. وقالت السيدة منى:
“حشد مجلس موظفي الإسكوا حملة # UN4Beirut بالتنسيق مع جميع نقابات الموظفين في لبنان. هذه حملة واحدة من عدة مبادرات ستأتي لاحقا، بداية من تنظيف الأنقاض، لحملة جمع التبرعات التي تجري في مراكز عمل أخرى من قبل نقابات الموظفين تضامنا مع بيروت وأهلها.”
جوع وتشرد مفجعان
وقال الموظف جورج أبي سليمان، مساعد التخطيط الحضري في برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، والذي ظل يعمل بلا كلل أو ملل، في أعقاب الانفجار، لدعم جهود التعافي والاستجابة:
“إنه لأمر مفجع أن نرى غالبية سكان بيروت الكبرى جوعى ومشردين، في ظل معاناة موجودة سلفا بسبب الأزمة الاجتماعية والاقتصادية، وارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا. نشهد كارثة ضخمة وأنا مصدوم بسبب الفوضى والدمار اللذين عصفا بأحياء بيروت والمناطق المجاورة. آمل أن نتمكن من التعافي.”
لقد أصاب الانفجار أمة تتعثر بالفعل من الانهيار الاقتصادي وزيادة حالات الإصابة بكـوفيد-19. كان الكثير من السكان يعيشون بالفعل في وضع البقاء على قيد الحياة. منذ أكتوبر 2019، يحتشد المتظاهرون المناهضون للحكومة ويدعون إلى إصلاح سياسي مع تفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والمالية في البلاد.
العطف والتضامن
وأشادت مديرة مركز الأمم المتحدة للإعلام في بيروت، مارغو الحلو، بأعمال التضامن والعطف التي أبداها موظفو الأمم المتحدة في لبنان دعما لعائلات الضحايا والشعب اللبناني.
وأشادت بمبادرة نقابات موظفي الأمم المتحدة باعتبارها دليلا رائعا على التعاطف والتضامن المطلوبين، بشدة، في هذه الأوقات الصعبة. وأثنت على المشاركة الساحقة للشباب في هذه المبادرة. وأضافت السيدة الحلو قائلة:
“أنا سعيدة وفخورة برؤية جميع موظفي الأمم المتحدة، وموظفي مركز الأمم المتحدة للإعلام في بيروت، يقفون جنبا إلى جنب للمساعدة في أعمال الإغاثة، وإظهار هذه الروح الإنسانية”.
الأصدقاء والعائلة
بمجرد أن شعر بصدمة الانفجار على طول الطريق من مسقط رأسه في جنوب لبنان، أدرك المهندس المعماري اللبناني محمد ناصيف على الفور أن الناس في المدينة سيحتاجون إلى المساعدة:
“علمت من أحد الجيران أن الأمم المتحدة كانت تقود عملية تنظيف وكنت متحمسا للمشاركة. في وقت لاحق، اكتشف اثنان من أصدقائي، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أنني كنت أشارك في عمليات المساعدة فتحفزوا هم أيضا لفعل الشئ نفسه.”
مالك وحيدي، الطالب البالغ من العمر 19 عاما، شارك في المبادرة مع قريبه الذي يعمل في الأمم المتحدة، وقال إن: “الشباب هم الأمل الوحيد للبنان”.
وحث جميع أصدقائه على الالتحاق به على الأرض، “لأن بيروت تنزف وتحتاج إلى دعم الجميع”. وقالت ليتيسيا متري، وهي خريجة جديدة تطوعت في تنظيف الشوارع:
“لقد رأيت أطيافا مختلفة من الناس يجتمعون لتنظيف شوارعهم، والبحث عن أحبائهم، ويقدمون لبعضهم البعض المأوى والدعم.”
وقالت، والدموع تنهمر من عينيها، إنها كانت تساعد على الرغم من حقيقة أنها عاطلة عن العمل الآن، في وسط الغموض الذي يكتنف مستقبل البلاد. وتساءلت: “هل تعتقد حقا أنه لا يزال هناك أي أمل؟”
لطالما شُبّهت بيروت بطائر الفينيق الذي ينهض من تحت الرماد. على مر التاريخ، تم تدمير المدينة وإعادة بنائها سبع مرات. وبينما لا يزالون في حداد على الموتى والمفقودين، فإن اللبنانيين مصممون على إعادة بناء منازلهم وأعمالهم المحطمة على أمل إعادة بيروت إلى الحياة.
بالنسبة لهم، حان الوقت لإعادة البناء بشكل أفضل، والعودة بشكل أقوى من ذي قبل.