في أعقاب حصر إمكانية دخول المساعدات الإنسانية إلى سوريا في معبر واحد، الوكالات الإنسانية تكافح لتلبية احتياجات الأكثر ضعفا
بناء على قرار مجلس الأمن الصادر في 11 تموز/ يوليو والقاضي بتمديد تفويض الأمم المتحدة لإدخال المساعدات عبر الحدود إلى شمال غرب سوريا عبر معبر واحد، يحاول مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية العمل على “معالجة التحديات التشغيلية الناشئة عن قراركم”.
هذا ما أكده وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية، مارك لوكوك، اليوم الأربعاء، في أول جلسة لمجلس الأمن الدولي تناقش الوضع الإنساني في سوريا، بعد اعتماد القرار آنف الذكر رقم 2533.
يذكر أنه وبعد أربع محاولات فاشلة، صوت مجلس الأمن، في 11 من الشهر الجاري على تبني مشروع قرار ألماني-بلجيكي جدد بموجبه عمل آلية المساعدة الإنسانية عبر خطوط النزاع والمعابر الحدودية لمدة عام واحد.
ونص القرار الأممي رقم 2533 على إيصال المساعدات الإنسانية لسكان شمال غرب سوريا عبر معبر واحد فقط هو باب الهوى.
ويؤثر حصر إدخال المساعدات الإنسانية في معبر واحد كثيرا على برامج الوكالات الإنسانية. الأمر الذي أشار إليه رئيس المجلس للشهر الحالي، السفير الألماني كريستوف هوسجن، والسيدة أماني قدور المديرة الإقليمية لمنظمة الإغاثة والتنمية في سوريا، في إحاطتهما اليوم أمام أعضاء المجلس.
وتصل عمليات المعونة الإنسانية في جميع أنحاء سوريا إلى 6.8 مليون شخص في المتوسط شهريا.
ويتلقى 4.6 مليون شخص مساعدات غذائية شهرية؛ وقد تم إجراء أكثر من 8.9 مليون عملية طبية حتى الآن؛ وتلقى أكثر من 1.6 مليون طفل المساعدة في تعليمهم. كما تساعد الوكالات الإنسانية في التصدي لانتشار كوفيد-19. وفيما لا يزال عدد الإصابات تحت المئة، من المؤكد أن العدد الحقيقي للحالات أعلى من ذلك بحسب وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية الذي قال إن “قدرة الاختبار محدودة بالمقارنة مع ما هو متاح في البلدان المجاورة، وإن إحجام البعض عن الإقرار بوجود عدوى يخفي النطاق الحقيقي لتفشي المرض”.
تأثير الانكماش الاقتصادي
ودخل الاقتصاد السوري، الذي دمره ما يقرب من عقد من الصراع، فترة هشاشة شديدة تميزت بتقلب أسعار صرف الليرة، ومعدلات تضخم عالية، وتضاؤل التحويلات، وتدابير الحظر القائمة لاحتواء كوفيد-19.
وأشار مارك لوكوك إلى أنه من المتوقع أن ينكمش الاقتصاد بأكثر من 7 في المائة هذا العام.
وقد سجلت عمليات رصد السوق التي يقوم بها برنامج الأغذية العالمي زيادة بنسبة 48 في المائة في متوسط سعر السلة الغذائية المرجعية القياسية بين شهري أيار/مايو وحزيران/يونيو. وارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 240 في المائة عما كانت عليه في حزيران/يونيو من العام الماضي.
وذكر وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية في إحاطته أمام الهيئة المؤلفة من خمسة عشر عضوا، أن “حوالي 9.3 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي. وأكثر من مليوني شخص معرضون لخطر انعدام الأمن الغذائي”، مضيفا أن ” 86 في المائة من الأسر تشتري غذاء أقل جودة، أو كمية غذاء أقل، أو تقلل عدد وجبات الطعام.”
حماية المدنيين
وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في آذار/مارس الماضي في الشمال الغربي بين روسيا وتركيا لا يزال قائما إلى حد كبير، ولكن بحسب لوكوك فقد “تم الإبلاغ عن بعض الضربات الجوية والبرية في الأسابيع الأخيرة”.
ووفقا لمكتب المفوضة السامية لحقوق الإنسان، وقع “ما لا يقل عن خمسة قتلى مدنيين من بينهم طفلان”. كما جرح 26 مدنيا من بينهم 7 أطفال أصيبوا نتيجة القصف والضربات الجوية هذا الشهر.
وأعرب لوكوك عن القلق بشأن ارتفاع مستوى العنف في درعا، مشيرا إلى انخفاض مستوى وصول المساعدات الإنسانية المنتظمة إلى الركبان، الأمر الذي خلق وضعا حرجا لحوالي اثني عشر ألف شخص يعتقد أنهم ما زالوا موجودين هناك.
وفي هذا السياق، كرر وكيل الأمين العام “أهمية توزيع المساعدات على المدنيين الموجودين هناك ودعم مغادرتهم الطوعية للمكان”.
هذا ولفت لوكوك الانتباه إلى انقطاع امدادات المياه من محطة علوك الواقعة في الشمال الشرقي من البلاد، الأمر الذي أثر على 460،000 مدني في محافظة الحسكة.
وقال إن سكان مخيم الهول الذي يستضيف حوالي 65,000 شخص، يعانون أيضا من نقص كبير في المياه، مشيرا إلى أن ثلثي سكان المخيم من الأطفال وأكثر من نصفهم دون سن الخامسة!
وفي هذا الصدد شدد وكيل الأمين العام على أهمية تسهيل وصول الوكالات الإنسانية بشكل أفضل إلى المخيم لمساعدة هؤلاء الأطفال.
الاستثمار في مستقبل الأطفال
وذكّر لوكوك بأن خطة الاستجابة الإنسانية لسوريا التي تتطلب تمويلا يبلغ 3.4 مليار دولار في عام 2020، لم تتلق حتى الآن سوى 32 في المائة من مجموع المبلغ.
وجدد نداءه للاستثمار في تعليم أطفال سوريا، قائلا: “ثلث الأطفال في سن المدرسة في سوريا -أي 2.5 مليون طفل – هم خارج المدرسة. ويواجه 1.6 مليون طفل آخر خطر التسرب من المدرسة. وزاد عدد الأطفال غير الملتحقين بالمدارس بنسبة 16 في المائة منذ العام الماضي. مع إغلاق المدارس بسبب كوفيد-19، من المرجح أن يزداد هذا العدد أكثر. ”
وكان آلاف الأطفال السوريين قد عبروا وحاولوا أن يعبروا نقاط التحكم بين المناطق ليشاركوا في الامتحانات الوطنية.
وفي هذا الصدد قال لوكوك: “وسط أزمات متزامنة لا يمكن التغلب عليها، لا يغيب مستقبلُهم عن بالهم. وكذلك يجب أن يكون الأمر بالنسبة لنا”.
نساء يلدن في العراء.. وزواج فتيات في سن 11
السيدة أماني قدور من وكالة الإغاثة والتنمية في سوريا، وهي منظمة شريكة غير حكومية، وصفت جائحة كوفيد-19 بأنها أزمة ضمن أزمة كشفت مدى تجزئة القطاع الصحي في سوريا.
ولفتت الانتباه إلى أهمية متابعة الخدمات الصحية خاصة للنساء والفتيات مشيرة إلى ضعفهن الشديد تجاه الأزمات بما فيها كوفيد. ودعت إلى توفير اهتمام فردي ومحدد لهذه المجموعة التي تحملت بعض الظروف الأكثر رعباً من حيث الإهمال من الناحية الصحية، وكذلك من حيث التعرض المستمر للعنف الجنسي والجنساني.
وأوردت أمثلة محزنة عن نساء يلدن في العراء وتحت الأشجار دون الحصول على الرعاية الصحية المناسبة. كما تحدثت عن حالة الفتيات اللواتي يتزوجن في عمر مبكر، بما في ذلك في سن 11 أو 12 عاما واصفة ذلك ب “أحد أكثر أشكال التأقلم تطرفا” حيث تضطر الأسر والفتيات اللواتي يفتقرن إلى بدائل مثل تعليم ووسائل العيش البسيطة، إلى اعتماده للبقاء على قيد الحياة في ظل الأزمات.
في هذه الحالة، “من السهل إلقاء اللوم على المعايير الثقافية الاجتماعية أو غيرها من القضايا الإيديولوجية”، قالت أماني غير أنها طلبت من أعضاء المجلس النظر إلى أسباب أعمق من ذلك لتفشي هذه الظواهر التي تفاقم من معاناة الفتيات والنساء. وأوضحت أن هذه الممارسات تظهر في سياقات عديدة وهي أمر نكافح من أجل القضاء عليه على مستوى عالمي، ولكننا نراه بشكل واضح في سياق الصراع.
“لذا، أطلب منكم حقا أن تتمسكوا بالحاجة إلى توفير الخدمات المنقذة للحياة التي تساعد في الاستجابة لأشكال العنف هذه”، أكدت أماني.
واختتمت أماني قدور كلمتها بالطلب إلى مجلس الأمن بأن ييسر استدامة تقديم الخدمات الإنسانية واستمرار وصول المساعدات الإنسانية وأن يضع الاحتياجات الإنسانية ضمن الأولويات وقبل كل شيء، خاصةً “وأن القرارات المتخذة في هذه القاعة (مجلس الأمن) قد شكلت حياة ومصير الملايين”…
الجعفري: وحوش مستعرة تهدد سوريا
“هناك وحش مستعر يسمى الاحتلال الأمريكي في الشمال السوري، ووحش تركي آخر ينتشر في الشمال ووحش إرهابي في إدلب، بدعم من بعض أعضاء المجلس. هذه المناطق هي أراضٍ سورية حيث يعاني المدنيون على الصعيدين الاقتصادي والإنساني. على رأس كل هذه الوحوش، هناك عرابهم، وهو التدابير الاقتصادية القسرية الأوروبية والأمريكية المروعة”.
هذا بحسب ما جاء على لسان المندوب السوري الدائم لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري، أمام جلسة مجلس الأمن، مشيرا إلى أن اعتماد القرار 2533 كان إجراءً استثنائياً ومؤقتاً لا يمكن استمراره.
وأوضح أن الدافع وراء هذا القرار ليس تقديم المساعدة الإنسانية للمحتاجين، بل “إيجاد حماية لمواصلة انتهاك سيادة سوريا تهديد وحدتها وسلامة أراضيها، وهو ما يتعارض مع قرار الجمعية العامة 46 / 182.
تهدف هذه الجهود إلى خلق حقائق جديدة على الأرض من خلال رعاية الجماعات الإرهابية والميليشيات الانفصالية وكذلك محاولة إبقاء الاحتلال الأمريكي والتركي، بحسب السفير السوري الذي كرر أن مركز العمل الإنساني في سوريا ليس باريس ولا برلين ولا بروكسل ولا أي مدينة أخرى، إنه العاصمة السورية دمشق.
لقد “فشل مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في تلبية متطلبات العمل الإنساني، وضمان شفافيته واحترافه وعدم تسييسه”، وفقا لما أفاد به بشار الجعفري، قائلا إن “ذلك يرجع إلى حقيقة أن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية أصبح أداة لتنفيذ جداول أعمال بعض الحكومات المعادية وتحويل تقاريره إلى منصة للترويج للمزاعم المضللة”.