عطوان: ما هي حقيقة ما يجري على الجبهة اللبنانية الإسرائيلية من تطورات في اليومين الماضيين؟
عبد الباري عطوان
جاءت تطورات الاحداث يوم امس على الحدود اللبنانية مع الأراضي الفلسطيني المحتلة لتعكس الاستراتيجية الجديدة لحزب الله، المتمثلة في “نهج الغموض”، وعدم الإدلاء بأي تصريحات تفصيلية عن أنشطته العسكرية خاصة ضد العدو الإسرائيلي، وتصعيد حالة الارتباك في صفوفه.
الحزب أصدر بيانا نفى فيه كل “الروايات” الإسرائيلية حول التصدي لخلية حاولت التسلل لتنفذ عملية فدائية عبر الحدود انطلاقا من مزارع شبعا المحتلة، ولكنه أكد في البيان نفسه أن الثأر لاستشهاد علي كامل محسن- أحد عناصره في عدوان إسرائيلي في غلاف مطار دمشق- قادم وحتمي.
فإذا كان هناك تسلل فعلا لإحدى خلايا “حزب الله” جرى رصده واكتشافه من قبل وحدات عسكرية إسرائيلية فلماذا لم يتم اطلاق النار بهدف القتل على هؤلاء المتسللين؟ ولماذا جاء القصف الإسرائيلي لمزارع شبعا “مسرحيا” ولم يحدث إلا أضرارا مادية بأحد المنازل الخالية من السكان؟
الإجابة واضحة، ولا تحتاج الى تفاصيل.. الجانب الإسرائيلي المرتبك، المرعوب، لا يريد فتح معركة مع “حزب الله”، وفي هذا التوقيت الذي يواجه فيه رئيس الوزراء الاسرائيلي ثلاث أزمات، الاولى صحية، تتمثل في فشله في التصدي لانتشار كورونا، والثانية سياسية، تتمثل في الانقسامات الحادة في ائتلافه الوزاري الحاكم، ونزول عشرات الآلاف من المتظاهرين في الشوارع للمطالبة باستقالته، أما الثالثة فشخصية، تنعكس في الملاحقات القانونية التي تطارده بسبب فساده المالي.
***
فإذا تجاوزنا الروايات العسكرية الإسرائيلية المتناقضة هذه، ونظرنا الى ما حدث يوم امس على الحدود اللبنانية الإسرائيلية من زاوية أعمق، أي زاوية الربح والخسارة، يمكن القول إن حزب الله خرج رابحاً دون أن يطلق رصاصة واحدة، أو تدلي قيادته المتمثلة في السيد حسن نصر الله أي تصريح، باستثناء البيان العام والمقتضب، والمتقتر في المعلومات والتفاصيل بطريقة متعمدة ومقصودة.
إنها الحرب النفسية التي أثبت حزب الله انه يملك “اكاديمية” خاصة به تمكنه من إجادة خوضها باقتدار، وبخبرة عميقة اكتسبها منذ نزوله الى ميدان المقاومة منذ ثلاثين عاما تقريبا، وباتت تصدّر الخبراء للحلفاء في منطقة الشرق الأوسط وربما ما بعدها.
حزب الله خرج منتصرا في هذه الحرب، لأن مجرد تهديده بالرد لاستشهاد عنصره في عدوان إسرائيلي على جنوب دمشق، أربك الإسرائيليين، قادة ومستوطنين، ودفع بالمتغطرس نتنياهو الى إرسال رسالة عبر قوات “اليونيفيل” الدولية الى قيادته (الحزب) يعتذر فيها عن جريمته، ويؤكد انه لم يعلم بوجود عناصر من حزب الله في المنطقة التي استهدفتها الغارة الجوية الإسرائيلية في دمشق تجنبا لأي تصعيد، وتأكيد الالتزام بقواعد الاشتباك بالتالي، وما يؤكد أكثر على هذه الرسالة تجنب مسيّرة إسرائيلية اغتيال اربعة من قادة الجزب الميدانيين على الجانب الآخر من الحدود السورية مع لبنان قبل شهر، وقصفها لسيارتهم ذات الدفع الرباعي بعد مغادرتها.
تصاعد هذا التوتر على الحدود اللبنانية مع دولة الاحتلال في وقت يطرح فه طرف لبناني مضاد للمقاومة مسألة “الحياد” وضرورة النأي بالبنان عن الحروب والمحاور، جاء يخدم “حزب الله” ومعسكره ويؤكد سقوط هذه المقولة، وفضح نوايا من يقفون خلفها، وأن لبنان لا يمكن ان يكون “محايدا” في ظل الخطر الإسرائيلي الذي يهدده وـمنه واستقراره للاستيلاء ونهب احتياطاته النفطية والغازية في البحر المتوسط.
نعود الى القضية الأهم، وحساب الانتقام المفتوح، ونطرح سؤالا مهما، وهو: متى سيكون الثأر لمقتل الشهيد محسن، وأين، وكيف، طالما انه بات حتميا، حسب البيان الأخير لحزب الله؟