حصاد باذخ للمنظمات والبعثات الأممية من السنوات العجاف لليمن… «فردوس أممي بحراسة محلية»
يوماً بعد آخر وعاماً تلو عام تتسع رقعة تجارة الحرب على اليمن لتكشف أن مصنعي الأسلحة وبائعيها ليسوا وحدهم المستفيدين من الحرب، فهناك «أمراء» آخرين يعيشون في رغد وينفقون ببذخ كبير، لا يخشون جوعاً أو حرماناً، فهم يستلمون مئات الملايين من الدولارات تارة تحت مسمىمساعدات إنسانية وإغاثية للشعب اليمني، وتارة أخرى بعناوين تحقيق السلام في اليمن، بينما الشعب اليمني بعيد عن مساعداتهم وإنسانياتهم المزعومة ولم يلتمس منهم أي سلام.
تتحدث وسائل الإعلام عن أرقام فلكية.. مئات الملايين من الدولارات يتم الإعلان عنها كمنح ومساعدات للشعب اليمني، يتم تسليمها للأمم المتحدة التي تقف على رأس الجهود الإغاثية المزعومة للتخفيف من وطأة الأزمة، بالعمل مع شركاء محليين ودوليين من منظمات ومؤسسات مختلفة، غير أن ما يصل إلى المحتاجين في اليمن ليس سوى فتات الفتات.
بعثات أممية تتكاثر عاماً بعد آخر، من دون تحقيق أي إنجازات على الأرض، فالعدوان لازال مستمراً والحصار متواصلاً، والضحايا المدنيون يسقطون بشكل شبه يومي، والاقتصاد في انهيار والمرتبات منقطعة، والكارثة الإنسانية في ارتفاع.
ويرى مراقبون أن الأمم المتحدة قد تحولت إلى مظلة للمتاجرين بمآسي الشعب اليمني، ما جعلها مع البعثات التابعة لها في اليمن والكثير من المنظمات الشريكة والعاملة معها، محط اتهام الكثيرين بإطالة أمد الحرب لتحقيق المزيد من الربح والاسترزاق.
هذه الاتهامات عززتها تقارير مالية رسمية صادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، كشفت حجم الإنفاق المالي الضخم على البعثات السياسية للأمم المتحدة، والتي تصل إلى مئات الملايين من الدولارات سنوياً، بخلاف مليارات الدولارات تُسلم للمنظمات الشريكة والعاملة مع الأمم المتحدة، يقابلها على أرض الواقع ارتفاع مخيف في حجم الكارثة الإنسانية في اليمن، باعتراف المنظمات ذاتها.
وأظهرت التقارير المالية المتعلقة بالميزانية المقترحة للبعثات السياسية للأمم المتحدة للعام 2020، زيادة مستمرة في عدد الموظفين والنفقات التشغيلية ومخصصات السفريات والإقامة التابعة لمكتب المبعوث الأممي الخاص في اليمن مارتن غريفيتث، وبعثة دعم اتفاق ستوكهولم في محافظة الحديدة، وهو الاتفاق الذي تمّ توقيعه عقب محادثات السويد منتصف ديسمبر 2018.
بعثة دعم اتفاق الحديدة
التقرير الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، الدورة الـ74، بعنوان «الميزانية البرنامجية المقترحة لعام 2020م» (الباب الثالث – الشؤون السياسية – البعثات السياسية، بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة، التقرير الـ24 للجنة الاستشارية لشؤون الإدارة والميزانية)، كشف أن الموارد المقترحة لعام 2020 لبعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة 53.613.400 دولار كقيمة صافية، بمعدل مصاريف شهرية تصل إلى 4.5 مليون دولار، فيما تبلغ وظائف طاقم البعثة خلال العام 2020م ما مجموعه 159 وظيفة، بزيادة قدرها 21 وظيفة جديدة مقارنة بـ138 وظيفة معتمدة لعام 2019م، ومن بين هذا الطاقم 13 وظيفة فقط لموظفين محليين جُلهم سائقون.
وفي بند الموارد المتعلقة بالمرافق التابعة لبعثة الحديدة والمقامة على اليابسة وإيجاراتها، رصد التقرير الأممي مبلغ 3.813.600 دولار إيجار فندق فورسيزون بالحديدة خلال العام 2019م، إضافة إلى مبلغ 1.826.700 دولار إيجار الفيلات (1 ـ 4)، ومبلغ 362.570 دولارا إيجار دار ضيافة برنامج الأغذية العالمي في الحديدة، ومبلغ 255.200 دولار إيجار أماكن للإيواء بصنعاء في العام ذاته، بينما بلغت المبالغ المقترحة كإيجارات خلال العام 2020م، 2.169.115 دولاراً إيجار الفيلات (1 ـ 4)، ومبلغ 945.155 دولاراً إيجار الفيلتين (5 و6)، ومبلغ 1.719.930 دولاراً إيجار الفيلا 8 بالحديدة، بخلاف مبلغ 810 آلاف دولار شهرياً إيجار سفينة في عرض البحر لعقد اجتماعات دورية للبعثة، والتي كان من المقرر انتهاء عقد إيجارها في مارس 2020م.
وفي ما يتعلق بالنقل البري تم تخصيص مبلغ قدره 1.892.800 دولار لاقتناء 12 مركبة مدرعة لعام 2020، ليصل عدد المركبات المدرعة تحت تصرف بعثة الحديدة إلى 47 مركبة.
وأوضح التقرير الذي اطلعت عليه صحيفة «لا» أن الموارد المقترحة للعمليات الجوية لعام 2020م تبلغ 17.685.400 دولار، وهو ما يمثل زيادة بمبلغ 1.891.800 دولار، مقارنة بمخصصات عام 2019م، وتخصيص موارد قدرها 5.870.100 دولار خدمات طبية للبعثة للعام 2020، ومبلغ 224.500 دولار لخدمات الكشف عن الألغام وإزالتها في محيط موانئ الحديدة ورأس عيسى والصليف.
وأشار التقرير إلى أن تنفيذ أنشطة البعثة في 4 مواقع هي:
ـ الحديدة: لإنجاز ولاية البعثة بصفة مباشرة.
ـ صنعاء: لأداء المهام التشغيلية ومهام الاتصال.
ـ عَمَّان: لتقديم خدمات الدعم كجزء من هيكل دعم البعثة المتكامل مع مكتب المبعوث الخاص للأمين العام إلى اليمن.
ـ جيبوتي: لتنسيق العمليات الجوية المتعلقة بالإجلاء الطبي.
مكتب المبعوث الأممي
وكشف الموقع الأممي أنّ ميزانية مكتب مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيتث بلغت 17 مليوناً و20 ألف دولار خلال العام 2019، فيما بلغت الميزانية المقترحة للعام الحالي 18 مليوناً و423 ألف دولار، بزيادة قدرها مليون و403 آلاف دولار بنسبة 8.2٪ عن العام الماضي، إضافة إلى رصد مبلغ مليون و33 ألف دولار موارد خارج الميزانية لمكتب المبعوث الأممي للعام الجاري.
وأظهر التقرير أن عدد الموظفين في مكتب غريفيتث عام 2019 بلغ 95 موظفاً، واقتراح ارتفاع العدد هذا العام إلى 101 موظفاً، بينهم 8 موظفين محليين فقط.
وأظهر المرفق الثالث النفقات والميزانيات المخصصة للعمليات الجوية للبعثات الدبلوماسية من العام 2018 إلى العام 2020، حيث بلغت الميزانية المعتمدة للعمليات الجوية لمكتب غريفيتث عام 2018م، مبلغ 276 ألف دولار، ومبلغ مليون و305 آلاف دولار للعام 2019م، واقترحت ميزانية للعمليات الجوية هذا العام مليوناً و347 ألف دولار.
وفي المرفق الرابع كشف التقرير الأممي زيادة في الموارد المتصلة بالأمن لمكتب غريفيتث لتصل إلى مليون و32 ألف دولار خلال العام 2020م، مقارنة بـ487 ألف دولار للعام الماضي، مبرراً هذه الزيادة بزيادة تكاليف حراس الأمن المتعاقد معهم والمشتريات المتعلقة بالأمن وخدمات المرافقة المسلحة.
وفي المرفق الخامس اقترح التقرير مبلغ 705 آلاف دولار، كمخصصات للسفر في مهام رسمية لمكتب المبعوث الأممي.
عبث أممي
الإنفاق المالي الضخم على الهيئات التابعة للأمم المتحدة في اليمن، والذي يصل إلى مئات الملايين من الدولارات، سبقه اعتراف أممي آخر بحجم العبث المالي الحاصل باسم معاناة الشعب اليمني، حيث نشرت الأمم المتحدة منتصف العام 2019م كشوفات تضم أسماء 96 منظمة محلية ودولية تسلمت خلال العام 2018 ما يزيد على 2.6 مليار دولار، وقائمة أخرى بـ62 منظمة تسلمت 449 مليون دولار خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام 2019م، غير أنه ورغم هذه المبالغ الكبيرة لايزال حجم الكارثة الإنسانية في اليمن يرتفع من يوم إلى آخر، لأن ما يصل إلى الفئات المستحقة لا يتجاوز الـ20 أو الـ30٪ فقط من المليارات المرصودة باسم الإغاثة الإنسانية في اليمن.
وبلغة الأرقام التي تشرح باختصار الوضع الإنساني في اليمن خلال 5 سنوات من الحرب والحصار، هناك:
ـ أكثر من 22 مليون فرد من السكان يحتاج إلى مساعدات إنسانية (مواد غذائية، ماء، إيواء).
ـ أكثر من 3.65 مليون نازح داخل اليمن يفتقرون لكثير من أبسط مقومات الحياة.
ـ 16.4 مليون فرد يحتاجون إلى رعاية صحية.
ـ 3.9 مليون طفل وامرأة يعانون من سوء التغذية، بينهم 400 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم.
ـ 16 مليون فرداً يحتاجون إلى المياه والصرف الصحي والنظافة.
ـ أكثر من 35٪ من عدد السكان ضمن مؤشر المرحلة الخامسة (مرحلة المجاعة).
ـ 14.4 مليون شخص ـ ما يعادل ثلاثة أرباع سكان اليمن ـ بحاجة للحماية وتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة.
صحيفة «لا» ناقشت هذا العبث المالي الذي قد يصل إلى مستوى الاتجار بمعاناة اليمنيين، مع الجهة المختصة بإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن، والسلطة المحلية بمحافظة الحديدة، وأيضا الجهات القانونية.
محافظ الحديدة محمد عياش قحيم:هناك عبث كبير في المعونات والتساهل الأممي شجع التمادي
يؤكد محافظ الحديدة محمد عياش قحيم، أن هناك تبذيراً في النفقات التشغيلية للمنظمات الدولية والبعثات الأممية العاملة في اليمن، وأن ما يتم استخدامه من المنح والهبات والمعونات لا يتجاوز الـ30% وفي مشاريع غير ذات جدوى.
وقال قحيم لصحيفة «لا»: «العبث حاصل بدرجة كبيرة، حيث تُنفق الكثير من المنظمات على نفسها وطاقمها نحو 70٪ من المعونات المخصصة للمحتاجين في اليمن، بينما تستخدم النسبة الباقية في إقامة مشاريع وقتية وغير ذات جدوى حقيقية للمواطن يتم الاتفاق عليها مع بعض الجهات التي لا تتابع أين ذهبت تلك المنح».
وأضاف: «الأعمال التي تقوم بها الكثير من المنظمات تأتي بهدف الربح وليس الإنسانية، فتنفذ مشاريع بغرض النفقات وليس من اجل تقديم الخدمة أو الإسهام في التنمية، وكنا نأمل أن تقوم هذه الجهات بأعمال تنموية تخفف من المأساة الإنسانية المتزايدة يوم بعد آخر».
وأشار إلى إحدى المآسي التي تؤكد أن المشاريع التي تقدمها الكثير من المنظمات الدولية والشريكة معها هي مشاريع وقتية وليست مستدامة أو بهدف وضع حل جذري لمشكلة معينة، حيث قال: «لو كانت المنظمات تُقدم مشاريع مستدامة تهدف إلى حلول جذرية لمشاكل معينة، لما وجدنا ارتفاعاً مستمراً في الكارثة الإنسانية، فعلى سبيل المثال، قامت إحدى المنظمات الدولية اليوم (الخميس 25 يونيو 2020م) بسحب بعض المعدات لها في مدينة الحديدة، من بينها المولدات الكهربائية في الجامعة ومستشفى الثورة والمرافق الحساسة التي قامت المنظمة باستئجارها لفترة معينة، ولو كانت قامت بشراء مولدات لهذه المرافق، لاستمرت في خدمتها سنوات طويلة، ولكنها استأجرتها لفترة معينة ثم قامت بسحبها في ذروة الاحتياج مع اشتداد حرارة الجو بشكل كبير».
ولفت إلى أن «الأعمال التي تقوم بها الكثير من المنظمات ليست بدافع إنساني وإنما مادي ربحي، حيث أصبحت تركز على الجانب الربحي وعلى صفقات المقاولات وأشياء لا تخدم تنمية ولا تخدم وطناً، وحرام أن تُقيد كمنح للشعب اليمني»، موضحاً أن «هناك لوبياً يدير عمليات الاستئجار وعمليات البيع والشراء».
وحول دور الأمم المتحدة في متابعة المنظمات الشريكة لها، قال: «الأمم المتحدة أعتقد أنها هي التي تختار الشريك المحلي بما يتوافق مع توجهاتها وأجنداتها».
وكتقييم لما أنجزته بعثة دعم اتفاق الحديدة خلال عام ونصف مقارنة بمستوى الإنفاق الكبير للبعثة، قال قحيم: «للأسف الشديد أعضاء بعثة دعم الحديدة، خلال عام ونصف، كأنهم غير موجودين، لا نسمع لهم صوتاً إزاء الكوارث التي تحل بأبناء الحديدة، لازالت القذائف تتساقط على المدينة والرجال والنساء والأطفال يموتون بشكل شبه يومي، ولازالت المرتبات منقطعة، ولازالت مدينة الدريهمي محاصرة منذ عامين، حاولنا في رمضان الفائت إدخال قافلة إلى المدينة، ولكننا لم نستطع بسبب تعنت العدوان وعدم وقوف البعثة الدولية بالشكل المطلوب كأنهم أتوا للجلوس وغض الطرف عن هذه الجرائم، كان المفترض أن نسمع إحاطة واحدة من رئيس فريق إعادة الانتشار أو من المبعوث الأممي كي نقول إن هذه منظمة صادقة، لكن بالعكس نجد السيد مارتن في الاتجاه الآخر، في الجوف ومأرب لا يريد تصعيداً، وهنا في الحديدة يُقتل الأطفال والنساء ولم نسمع له أية إدانة أو حتى تلميح لهذه الجرائم،، هنا أيضا المشتقات النفطية محجوزة رغم التصريح من قبل الأمم المتحدة بدخولها وقد تم تفتيشها في جيبوتي».
وأضاف: «لقد مل الشعب اليمني وفي مقدمتهم أبناء الحديدة من عدم التعاطي الجاد للأمم المتحدة إزاء العدوان وهمجيته، بل إن الأمم المتحدة ولعدم وقوفها الصادق مع الحق وعدم رفع إحاطات لمجلس الأمن بما يحدث، جعلت العدوان يتمادى في طغيانه، ويرتكب الجرائم تلو الجرائم دون أن نسمع للإنسانية المزعومة أي صوت».
وطالب قحيم الأمم المتحدة بأن تضع الحقائق أمام المجتمع الدولي، وأن توضح أن هناك تحالفاً يقوم بالعدوان والحصار والقرصنة وأخذ السفن، مؤكداً أن الأمم المتحدة جراء هذا التساهل مع العدوان لم تستطع حتى حفظ ماء وجهها، وأصبحت ـ وفقاً لتوصيفه ـ منظمة هلامية.
المحامي والمستشـار شايف اليوسفي:علامات الاستفهام تشوب عمل الكثير من المنظمات الدولية والبعثات الأممية
أوضح المحامي والمستشار القانوني شايف اليوسفي أن طبيعة عمل المنظمات الدولية والمنبثقة منها والبعثات الأممية التي وصفها بـ«التخابرية» في اليمن، تشوبها علامات الاستفهام، بسبب الأموال الطائلة التي تجري بين يديها.
وقال اليوسفي لصحيفة «لا»: «هذه الأموال تأتي من مصادر متعددة كمنح وهبات وتبرعات، تكون من أجل مشروعات محددة أغلبها مرتبط بمصير الناس سواء لإغاثة المحتاجين أو محاربة آفات أو درء مخاطر أو المساهمة في بعض أشكال التنمية لتطوير مناطق هي في حاجة لمثل تلك البرامج».
وأضاف: «كثير من المنظمات الدولية في اليمن خلقت علامة استفهام كبيرة بشأن كيفية صرف هذه الأموال، فالعديد منها تصرف على نفسها نحو 80٪ من الميزانية المرصودة لمشروع محدد حصلت على أمواله بتلك الصفة، فيما يحصل المستهدفون من المشروع على الفتات، مما يجعل تلك المنظمات تعتاش على حساب الأزمات والكوارث وحاجات الناس».
ولفت إلى أن هناك قضايا فساد كثيرة أثيرت حول بعض المنظمات العاملة في اليمن سواء في مجال الإغاثة الإنسانية أو في مجالات أخرى، في ظل انعدام الشفافية المالية لتلك المنظمات.
وأشار إلى أن «بعض المنظمات متهمة بالتدخل في شؤون الدول والمجتمعات للضغط عليها في أمور متعلقة بالسياسة، والتخابر لصالح جهات خارجية، وبعضها منحاز لطرف من الأطراف في النزاعات، وتعمل على استخدام تلك المنح والتبرعات في غير غاياتها الإنسانية».
وشدد على ضرورة «إعادة النظر بعمل هذه المنظمات ومنعها من استغلال حاجة الأفراد وتحويلها لأغراض وغايات غير إنسانية بقصد التكسب والارتزاق والتخابر تحت غطاء الإنسانية».
وأكد أنه «وفقا للقانون اليمني تعتبر تلك التصرفات من قبل المنظمات العاملة في اليمن تحت طائلة المساءلة الجنائية، لأن تلك المساعدات تعتبر أموالاً عامة وأي اختلال فيها يعتبر فساداً يستوجب التحقيقات الجنائية، هذا إن لم تندرج تحت جرائم الخيانة لهذا الوطن في ظل هذه الظروف، كونها مشاركة بقتل الشعب بالتجويع والإذلال واستغلال الفاقة».
كما شدد على ضرورة أن تلتزم المنظمات بمعايير الشفافية الدولية والإفصاح عن المنح والمساعدات المقدمة لليمن وأوجه صرفها للجمهور، وإحاطة الرأي العام وإشراكه في معرفة مصير المساعدات لأنها تمس حياته ومتعلقة بمصيره.
واختتم المستشار اليوسفي حديثه لصحيفة «لا» بالقول: «المصارحة والشفافية من الأمور المهمة والجوهرية واحتياط من إمكان الوقوع في مصيدة مُهلِكة تنصبها قوة لأخرى، ولن يزيل هذه المشكلة ويغيِّر واقع التعامل بالظنون إلا مزيد من المصارحة والمكاشفة، ولعلَّ أول المصارحة إعلان البرامج لكل منظمة عاملة وتوضيح وسائل العمل وأدوات التنفيذ وكيفيات وآليات التعاطي في برامجها».
طلعت الشرجبـي :الأمم المتحدة طرف مستفيد من استمرار العدوان على اليمن
أكد المتحدث باسم المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي، طلعت الشرجبي، وجود خلاف كبير مع كثير من المنظمات حول الإنفاق الكبير على مشاريع الكثير منها غير ذات جدوى بعيدة المدى.
وقال الشرجبي لصحيفة “لا”: “نحن لدينا في الأساس خلاف كبير مع كثير من المنظمات سواء المنظمات الدولية أو غيرها، وخصوصاً العاملة في المجال الإغاثي والإنساني، في ما يخص النفقات التشغيلية للكثير من المشاريع، وأحيانا نصل معهم إلى طريق مسدود، لذلك نحن نرفض كثيراً من المشاريع التي تكون فيها النفقات التشغيلية كبيرة جداً، ونحرص بشكل مستمر الضغط على هذه المنظمات لإعادة صياغة المشروع وتخفيض النفقات التشغيلية بحيث نجعل نسبة كبيرة من هذه النفقات تصب في صالح المواطن المستفيد من المشروع”.
وأرجع الاختلال في النفقات وعدم الفائدة المرجوة من كثير من المشاريع إلى سوء الإدارة لطبيعة الأزمة في اليمن، وقال: “لو كان هناك إدارة حكيمة وحقيقية لطبيعة الأزمة في اليمن من قبل المنظمات الإغاثية والإنسانية والأممية، لكان هناك تخفيض كبير جداً في حجم الكارثة الإنسانية في اليمن، وأيضاً لكان هناك تدنٍ في عدد المحتاجين، لكن للأسف الشديد بسبب سوء الإدارة وبسبب العبث بشكل كبير في المساعدات الإنسانية، حيث هناك نفقات تشغيلية ومصاريف تذهب لصالح العاملين في المجال الإغاثي، فالمواطن يستفيد بالقدر اليسير أحيانا لا تصل في بعض المشاريع إلى 20 أو 25%، لذلك نجد أن الهوة بدأت في الاتساع وزاد عدد المحتاجين”.
عبث منظم
ورأى الشرجبي أن السبب الرئيسي في زيادة النفقات يعود إلى وجود ما وصفه بـ”عبث شبه منظم”، مضيفاً: “لذلك نحن في المجلس نُتهم بشكل مباشر في كثير من الأحيان بأننا نعرقل مهام المنظمات، والخطأ الأساس أو نقطة الخلاف الأساسية هي أن بعض المشاريع تصب في هذا الاتجاه، وأحياناً يكون الخلاف على أن هذه المشاريع لا تتناسب مع حجم الاحتياج، يتم الإعلان عن أرقام فلكية واحتياجات فلكية، لكن على الأرض لا نلمس الكثير، ولا يوجد ما يخفف عن المحتاجين بشكل كبير جداً”.
وواصل حديثه: “للأسف الشديد حتى على مستوى المنظمات المحلية هناك منظمات تقوم بمسايرة المنظمات الدولية ولا تتبنى مشاريع من الواقع ومن الاحتياج، وإنما تأتي بمشاريع وفقاً لما تريده المنظمات الدولية التي هي بدورها أيضاً منقادة ومسيرة بشكل كبير من قبل المانحين، فالمانحون لهم شروط كبيرة في المشاريع، أحيانا هم من يقومون بفرض سياسات معينة لتوجيه هذه المشاريع، فما بالك إذا عرفت أن أكبر الممولين للعمليات الإنسانية والإغاثية للأمم المتحدة في اليمن هي الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا والسعودية والإمارات، يعني الدول الأساسية المشاركة في العدوان على اليمن هي الممولة، لذلك معظم هذه المشاريع لا تذهب باتجاه مشاريع مدروسة أو مشاريع ذات جدوى تنموية بحيث يكون لها أثر على المستوى القريب والمستوى المتوسط، وأيضاً أثر على المستوى البعيد”.
وأضاف: “نحن نطالب في كثير من الأحيان بدلا من أن تقدم خدمات صحية لمنطقة معينة، على سبيل المثال، وهذه الخدمات تكون مكلفة، كنا نطمح أن يصب الدعم في إعادة تأهيل الوحدات الصحية الموجودة أو المدمرة في المنطقة ذاتها، وبالتالي هذه الوحدات بعد تأهيلها هي ستقوم بهذه الخدمات، لكن هناك رفضاً في تبني مثل هذه المشاريع، مشاريع إعادة البناء والمشاريع التنموية، لأن الأمم المتحدة تعتبر أن مثل هذه المشاريع ستقوم بها في ما بعد الدول المعنية بالتدخل، وأيضاً هناك توجه مثلا لدى الممولين كالاتحاد الأوروبي وغيره، أنه لدى السعودية والإمارات أموال تكفيها لإعادة بناء اليمن من جديد، وليست بحاجة للتدخل الأوروبي أو الأممي، لذلك هناك تقاعس من قبل الأمم المتحدة، فمفهومهم لمشاريع البناء والتنمية، أنه في حال تم إيقاف الحرب، فإن ما دمرته الحرب ستقوم بإعادة إعماره الدول التي قامت بشن الحرب على اليمن، وفي مقدمتها السعودية والإمارات، لذلك يقومون بأعمال إغاثية وتنفيذ مشاريع وقتية وليست تنموية ذات أثر على المستوى البعيد”.
وحول دور المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي، قال الشرجبي: “نحن أنشأنا المجلس كآلية رقابة على تنفيذ المساعدات الإغاثية والإنسانية، وهذه المنظمات خلال الفترة الأخيرة لأول مرة تجد آلية للرقابة عليها، وتعتبرها تدخلاً في شؤونها، لأنه على مدى الأنظمة السابقة كانت المنظمات تدخل اليمن تسرح وتمرح بدون رقيب أو حسيب، وهناك كثير من المستفيدين من المنظمات الدولية يتلقون رواتب كبيرة جداً مقابل الصمت والتغاضي عما تقوم به هذه المنظمات”.
ولفت إلى أن آلية الرقابة التي فرضها المجلس هي وفق المبادئ الدولية والمعايير الإنسانية التي تُبنى على مراعاة خصوصية المجتمع ومراعاة المعلومات التي تُؤخذ والشفافية والنزاهة والحيادية وعدم التمييز وإيصال المساعدات الإغاثية للمحتاجين بغض النظر عن الحكومات أو الأطراف السياسية التي تسيطر على المكان، وقال: “في لحظات كثيرة تجد المعايير الأساسية في العمل الإنساني والإغاثي مفقودة في التعاطي والتعامل من قبل كثير من المنظمات، في كثير من الأحيان ننصدم أن هناك محاولات تسييس للملف الإنساني واستغلال هذا الملف للضغط لتحقيق أهداف سياسية مرتبطة بطرف من أطراف الصراع، وهذا الشيء مرفوض في الأعمال الإنسانية، ومرفوض لدينا.. لذلك نحن نقف ضده ونمنع أن يتم استغلال هذا الملف ومحاولة تسييسه لتحقيق أجندات سياسية على حساب معاناة البسطاء”.
تجارة حرب
وحول الاتهامات الموجهة للأمم المتحدة والكثير من المنظمات التابعة والشريكة لها بأن من مصلحتها إطالة أمد الحرب نظراً للميزانيات المالية الضخمة التي تتلقاها، قال الشرجبي: “للأسف الشديد أعتقد أن الأمم المتحدة دخلت كطرف مستفيد من استمرار العدوان في اليمن، ولا أريد أن أظلم بعض المنظمات الإنسانية التي تؤدي دوراً حقيقياً بمهنية وشفافية ولديها كوادر على قدر كبير من المسؤولية وهناك إنجازات ملموسة لها، لكن بالمقابل هناك منظمات عبثية لا تقوم بالعمل المطلوب وليس لها إنجازات حقيقية على الأرض، كلها أرقام وإعلانات تصل إلى مرحلة أنها أشبه بأن تكون تجارة حرب”.
وأكد أن الأمم المتحدة مطالبة بتقييم أداء المنظمات التابعة لها والمنظمات الشريكة لها ومراجعة ميزانياتها وكيف تم إنفاقها، لافتاً إلى أن “هناك منظمات تصل – نتيجة النشاطات والأعمال التي تقوم بها – إلى أنها أعمال مشبوهة، قد لا تكون منظمات أممية، ولكن قد تكون منظمات دولية مستقلة شريكة للأمم المتحدة، وأحيانا بعض العاملين في هذه المنظمات”، مثمنا العمل الدؤوب والجهود المبذولة لبعض المنظمات الإنسانية والإغاثية التي لها دور ملموس على الميدان وساعدت بشكل كبير في تخفيف معاناة كثير من المتضررين.
تسول
وفي سياق آخر، أوضح المتحدث الشرجبي، أن “هناك محاولة لاستغلال معاناة الشعب اليمني في التسول والشحت باسم اليمنيين في أروقة الأمم المتحدة ولدى الدول الكبرى”، مؤكداً بالقول: “نحن نعارض ونرفض أن تتحول المأساة اليمنية إلى أداة للتسول أو أن تكون اليمن عبارة عن أرقام إعلامية موسمية لا تظهر إلا في مؤتمرات المانحين، ونحذر أن هذه المساعدات الإنسانية مهما كان حجمها لن نسمح أن يتم استغلالها في إذلالنا أو تركيعنا أو تحقيق أجندات سياسية أو في تسييس الملف الإنساني والإغاثي، ونطالب الجميع بالعمل وفقاً للمعايير الإنسانية المعترف بها، وأن يكون جل اهتمام هذه المنظمات هو الوصول إلى الضحايا والمحتاجين بعيدا عن التصنيفات السياسية والمناطقية وبعيدا عن المكاسب المادية”.
واختتم الشرجبي حديثه مع صحيفة “لا” بالقول: “نريد أن يكون للأمم المتحدة موقف وتثبت أنها حاضرة في اليمن بإنسانيتها ومعاييرها ومبادئها الإنسانية، وأن يكون لهم تحرك جاد مثلا في إدخال المشتقات النفطية، فما ستسببه قرصنة العدوان على السفن النفطية من كوارث إنسانية، تضع الأمم المتحدة أمام اختبار حقيقي يضاف إلى اختباراتها السابقة التي فشلت فيها”.
(عادل بشر – صحيفة لا)