السعودية تلتهم 50 جزيرة ضمن مساعي إحكام السيطرة على الجزر اليمنية
برز اسم جزيرة حنيش اليمنية الواقعة في الجزء الجنوبي من البحر الأحمر بالقرب من باب المندب على الساحة مجددًا بعد ظهور معطيات تكشف النقاب عن مخطط لتحالف العدوان يهدف لخلق أزمة بين اليمن وإريتريا من خلال الدفع بالأخيرة لتكرار محاولتها الثانية بالسيطرة على الجزيرة واحتلالها تحت غطاء من التحالف السعودي – الإماراتي وبتواطؤ من حكومة المرتزقة بالرياض.
الثورة/ محمد شرف
السيناريو الذي تشهده جزيرة حنيش اليوم لا يختلف كثيراً عن السيناريوهات السابقة التي رسمتها الرياض وأبوظبي لجزيرتي سقطرى وميون والعشرات من الجزر اليمنية الأخرى التي التهمها التحالف في إطار مساعيه الخبيثة لإحكام قبضته على الجزر اليمنية .
يبدو واضحا أن المغامرة الإريترية الجديدة باقتحام الجزيرة والعمل على طرد السكان واعتقال الصيادين اليمنيين وسجنهم وتعذيبهم لعدة أشهر بهدف قطع أقداهم من الوصول إلى المكان تأتي ضمن الاستراتيجية الإسرائيلية للسيطرة على جنوب البحر الأحمر . فالاحتلال الإريتري للجزيرة عام 1995م، جاء بتخطيط ودعم من الكيان الصهيوني .
فقد أكد مارتن كرامر مدير معهد موشى ديان في تل أبيب – حينها – أن انتزاع جزيرة حنيش الكبرى من الجيش اليمني من خلال إريتريا يندرج في اطار استراتيجية إقليمية وقائية تنفذها إسرائيل تحسبا لأي تهديدات عربية يمكن ان تحدث مستقبلا من خلال اعتراض حركة الملاحة الإسرائيلية في البحر الاحمر .
وقد شكا صيادون لـ”الثورة” – تم الإفراج عنهم مؤخراً – مما تتعرض له الجزيرة والمياه الاقليمية اليمنية من استباحة للبحرية العسكرية لدولة إريتيريا ، وتحكمها بالصيد السمكي فيها، كما لو كانت تملكها في ظل غياب أي دور لبحرية مرتزقة الرياض وبتشجيع من تحالف العدوان المتحكم في الجزيرة .. التحرشات الإريترية .. والدور الإسرائيلي الخفي هنا لا تستبعد بعض القراءات أن تفضي التحرشات الإريترية وقرصنتها المتكررة على الجزيرة الواقعة تحت احتلال تحالف العدوان منذ 2015م، لإيجاد أول قدم لكيان العدو في جزيرة حنيش الاستراتيجية بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ضمن خطة ممنهجة وضعت خيوطها الأولى منذ بداية العدوان على اليمن في مارس 2015م لإخضاع باب المندب والسيطرة على جنوب البحر الأحمر.. اليوم، تحاول إريتريا إظهار نفسها كقوة إقليمية صاعدة قادرة على القيام بدور مهم في البحر الأحمر، وضمان حصولها على المساعدات الأمريكية والإسرائيلية من خلال إحباط فكرة أن البحر الأحمر عربي .
وهي أهداف ليست بعيدة عن المصلحة الإسرائيلية؛ كون إسرائيل لديها مصلحة مباشرة في تمكين إريتريا من السيطرة على الجزيرة بما يضمن لها وجودا عسكريا في المنطقة للحيلولة دون وضع قوات عربية فيها مثلما حدث في حرب اكتور 1973من جهة والاقتراب من منابع النفط العربي من جهة أخرى .
حيث يتضح الدور الإسرائيلي في الاحتلال الإريتري للجزيرة في عام 1995م؛ من خلال السيطرة السريعة والتكتيك العسكري البارع الذي يفوق قدرات الإريتريين حينها، كونهم فشلوا في السيطرة عليها بمفردهم اكثر من مرة قبل ديسمبر 1995م. فقد تمت عملية السيطرة على الجزيرة من اتجاهين؛ الاول: من الجزر الشمالية الإريترية تحديدا (جزيرة دهلك الإريترية) التي بها قواعد عسكرية إسرائيلية، والثاني: من الجنوب عبر جيبوتي رغم احتجاج الأخيرة.
ووفقاً للمركز العربي للدراسات الاستراتيجية قدمت إسرائيل معدات حديثة لإريتريا تمثلت في 6 زوارق بحرية طراز ريشيف ،وقاد العملية طيار إسرائيلي يدعى مايكل دوما .
إزاء كل ما سبق تجد أبوظبي الفرصة سانحة لتمرير الصفقة وتقديم خدمة للكيان الصهيوني من خلال تحقيق حلمه بالوصول إلى جزيرة حنيش الاستراتيجية، وذلك على ضوء إيقاع تسارع الخطوات الإماراتية الرسمية للتطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وإشغال قوات الفار هادي بمعاركها في أبين للتخفيف من الضغط على حليفها رئيس ما يُسمى بالمجلس الغنتقالي بعدن .
فقد شهدت العلاقات بين تل ابيب وأبوظبي ازدهارا كبيراً خاصة في عام 2019م، وهو العام الذي شهد تبادل رسائل بين قادة الغمارات وإسرائيل، ساحتها كانت تويتر، فقد نشر بن زايد على “تويتر” مقالة في مجلة “ذا سبيكتاتور” البريطانية، تحت عنوان “إصلاح الإسلام.. تحالف عربي-إسرائيلي يتشكل في الشرق الأوسط”، فأعاد نتنياهو نشر التغريدة، معلقاً عليها بالقول “أرحب بالتقارب الذي يحدث بين إسرائيل وكثير من الدول العربية.. لقد آن الأوان لتحقيق التطبيع والسلام”.. من ناحيته ردَّ وزير الخارجية الإسرائيلي “إسرائيل كاتس” على تغريدة بن زايد، شاكراً إياه، وأضاف “هذا هو الوقت الأفضل للتقدم باتجاه اتفاقية عدم القتال، والتعاون الثنائي بين إسرائيل ودول الخليج العربي”.
محلل إسرائيلي فسَّر تلك الرسائل من قادة الإمارات بأنهم باتوا على استعداد للخروج بالعلاقات مع “تل أبيب” من السرية إلى العلن، وأن افتتاح “سفارة إسرائيلية” في أبوظبي لم يعد حلماً بعيد المنال.. جاء ذلك في المقال الأسبوعي لجاكي حوجي، محلل الشؤون العربية في إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيل .
وفي مارس الماضي دعا وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش إلى تسريع وتيرة التطبيع بين الدول العربية و”إسرائيل”، معتبراً أن ذلك من شأنه أن يساعد على التوصل إلى حل للصراع العربي-الإسرائيلي.
لقد كانت جزر حنيش محط أطماع الغزاة لأهميتها الاستراتيجية، وبحسب المصادر التاريخية، فقد قام البرتغاليون باحتلال جزيرة حنيش الكبرى عام 1513 م، بعد أن فشلوا في احتلال مينائي عدن والمخا، كما احتل الفرنسيون حنيش الكبرى عام 1738م، وتعرضت للاحتلال من بريطانيا عام 1799م، وتخلت عنها، ثم عادت وسيطرت عليها عام 1857م، بعد أن سيطرت على عدن، ومدن جنوب اليمن لنحو 138 عاما، وخلال الحرب العالمية الأولى لعبت حنيش الكبرى دورا مهما في محاصرة الأتراك خلال أعوام 1914- 1918م، حيث تحولت الجزيرة إلى قاعدة بحرية لبريطانيا لتمويل سفنها بالفحم والوقود، وبعد استقلال عدن وجنوب اليمن عام 1967م، عادت الجزيرة إلى السيادة الوطنية اليمنية فأصبحت تدار من قبل اليمنيين مباشرة.
وفي سبعينيات القرن العشرين سمحت اليمن للثوار الإريتريين باتخاذ جزيرة حنيش الكبرى منطلقا لعملياتهم ضد الاحتلال الإثيوبي لبلدهم وتخزين الأسلحة فيها، حتى تمكنوا من نيل الاستقلال بقيادة أسياس أفورقي، كما سمحت اليمن للمصريين خلال تحضيرات حرب أكتوبر 1973م بالتواجد العسكري على الجزيرة.
وفي 15 ديسمبر 1995م هاجمت إريتريا الحامية العسكرية اليمنية على جزيرة حنيش واحتلتها، مدعية تبعية الجزيرة لها، لكنها غادرتها بعد ثلاث سنوات بعد عملية تحكيم دولية، وأقرت أسمرة بتبعية الجزيرة لليمن وسلمتها في نوفمبر 1998م.
حنيش أرخبيل جزر يتبع اليمن، ويقع في البحر الأحمر، ويضم حنيش الكبرى وحنيش الصغرى، وجزيرة جبل زقر التي تبعد عن الساحل اليمني 17 ميلا (27.3 كيلومترا)، ومساحتها تبلغ 185 كيلومترا مربعا، كما يضم الأرخبيل عدة جزر صغيرة هي “جزر القمة وسيل حنيش وأبوعيل” وتبلغ مساحة جزيرة حنيش الكبرى نحو تسعين كيلومترا مربعا، وتتكون من مرتفعات جبلية صخرية، وأعلى مرتفع فيها يصل إلى 430 مترا عن سطح البحر، وحولها كثير من الشعب المرجانية التي تعيق حركة الملاحة البحرية قربها عدا بعض الثغرات، وأرخبيل جزر حنيش له أهمية عسكرية كبيرة، فهو يتحكم ويشرف على طرق الملاحة البحرية في جنوب البحر الأحمر .
لقد بدأت الرياض مُبكراً نسج خيوطها لإحكام السيطرة على الجزر اليمنية خاصة تلك الواقعة على البحر الأحمر.. فقد وصفت وثيقة رسمية في عام 2012م الأطماع السعودية في الجزر اليمنية بأنها خطيرة وتعد مؤشرا بالغ الخطورة قد يؤدي للسيطرة عليها ووضعها تحت السيادة السعودية. وقالت الوثيقة الصادرة عن دائرة الحدود البرية بوزارة الخارجية اليمنية :” لم تعد هناك قوة في اليمن قادرة على الوقوف في وجه الأطماع والتدخلات السعودية في الجزر اليمنية.. وهذه الجزر التي نتحدث عنها هي الجزر اليمنية على البحر الأحمر وتعدادها 50 جزيرة.
وأشارت إلى أن بعض الجزر شهدت تدخلات سافرة من قبل حرس الحدود السعودي كجزيرة(دريب) التي تأتي إليها الدوريات السعودية من حين لآخر وتقوم بطرد الصيادين اليمنيين، وكذا جزيرة (العاشق الكبير) التي قالت عنها الوثيقة بأنه ليس سهلا الاقتراب منها بسبب وجود حامية سعودية فيها.
ووصفت الوثيقة أوضاع الجزر اليمنية المتاخمة للسعودية بأنه خال من كل مقومات الدفاع فلا حاميات ولا تواجد عسكري أو أمني وأن حرس الحدود السعودي يتحركون بكل ما يملكون من إمكانيات لدرجة أنهم يدخلون الجزر اليمنية بكل حرية دون أن يلقوا أي مقاومة أو اعتراض، بل ويصل الأمر بهم إلى طرد الصيادين اليمنيين من الجزر اليمنية ويستولون على قواربهم ويحتجزونهم.. -لا تتجاوب السلطات مع أي شكاوى وبلاغات تأتي من سكان هذه الجزر الذين يعانون من انتهاكات حرس الحدود السعودي وهيمنته عليهم إلى درجة منعهم من الاصطياد في مياه اليمن الإقليمية. وقالت الوثيقة، بأن علاقة الحكومات اليمنية ابان النظام السابق مع جزرها الواقعة على الحدود السعودية علاقة انقطاع وإهمال وعلاقتها مع مواطنيها في بعض هذه الجزر مفقودة تماما .
وأضافت :(لا نستغرب إذا جاء اليوم- وليس ببعيد- وقد أصبحت كل الجزر اليمنية تحت السيطرة السعودية وما احتلال جزر (فرسان) من قبل السعودية إلا دليل صارخ على إهمال الحكومة لهذه الجزر الحيوية وربما يصل الأمر للتواطؤ ).
وتطرقت الوثيقة الى احتلال السعودية لعدد من الجزر منها جزيرة (ثوهوراب) عام1998،كما استولت بالقوة العسكرية على جزيرة (الدويمة) فيما عشرات الجزر دخلتها بتواطئ السلطات. نظام السابق مع جزرها الواقعة على الحدود السعودية علاقة انقطاع وإهمال وعلاقتها مع مواطنيها في بعض هذه الجزر مفقودة.