الوعي ورفض الشائعات.. السلاح الأمضى لكبح جائحة كورونا
اليوم ومع ظهوره وتصاعد حدّته نال تفشي فيروس كورونا المستجد(كوفيد-19) تغطية إعلامية لم يسبق لها مثيل من بين كل الأوبئة التي أصابت الجنس البشري على مرّ العصور عززها انتشار تقنية الهاتف الذكي واستجابته للإنترنت وارتباط المستخدم بهما معاً.
وكما هو معلوم أن دور الإعلام ينصرف بالأساس لما فيه مصلحة المواطنين في مختلف الظروف والأزمات فكيف لو كانت هذه الأزمة تلعب فيها العاطفة والحالة النفسية التحدي الأصعب!!
الثورة /
ماجد السياغي
في زمن العولمة والتطور التكنولوجي الكبير مثلت الأقمار الصناعية وأجهزة الاستقبال منعطفاً بارزاً للمعلومة العابرة للحدود أعادت بدورها تشكيل خارطة العمل الاتصالي في المجتمعات المعاصرة.
وفي ظل المشهد الرقمي متعدد الأغراض المتنوع بوسائله الاتصالية الناقلة والمنتجة تزايد أعداد المستخدمين والهواة مستغلين رخص التكلفة وسرعة الانتشار وانحسار دور الرقيب فتوسع نطاق نشر الشائعات وهو ما شكل قلقاً ورفع درجة التوتر واللاعقلانية عند الجمهور، وبات أكثر عرضة للتصديق أو الإنكار.
وعليه فإن مسؤولية وسائل الإعلام ودورها التوعوي والوقائي تعاظمت اليوم أكثر من أي وقت مضى في توعية المواطنين بالوقاية من مخاطر فيروس كورونا المستجد، وتنوير الرأي العام بمصادر التهديدات والتحديات ونشر الطمأنينة في أوساط المجتمع المحلي وتوسيع نطاق المشاركة المجتمعية في جهود التصدي لجائحة وباء كورونا.
إجراءات
وإذا ما تحدثنا عن دور الجهات الحكومية منذ بدء انتشار فيروس كورونا حول العالم ففي الوقت الذي كان لا يزال فيه انتشاره خارج حدود الوطن أصدرت اللجنة الوزارية العليا لمكافحة الأوبئة عددا من القرارات والإجراءات الاحترازية من بينها تطبيق إجراءات الحجر الصحي عند وصول جميع القادمين من خارج اليمن دون أي استثناء وإخضاع القادمين من الدول الموبوءة للحجر الصحي والمنزلي لمدة أربعة عشر يوماً.
وعقدت اللجنة العديد من الاجتماعات وخرجت بالعديد من التوصيات الاحترازية الوقائية للتعامل مع أي طارئ يتصل بكورونا أهمها إقرار أدلة الإجراءات الاحترازية والإرشادية التي أعدتها وزارة الصحة العامة والسكان لكافة الوزارات والجهات الحكومية والسلطات المحلية بالمحافظات للوقاية من هذا الوباء.
تنسيق
الجهات المعنية واللجان الفنية في مختلف المحافظات قامت بدورها في سياق تطبيق ما يخصها من الإجراءات والتدابير الاحترازية لمواجهة هذه الجائحة، خاصة ما يتصل بالحجر الصحي وكذلك الآلية التنسيقية المصاحبة للقيام بالإجراءات المشتركة مع الوزارات والجهات ذات العلاقة، ونفذت العديد من حملات الرش والتعقيم للشوارع الرئيسية والأسواق العامة وأماكن التجمعات ووسائل النقل وفقاً للإمكانيات المتاحة.
مواكبة
دور وسائل الإعلام الرسمية التوعوي والوقائي كان حاضراً؛ حيث أظهرت دور وتعامل الحكومة مع فيروس “كورونا” المستجد، وواكبت الجهود الرسمية المرتبطة بالاستعدادات الصحية وتجهيزات مراكز وأماكن الحجر الصحي والعزل الطبي في مختلف المحافظات؛ وعديد الأنشطة المصاحبة التي تم تطبيقها في إطار توجيهات مجلس الوزراء واللجنة الوزارية العليا لمكافحة الأوبئة الرامية للحد من انتشار جائحة وباء كورونا.
توعية
وسخر الإعلام الرسمي كل إمكانياته في الوسائل المرئية والمسموعة والمكتوبة لنشر التعليمات والنصائح الطبية وطرق الوقاية والالتزام بالإرشادات الصحية وكل ما يتعلق بخطورة فيروس كورونا؛ وكذا نشر وبث الرسائل التوعوية المطلوبة بطرق متنوعة ومختلفة تساعد على فهم الحقائق العلمية بطريقة سهلة، بالتنسيق مع وزارة الصحة العامة والسكان والجهات الحكومية ذات العلاقة، حرصاً على تقديم المعلومات من مصادرها الرسمية بعيداً عن التهويل والإثارة.
الوعي
غير أنه وعلى الرغم من أن الحكومة وكافة أجهزتها أظهرت مستوى المسؤولية في التعامل مع ملف مواجهة فيروس” كورونا” المُستجد منذ لحظة الإعلان عن ظهوره في بعض مناطق العالم وفي ظل ظروف اقتصادية صعبة يعيشها الشعب اليمني جراء استمرار العدوان والحصار للعام السادس على التوالي، هناك العديد من فئات المجتمع لم تتعاط بجدية ووعي مع التعليمات والإرشادات الصحية والاحترازية والأخذ بأسباب الوقاية وكان التفاعل في أدنى مستوياته في المرحلة الأولى مرحلة (تلقين الإجراءات الوقائية) التي أطلقتها الجهات الرسمية ويستلزم اتباعها لتجنب الإصابة بهذه الجائحة العابرة للحدود.
مخاوف
ومع دخول الفيروس إلى اليمن وإعلان وزارة الصحة العامة والسكان وجود الجائحة أظهرت شواهد الواقع أن قطع الطريق على هذا الفيروس واحتواءه ومنع انتشاره لن يكون إلا بالعمل بأسباب الوقاية والثقة المطلقة بالله.
وفي اليمن نحن جزء من حالة عامة أثار فيها فيروس كورونا التاجي وما يحصده من أرواح وإصابات حول العالم مخاوف اليمنيين.
ثلاثة جوانب
وزاد من حدة هذه المخاوف ثلاثة جوانب وهي: أول ضعف إمكانيات القطاع الصحي التي لا تقارن أمام عديد البلدان المتقدمة التي تمتلك أنظمة طبية وصحية متطورة عجزت عن كبح جماح انتشار فيروس كورونا.
الثاني: تلاشي الأوعية الايرادية الناجمة عن استمرار العدوان والحصار المتلازمين فشحة الموارد تلعب دوراً كبيراً في حشد الجهود والطاقات سواءً كانت خدمية أو إعلامية أو مجتمعية.
أما الجانب الثالث: نراه في الشائعات التي تجري على قدم وساق وتجد مرتعاً خصباً لها على شبكات التواصل وقابلية للتصديق، خاصة مع حالة الغموض والجدل المصاحبة للفيروس؛ فبدلاً من أن تسهم في توعية أفراد المجتمع ووقايتهم تثير المزيد من التوتر والقلق والهلع في أوساط المجتمع.
شائعات
ويرى العارفون بهذا الشأن انه في ظل تزايد أعداد المستخدمين والهواة على مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي الذين لا يمثلون الوسط المهني الإعلامي؛ ولا تملك منتجاتهم الإعلامية المقوّمات التحريرية المتعارف عليها؛ يُنشر الكثير من المعلومات والأخبار والآراء التي تصنف في خانة الشائعات لا تتكئ على مصادر موثوقة أو موثّقة، مؤكدين أن الشائعات الكاذبة حول فيروس كورونا وتداولها عبر منصات ومواقع التواصل الاجتماعي تفوق أضرار انتشاره وقد تكلّف الناس حياتهم، كما أن الأشخاص الذين يقعون في فعل التصديق للمعلومات المضللة من المرجح أن يَتجاهلوا النصائح الصحية والإجراءات الوقاية والاحترازية.
وطالما نحن في عصر السماوات ستظل المعلومات والأخبار والآراء تسبح في الفضاء الإلكتروني متجاوزة الحواجز المكانية والفواصل الزمنية بغثها وسمينها
الأمر الذي قد يصبح معه التصدي لانتشار المعلومات المغلوطة عن الوباء لا يقل صعوبة عن محاولات احتواء الوباء نفسه.
مناقب ومثالب
يرى متفائلو التكنولوجيا أن الإعلام (الجديد، الإلكتروني، البديل) له العديد من المنافع فرضها واقع جديد هو التطوّر التكنولوجي والرقمنة والانفجار المعرفي للمعلومات التي أتاحت فرصة التعبير عن الآراء مباشرة وألغت العزلة.
غير أنه من الخطأ الاستمرار في ذكر مناقب الإعلام الجديد دون النظر إلى الجانب الآخر المتمثل في مثالبها منها خرق الخصوصيات والثوابت المرتبطة بالكيان المجتمعي والمنظومة الثقافية والاجتماعية؛ والصحية ولنا في فيروس كورونا الضعيف في تأثيره الكثيف في انتشاره خير شاهد.
طرفان
ففي كل أزمة يمر بها البلد تحتاج فيها وسائل الإعلام إلى ارض خصبة تزرع فيها الثقة كوسيلة لنشر المعلومات والأخبار التي يحتاج إليها الجمهور لما فيه الصالح العام.
اليوم ومع ظهور أزمة كورونا وتصاعد حدّتها نرى أن طفرة (الدوت كوم) وضعت الجمهور على مقاعد الشك وتصادم الآراء وباتت مواقع التواصل الاجتماعي منصات مواجهة بين طرفين، الأول يؤمن بمصداقية معلومات وأخبار الدولة، والآخر يؤمن بضعفها وهذا له تأثير كبير على الجو العام وحركة المجتمع ويقود الى إضعاف الثقة والمصداقية.
السلاح الأمضى
وبعيداً عن الشائعات التي طغت على تفكير المواطن اليمني ورافقت الفيروس قبل دخوله اليمن وبعد دخوله، نراه اليوم يحصد عددا من الأرواح ويصيب الكثير.
وهنا نشير إلى أن تجارب عديد البلدان المتقدمة التي تمتلك أنظمة طبية وصحية متطورة أكدت أن قطع الطريق على هذا الفيروس القاتل ليس في قدرة النظام الصحي وحده بقدر ما هو في كيفية كبح سرعة انتشار العدوى.
ويسود شبه إجماع على أن السلاح الأمضى لمواجهة فيروس كورونا هو الوعي ورفض الشائعات وهنا يأتي دور الإعلام في توعية المواطنين بالوقاية من مخاطر فيروس كورونا المستجد، وتنوير الرأي العام بمصادر التهديدات و لتحديات من خلال الامتثال بإجراءات السلامة والعمل بالخطوات الاحترازية المعمول بها مع نشر الطمأنينة في أوساط المجتمع المحلي.
مسؤولية مشتركة
ولا تقتصر مسؤولية منع انتشار فيروس كورونا ومكافحة العدوى على جانب الجهات الحكومية ووسائل الإعلام الرسمية وحسب بل تشمل جميع المواطنين على اختلاف أعمارهم ومستوياتهم تعليماً ووظيفة.
ولتحقيق ذلك لا بد أن تتضافر كل الجهود الرسمية والمجتمعية وتوسيع نطاق المشاركة المجتمعية في جهود التصدي لوباء كورونا، على مستوى الأحياء والحارات بالتنسيق مع اللجنة المجتمعية ومدراء المدراس وعقال الحارات وخطباء المساجد والفاعلين من مؤسسات التنشئة الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني.
تكامل
وفتح قنوات اتصالية مع الناشطين في منصات ومواقع التواصل الاجتماعي لضمان نشر المعلومات الصحيحة والسريعة وصياغة وتوحيد الرسالة الإعلامية التي تعمل على تعزيز الثقة بين الحكومة والمواطن وتنشر الطمأنينة وتقطع الطريق على الشائعات ويستطيع المواطن من خلالها رفع قدر التحكم بنفسه، وحمايتها من التوتر والخوف. مع التركيز على أهمية تعميم ثقافة تعزيز تكامل المسؤولية المجتمعية في جهود التصدي لجائحة وباء كورونا لترسيخ قناعة لكل مواطن أن مكافحة انتشار الوباء مسؤولية الجميع تنطلق من مسؤولية فردية لتكون بعدها مسؤولية مجتمعية تلتقي وتتضافر مع جهود الدولة.
الرهان
ما من شك أن الأوضاع الصحية المستجدة تستلزم تضافر الجهود الرسمية والمجتمعية فالمسؤولية مشتركة كل من موقعه. فالرهان ليس في قدرة النظام الصحي أو إمكانيات الحكومة بقدر ما هو في انضباط وتطبيق الإجراءات والتعليمات الوقائية.
ويظل التزام المواطن بالتعليمات وإجراءات الوقاية تجاه فايروس كورونا التاجي والتعاطي بوعي مع كل ما يتم تداوله في مواقع التواصل الاجتماعي الرهان الأساسي على تحصين المجتمع وضمان سلامة أفراده.