أزمات المشتقات النفطية وانعكاساتها على الأوضاع الاقتصادية
جددت شركة النفط اليمنية تأكيدها على استمرار تحالف العدوان في احتجاز عدد (14) سفينة نفطية بحمولة إجمالية تبلغ (389.982) طناً من المواد البترولية بشكل تعسفي ولفترات متفاوتة، بلغت أقصاها بالنسبة للسفن المحتجزة حاليا مدة 67 يوما فيما وصلت مدة الاحتجاز التعسفي في حالات سابقة إلى ما يقارب خمسة أشهر، وذلك في مخالفة صريحة لبنود الاتفاقية الدولية لحقوق الإنسان، وقواعد القانون الدولي الإنساني، وكافة القوانين والأعراف المعمول بها، فضلا عن تجاهله الدائم لجوهر وغايات اتفاق السويد الذي شدد في مجمله على ضرورة تسهيل وصول المواد الأساسية والمساعدات الإنسانية إلى ميناء الحديدة وبما يلبي احتياجات وتطلعات الشعب اليمني . كما أن هذه المعطيات الواقعية تتناقض كليا مع ما ورد في إحاطات المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، أمام مجلس الأمن، بتاريخ 16يناير 2020م ، وتاريخ 22 أكتوبر2019م، والتي ادعى خلالهما أن سفن الوقود تدخل إلى ميناء الحديدة دون أية عوائق، متجاهلاً ما يفرضه تحالف العدوان من حصار على المواطنين اليمنيين عبر أعمال القرصنة البحرية الرامية إلى إعاقة وصول سفن المشتقات النفطية والغاز المنزلي والغذاء والدواء وغيرها من الاحتياجات الملحة إلى ميناء الحديدة، بالرغم من استكمال تلك السفن لكافة إجراءات الفحص والتدقيق في جيبوتي عبر آلية التحقق والتفتيش الأممية، وحصولها على التصاريح الأممية التي تؤكد مطابقة الحمولة للشروط المنصوص عليها في مفهوم عمليات آلية التحقق والتفتيش.
سلسلة أزمات
إلى ذلك شهدت اليمن سلسلة من الأزمات المتعاقبة في المشتقات النفطية خلال السنوات الماضية انعكست في صدمات قوية أثرت بشدة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وأوضاع الأمن الغذائي والمعيشي للسكان حيث اتسمت هذه الأزمات بالتكرار بين فترة وأخرى والتزامن، لتشمل جميع أنواع المشتقات النفطية (الديزل والبترول والغاز المنزلي) ولتشكل سببا رئيسيا للعديد من الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية الأخرى بما في ذلك اتساع معدلات الفقر والبطالة وكذلك ارتفاع الأسعار وصعوبة الوصول إلى الخدمات الرئيسية مثل (المياه والصحة والتعليم) وزيادة الأعباء على الشرائح الضعيفة مثل المرأة والطفل وزيادة الضغوط على حالات انعدام الأمن الغذائي.
ففي تقرير عن المستجدات الاقتصادية والاجتماعية في اليمن خلال الفترة 2015 – 2019م، نشرته وزارة التخطيط والتعاون الدولي والتي حاولت الوزارة من خلاله الوصول إلى حزمة من التدخلات والمعالجات لتأمين احتياجات السوق المحلي من المشتقات النفطية والحيلولة دون ظهور الأسواق السوداء للمشتقات النفطية، فضلا عن استعادة مساهمة قطاع النفط في التنمية والتعافي الاقتصادي.
التقرير اعتبر تعاقب أزمة المشتقات النفطية أحد الاختلالات التي يعاني منها الاقتصاد والتي انعكست تداعياتها في زيادة معاناة ومرارة معيشة اليمنيين بين فترة وأخرى.
وفي تناوله مراحل تطور الأزمة أشار التقرير إلى أن سعر مادة الديزل ارتفع من 150ريالاً/لتر نهاية 2014م ليصل نهاية نوفمبر 2019م إلى 438 ريالاً/لتر بنسبة زيادة تقدر بنحو 192 % مقارنة مع نهاية 2014م، وارتفعت أسعار البترول من 158 ريالاً/لتر نهاية 2014 إلى 379 ريالاً/لتر نهاية نوفمبر 2019م بنسبة زيادة 140 %، وارتفع سعر غاز الطبخ من 1925 ريالاً/أسطوانة 18كجم نهاية 2014م إلى حوالي 7800 ريال نهاية 2015م، وفي نهاية نوفمبر 2019م بلغ سعر أسطوانة غاز الطبخ 4685 ريالاً بنسبة زيادة تقدر بنحو 144 %، مقارنة مع نهاية 2014م.
وأكدت الوزارة في هذا التقرير أن النتائج تدل على أن أزمة المشتقات النفطية والتي اتسمت مراحلها بالتكرار والتزامن لجميع أنواع المشتقات في نفس الفترة أمر ضاعف من المعاناة والآثار السلبية على مختلف شرائح الدخل الثابت والمؤقت بالإضافة إلى تزامن هذه الزيادات مع تراجع مستويات الدخل وحرمان شرائح عريضة من المجتمع لمصادر الدخل.
الانعكاسات الاقتصادية
ولفتت الوزارة إلى أن متوسط واردات الوقود بلغ 157 ألف طن شهريا خلال الفترة يناير 2018 – نوفمبر 2019م، وساهمت في تغطية حوالي 29 % من الطلب المحلي في المتوسط خلال نفس الفترة وبالتالي فإن فجوة الطلب تقدر بنسبة 71 % أي بحوالي 386 ألف طن شهريا في المتوسط خلال الفترة يناير 2018 – نوفمبر 2019م”.. مؤكدة أن قلة العرض من الوقود يمثل عاملا أساسيا في أزمة المشتقات النفطية في اليمن حيث نتج عن هذه الأزمة العديد من الانعكاسات الاقتصادية والمتمثلة في:
-ارتفاع أجور النقل بنسب تراوحت بين 70 % و150 %.
– تزامن التغيرات الشهرية في أسعار المحروقات مع تغير أسعار السلع الغذائية الأساسية (القمح، الدقيق، السكر، الأرز، الزيت).
– ارتفاع أسعار الأدوية كانت المشكلة الأكثر صعوبة في 53 % من المديريات في اليمن.
– تضرر أكثر من ثلثي القطاع الزراعي وتلف المحاصيل الزراعية، كما تضرر حوالي 1.2 مليون حائز زراعي في مختلف المحافظات.
– ارتفاع أسعار التيار الكهربائي من مولدات الكهرباء الخاصة إلى ما بين 350 – 400 ريال للكيلو/ وات بالإضافة إلى فرض 300 ريال رسوم اشتراك أسبوعية.
الانعكاسات الاجتماعية
كما انعكست أزمة الديزل على تكلفة السلة الغذائية خلال سبتمبر وأكتوبر من العام 2019م حيث ارتفع سعر الديزل بنسبة 16.3 %، في المقابل ارتفعت تكلفة الحد الأدنى للسلة بحوالي 3.6 % خلال نفس الفترة، وفي نوفمبر 2019م انعكس تراجع سعر الديزل بنسبة 20.7 % في تراجع تكلفة السلة بنسبة 5.6 %. إضافة إلى ارتفاع أسعار المياه بشكل كبير حيث ارتفع أسعار صهاريج المياه بنسب متفاوتة بين 100 – 300 %.. وفقا للتحليل الذي أجرته شبكة الإنذار المبكر للمجاعة FEWS NET نوفمبر 2019م، فإن أزمة المشتقات النفطية تمثل أسوأ الحالات المرجحة التي تزيد من خطر المجاعة، لاسيما إذا استمرت أزمة المشتقات النفطية لمدة 3 – 4 أشهر أو أكثر، حيث ارتفعت نسبة انعدام الأمن الغذائي إلى حوالي 70 % عام 2019م بزيادة 20 نقطة مئوية مقارنة بنتائج تحليل التصنيف المرحلي لعام 2016م.
وذهب التقرير إلى أنه مع تصاعد أزمة المشتقات النفطية منذ نهاية أغسطس 2019م شهدت حالة الإمداد اختناقات في توفر الوقود من الديزل والبترول حيث تتوفر بنسب ضئيلة جدا في 12 محافظة من بين 18 محافظة، وتوفر إلى حد ما في 6 محافظات.. في المقابل كان الغاز المنزلي شبه منعدم في 9 محافظات من بين 18 محافظة وتوفر إلى حد ما في 6 محافظات، وتوفر في 3 محافظات، وتستمر أزمة المشتقات النفطية في عدد من المدن اليمنية، حيث ألقت بظلالها سلباً على حياة المواطنين ومختلف القطاعات التي أصيبت بشلل شبه كامل بسبب نقص الوقود فيما لاتزال أسعار المشتقات النفطية تحقق مكاسب تصاعدية بحيث بلغت ضعف مستوياتها بالمقارنة مع ما قبل الحرب، واستمرارها يزيد من التداعيات على الحياة و الأنشطة المعيشية المعتادة ويتسع نطاق العوامل السلبية المؤثرة التي سوف تنعكس سلبا على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية.. وبسبب شحة الوقود وتذبذب الأسعار، تضاعفت كلفة حركة ونقل السلع في معظم المحافظات.
وأفاد التقرير بأن صعوبات الوصول عبر الطرق البرية من العوامل التي ساهمت في تعميق أزمة المشتقات النفطية.. مؤكدا أن انعكاسات أزمة المشتقات النفطية كانت أكثر حدة على أسعار الأدوية ولا يمكن تحملها فهي المشكلة الأكثر صعوبة التي تواجه السكان وخاصة في المناطق النائية التي تتطلب السفر إلى المدن للحصول على الأدوية وهنا يواجه المواطن الأمرين في نفس الوقت ارتفاع تكلفة النقل وارتفاع أسعار الدواء.. حيث لايزال الوصول إلى الطرق في العديد من المناطق صعبا داخل اليمن.. فقد ألحق العدوان أضرارا بالغة في أجزاء واسعة من البنى التحتية الأساسية للطرق البرية بما في ذلك الجسور والطرق الرئيسية، وفرضت عوائق وقيود شديدة على حركة نقل صهاريج المشتقات النفطية والمسافرين والتجار.. فضلا عن الأضرار التي لحقت بالطرق البرية بسبب عدم صيانتها في الوقت المحدد.. كما لاتزال عملية نقل المشتقات النفطية في العديد من المناطق، لاسيما في المناطق التي يحتدم فيها الصراع تمثل تحديا أمنيا خطيرا بالإضافة إلى ما تشكله القيود المفروضة على إمكانية الوصول.
وأضاف أن معظم الشحنات من المشتقات النفطية تحولت للمرور عبر سلسلة طرق بديلة طويلة ووعره في بعض الأحيان ونقاط التفتيش الممتدة عبر الطرق البرية، مما يعرضها للتأخير ويحملها أعباء مالية عالية، حيث تنعكس في أزمة خانقة للمشتقات النفطية علاوة على أن مساحات شاسعة من الطرق الرئيسية بين المحافظات أصبحت غير قابلة للوصول مما يثير مخاوف بشأن المزيد من القيود.. منوها بأنه”ونتيجة لهذه الصعوبات أصبح الوقود، وبالرغم من حدوث بعض التحسن، إلا أن العديد من الطرق الرئيسية مغلقة أو يصعب الوصول إليها يستغرق نقل صهاريج الوقود أكثر من عشرة أيام حيث يتعين على الشاحنات الانتظار والمرور عبر طرق رديئة وطويلة”.
خسائر القطاع الزراعي
وفي سياق متصل أوضحت النشرة في تقريرها أن أغلب مزارعي الخضراوات والفواكه والحبوب في اليمن يعتمدون على المياه الجوفية، حيث تقدر نسبة المساحة المزروعة التي تعتمد على مياه الآبار بحوالي 36 % وتسبب توقف الكثير من المضخات في تلف المحاصيل، ولذلك فإن التأثير على المستهلكين والمزارعين سيستمر إلى أمد يمتد وفقًا للدورة الزراعية.. كما تتسبب أزمات الوقود المتتالية باضطراب في العملية الزراعية ككل، ودفعت بآلاف المزارعين للإحجام كليا عن العمل في ظل تعرضهم للخسائر بصورة متكررة.
ولفت التقرير إلى أن القطاع الزراعي يستوعب أكثر من ثلث العمالة في اليمن.. مشيرا إلى أن ما نسبته 29.2 % من العاملين كان عملهم الرئيسي في الزراعة، وأن هذه النسبة ترتفع إلى 40.9 % عند إضافة المنتجين الزراعيين لاستخداماتهم الخاصة.. مؤكدا أن أزمة المشتقات النفطية تركت مئات المزارع دون زراعة.. “وأن من تداعيات أزمة الوقود في الأسواق المحلية باليمن ارتفاع تكلفة الإنتاج الزراعي وهذا ينعكس على ارتفاع أسعار المنتجات من الخضراوات والفواكه، وحتى الحبوب، على نحو مبالغ فيه، يقابله تدهور في القدرة الشرائية لدى المواطنين، وربما انعدامها، خصوصا مع انقطاع رواتب موظفي الدولة منذ عام 2016م”.
حزمة معالجات
وخلص التقرير إلى أن الانعكاسات السلبية الكبيرة لأزمة المشتقات النفطية على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية للمواطنين، تتطلب معالجات عاجلة ومستدامة، أهمها ما يلي:
1 – إزالة جميع القيود التي تؤثر على استيراد الوقود التجاري.. وهذا يقتضي أمرين هما:
الأول: من الأهمية بمكان تطوير نظام آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش من أجل الحد من أوقات التأخير والتكاليف في ميناء الحديدة.
الثاني: توفير النفط الخام للمصافي اليمنية والذي بدوره سيعمل على إنعاش الركود الحاصل، إضافة إلى تغطية السوق المحلية من المشتقات النفطية وبالتالي زيادة العرض وتقليص فجوة الطلب.
2 – تسهيل حركة النقل وصيانة الطرق وفتح الطرق المغلقة، وضمان الحد الأدنى من التفتيش بما يضمن سرعة وصول صهاريج المشتقات النفطية وانتقالها بين المحافظات.. وعلى المدى المتوسط، يتم إجراء تقييم شامل لتشخيص الاحتياجات الإنمائية وإعادة تأهيل الطرق والجسور.
3 – استعادة قدرة ودور البنك المركزي اليمني في توفير العملة الصعبة لشراء المشتقات النفطية المستوردة وتسهيل التمويل التجاري لمستوردي المشتقات النفطية.
4 – استئناف استخراج وإنتاج النفط الخام والغاز الطبيعي المسال وتصديره إلى الخارج لتعزيز مصادر النقد الأجنبي مع توفير الكميات الكافية من النفط الخام وتوزيعه على المحافظات حسب الاحتياج بالإضافة إلى توفير الغاز وتوزيعه على جميع المحافظات بالأسعار المعقولة والمناسبة.
5 – صيانة وإعادة تشغيل محطة مارب الغازية وإصلاح أبراج وخطوط نقل الكهرباء مع توفير الوقود اللازم لتشغيل محطات الكهرباء.
6 – توعية المواطنين بترشيد استهلاك المشتقات النفطية والطاقة الكهربائية.
7 – إعطاء الملف الاقتصادي الأولوية التي يستحقها في أي مفاوضات للتسوية السياسية بما في ذلك تجنيب المواطنين مزيداً من الأزمات في المشتقات النفطية والاقتصادية والمعيشية الأخرى.