المجتمع المدني ومواجهة جائحة كورونا : الواقع والمأمول

فرضت جائحة فيروس كورونا  (COVID-19 ) على العالم اجمع دن استثناء الكثير من القيود السياسية والاقتصادية والاجتماعية الغير معهودة وكان من الطبيعي أن يخوض العالم حربا في مواجهة هذا العدو في محاولة للحد من التأثيرات الكارثية الناتجة عن الجائحة التي خرجت عن السيطرة حول العالم.

 

وقد يكون الفشل في إيقاف انتشار الوباء حقيقة شملت الجميع دون استثناء ولكن بنسب مختلفة ومرد هذا الفشل أن فيروس كورونا المستجد وحسب الخبراء وباء يسهل تفشيه وانتقاله على نطاق واسع، والملاحظ أن انماط  التجارب والاستجابة للدول قد تباينت وأن  لكل تجربة ما يميزها عن غيرها من التجارب، وهناك العديد من المعايير الرئيسية التي يمكن من خلالها معرفة الفرق ما بين تجربة وأخرى، ومن تلك المعايير: سرعة الاستجابة، الاستقرار السياسي داخل الدولة، التجارب السابقة، مستوى التفاعل ما بين القرارات الحكومية والمجتمع، المنظومة الصحية عموما والإجراءات الاحترازية السابقة للمواجهة، القدرات والامكانيات الاقتصادية للدولة، لكن من الضروري التأكيد ان الاختلاف في حجم ومستوى الاجراءات لا يشكل فارقا مهما أمام ما يجب ان يلتزم به الأفراد والمجتمع امام انتشار فيروس كورونا المستجد.

 

واثبتت التجارب أن كبح الفيروس بحاجة إلى إجراءات احترازية ضرورية مرتبطة بتقييد حركة التنقل للأشخاص المصابين وإلزامهم بالحجر الصحي في المنزل أو المشفى لمنع انتقال الفيروس، وللأشخاص غير المصابين من خلال الحد من التنقل والحركة بالحجر في المنزل للحد من حدوث المزيد من الحالات المرضية مستقبلا.

 

وهناك مجموعة من الإرشادات الوقائية لا بد من الالتزام بها كالنظافة الشخصية  مثل غسل اليدين واستخدم مطهر اليدين وأن لا تلمس وجهك “عينيك وأنفك وفمك” بأيدي متسخة تغطية الفم عند السعال أو العطس تنظيف وتطهير البيئة المحيطة في البيت أو العمل وتعزيز الجهاز المناعي بالإضافة إلى ما يسمى الالتزام بالتباعد الاجتماعي بمعنى  الابتعاد عن أي تجمعات كبيرة والحرص عند الاتصال الضروري  بالآخرين.

 

ويشير المختصين أن التباعد الاجتماعي يسهم إلى حداً كبير في إبطاء سرعة انتشار فيروس كورونا ومنع ارتفاع وتيرة الإصابة إلى مستوى كارثي وبالتالي الحفاظ على المنظومة الصحية عبر تخفيف الضغط على المستشفيات وحمايتها من الانهيار.

 

وما يجب التأكيد عليه في هذه المرحلة الحساسة أن هذا الفيروس العابر للحدود أحدث ازمة صحية غير مسبوقة على مستوى العالم، ولم يكن مستغربا اتخاذ مجموعة من  الاجراءات الاحترازية للحد من انتشار الوباء بعد أن عجزت الامكانيات الطبية في القيام بدورها نتيجة القفزات الهائلة في أعداد المصابين بالرغم من التقدم الصحي الكبير في الدول المتقدمة، إلا أنها وقفت عاجزة في مجابهة  تفشي هذا الوباء ، وحري بنا أن نذكر هنا أن النظام الصحي في اليمن يعاني الكثير ، نتيجة العدوان والحصار الجائر، ولا يمكن مقارنته بالدول الاخرى.

 

وعليه، فإن الجدية واجبة في التعامل مع مخاطر انتشار وباء كورونا ومن الضروري رفع مستوى الوعي المجتمعي بخطورة الوضع، وأن التساهل أو التهاون سوف يكون له انعكاسات مؤلمة على مستوى الفرد والجماعة والمجتمع عموماً.

 

واليوم ونحن في أتون هذه المعركة المفتوحة لا بد من التأكيد على أن المواجهة تستوجب تضافر الجميع دون استثناء لا سيما بعد الإعلان عن انتشار فيروس كورونا في بعض المحافظات، وهنا يجب تكثيف الجهود وتنسيقها ما بين الأطراف الرئيسية المعنية بهذه المواجهة من خلال وضع خطط عاجلة لإدارة الأزمة، حتى لا تكون التداعيات أكثر خطورة من الجائحة نفسها.

 

فبالإضافة إلى القرارات والاجراءات الحكومية المختلفة، من الضروري أن تترافق تلك القرارات مع تكثيف الجهود والمساعي لإعادة تأهيل المرافق الصحية المدمرة، بالإضافة إلى رفع مستوى التأهيل للكوادر الطبية من الأطباء والممرضين وكل من يعمل في مكافحة الوباء للوقاية منه باعتبارهم خط الدفاع الأمامي في هذه الحرب الغير مسبوقة، ويبقى المجتمع كضلع ثالث في هذه المواجهة وهو الأهم ولا سبيل لتحقيق النجاح في هذه المعركة دون وعي متقدم للمجتمع.

 

وتأكيدا على أهمية  الوعي المجتمعي في هذه الأزمة أشارت منظمة الصحة العالمية على أهمية الدور الاجتماعي والوعي لمكافحة فيروس كورونا، وأكدت المنظمة إن العالم يخوض حرباً حقيقية مع وباء كورونا بسبب سرعة انتقاله واتساع رقعة انتشاره، وعليه فالوعي الاجتماعي يأتي دوره في هذه المعركة.

 

المجتمع المدني الواقع والمأمول

 

انتشار وباء كورونا في اليمن لم يكن الوباء الأول من نوعه حيث سبق وأن عانت اليمن من انتشار العديد من الأوبئة والأمراض مثل الكوليرا والضنك والمكرفس (الشيكونغونيا) خلال السنوات القليلة الماضية، وكان للجهود المشتركة القائمة على التعاون الحكومي مع المنظمات الدولية والمحلية دوراً إيجابياً في مكافحة تلك الأوبئة.

 

ويمكن القول أن مجموع تلك التجارب الميدانية في مكافحة الأوبئة قد شكلت رصيدا تراكميا لصالح المنظمات المحلية البالغ عددها بالآلاف، وهو ما يفترض أن يُمكنها اليوم من القيام بدور نوعي في الاستجابة لمتطلبات أزمة انتشار فيروس كورونا في حال كان هناك أي قصور من الجهات المعنية وفي مقدمة تلك الأدوار:

 

– توعية المواطنين بشأن خطورة هذا الوباء و طرق الوقاية منه.

 

– التحرك والتنسيق مع مختلف الجهات لخلق حالة من التعبئة المجتمعية الواعية بأهمية الامتثال للإجراءات الاحترازية الاستباقية وعلى ضرورة تطبيق التعليمات الصحية الوقائية خاصة المرتبطة بمنع تفشي فيروس كورونا.

 

– تهيئة المجتمع لاحتمال تفشي فيروس كورونا والتأكيد على أن التعاون والالتزام هو الحل الأول للحد من الآثار السلبية للوباء.

 

– التصدي لتفشي الشائعات الخاطئة بين اوساط المجتمع (تهويلاً أو تهويناً) فقد لا تشكل الأزمات خطورة كبيرة في حد ذاتها، لكن طرق التعامل السيء معها، والشائعات التي تتزامن معها، قد تكون أكثر خطورة منها.

 

– تعزيز حالة الاستقرار الاجتماعي من خلال سرعة الاستجابة في تخفيف حالة الهلع والتنمر بين أوساط المجتمع الناجم عن انتشار الوباء.

 

– تعزيز التكافل الاجتماعي عموما ومضاعفتها في حالة إقرار حالة الطوارئ الصحية مستقبلاً من خلال مد يد العون للمحتاجين والفئات الأكثر حاجة، نتيجة الظرف القاهرة.

 

– العمل كحلقة وصل ما بين الجهات المعنية والمواطنين بهدف توفير المعلومة الصحيحة، صعوداً وهبوطاً، وتفسيرها بدقة فكل أزمة هي أزمة معلومات وتواصل، وأثبتت التجارب أن المعلومة الصحيحة تعمل على تحقيق الوعي المطلوب من جهة والاستجابة للمشاكل الحالية واستباق المشاكل المتوقعة من الجهة الآخر.

 

– العمل على حشد الطاقات الفردية المختلفة وتوجيهها في أعمال تطوعية نوعية تواكب الاحتياجات الطارئة الناتجة عن جائحة كورونا.

 

لا بد أن نشير أن هناك مجموعة من التحديات أمام منظمات المجتمع المدني في اليمن وفي مقدمتها القدرات المالية والتي قد تحد من تنفيذ برامجها لمواجهة الأزمة، هذا الأمر يتطلب الشراكة مع القطاع الخاص لتحقيق هدفان: الأول/ سد العجز المالي التي تعاني منه منظمات المجتمع المدني كبديل للمانح الخارجي. والثاني/ دفع القطاع الخاص للعب دور فعال وحيوي فيما يعرف اليوم “بالمسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص” من خلال الحفاظ على الاستقرار الداخلي، عبر توفير السلع دون أي زيادات في الأسعار وعدم احتكارها، بالإضافة إلى تدشين المبادرات الهادفة لمعالجة الآثار السلبية المترتبة على الأزمة عبر تعزيز التكافل الاجتماعي وتقديم الخدمات والمعونات الغذائية والصحية للفئات الأكثر تضرراً لتجاوز الأزمة وتداعياتها المختلفة بأقل الخسائر.

 

في إطار ما تقدم، يجب التأكيد أن الرهان هو على تعزيز الوعي المجتمعي، بين كافة أفراد المجتمع في ظل هذه الأزمة الصحية، والمسؤولية هنا تكاملية بدرجة رئيسية والاعتماد على قدرات المجتمع الذاتية للخروج بأقل الاضرار من هذه الأزمة الغير مسبوقة.

 

(مركز البحوث والمعلومات – خالد الحداء)

قد يعجبك ايضا