كورونا اليمن: محاولات ناجعة لبث الحياة في الركام
لأشهر مضت، ظل اليمنيون يرون أنفسهم بمعزلٍ عن فيروس “كورونا المستجد” الذي لفّت عاصفته العالم، بيد أنه اليوم بات واقعا يقتضي العمل بكل الوسائل المتاحة؛ للحفاظ بقدر الإمكان على حياة الناس وأرواحهم. في بيئة صحية متدنية كالتي يملكها اليمن، دمّر العدوان ما نسبته 50 في المائة منها، إلى جانب كونها لا تفي بالغرض حتى قبل ذلك، فإن مسألة الوقوف أمام جائحة “كوفيد-19” مهمة صعبة يضطلع بها الجميع، لكنها بالدرجة الأولى ملقية على عاتق السلطة التي تواجه اليوم عدوين، أحدهما عسكري يبذل كل جهده بغية إخضاع البلد والآخر فيروسي لا يرى بالعين المجرّدة.
الثورة / عبد القادر عبد الله
مع اقتراب وصول عدد المصابين بالفيروس حول العالم لنحو أربعة ملايين شخص، وتجاوز عدد المتوفين جراء مضاعفاته لعدد ربع مليون إنسان، وبعد شهر من ظهور أول حالة في المحافظات الخاضعة لسلطة الاحتلال السعودي الإماراتي، أعلنت وزارة الصحة في صنعاء الثلاثاء المنصرم ظهور أول حالة مؤكدة بفيروس كورونا لمهاجر صومالي كان قد توفي إثر ذلك في أحد فنادق العاصمة صنعاء، أعقبها ظهور “إصابة جديدة لمواطن قادم من المحافظات الجنوبية تجري متابعة حالته الصحية في “مستشفى الكويت الجامعي” وتتبع المخالطين للحالتين والحجر على الكثير منهم وتعقيم وتنظيف الفندق الذي وجدت جثة الأول فيه” كما تحدثت بيانات الوزارة.
استماتة سعودية
يأتي هذا بعد أسابيع من دفع السعودية بـ 800 مهاجر أفريقي من مدنها إلى حدودها مع اليمن عبر محافظة الجوف الصحراوية، قالت مصادر خاصة إن بعض المهاجرين كانوا مصابين بالفيروس، وأشار “مجلس تنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي” في صنعاء إلى شحة الإمكانيات وعجز اليمن عن تغطية نفقات الحجر الذي أقامته لهم في المحافظة، إضافة إلى تضييق الخناق على المغتربين، بما فيهم اليمنيين، لإجبارهم على مغادرة البلد بعد تفشي كورونا في مختلف المدن السعودية واضطرار بعضهم إلى العودة عن طريق التهريب، خوفاً من الاحتجاز في مراكز الحجر التي خصصت في اليمن لبقاء الوافدين والعائدين في المنافذ 14 يوماً.
استماتة سعودية لإيصال الوباء إلى اليمن تزيد فرضيتها تأكيداً حادثة إلقاء الطائرات السعودية بأكياس تضم كمّامات ومناديل ورقية في مناطق متفرقة من صنعاء والحديدة والمحويت قبل نحو شهر، إلى جانب ضغوطاتها على المناطق المحتلة للسماح للمعتمرين اليمنيين بالعودة دون التقيّد بالإجراءات الاحترازية اللازمة.
صحة مدمّرة
أثار وصول الوباء العاصمة التي تتعرض، منذ أكثر من خمس سنوات، لهجمات دول العدوان المتكررة، هلع الناس وضجت به مئات الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، وراح الكثير من المغرضين يبثون الشائعات في أوساط المجتمع فتلقى رواجاً هائلاً وتوقد الأخيرة نيران الخوف في نفوس من يدركون إمكانيات اليمن البسيطة في مواجهة الفيروس، خاصة والقطاع الصحي في البلد يتعرض، هو الآخر، لعدوان مباشر من خلال القصف الذي تسبب في دمار كلّي وجزئي لنحو 2477 مرفقاً صحياً، أو غير مباشر عبر الحصار الذي ساهم في تردي الوضع العام للقطاع؛ بمنعه لمئات الأصناف الدوائية من الدخول إلى الوطن من جانب، ومن جانب آخر احتجاز المشتقات النفطية التي تزوّد المستشفيات بالطاقة اللازمة لبقاء استمرارها بعد استهداف العدوان لمحطات الكهرباء، أو حتى عن طريق التلاعب برواتب ومستحقات العاملين في هذا المجال، وما هو أكبر من ذلك.
بشكلٍ عام، كان قد تحدّث وزير الصحة في حكومة الإنقاذ، الدكتور طه المتوكل، إلى نواب الشعب قبل أكثر من شهر، عن إمكانيات اليمن الحقيقية في المجال الطبي وقدرتها على الصمود أمام الوباء إذا ما تفشى في البلد، وهي في الواقع قدرات ضئيلة لا تفي بأدنى مستويات الغرض لمواجهة وباء عجزت الدول العظمى والمتطورة عن كبح جماحه، إذ أن “مجمل ما تمتلكه مستشفيات اليمن من أسرّة للرقود لا يتجاوز 1500 سرير، بينما يبلغ عدد أجهزة التنفّس الاصطناعي نحو 400 جهاز في المستشفيات الحكومية والخاصة”، حسبما جاء في كلمة الوزير الذي لفت إلى أن تلك الأجهزة “تمتلكها اليمن منذ ستينيات وثمانينيات القرن المنصرم”، ما يعني أن الأنظمة السابقة خلال الثلاثة عقود الأخيرة من الزمن لم تول المجال الطبي في البلد أي اهتمام.
كورونا وأخواتها
خلال سنوات العدوان على اليمن، شهد البلد اجتياحات لأمراض وأوبئة فتّاكة، كالكوليرا والدفتيريا وإنفلونزا H1N1 والحصبة والملاريا وحمى الضنك والحميات النزفية والالتهابات الرئوية الحادة والتهاب السحايا الدماغية وجدري الماء والسعال الديكي، إلى جانب النكاف والليشمانيا وداء الكلب والتهابات الكبد، وهي أوبئة “ساهم في انتشارها الدمار الذي لحق بالبنية التحتية للقطاع الصحي وأخرجها عن نطاق الخدمة، والحصار المطبق، والفقر الناتج عن انقطاع مرتبات الموظفين منذ نقل البنك المركزي إلى عدن”، حسبما قال -في وقت سابق- الناطق الرسمي باسم وزارة الصحة الدكتور يوسف الحاضري.
مقارنة بتلك الأمراض، يبدو كوفيد-19 أكثر خطورة وأشد فتكاً، خاصة أن أي من مختبرات العالم الدوائية العملاقة تبدو وكأنها تضرب أخماس في أسداس، وهي تنتظر عصا موسى تأتي بالمصل الذي يمكن من خلاله إخراج العالم من معجنةٍ يفضي حلّها إلى إنقاذ البشرية من عدوّ خفيّ أصاب أنظمتها في مقتل، وراحت عاصفته تجوب حدودها شرقاً وغرباً جنوباً وشمالاً دون اكتراث بقدراتها؛ العسكرية منها والطبية وحتى الاقتصادية، إضافة إلى أن تلك الأوبئة التي نالت من اليمن طيلة خمس سنوات نشرت الرعب والموت في أنحاء شتى من البلد.
محاولات ممكنة
وفي ظل انهيار الوضع الصحي في اليمن كان لا بد من بذل الجهود المضاعفة لمنع وصول الوباء، لكن وقد أصبح أمراً واقعاً فإن الحاجة تقتضي – إلى جانب منع وصول إصابات أخرى – العمل على منع انتشاره والاستعداد لأي طارئ قد يترتب على الانتشار. وزير الصحة طه المتوكل قال في وقت سابق إن “اليمن بحاجة إلى توفير مليون سرير رقود حال تفشي الوباء وإلى نفس العدد من أجهزة التنفس، إضافة إلى عشرة ملايين فحص PCR وإذا ما أسقط هذا الرقم على الإمكانيات السابق ذكرها فإن المشهد يبدو سوداوياً وينذر بكارثة يتوقع من خلالها الوزير أن يسقط “ربع مليون يمني”، لذا كان لزاماً على “اللجنة الوزارية لمكافحة الأوبئة” مع وزارة الصحة فتح مسارات العمل في كافة الاتجاهات؛ من تجهيز عدد من المستشفيات بالمحافظات لاستقبال حالات الالتهاب الرئوي والأدلّة الإرشادية والحملات الإعلامية وتطبيق الإجراءات الاحترازية وحملات التعقيم والرش وضبط ومعاقبة المخالفين في المدن.
وخصصت الصحة كلاً من مستشفيات: زايد بأمانة العاصمة والوحدة بذمار وجبلة في إب والثورة بالبيضاء ومستشفى رداع والجمهوري بالمحويت والسلخانة ومبنى آخر بالحديدة والثلايا بريمة و22 مايو بعمران والجمهوري بحجة والحزم في الجوف والأمومة والطفولة بالضالع وقحزة بصعدة والحميات بصنعاء، كما وجهت بتجهيز أربع غرف في كل المستشفيات الريفية بأسرّة وأسرّة عناية مركزة لمواجهة أي طارئ، إلى جانب البدء في تجهيز المستشفى الميداني بأمانة العاصمة بسعة 3000 سرير، باعتبار الأمانة تضم أكبر تجمّع سكاني، ما يعني بطبيعة الأمر توفير 3000 جهاز تنفّس اصطناعي، وهذا يبعث على التفاؤل ويعزز من ثقة اليمنيين بالقدرات الطبية لبلدهم بعد فقدانها.
هل يكفي؟
تقول تقارير وزارة الصحة: إن الكثير من الأطباء غادروا البلد للعمل في الخارج، وهذا فاقم معاناة القطاع الصحي في اليمن. مشكلة لجأت الصحة إلى حلها من خلال إعلانها، في وقت سابق، التعبئة العامة للكوادر الصحية للاستعداد لمواجهة الوباء، وفتحت باب التطوّع للأطباء من مختلف التخصصات والممرضين وطلاب المعاهد والكليات الطبية للدخول في دورات تدريبية لمعرفة التعامل مع الوباء والحالات المصابة ومساعدتها على تجاوز الخطر، وتجهيز المتطوعين في فرق وتوزيعهم على المديريات والعمل بكل الجهود إلى رفع عدد الفرق في القريب العاجل إلى 12 فريق في كل مديرية.
واستطاعت الصحة حتى اليوم توفير 200 جهاز تنفّس و10 آلاف جهاز فحص، كما وفرت بأعداد كبيرة الملابس الواقية للفرق الطبية وفتحت مشاغل لصناعتها وتعمل على توفير من 10 إلى 20 ألف جهاز تنفّس، تزامناً مع استقطابها الكفاءات لإصلاح الأجهزة المعطلة، حسب قول الوزير الذي أضاف “الوزارة تعمل حالياً على تفعيل ومضاعفة مصانع الأكسجين لتوفير عشرات أضعاف ما كانت تنتجه البلاد سابقاً”.
غراندي والمتوكل
جدير بالذكر ما تحدثت عنه المنسقة الأممية المقيمة لدى اليمن ليز غراندي، في بيان مكتبها قبل أسابيع، عن “توفير المنظمات الأممية وتوزيعها 208 أجهزة تنفس صناعي، و520 سرير عناية مركزة، وشراء الصحة العالمية لعدد 1000 سرير عناية بالإضافة إلى 400 جهاز تنفس، وزيادة فرق الاستجابة الطارئة على نفقة الصحة العالمية إلى 999 فريق، وتجهيز والمساعدة في تحسين وحدات العزل المتخصصة في 37 مستشفى في جميع أنحاء اليمن والتي خصصتها السلطات لعزل حالات فيروس كوفيد- 19، إلى جانب شراء ما يزيد عن 6.700 من مجموعة أدوات الفحص، وتأمين توفير 32.400 مجموعة إضافية ستصل خلال الأسابيع القادمة، وتدريب نحو 900 عامل في المجال الصحي على الاستجابة السريعة والسيطرة على العدوى وإدارة الحالات والإسعافات الأولية والنفسية ومساعدة الأطفال في التغلب على التوتر، وتوفير معدات الحماية الشخصية اللازمة لتلبية الاحتياجات المتوقعة للستة الأشهر القادمة”.
هذه الأرقام نفتها الوزارة مبينة في بيان رد بعثه الوزير المتوكل إلى غراندي تضمن أرقاماً مخالفة، حيث “لم يتم توزيع سوى 94 جهاز تنفس فقط، كان قد تم طلبها قبل عامين وهي تخص برامج أخرى مثل الطوارئ التوليدية والوليدية والدفتيريا والكوليرا، كما لم يتم توريد أي أسرّة عناية مركزة إطلاقاً، وإنما تم توريد 96 سرير نوعية عادية خاصة بمراكز الكورونا ولا تصلح حتى لأقسام الرقود”، كما نص بيان الوزارة، وأضاف: “لم يتم توريد الـflowmeter وأسطوانات الأكسجين لهذه المرافق الصحية، ولم يتم توفير الأجهزة الطبية الأخرى الخاصة بغرف العناية المركزة رغم ضرورة توفرها، مما يعني عدم قدرة هذه المرافق بكافة طاقتها التشغيلية على العمل لاستيعاب حالات كورونا”، ولفت البيان إلى أنه “الاتفاق مع صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA) ومنظمة الصحة العالمية (WHO) بأن تقوم منظمة الصحة العالمية بتوزيع عدد 39 جهاز تنفس الموجود بمخازن منظمة الـ UNFPA ، ولكن لم يتم ذلك إلى الآن”.
وتضمن البيان استلام وزارة الصحة لـ 3400 فحص كورونا فقط، بينما يحتاج اليمن إلى توفير ما لا يقل عن 500 ألف فحص بصورة طارئة و10 ملايين فحص في المرحلة الثانية، وأردف المتوكل: “لم يتم دعم التدريب للمتطوعين إلى الآن وإنما تم البدء بتدريب عدد قليل من الأطباء، وتم فقط إضافة فريقين في كل مديرية وكل فريق مكون من شخصين، وذلك بالإضافة إلى الفريق الموجود مسبقاً والمكون من 5 أشخاص، وهذا يعني أنه تم فقط إضافة فريق واحد في كل مديرية، بينما لم يتم توفير سوى كمية قليلة جداً من مستلزمات الوقاية الشخصية لا تفي بتغطية حتى أقل من 1 في المائة من الاحتياج الذي تم تعميمه على المنظمات والجهات الأخرى في هذه المرحلة.
واجب وضرورة
الإمكانيات التي تم توفيرها حتى الآن لا تفي ولو بنسبة ضئيلة بالغرض، لكنها تبعث على التفاؤل بأن المزيد من الجهود ستثمر توليد إمكانيات إضافية تصبح مع المستقبل كافية ولو بقدر الممكن. المنظمات الأممية، إلى جانب متاجرتها بمآسي الشعوب هي ترضخ للقرار الأميركي كما حدث الشهر الماضي عندما اجتزأت الإدارة الأمريكية 70 في المئة من قيمة المساعدات الخاصة باليمن دون أي موقف من المنظمة، ولذا يجب ألا يعوّل عليها، وأن تثبت السلطة اليمنية أنها محط ثقة الشعب، إلى جانب ذلك يجب أن تتكاتف الجهود في الالتزام بالإجراءات الاحترازية من قبل المجتمع وتطبيقها من قبل الجهات المعنية على المخالفين في الأسواق والمساجد والأماكن العامة، خاصة مع حلول موسم التسوق لعيد الفطر المبارك، بالإضافة إلى المزيد من تفعيل الدور الرقابي لجهاز الأمن والمخابرات لضبط المتهربين ومهربيهم من العائدين من خارج الوطن أو الدخول من المناطق الموبوءة إلى المحافظات التي لم ينتشر فيها الوباء، ورغم هذا يجب ألا يجعل الناس من الإشاعات مصدرا لقلقهم ومرضهم، وأن يلتزموا بما تبثه وزارة الصحة العامة عبر ناطقها الرسمي أو الناطق الرسمي للجنة الوزارية المتخصصة.