دُمّرت عشرات المعالم والمواقع والمساجد والأضرحة: خمسة أعوام من الاستهداف المـمـــنهج لمقومات اليمن الثقافية والتاريخية
خمسة أعوام من الاستهداف الممنهج لمقومات اليمن الثقافية والتاريخية والتراثية، فاليمن تمثل الحضارة والتاريخ بما تمتلكه من كنوز وآثار، موزعة في مختلف المناطق اليمنية وتتمثل في أنواع متعددة من المعالم والمواقع والمدن والمساجد والأضرحة والكهوف، وغيرها من الأماكن التي تحكي حضارة اليمنيين عبر آلاف السنين.
لقد بان الحقد الدفين بأبشع صوره لدى دول العدوان، وجاء التدمير الممنهج لهذه الآثار والمواقع تحت ذرائع واهية وأسباب حقيرة، مع معرفتهم بالأهمية التاريخية والجغرافية لها، وعلى الرغم من التحذيرات التي أطلقتها منظمة اليونسكو بوجوب تحييد التراث الثقافي، وتجنيب “المعالم الأثرية أي عدوان والحرص على حمايتها باعتبارها تتعلق بثقافة وهوية وذاكرة الإنسان اليمني والإنسانية جمعاء، والاعتداء عليها يمثل واحدة من أبشع صور الجرائم ضد الإنسانية وطمس هوية الشعوب”.
الثورة / خليل المعلمي
حرب شاملة
إن ما يجري في اليمن يثبت فعلاً أننا أمام حرب إبادة جماعية شاملة انتقامية تاريخية ممنهجة تشنها جارة السوء السعودية وحلفاؤها ضد الشعب اليمني وبدون أي تفويض دولي من مجلس الأمن، وبالذات استهداف اليمن وآثاره الثقافية الخالدة، وبدوافع انتقامية تاريخية لها جذور عميقة وليست وليدة اليوم، وهدفها طمس وتدمير كل آثار الإنسانية وحضارات سبأ وحمير التي قامت وانطلقت من اليمن، وفي إطار عملية تطهير عرقي شامل للعرق اليمني عموماً.
خسارة إنسانية
لا يمكن أن تقاس خسائر استهداف العدوان للمعالم الثقافية والمواقع الأثرية والتاريخية خلال الأعوام السابقة مادياً، فالخسائر المعنوية والتاريخية أكبر من كل المعايير والمقاييس الاعتيادية، ويؤكد وكيل وزارة الثقافة لقطاع الآثار والمتاحف والمدن التاريخية عبدالملك عزان أن قيمة التراث الثقافي وأهميته كتراث إنساني يجسد عبقرية شعب، ويشكل حلقة من حلقات التطور الثقافي والحضاري للإنسان، وما يؤكد هذه الأهمية أن ضياع أي أثر أو فقده يشكل خسارة كبرى لا تعوض ليس للدولة صاحبة الأثر فحسب بل للإنسانية جمعاء، لأن تراث أي دولة إنما هو حلقة في سلسلة متصلة من الحلقات من قصة الإنسان منذ ظهوره على سطح الأرض حتى الآن.
فهوية أي شعب تعبِّر عن ماهيته وتاريخه وإمكانياته، ويشكل التراث في اليمن أحد أهم مكونات هذه الهوية وعمقها، فالتراث ملك الجميع وملك الإنسانية وهو تاريخ للوطن والحضارات العالمية والحفاظ عليه وحمايته هي واجب جماعي لازم للحفاظ على الوجود والكيان والهوية الثقافية والحضارية والإنسانية.
مفهوم الممتلكات الثقافية
ولكي نتعرف عن مفهوم الممتلكات الثقافية في وثائق القانون الدولي يقول وكيل وزارة الثقافة لقطاع الآثار والمتاحف والمدن التاريخية: إن معظم وثائق القانون الدولي وكذا بعض التشريعات الوطنية قد درجت على استخدام مفهوم “الممتلكات الثقافية” للتعبير عن تلك الممتلكات المنقولة والثابتة، التي تحظى بأهمية كبرى في تراث الشعوب الثقافي، فإذا كانت مفردة (ممتلكات) تدل على كل الأشياء المتداولة بغرض تلبية احتياجات الإنسان، فإن مفردة (ثقافية) تأتي لكي تضع تلك الممتلكات في سياقها الاجتماعي والتاريخي.
إدانة واستنكار
لقد أدانت الجهات الحكومية والرسمية ومنظمات المجتمع المدني وحتى المنظمات الدولية استهداف المعالم والمواقع الأثرية والثقافية، ودعت إلى تحييد هذه المواقع عن أي صراعات أو نزاعات، حيث قامت الجهات الرسمية والحكومية بإصدار البيانات والإدانات للأعمال الإجرامية والتدمير الممنهج للممتلكات الثقافية من قبل طيران تحالف العدوان وعملائه على الأرض، وتمت مخاطبة اليونسكو والمنظمات الدولية ذات العلاقة، وكذا المجتمع الدولي بأن يقوموا بواجباتهم للضغط على دول التحالف وإلزامها بإيقاف استهداف التراث اليمني، وتحميلها كامل المسؤولية والتعويضات المادية والمعنوية عن كل ما تسببت به من أضرار، بموجب القوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية.
ولخطورة استهداف هذه المواقع الإنسانية والحضارة فقد أصدرت أيضاً عدد من المنظمات الدولية ومنها منظمة اليونسكو عدداً من البيانات التي توضح خطورة تدمير هذه المعالم التي تعتبر ملكاً للإنسانية، وخاطبت دول العدوان بالكف عن استهداف معالم ومواقع التراث الإنساني في اليمن، وبيانات أخرى حطت فيها تراث اليمن في دائرة الخطر إلا أن دول العدوان لم تكترث لهذه البيانات، بل ضربت بها عرض الحائط غير آبهة بذلك.
إحصائيات
ومع استمرار الاستهداف والتدمير لهذه المعالم، لا توجد إحصائيات دقيقة حتى الآن لعدد المواقع ونوع وحجم الدمار بسبب استمرارية التدمير في ظل العدوان والحرب وبسبب عدم توفر الإمكانيات اللازمة لدى الحكومة، هذا ما أكده رئيس الهيئة العامة للآثار والمتاحف مهند السياني، ويضيف: وكون الآثار والمعالم التاريخية لا تقاس خسارتها مادياً فقط وإنما القيمة المعنوية والتاريخية أكبر من كل المعايير والمقاييس الاعتيادية، وبالرغم من ذلك فقد نفذت الهيئة العامة للآثار والمتاحف مسحاً أولياً تضمن استهداف أكثر من 66 معلماً ثقافياً وموقعاً أثرياً نتيجة قصف طيران العدوان، وكذا تم تدمير أكثر من 20 موقعاً آخر من قبل المنظمات الإرهابية، ومع هذا لا بد من إعداد قاعدة بيانات واقعية بواسطة فرق فنية متخصصة لتحديد وتقييم وتصنيف حجم الأضرار وتحديد الأولويات والإجراءات المناسبة التي من الممكن أن تتخذها الوزارة تجاه ذلك في الوضع الراهن، والعمل على تحديث هذه البيانات أولاً بأول.
أغراض الاستهداف
وعن أغراض الاستهداف لهذه المعالم والمواقع يوضح رئيس الهيئة العامة للآثار والمتاحف أن هناك استهدافاً ممنهجاً للقضاء على الآثار والتراث، ولكن لن يكون لهم ذلك فاليمن تمتلك تاريخاً يمتد لأكثر من 8 آلاف سنة وتمتلك ثروة من الآثار والتراث كبيرة جداً، وما يستهدفه العدوان محزن لنا، ولكن ألا يعلم من يقوم بهذا العمل أنه يحارب يمن الحضارة والتاريخ، وأضاف إن استهداف هذه المعالم قد لفت أنظار العامة من المواطنين إلى أهمية هذه المعالم ورفع الوعي بالاهتمام بها والحفاظ عليها، ولهذا فإن دور المواطن مهم جداً، فالمواطن أصبح في الوقت الحالي حجر الأساس في الحفاظ على التراث ليس من العدوان ولكن من النبش والتهريب، خاصة في ظل إمكانيات الهيئة المتواضعة، كما أن لدينا تواصلاً مع بعض منظمات المجتمع المدني لرفع الوعي لدى المواطن عبر المحاضرات والندوات والمعارض وغيرها من الأنشطة، وتعريفهم بقانون الآثار رقم (21) لسنة 1994م، ونبين دورهم بكيفية الاهتمام بالآثار والمواقع والمعالم الأثرية والثقافية.
تهريب الآثار
لم يكتف العدوان باستهداف هذه المعالم والمواقع بل سعى من خلال أدواته وعملائه إلى الاستحواذ على القطع الأثرية، وهذا ما اثبتته المعلومات، وتم الكشف عنه من قبل بعض المنظمات وبعض الأشخاص الأجانب، حيث كشف باحث أمريكي متخصص في الآثار أن الإمارات قامت بسرقة آثار يمنية وقامت بتهريبها لتبيعها لبعض الدول ومنها أمريكا، وأكد الباحث “الكسندر ناجل” أن هناك أكثر من مليون قطعة تتم سرقتها بشكل دوري.. مضيفا إن عدداً من تجار الآثار تقمصوا دور الباحثين والدارسين والمنقبين من أجل تنفيذ مخطط السرقة لتاريخ يتحدث عن اليمن، فعملوا على تهريب عدد من الآثار إلى أمريكا وأصبحت لديهم متاحف تحوي قطعاً بملايين الدولارات وأن أحدهم بلغت ثروته 34 مليون دولار.
وكشف هذا الباحث أنه يتم تهريب قطع الآثار من اليمن عبر دول مثل الإمارات وإسرائيل قبل وصولها إلى الولايات المتحدة، وأكد تورط العديد من المستكشفين والأكاديميين والدبلوماسيين في تهريب الآثار من اليمن.
تهريب ممنهج
من جانبها كشفت عدد من اللجان الدولية عن تهريب ممنهج تمارسه أدوات وأذرع، للآثار اليمنية، معتبرة ذلك نكسة للحضارة البشرية والتاريخ الإنساني، وبحسب هذه اللجان، فإن الإمارات نجحت في تهريب نحو نصف مليون قطعة أثرية، وأن قيمة القطع تراوحت ما بين 5000 دولار و100.000 دولار وتعود إلى حقبة ما قبل الإسلام، وقد احتوى متحف “اللوفر – أبوظبي على القدر الأكبر من تلك القطع، فيما توزعت البقية على متاحف أخرى وعائلات ثرية في الإمارات، كما تم بيع الكثير منها في مزادات خاصة في أوروبا وأمريكا.
جزيرة سقطرى
لقد طالت يد المحتل السعودي الإماراتي جزيرة سقطرى لتسرق بعض كنوزها المتمثلة بشجرة دم الأخوين التي لا تتواجد في أي مكان في العالم إلا في جزيرة سقطرى، فجزيرة سقطرى تعتبر إحدى المناطق الطبيعية التي لم تطلها يد الإنسان في التغيير والتحوير، وقد تم إدراجها ضمن قائمة التراث العالمي من قبل منظمة اليونسكو، كما تم إعلانها محمية طبيعية في العام 2000م، لما تحتويه من طبيعة خلابة وتنوعي حيوي ونباتي فريد، وتحاول دويلة الإمارات السيطرة على جزيرة سقطرى، كما تعمل من خلال مرتزقتها على زعزعة الأمن فيها، ووصل الأمر إلى تهريب عدد من النباتات والأشجار النادرة التي تختص بها الجزيرة ومنها شجرة دم الأخوين لإعادة زراعتها في بلدهم، وهذا يخالف القوانين اليمنية والاتفاقيات الدولية التي تمنع إخراج أي صنف نباتي أو حيوي من الجزيرة، كما قامت هذه الدويلة بسرقة كميات كبيرة من أحجار الشعاب المرجانية والطيور النادرة وغير ذلك من الاعتداءات.
استهجان واستنكار
وكان عدد من المسؤولين والمثقفين والأدباء قد استنكروا استهداف العدوان السعودي الأمريكي الإماراتي للمعالم الثقافية والمواقع الأثرية، والذي أدى إلى تدمير العديد منها تدميراً كلياً الأمر الذي مثل خسارة كبيرة على التراث والتاريخ الإنساني، واكدوا من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وصفحاتهم على الفيسبوك وتويتر حجم الخسائر المعنوية نتيجة استهداف هذه المواقع، والإجراءات الواجب اتخاذها من قبل الجهات المعنية ومنظمات المجتمع المدني والمثقفين والشخصيات الاجتماعية لمواجهة هذه الهجمات وهذا الاستهداف، ونقل الرسائل الإعلامية المناسبة عبر وسائل الإعلام ووسائط الاتصال الحديثة والمواقع الإلكترونية إلى العالم لتوضيح ذلك.
جذور المشكلة
يوضح الأديب ثابت القوطاري بالقول: في البدء لا بد لنا من استنطاق جذور المشكلة، استهداف الآثار وطمس معالمها، يسعى من خلاله العدوان إلى محو التاريخ من ذاكرة الشعب، وبالتالي هدم انتمائه وهويته، ولا شك أن الأضرار والخسائر المادية كبيرة على الاقتصاد الوطني وأمنه، إلا أن خسارتها المعنوية لا يمكن تقييمها وتقديرها بثمن لأنها خسارة أمة وشعب امتدت حضارته إلى ما قبل الإسلام بآلاف السنين، هذه عقدة تعاني منها ممالك وإمارات ودول الخليج، كونها دولاً مستحدثة وهشة مقطوعة الجذور، تعاني حالة الإفلاس الشديد في جانب التاريخ والفكر والحضارة.
وعن الهدف الذي يسعى إليه العدوان من وراء استهداف هذه الأماكن، يقول القوطاري: ما يحدث اليوم في اليمن من استهداف للآثار لا يخرج عن أمرين اثنين، الأول: عقدة النقص التي تعاني منها دول العدوان والاحتلال، الثاني: محاولة إيصال رسالة للشعب اليمني وللعالم مفادها (انتصرنا) مع أنهم لم يحققوا أي درجة من درجات الانتصار، ولم يحققوا أي هدف من أهداف العدوان، والنتيجة واحدة: طمس المعالم الحضارية والتاريخية والثقافية والفكرية للشعب اليمني ومحوها من الذاكرة المجتمعية إلى الأبد فيصبح هذا الشعب مقصوص الجذور، ليتساوى مع تلك الدول الطارئة على التاريخ.
وأكد الأديب القوطاري على ضرورة مواجهة هذه الاعتداءات بالوعي المجتمعي والذاكرة الشعبية والسياسة الناجحة، منوهاً بأن التاريخ، والآثار، والحضارة، أشياء يصعب وضعها في صناديق وإخفائها في الأقبية، أو في أماكن لا يمكن أن تطالها صواريخ العدوان، وتابع: نحن نتحدث عن مدن عملاقة: صنعاء القديمة، شبام حضرموت، شبام كوكبان، سد مأرب، عرش بلقيس، دار الحجر، مدينة زبيد، قصور السلاطين…إلخ، هذه مدن وقصور تناطح الكواكب أين يمكن تخبئتها؟! هي مكشوفة، العالم يعرفها منذ أن فتح عينيه عليها، وهي شاهدة عليه وتدل على إنجازاته، أنا لا أثق بالمعاهدات والقوانين الدولية لأنها انتقائية وطبقية وعنصرية، لن تحمي أياً من هذه الآثار ولن تجرم منتهكيها، لكني أثق بقوة الوعي المجتمعي والذاكرة الشعبية، وأثق بالسياسة الناجحة التي تملك إرادة وقوة وآلية حقيقية لتحافظ على ما تبقى وترمم ما تهدم، وتستعيد ما أخذ؛ أثق بالبندقية التي يمكن لها أن توقف اللصوص وقطاع الطرق، والبربر، والهمج، والأعراب عند حدهم وتعيدهم إلى صحرائهم المقفرة، أثق بالثقافة -لا بالوزارة- لتعيد لخط المسند بريقه وجماله، وتنفض عنه غبار الحرب، ورماد الأحقاد التي صدرتها لنا دول العدوان.
خطورة طمس الآثار
ويضيف الأديب بشير المصقري: لا يمكن إحصاء وتحديد الخسائر الناجمة عن استهداف العدوان للمعالم الأثرية والتاريخية بوصفها ذاكرة شعبية للناس وهوية وجودية للبلد سواء مادياً أو معنوياً.. القضية برمتها أدهى من قتل الإنسان وإزهاق روحه التي تنتهي بنهايته وتظل مظلمته معلقة في السماء حتى الاقتصاص الرباني العادل، إنما القضية تكمن في خطورة طمس الإنسان ودلائل وجوده الجبار والعميق الذي تمثله هذه المواقع والشواهد لهذا الوجود أمام العالم وبالتالي لا يمكن أن يتساوى موضوع قتل إنسان تظل ذكراه شاخصة لزمن ما عن طمس وجود هوية إنسانية أنتجت هذه الشواهد والمعالم والآثار التي أدهشت العالم.. وتساءل: هل يمكن تحديد الخسائر وإحصائها..؟
وتابع: اعتقد أن الغرض من استهداف هذه الأماكن واضح وظاهر للعيان بمجرد أن تضع مقارنة للعمق الذي ضربته اليمن جذريا في مهاد التاريخ وبين كيانات ناشئة عرفت وأدركت أن امتلاك المال والقوة لا يملِّك أحداً التاريخ.
وعن مواجهة هذه الاعتداءات يؤكد المصقري قائلاً: كلنا يجب أن يكون له دور في التصدي لها كل من موقعه أنت وأنا والمجتمع والسلطة وأهم عوامل المواجهة تنشيط هذه المواقع وإيجاد برامج وفعاليات وزيارات فيها سواء كان معلماً ثابتاً أو متحركاً، متحفاً كان أو موقعاً، والعمل على إيجاد الحركة فيه تحت أي ظرف.
استهداف التاريخ والحضارة
أما الشاعر الدكتور إبراهيم طلحة فيقول: مما يدعو اليمنيين جميعًا للغضب هو هذه اللا أخلاقيات المرافقة للحرب، فالعدوان يستهدف اليمن أرضًا وإنسانًا وتاريخًا وحضارة؛ لذلك نراه استهدف الجوامع والمكتبات الأثرية والمعالم التاريخية والحصون والقلاع في محاولة منه لمحو كل ما له صلة بالمجد اليمني العتيد، ولكن سيظل اليمن رغم العدوان بلداً له إرثه الحضاري الذي شهدت له الدنيا.
الحماية والتحييد
ترتكز الحماية التي تشمل الممتلكات الثقافية في النزاعات المسلحة على مبدأ منصوص عليه في اتفاقية لاهاي لعام 1954م، فحواه أن الأضرار التي تلحق بممتلكات ثقافية يملكها أي شعب “تمس التراث الثقافي الذي تملكه الإنسانية جمعاء”.
وتتمتع الممتلكات الثقافية بالحماية خلال الحرب على مستويين، إذْ من ناحية تنطبق عليها الأحكام العامة للقانون الإنساني التي تمنح الحماية للممتلكات المدنية بحكم أنها ممتلكات غالباً ما تكون مدنية بطبيعتها.
ومن ناحية أخلكي لا تبقى وحيداًرى تُكرّس اتفاقية لاهاي لعام 1954م بشأن حماية الملكية الثقافية في حالة نزاع مسلح حماية خاصة تعترف بالتراث الثقافي لكل شعب، وتم تعزيز هذه الاتفاقية ببروتوكولين إضافيين عام 1977م وأصبحت جزءاً من القانون الدولي العرفي.
أثر الحروب على المواقع الأثرية
يبيّن الواقع المحزن على مر التاريخ أن الحروب تؤدي إلى فقدان العديد من الأعمال الفنية وتدمير المواقع والمعالم الثقافية والأثرية، ورغم ضروب الحماية الممارسة حسب الأعراف منذ العصور الأولى للحضارة، دفع الدمار الذي خلفته الحرب العالمية الثانية المجتمع الدولي إلى اتخاذ التدابير اللازمة ووضع قواعد قانونية تمنح حماية خاصة.
وهكذا، جاءت اتفاقية لاهاي لعام 1954م لتلزم كل دولة باتخاذ إجراءات في سبيل صيانة ممتلكاتها الثقافية الخاصة من الهجمات المسلحة، ويتم ذلك مثلاً عن طريق نقل تلك الممتلكات بعيداً عن العمليات العسكرية المحتملة أو الدائرة، أو تفادي إقامة أهداف عسكرية بالقرب منها في حالة المواقع التاريخية.
ولا يجوز للأطراف المشاركة في النزاعات المسلحة توجيه العمليات العدائية ضد الممتلكات الثقافية وعليها تفادي وقوع أضرار عرضية ضد تلك الممتلكات، كما يحظر القانون استعمال الممتلكات الثقافية لأغراض عسكرية.
إلا أن اتفاقية لاهاي تعترف بحالات يكون فيها الهجوم على الممتلكات الثقافية مشروعاً خاصة إذا تم تحويل تلك الممتلكات إلى هدف عسكري يكون الهجوم عليه إجراءً ضروريا بحكم “الضرورة العسكرية الملحة”.
وعلى قوى الاحتلال أن تحمي الممتلكات الثقافية التي تقع تحت سيطرتها من السرقة أو النهب أو الاختلاس، وفي حال تم إبعاد الممتلكات الثقافية من الأراضي المحتلة لضمان حمايتها، يجب إعادتها عند انتهاء العمليات العدائية.