تسابق الأميركيين إلى كتابة وصاياهم على وقع انتشار كورونا
Share
في مشهد مؤثر ترجو فتاة صغيرة والديها تأمينها قبل موتهما، واختيار وصيّ عليها لتعيش معه، ذلك إعلان لشركة أميركية يظهر على صفحات بمواقع التواصل الاجتماعي بكثافة منذ انتشار فيروس كورونا، إذ تزايدت كتابة الوصايا القانونية والتأمينات على الحياة بنسب كبيرة حديثا.
ووفق موقع “سي أن بي سي” فإن أكثر من 50% من عملاء هذه الشركة المعلنة (ترست أند ويل) ومقرها سان دييغو، بدؤوا بكتابة وصاياهم لديها، والتأمين على حياتهم في حال موتهم.
كما حققت شركة تأمين أخرى اسمها جنتريو ومقرها بوسطن، زيادة بنسبة 143% على مدى الأسبوع الأخير من مارس/آذار الماضي للأشخاص الذين كتبوا وصاياهم، وفق الموقع ذاته.
ونظرا للظروف الحالية وحالة التباعد الاجتماعي التي ألزمت الأميركيين بيوتهم، فقد بدأت كتابة هذه الوصايا عبر الإنترنت، في حين اتهم البعض شركات التأمين باستغلال خوفهم من الموت بإصدار إعلانات تلامس عواطفهم وخاصة فيما يتعلق بأبنائهم.
رغبة للاطمئنان
دعاء العتوم، وهي أميركية من أصل أردني، شعرت بأعراض فيروس كورونا بعد اختلاطها بزميلة لها في العمل اختلطت بشخص آخر جاء من كوريا، مما جعلها تسارع إلى كتابة وصيتها بمساعدة زوجها الأميركي المسلم الذي يعمل محاميا.
وضمنت في وصيتها، كما ذكرت في حديث للجزيرة نت، تأمين بيتها وممتلكاتها وتسمية زوجها راعيا أول لابنها، وأخيها الذي يقطن بالقرب منها الراعي الثاني، وذلك لخشيتها أن تنتقل العدوى لزوجها، وهو ما حصل بالفعل.
ورغم شعور دعاء بالتعافي هي وزوجها من الفيروس واختفاء الأعراض، فإنها تقول إن كتابة الوصية كانت ضرورية جدا “لأن هذا الإجراء سيضمن مستقبل ابنها ومآل ممتلكاتها إليه في حال رحيلها”.
وقال أحمد شيخ المحامي القانوني المتخصص في التخطيط العقاري وقانون الوصاية في ولاية كاليفورينا للجزيرة نت، إن هناك دوما رغبة عند الناس، وخاصة عندما يكون لديهم مرض معين قد يكلفهم حياتهم، في الاطمئنان على من يحبون بعد رحيلهم.
وأشار إلى وجود زيادة كبيرة في إكمال إجراءات خطط الميراث وكتابة الوصايا في أميركا حديثا بسبب انتشار فيروس كورونا، حيث بدأ العمل مع الزبائن عبر الهواتف والتطبيقات الذكية لاستكمال الإجراءات.
وأوضح أن كبار السن غالبا ما يكونون قد أكملوا كتابة وصاياهم وخطط الميراث، لكن الجديد الآن هو الإقبال على ذلك من قبل الأشخاص متوسطي الأعمار ممن لديهم أبناء وعائلات ويودون الاطمئنان على أنهم سيكونون بأمان بعدهم.
وتقاربت مدة إكمال الوصية وخطة الميراث القانونية عند المحامين من نحو أربعة أسابيع إلى غضون يوم أو ساعات فقط، نظرا لهذا الوضع الطارئ، كما يقول أحمد شيخ.
وأكد أن ما يؤخر إتمام الإجراءات غالبا هو الحصول على ختم كاتب العدل وتوقيع الشهود، وفي قوانين بعض الولايات كولاية كاليفورنيا يشترط وجود الشهود أثناء كتابة الوصية، لكن في ظروف التباعد الاجتماعي صار ممكنا القيام بذلك من خلال تطبيقات البث المباشر بالفيديو.
وضع المسلمين
ومع انتشار كورونا بشدة بين العديد من المسلمين وبخاصة في مدينة نيويورك وما حولها، بدأ الوعي بأهمية كتابة الوصية لأسباب عديدة، أولها عدم وجود قوانين للميراث ورعاية الأبناء وفق الشريعة الإسلامية في القانون الأميركي، مما يدفع المسلمين إلى ضرورة كتابتها بأنفسهم بشكل قانوني في الوصية، وفقما يدعو الباحث في شؤون الدعوة الإسلامية في أميركا محمد الحايك.
وأشار الحايك في حديثه للجزيرة نت إلى أن كتابة المسلمين لوصيتهم القانونية “أمر واجب شرعا” لضرورتها في بلد غير إسلامي، لأسباب عديدة أولها ضمان توزيع الميراث وفق الشريعة في بلد لا يطبق الشريعة، وضمان رعاية الأبناء مع شخص ثقة بعد موتهم، إضافة إلى التوصية بإجراءات الدفن الإسلامي، وبخاصة لمن ليس له أقارب مسلمون فيخشى أن لا يتم دفنه وفق الطريقة الإسلامية.
ويعود القلق من موضوع رعاية الأبناء، وفق الحايك، إلى أن القانون الأميركي إذا لم يُسمِّ الوالدين راعيا ضمن وصيتهم، إذ إن رعايتهم تذهب لمؤسسة رعاية الطفل الحكومية، أو ربما يتنازع الرعاية عددٌ من الأقارب من غير المسلمين أو ممن لا يرتضيه الوالدان في تربية أبنائهم.
وشدد الحايك على أن الوصية وتخطيط الميراث في الغرب أمر معقد و”خاصة في هذه الظروف التي لم يعد يعلم الشخص ما قد يحدث مع انتشار الفيروس”.
بدوره أوضح المحامي أحمد شيخ أن المسلمين يستطيعون بالفعل القيام بإجراءات الميراث وفق الشريعة الإسلامية بحيث يتم توزيع التركة مكتوبة بالوصية حسب تعليمات قانون الميراث بالإسلام، كما يمكنهم تسمية رعاية الأبناء أيضا لمن يرتضونه.
واتفق مع الحايك في عدم وجود الكثير من الوعي بين المسلمين في أميركا بضرورة القيام بإجراءات الميراث قبل موتهم، فالكثيرون ليسوا على اطلاع كبير على القانون الأميركي الخاص بالميراث.
وقال إن كثيرا من المسلمين ليسوا على دراية بما يمكن أن يحصل لممتلكاتهم، إذا ما لم يضعوا خطة الميراث والوصية، إذ يمكن أن يحصل أحد الأطراف على الثروة كلها، في حين يبقى الأبناء من دون أي مصدر مالي، وفي أحوال كثيرة يعني أن تؤول رعاية الأبناء إلى الحكومة التي تقرر رعاية الأبناء لعائلة قد لا تكون مسلمة بالضرورة.
يذكر أن عدد المسلمين المتوفين بسبب فيروس كورونا لم يوثق بالأرقام بشكل واضح بعد، في وقت بلغ فيه عدد الإصابات حتى الآن في عموم الولايات المتحدة 469 ألفا، توفي منهم 16,676.