كيف يعمل العدوان على تغييب الحقائق ونشر الشائعات ؟!
بعد مرور خمسة أعوام من الصمود الأسطوري الذي يعيشه شعبنا في مواجهة العدوان السعودي الإماراتي الغاشم، متجاوزاً التحديات التي يتعرض لها بسبب هذا العدوان الذي دمر معظم البنى التحتية لبلادنا، حيث لم يكتف هذا التحالف الغاشم بالحصار والقصف والتجويع، بل شن هجوماً من نوع آخر على هذا الشعب المقاوم، حيث يقوم بالهجوم على قطاع الاتصالات بدءاً بقصف أبراج الاتصالات وحجب المواقع الإلكترونية وصفحات شبكات التواصل الاجتماعي المناهضة للعدوان، سعيا منه لعزل اليمن عن العالم الخارجي في محاولة منه لإخفاء جرائمه التي تصل إلى مستوى جرائم حرب حسب القانون الدولي.. كما يسعى لبث الشائعات الكاذبة داخليا وخارجيا معتمداً على جيش من الذباب الإلكتروني..
الثورة / هاشم السريحي
تدمير أبراج الاتصالات
تعرض قطاع الاتصالات والبريد لاستهداف ممنهج؛ إما عبر تكثيف الغارات الجوية لطيران تحالف العدوان التي ظلت تستهدف أبراج وشبكات ومواقع الاتصالات والبريد طيلة فترة العدوان على بلادنا، حيث تم استهدافُ القطاع بـ 2419 غارة جوية، ووصل عددُ المنشآت المدمرة بنهاية 2019 إلى نحو 1029 منشأة وموقعا للاتصالات والبريد، ووصل عدد الشهداء من أبناء الاتصالات والبريد إلى 69 شهيداً من خيرة موظفي ومهندسي أبناء الاتصالات. أو عبر الاعتداءات والسلب والنهب وأعمال التخريب التي ارتكبت بحق القطاع وموارده طيلة فترة العدوان، وألحقت بالقطاع خسائر فادحة، حيث وصلت تقديراتُ الخسائر المادية حتى نهاية العام 2019 إلى نحو 3.5 مليار دولار أمريكي، وهذه الأرقامُ ستبقى وفق التقديرات الأولية للأصول المفقودة والخسائر المباشرة، كما تسببت بحرمان المدنيين من الخدمات الحيوية التي يقدمها القطاع.
وقد تجاوز ما تم تدميره خلال الأعوام الخمسة الماضية بشكل مباشر نسبةَ 30 % من البنية التحتية للاتصالات، وما تعطل أو تأثر جرّاء الحصار وإجراءات العدوان تجاوز 70 % من تجهيزات وأنظمة الاتصالات العاملة، كلُّ هذا يلمس الناس آثاره يومياً، وأصبح أكثرُ من 1687 مستشفى وجامعة ومنظمة إنسانية عاجزةً عن الاستفادة الكاملة من خدمات الاتصالات والإنترنت، لتزيد مؤشرات صعوبة الحياة وتتعدّد أشكال المعاناة التي تطال 27 مليون مدني على كاملِ أرض الوطن.
فضلا عن استهداف ومحاربة القطاع من قبل قوى العدوان بمنع دخول التجهيزات والمعدات اللازمة لأعمال صيانة الشبكات والسنترالات ومحطات التغطية ومنع دخولها إلى اليمن، سواء تلك التابعة للدولة أو الشركات الخاصة والمساهمة، وهناك أجهزة ومعدات تابعة للمؤسسة العامة للاتصالات ولشركة (سبأفون وMTN ويمن موبايل) لازالت محتجزة في موانئ ومطارات ومنافذ الجمهورية التي باتت تحت سيطرة العدوان، وتم حظر دخولها سابقاً من ميناء الحديدة، ما أدى إلى إعاقة أعمال الصيانة وإيقاف مشاريع التطوير والتوسعة في كل المحافظات بما فيها المناطق والمدن الخاضعة لسيطرة تحالف العدوان في المحافظات الجنوبية والشرقية.
وما المشاريع الفاشلة التي تم تنفيذها في عدن إلا استكمالاً لمخطط الاستهداف الأوسع، وكل أشكال الاستهداف التي طالت القطاع هدفها تدمير وإنهاء خدمات الاتصالات القائمة في اليمن، ومنع أي صيانة لما يتم تدميره ومنع إنشاء وتنفيذ مشاريع التحديث والتطوير اللازم إدخالها على خدمات الاتصالات، وتعد أساليب ممنهجة تمهد لاستقدام شركات احتلالية بديلا عن الشركات الوطنية كجزء من مخطط واسع يستهدف هوية ووحدة وسيادة اليمن.
سعات دولية محظورة
وعندما خرجت أكثر من 80 % من السعات الدولية الخاصة بخدمات الانترنت في اليمن عن الخدمة نتيجة لتعرض الكابل البحري الدولي فالكون للانقطاع في البحر الأحمر ــ خليج السويس بالقرب من ميناء السويس، تم حصار الشعب اليمني الصامد ومنعه من استخدام البدائل الأخرى المملوكة لشركة تيليمن بما يكفل استمرارية خدمة الانترنت دون انقطاع؛ حيث تعرضت الكابلات البرية مع السعودية للانقطاع والتدمير من قبل العدوان. كما لم تتمكن الشركة من استخدام السعات المملوكة لها عبر الكابل البحري 1-AAE ومحطة إنزاله في عدن والذي تم الاستثمار فيه وتمُّلُّك سعات دولية كبيرة تصل كلفتها إلى 40 مليون دولار، وأصبح جاهزاً للاستخدام منذ سبتمبر 2017م نتيجة للحظر المفروض على قطاع الاتصالات.
كما أن الكابل البحري SMW5 والذي تم الاستثمار فيه وتملك الشركة سعات دولية كبيرة تصل كلفتها إلى ما يقارب 30 مليون دولار، ودخل حيز الخدمة في يونيو 2017م ولكن لم تتمكن الشركة من الاستفادة من تلك السعات لتعذر استكمال عملية إنشاء الكابل البحري ومحطة إنزاله في الحديدة نتيجة الحظر والحصار.
من القصف إلى الحجب
كما استهدف العدوان السعودي وسائل الإعلام اليمنية الحرة، ولم تتوقف همجيته عند تعمده قصف القنوات الفضائية بل تعداه إلى قيام العدوان السعودي بحجب مواقع إخبارية يمنية رافضة للعدوان.
وفي هذا الإطار أقدمت السلطات السعودية على حجب صحف ومواقع إلكترونية عن المتصفحين داخل أراضي المملكة العربية السعودية. ظناً منها أنها قادرة على حجب الحقيقة. إضافة إلى استهداف الإعلام الوطني اليمني وتكميم الأفواه في الداخل السعودي. وفي ظل ضغط تداعيات العدوان السعودي الأمريكي على اليمن اتجهت السعودية إلى محاولة إحكام الحصار الإعلامي على اليمن من خلال استهداف عدد من الوسائل الإعلامية المساندة لمظلومية الشعب اليمني، والغالبية منها محسوبة على محور الإعلام المقاوم لإسرائيل وللمشروع الصهيوأمريكي في المنطقة. حيث أقدمت السلطات السعودية على حجب الموقع الإلكتروني لصحيفة الأخبار اللبنانية عن التصفح داخل المملكة، والتي تعتبر من أهم الصحف العربية التي سلطت الضوء على حرب اليمن وجرائم التحالف بحق المدنيين في مقابل صمود الشعب اليمني.
كما أقدمت السعودية على حجب الصحيفة الإلكترونية رأي اليوم عن التصفح داخل المملكة منذ أغسطس 2015م، وفي تصعيد لافت أقدمت شركة “عربسات” للبث التلفزيوني في ديسمبر 2015م على حجب قناة “المنار” من أقمارها الاصطناعية بعد نقل مركز الشركة من لبنان إلى الأردن، وبعدها بأيام أقدمت إدارة “عربسات” على حجب قناة الميادين من القمر الاصطناعي، في خطوة أكدت استهداف الإعلام العربي المقاوم لإسرائيل والمناهض للعدوان السعودي على اليمن.
وبلغ الاستهداف السعودي ذروته في إبريل 2016م، حين أوعزت الرياض إلى شركة “نايل سات” المصرية بحجب قناة المنار على قمرها الاصطناعي.
حجب صفحات إعلامية
ومن جهة أخرى قامت إدارة فيسبوك وتويتر بحجب صفحات أغلبها ينتمي لمحور المقاومة والممانعة، حيث حجبت صفحات تتبع أنصار الله في اليمن وحركة حماس في فلسطين وصفحات الإعلام الحربي التابع للمقاومة الإسلامية في لبنان على شبكتي التواصل الاجتماعي “فيسبوك” و”تويتر” دون سابق إنذار.
كما قامت إدارة فيسبوك بإغلاق صفحات إعلامية تؤيد محور المقاومة كصفحات “قناة الميادين” و”قناة العالم” و”موقع الوقت الإخباري” وغيرها من القنوات وذلك ضمن سياسة الحرب المفتوحة على كل من يؤيد ويدعم المقاومة في المنطقة.
ذباب إلكتروني
وفي سبيل دعم أجنداتها ومخططاتها التي تستهدف وتؤثر بشكل بالغ في استقرار المنطقة ككل أنشأت كل من السعودية والإمارات حسابات إلكترونية وهمية ومشبوهة عبر وسائل التواصل الاجتماعي لاستخدامها في شن حملات إعلامية لتشويه صورة خصومها، علاوة على الترويج لمساعي الرياض وأبو ظبي في ما يتعلق بتمرير صفقة القرن التي تستهدف إجهاض القضية الفلسطينية التي تعتبر القضية المركزية للأمتين العربية والإسلامية.
كما تستخدم نفس هذه الحسابات في تلميع سياسات الرياض وأبو ظبي وتجميل صورتيهما والتغطية على الجرائم والفظائع التي ترتكبانها ضد مواطنيها ولإلهاء الرأي العام وتخديره وتضليله عن حقيقة الأزمات الداخلية والخارجية والسعي إلى تغيير ثوابت المجتمع الخليجي وأخلاقياته العربية والإسلامية الأصيلة، هذا بالإضافة إلى شغله عما يدور في حرب اليمن والمؤامرات المنسقة ضد دول المنطقة، تلك التي تسببت فيها وتبنتها سياسات وليي عهد السعودية وأبو ظبي.
وظهر في السنوات الأخيرة مصطلح “الذباب الإلكتروني” وهو يطلق على الحسابات الإلكترونية الوهمية والمزيفة التي استخدمتها الرياض وأبو ظبي بصورة واسعة لتوجيه الرأي العام على مواقع التواصل الاجتماعي نحو اتجاه معين يتوافق مع توجهاتهما الجديدة، وذلك من أجل تضليل الشعوب وإلهائها عن القضايا الملحة والأزمات الراهنة التي تعاني منها بلدانهم، بالإضافة إلى تغييب الوعي العام ومصادرة الحقيقة والتغطية على الانهيارات الاقتصادية في البلدين والتي نتج عنها انتشار البطالة والتضخم وغلاء الأسعار وانتشار الجريمة والمخدرات في الأوساط الشبابية.
وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد شن تحالف العدوان السعودي الإماراتي حملات نفسية على الشعب اليمني دون تحقيق أي تقدم، من خلال مؤسسة سرية جنّدت عدداً كبيراً من الذباب الإلكتروني أطلق عليها اسم “رياح باردة” هدفت إلى بث الشائعات في الأوساط اليمنية و التقليل من شأن الجيش واللجان الشعبية وإفقاد الثقة في قياداتها وأفرادها ومقاتليها.
تجسس رقمي
في الوقت الحالي، يمكن لأصغر بلدان العالم شراء خدمات التجسس الرقمي مما يتيح لها إجراء عمليات معقدة مثل التنصت الإلكتروني أو التأثير على الحملات التي كانت ذات يوم حكرا على القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة، ويمكن القول إن اعتماد المملكة العربية السعودية على شركة متمركزة في بلد كانت لها معه عداوات مستمرة على مدى قرون يقدم لمحة عن عصر جديد من حرب رقمية يحكمها عدد قليل من القواعد واقتصاد متنامٍ على نحو كبير. وتبلغ قيمة هذا المجال الاقتصادي حوالي 12 مليار دولار.
تعتبر شركة “إن إس أو” ومنافستها “دارك ماتر” الإماراتية مثالا على انتشار عمليات التجسس بواسطة جهات خاصة. وتتخذ شركة “إن إس أو” من مدينة هرتسليا الإسرائيلية موقعا لها، وقد وظفت مخترقين إلكترونيين حكوميين سابقين للقيام بأعمالها لصالح الحكومات الأجنبية والعملاء الخاصين -الأثرياء-..
في الواقع، تتنافس كل من دارك ماتر وإن إس أو بشكل كبير مع بعضهما البعض، وهو ما يدفعهما إلى تقديم أجور عالية لأفضل المواهب في عالم القرصنة الرقمية من الولايات المتحدة و”إسرائيل” وغيرها من الدول، كما سبق لهما إغراء الموظفين وسرقتهم من الشركات المنافسة. ويعتبر الشرق الأوسط مركز هذه الحقبة الجديدة من التجسس الخاص، حيث تنشط شركة “بلاك تيوب” إلى جانب الشركتين الأخيرتين، وهي شركة خاصة يديرها أعضاء سابقون في الموساد الإسرائيلي وعناصر سابقون من المخابرات العسكرية الإسرائيلية.
وبحلول سنة 2011، طورت شركة “إن إس أو” نموذجا أوليا، وهو عبارة عن أداة مراقبة متنقلة تسمى “بيغاسوس”، في إشارة إلى الحصان المجنح في الأساطير الإغريقية القديمة.
يمكن لهذه الأداة تنفيذ بعض الأمور التي قد تبدو جنونية، على غرار جمع كميات هائلة من البيانات التي يتعذر الوصول إليها من الهواتف الذكية دون ترك أي أثر، بما في ذلك المكالمات الهاتفية والنصوص ورسائل البريد الإلكتروني وجهات الاتصال والموقع وأي بيانات مرسلة عبر تطبيقات مثل فيسبوك وواتساب وسكايب. وخلال حديثها عن شركة “إن إس أو” ومنافسيها، صرحت آفي روسن، وهي متحدثة باسم شركة “كايميرا تيكنولوجيز” للأمن السبيراني عبر الإنترنت، بأنه: “بمجرد أن تلج هذه الشركات إلى هاتفك، سيصبح بإمكانهم امتلاكه”.
وفي تقرير صدر في 24 يونيو 2014، تفطن باحثون مستقلون إلى وجود برمجية مراقبة، من تصنيع شركة هاكنغ تيم (Hacking Team) الإيطالية، يبدو أنها استخدمت لاستهداف أشخاص معينين في منطقة القطيف شرقي المملكة السعودية.
وذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية أن الحكومة الإماراتية تستخدم تطبيقا للمراسلة يسمى “تو توك” على الهواتف الذكية لـ”التجسس على مستخدميه”.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أمريكيين لم تكشف عن هوياتهم أن تقييما استخباراتيا لذلك التطبيق كشف أن حكومة الإمارات تستخدمه في محاولة لتتبع كل محادثات وتحركات وصور كل من يثبّتون التطبيق على هواتفهم، معتبرة أن التطبيق يندرج ضمن “سباق التسلح الإلكتروني” بين الحكومات الاستبدادية الغنية للتجسس على الخصوم والشبكات الإجرامية والإرهابية والصحفيين والمنتقدين في العالم.