– أكثر من 3 سنوات مرت ونحن نسمع عن انتهاكات تقوم بها السعودية في محافظة “المهرة” اليمنية، هذه المحافظة التي لطالما حاولت ان تبقى خارج الصراع الدائر في اليمن، وحافظت على هدوئها الى ان قررت السعودية والامارات اخراجها عن صمتها وجر الحرب اليها وقد نجحت السعودية في تعكير صفو “المهرة” لكنها لم تنجح في ارضاخ شعبها الذي لم يعد راضياً عن الوجود السعودي هناك سواء على المستوى الشعبي أم على مستوى القيادات السياسية والعسكرية والتي وإن اختلفت فيما بينها على ادارة البلاد إلا أن إخراج قوات التحالف التي يقودها آل سعود باتت هاجسا يجتمع عليه الأفرقاء.
السعودية أدركت أنها منبوذة من قبل سكان المهرة لذلك اتجهت نحو شراء الولاءات وعندما فشلت ذهبت نحو اعتقال المواطنين بشكل تعسفي وتنفيذ انتهاكات جمة في هذه المحافظة كانت قد اضاءت عليها منظمة “هيومن رايتس ووتش”.
رفض الشعب وجنون التحالف
في بداية مايو/أيار 2018، نظّم الزعماء المحليون اليمنيون في المهرة مظاهرات سلمية ضد وجود القوات السعودية، وفي النهاية شكلوا مجموعة أطلقوا عليها “اللجنة المنظمة للاعتصام السلمي”. زعمت وسائل إعلام موالية للسعودية وصحيفة “الإندبندنت” البريطانية أن الحكومة العمانية قدمت دعما ماليا للجنة.
أثناء مظاهرة في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، قامت القوات اليمنية الموالية للسعودية بتفريق المتظاهرين في منطقة الأنفاق في المهرة بالرصاص الحي، حسبما أخبرت لجنة الاعتصام هيومن رايتس ووتش. وقال أربعة مسؤولين من الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا للرئيس عبد ربه منصور هادي، ونشطاء، وتقارير صحفية محلية في روايات غير مؤكدة، إن القوات اليمنية المتحالفة مع السعودية قتلت متظاهرَيْن اثنين على الأقل وأصابت آخر خلال ذلك الاحتجاج.
في أبريل/نيسان وأغسطس/آب 2019، نفذت الطائرات الحربية السعودية غارات جوية على نقاط التفتيش التي أقامها سكان المهرة، وفقا لسكان وتقارير صحفية محلية. لم ترد أنباء عن سقوط ضحايا. في 17 فبراير/شباط 2020، واندلعت اشتباكات بعد أن منع السكان دخول القوات السعودية في منطقة “فوجيت” في مديرية شحن، وفقا لوسائل إعلام محلية. وأفادت رسالة من المتحدث باسم لجنة الاعتصام لـ هيومن رايتس ووتش بإصابة متظاهر واحد على الأقل. وبحسب المتحدث باسم التحالف بقيادة السعودية، أصيب بعض أفراد قوات الأمن الحكومية في الاشتباكات.
انتهاكات السعودية في المهرة
لاشك بأن التحالف الذي تقوده السعودية فشل فشلا ذريعا في حربه على الشعب اليمني على المستوى العسكري كما فشل في اجبار الشعب على الرضوخ للسياسة التي كانت تسعى السعودية لفرضها في اليمن، وبينما حصدت الامارات بعض المزايا في جنوب اليمن حاولت السعودية أن تحظى بنفس الأمر وأن تتقاسم خيرات اليمن مع آل زايد عبر الدخول إلى محافظة “المهرة” الاستراتيجية والحصول على مزايا هذه المحافظة برا وبحرا وجوا، إلا أن سكان “المهرة” قضوا على أحلام آل سعود، حيث رفضوا الوجود السعودي وطالبوا بخروج القوات السعودية من المهرة على الفور.
ونظرا للرفض الشعبي نفذت القوات العسكرية السعودية والقوات اليمنية المدعومة من السعودية انتهاكات خطيرة ضد اليمنيين منذ يونيو/حزيران 2019 في محافظة المهرة، أقصى شرق اليمن. تشمل الانتهاكات الاعتقالات التعسفية، والتعذيب، والاختفاء القسري، والنقل غير القانوني للمحتجزين إلى السعودية، بحسب “هيومن رايتس ووتش”.
وقال سكان محافظة المهرة لـ هيومن رايتس ووتش إن القوات السعودية والمدعومة من السعودية اعتقلت بشكل تعسفي متظاهرين كانوا يحتجون على وجود القوات السعودية، وغيرهم من السكان المحليين غير المرتبطين بالاحتجاجات، في الغيضة عاصمة المهرة. قال محتجزون سابقون إنهم اتُهموا بدعم معارضي السعودية، واستُجوبوا وعُذِّبوا في مرفق احتجاز غير رسمي في مطار المدينة يُشرف فيه ضباط سعوديون على القوات اليمنية الموالية للسعودية. قالت عائلات المحتجزين إن القوات السعودية أخفت قسرا خمسة محتجزين على الأقل لمدة تتراوح بين ثلاثة وخمسة أشهر بينما نقلتهم بشكل غير قانوني إلى السعودية ولم تُقدم معلومات عن مكانهم.
من جهته قال مايكل بَيج، نائب مدير قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “الانتهاكات الخطيرة التي ارتكبتها القوات السعودية وحلفاؤها اليمنيون ضد سكان المهرة المحليين هي أمر مرعب آخر يُضاف إلى قائمة الأعمال غير القانونية للتحالف بقيادة السعودية في اليمن. السعودية تُضّر بسمعتها بشدة لدى اليمنيين عندما تُنفّذ هذه الممارسات التعسفية ولا تُحاسب أحد عليها”.
وقابلت هيومن رايتس ووتش أربعة محتجزين يمنيين سابقين، وإثنين من أفراد عائلات محتجزين، وأربعة أصدقاء لمحتجزين، وسبعة نشطاء يمنيين، وخمسة صحفيين، وأربعة مسؤولين في الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، ومسؤول حوثي حول الأحداث الأخيرة في المهرة. راجعت هيومن رايتس ووتش أيضا وثيقة موقّعة من مدير عام الأمن السياسي في المهرة التابع للحكومة اليمنية حول احتجاز شخص في مطار الغيضة، وفيديو قصير يصف فيه رجلاً مصاباً بكدمات شديدة بأنه تعرّض للتعذيب والاعتقال التعسفي في سجن المطار. قدم نشطاء أسماء وصور لستة محتجزين قالوا إنهم نُقلوا قسرا إلى السعودية.
وقال أربعة مسؤولين في حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف بها دوليا، ومحتجزون وناشطون سابقون لـ هيومن رايتس ووتش إن الضباط السعوديين والقوات اليمنية المدعومة من السعودية يديرون منشأة احتجاز غير رسمية في مطار الغيضة في المهرة. تُشير وثيقة تحمل ختم مكتب الرئيس هادي، مؤرخّة في أبريل/نيسان 2019، وراجعتها هيومن رايتس ووتش، إلى احتجاز شخص هناك اعتقله “الجهاز المركزي للأمن السياسي”، وهو جهاز المخابرات الداخلية اليمني.
وقال أربعة محتجزين سابقين إن ضباطا سعوديين كانوا حاضرين أثناء احتجازهم واستجوابهم في مرفق المطار. قال ثلاثة إن ضباط يمنيين عذبوهم، بحضور ضباط سعوديين، لإرغامهم على التوقيع على تعهدات بوقف الاحتجاجات ضد أنشطة القوات السعودية وحلفائهم اليمنيين في المهرة ووقف التعاون مع خصوم السعودية.
لماذا تريد السعودية كسب ولاء “المهرة”
أولاً: تتمتع محافظة المهرة بموقع استراتيجي مهم في شرق اليمن وتربطها مع سلطنة عمان حدود مشتركة، فضلا عن كونها تطلّ على المحيط الهندي، ولم ينخرط سكان هذه المحافظة في الحرب ولم يحملوا السلاح في وجه أحد لذلك جاءت قوات آل سعود لاجبارهم على الدخول في هذه المعارك واحداث بلبلة في هذه المدينة بعد أن فشلت في احراز اي تقدم في اي مكان آخر.
ثانياً: السعودية تريد مد أنابيب نفطية عبر محافظة “المهرة” ولذلك فإن السيطرة عليها والتحكم بمنافذها البحرية يعتبر أمراً مهماً، وفي حال تمكنت من مد انبوب نفطي عبر المهرة سيسمح لها هذا الأمر بالوصول إلى المحيط الهندي دون المرور بمضيق هرمز.
ثالثاً: بعد فشل تحالف آل سعود في تحقيق اي نصر عسكري وجدت المملكة أن “المهرة” مكان جيد لاحراز انتصار على المستوى السياسي أو العسكري أو الاقتصادي إلا أنه لم ينجح أي من هذه الخيارات، بفضل وعي الشعب هناك والذي يرفض اي وجود لأي قوات عسكرية بالإكراه.