مركز دراسات: القوات السعودية تهدّد الحياة في محافظة المهرة شرق اليمن

حاول تقرير صحافي، لفت أنظار العالم، إلى محافظة المهرة شرق اليمن، وما تعانيه جراء الوجود الإماراتي، وبعده السعودي، الذي حوّل المحافظة الهادئة والبعيدة عن المواجهات العسكرية إلى منطقة توتّر نتيجة الوجود العسكري السعودي الكثيف والكثير من الانتهاكات التي يقوم بها.

يقول الباحث أحمد ناجي، الذي كتب التقرير لمركز كارنيجي للشرق الأوسط،: بدأت رحلتي إلى المهرة، وهي محافظة نائية في شرق اليمن، على بعد سبع ساعات بالسيارة من مدينة المكلا جنوب البلاد، كان الطريق الساحلي، الذي ظل فارغاً إلى حد كبير، مليئاً بشاحنات صغيرة لا حصر لها تنقل الأشخاص والبضائع، وهذا دليل واضح على أن الآلاف من اليمنيين يبحثون عن حياة أكثر أماناً.

انتقل ربع مليون شخص إلى المهرة منذ عام 2015، ليصل عدد سكانها إلى 650 ألف في أوائل عام 2019، وفقًا لمعلومات مؤكدة، إذا كان هذا التقدير دقيقاً، فإن أكثر من ثلث سكانها الآن هم أصلاً من خارج المحافظة.

العديد من هؤلاء الوافدين الجدد مشردين داخلياً، هرباً من العنف في أجزاء أخرى من اليمن، لكن في حين أن المهرة بعيدة عن صنعاء، فإن الانتشار العسكري المكثف فيها يشير إلى ظهور صراع للقوى الإقليمية التي تستثمر الآن بكثافة في المنطقة.

 

تسيطر  ما تسمى بـ “النخبة الحضرمية”، التي جندتها وموّلتها الإمارات على المناطق الواقعة على طول ساحل محافظة حضرموت المؤدية إلى المهرة، وانتقلت الميليشيات المدعومة من السعودية إلى المهرة في عام 2017، وتسيطر الآن على مناطقها التسع؛ وقد أنشأت العديد من المعسكرات.

يتحدث الباحث عن مروره بعشرات نقاط التفتيش العسكرية، قبل الوصول إلى عاصمة المهرة، الغيضة،  التي تشهد احتجاجات لمواجهة “الانتقالي” المدعوم إماراتياً، وطرد قوات التحالف بقيادة السعودية من كل من المهرة وجنوب اليمن، ويطالب المحتجون السعودية بتسليم السيطرة على مطار المهرة والموانئ الرئيسية والمؤسسات الإدارية والمجتمعية.

جندّت الإمارات والسعودية الآلاف لضمان ولائهم، ولسوء الحظ هذا يؤدي إلى انقسامات داخلية بين القبائل التي حافظت تاريخياً على هويتها المستقلة داخل اليمن، وتقاسمت الخصائص الاجتماعية واللغوية والثقافية المشتركة.

جاذبية المهرة على الرغم من التوترات، إلا أن المهرة مستقرة نسبياً، وتقع على بعد 800 ميل شرق العاصمة اليمنية صنعاء على الرغم من أنها لا تضم سوى 1.3 % من إجمالي سكان البلاد، إلا أنها ثاني أكبر محافظة والشريان التجاري الرئيسي لتجارة اليمن مع عمان.

منذ الحصار الجوي والبحري والبري الذي فرضه التحالف الذي تقوده السعودية في مارس 2015، على اليمن، أصبحت المهرة شريان الحياة للتجار لاستيراد البضائع عبر المعابر والموانئ الحدودية.

 

المهرة غنية بالموارد الطبيعية، تتمتع بساحل طوله 350 ميلاً يتميز بحياة بحرية وفيرة، وتشتهر منطقتها الجبلية الخصبة في الشرق بأشجار النقرس التي تنتج اللبان والصمغ المستخدم في العطور والزيوت والبخور.

رغم أن القات، لم ينمُ في المهرة، فإنه يلعب دوراً متزايداً في الاقتصاد، ولم يعد يُعتبر أمراً مخزياً اجتماعيًا بين المهريين، ولكنه ما زال محظوراً في سلطنة عمان.

اقتصاد مزدهر لكن من هو المسيطر؟

ليس من السهل التنبؤ بمن سيستفيد في النهاية من نمو المهرة؟، حيث تتنافس القوى الإقليمية في المهرة على نفوذ القبائل اليمنية المحلية التي نأت بنفسها عن الصراع الأوسع، ولكنها عانت من حكومة وطنية ضعيفة، لقد نجحت كل قوة حتى الآن في تعزيز مصالحها.

 

الهدف الرئيسي للسعوديين هو السيطرة على شرق اليمن، لكن مصالحهم الاقتصادية المتنامية في المهرة حرضتهم ضد دولة الإمارات العربية المتحدة، التي ترغب في حماية خطوط الشحن التجارية على الساحل الجنوبي.

 في عام 2017 ، بدأ المحافظ السابق المقال من السعودية  محمد ككدة، في تنظيم أول مؤتمر سنوي لتعزيز فرص الاستثمار في المهرة، أظهر رجال الأعمال اليمنيون، وخاصة الذين يعيشون في مصر والأردن والقرن الأفريقي، اهتماماً فورياً..ولكن بعد ذلك، وبناءً على طلب السعوديين، تم اقالته واتهامه بالخيانة كونه ينتقد التدخلات السعودية في المحافظة، وعيّن بديلاً له، موالٍ للسعوديين، وهو راجح بكريت، الذي كان أول قرار له إلغاء المؤتمر.

 

منذ ذلك الحين، تبنت باكريت في المهرة سياسات سعودية، بما في ذلك ارتفاع التعرفة الجمركية، وحظر ما يقرب من 100 سلعة من دخول المحافظة حيث يدعي السعوديون أن الحوثيين قد يستخدمونها لصنع الأسلحة.

السعوديون ليسوا الوحيدين الذين يملئون الفراغ الإداري، أثناء السفر في جميع أنحاء المدينة، من الصعب تفويت العديد من اللوحات الإعلانية التي تحمل أسماء مشاريع التطوير، يتم تمويل معظمها من قبل مركز الملك سلمان السعودي والهلال الأحمر الإماراتي والجمعيات الخيرية العمانية، على الرغم من إدراجها رسمياً كمؤسسات إنسانية في اليمن، إلا أنها مرتبطة بحكومات البلدان المعنية ، وبالتالي فهي مرتبطة بسلاسل سياسية واقتصادية، حيث يدير الهلال الأحمر ضباط عسكريون.

قامت هذه المنظمات ببناء المدارس والمراكز الطبية والطرق والآبار التي تمس الحاجة إليها، لكن وفقاً لما قاله ناشط محلي، فإن الدافع وراء مشاريعهم ليس تطوير المنطقة بل توسيع نفوذهم، فالعديد من المشاريع التي تم الإعلان عنها لا تمضي قدماً. بصرف النظر عن الظهور لتلبية احتياجات المهريين الأساسية؛ تستخدم القوى الإقليمية طريقة أخرى أكثر مباشرة لتعزيز نفوذها، وفقًا لأفراد القبائل المسلحة الذين قابلتهم، خلال العامين الماضيين، جندت القوات المدعومة من السعودية حوالي 6 ألف من المهرة لكسب ولائهم.

يتم إغراء المجندين إلى حد كبير بمرتبات مرتفعة، قال رجل قابلته في الغيضة: قبل عام 2015، كنت عاطلاً عن العمل، بلا دخل، لكن عندما بدأ التحالف الذي تقوده السعودية تدخلهم في اليمن في مارس 2015 ، انضممت إلى القوات المدعومة من الإمارات العربية المتحدة، كنت من بين 2500 مجند من مختلف مناطق المهرة، وبعد ثلاثة أشهر من التدريب العسكري ، أصبحنا جزءًا من قوات الأمن في المهرة، واعتدت أن أتلقى راتبي الشهري من الإمارات العربية المتحدة، لكن منذ أن استولى السعوديون على المهرة، أتلقى الآن ما يعادل 400 دولار من السعوديين.

بالنسبة للآخرين في المهرة، لا يزال كسب العيش صراعاً، في سوق الصيد، قابلت محمود وابنه من محافظة حجة في غرب اليمن، يقول: اعتدنا أن نعمل في صيد الأسماك في مدينتي، ميدي، بالقرب من الحدود اليمنية السعودية، لكن أعمالنا اختفت عندما اندلعت المعارك ، لذلك قررنا المجيء إلى هنا للعمل في ضوء ثراء ساحل المهرة. لكن محمود وغيره من الصيادين يواجهون قيوداً مشددة، يحظر صيد الأسماك الآن في المناطق القريبة من المنشآت العسكرية السعودية، والتي لا تزال تنتشر على طول الساحل، هذا يجبر الصيادين على الوصول إلى المناطق النائية، بما في ذلك البحر الصومالي، على الرغم من أن مجتمع المهرة وبعض القبائل الصومالية تربطهم علاقات اجتماعية واقتصادية وثيقة، إلا أن صيد الأسماك في المنطقة أمر خطير.

يقول “سالم” وهو صياد من المهرة : في العام الماضي، أوقفتني سفينة هندية في وسط المحيط، ضُربت واقتادوني إلى سفينتهم، حيث استجوبوني ثم ألقوا بي في المحيط، وقد اضطررت للسباحة على بعد 300 متر من قاربي.

 

كما تقيد القوات السعودية وصول الشحن في الموانئ، وتتطلب موافقة مسبقة قبل الوصول، ما إن يتم الرسو، غالبًا ما يصعدون إلى القوارب للبحث عن المواد المحظورة، بما في ذلك أنظمة الكهرباء الشمسية والبطاريات والأسمدة.

يبدو أن الوضع ازداد سوءً منذ نشر السعوديين قواتهم في ميناء نشطون في سبتمبر 2018، ويدّعون أنهم يكافحون شبكات التهريب عبر الحدود اليمنية العمانية، لكن حتى محافظ المهرة، المدعوم  والمعين من السعودية، صرح بأنه منذ نوفمبر 2017، لم يتم القبض على أي شبكة تهريب من قبل القوات السعودية.

 

وبدلاً من ذلك، من المرجح أن السعوديين يستعدون لتجديد خطط إنشاء خط أنابيب نفط ضخم يتجاوز مضيق هرمز الخاضع لسيطرة إيران ويمتد من ساحل المهرة إلى ساحل الخرخير بالمملكة العربية السعودية – وهي خطوة من شأنها أن تعزز الأمن وتخفض تكاليف النقل إلى حد كبير- ومن بين الأدلة على نواياهم وثيقة مسربة من شركة إنشاءات بحرية إلى مسؤول سعودي وتقرير مفاده أن الفرق الهندسية تدرس آليات المشروع.

 

يوفّر منفذ شحن 3 إلى 4 مليون دولار شهرياً من إيرادات الجمارك، وفقاً لمديري المنفذ، الذي نما ليصبح أحد أكثر الموانئ البرية ازدحاماً في اليمن، إنه الآن الطريق الأكثر شيوعاً للبضائع التي تدخل اليمن وتغادره، وهي نافذة على العالم للأشخاص الذين يسعون للسفر وممارسة الأعمال التجارية مع عُمان والصين والهند.

منذ عام 2015، قامت السلطات العمانية بتخفيف ضوابط التأشيرات بشكل كبير عند المعبر، ومن المحتمل أن تكون هذه محاولة لتعزيز صورتهم من خلال تقديم بديل آمن لرجال الأعمال والطلاب والمرضى عن الطيران خارج صنعاء.

 

لسوء الحظ، تسيطر السلطات المحلية المدعومة من السعودية على المعبر، ويذهب المال بدلاً من ذلك إلى شراء ولاء القبائل المحلية، فيما لاتزال المؤسسات العامة في المهرة تعاني من عجز مالي من المحتمل أن يشهد مستقبل المهرة المزيد من المصاعب، أحد السيناريوهات، تصاعد التوتر، حيث تواصل المملكة العربية السعودية توسيع سيطرتها على مناطق المهرة، مع مقاومة عُمان للوجود العسكري بالقرب من حدودها، وقد يندلع القتال الذي يمكن أن يقلل بشكل كبير من الاستثمارات.

في الوقت الحالي، لا يزال الصراع السعودي الاماراتي شرق اليمن في الظل وقد يستغرق الأمر وقتًا حتى تنتشر الإغاثة من المناطق التي مزقتها الحرب في اليمن.

 

على المدى الطويل، لن يتحقق السلام الدائم والتنمية في المهرة إلا من خلال دولة قوية وعودة المهرة الى حظن اليمن، بعيداً عن التدخلات الخارجية .

قد يعجبك ايضا