الحديدة:طفولة ضائعة على قارعة الطريق
على قارعة الطريق الممتدة من الحديدة إلى صنعاء، يقف طفل في الثانية عشر من عمره، حاملا في إحدى يديه إناء فيه ماء وصابون، ويلوح بيده الأخرى لسائقي السيارات والشاحنات بغية غسلها ليجني من وراء ذلك قليلا من النقود يجابه بها مشاق الحياه.
منذ أكثر من عام والطفل ” سالم محمد” ينصب أحلامه على قارعة الطريق وتحديدا في الأطراف الشرقية لمدينة (باجل)، أملا منه في توفير لقمة عيش كريمه، بينما المخاطر تحدق به وأصبحت حياته في مهب العنف كالحوادث التي تسببت في الإعاقة لكثير من أقرانه.
يروي سالم ل”الحديدة نيوز” تفاصيل محزنة لقصة كفاحه الذي اختطه في القيام بأعمال شاقة وسط قسوة حرارة الشمس والعنف الجسدي والنفسي الذي يتعرض له، وهو مجبر على ذلك كما يقول، بعد ان تخلى عن مدرسته في قريته الريفية واتجه نحو العمل في سبيل مواجهة متطلبات الحياة القاسية.
ويضيف ” اقوم يوميا بتعبئة السطل من حنفية المسجد وأقف على الخط انتظر الشاحنات والسيارات التي تتوقف للراحة أو تناول وجبة الطعام في المطعم أو من يقصدون سوق القات واعرض على السائق في مسح زجاج السيارة او الشاحنة لتنظيفها واتقاضى على ذلك 200 ريال او 300 ريال وهكذا طول اليوم، فكثير من السائقين يرد علي بقبول عرضي بينما أخرون يرفضون طلبي مستكثرين علي النقود الزهيدة التي أتقاضها.
ويواصل حديثه أضل اعمل واستجدي السائقين حتى يأتي الليل ألتجأ إلى جوار هذا المسجد- مسجد يقع بالقرب من عمل الطفل سالم- افترش كرتونا وأنام عليه وابقى طيلة الليل أتفزع خصوصا مع وجود المجانين ومن لا يخافون الله وهكذا اقضي نهار يومي في العمل وراحتي الليلية التي تخلو من مقومات الراحة.
سالم كغيره من مئات الأطفال الذين اتجهو إلى سوق العمل، بعد أن دفعتهم ظروفهم الصعبة إلى خارطة خط الفقر كضحايا انهكتهم الحرب, حيث يزاول الأطفال مهن شاقة تضر بصحتهم وأجسادهم الصغيرة كالعاملين في ورش اللحام والكهرباء والمبيدات الزراعية التي تؤثر على الجهاز التنفسي, وحمل الاثقال على أجسامهم التي لا تتناسب مع طبيعة العمل, الذي أصبح بداً منه ومجبرون على ذلك لمجابهة متطلباتهم اليومية.
ويتطرق “سالم” إلى الأسباب التي دفعت به إلى العمل بقوله ” لا يوجد عائل لأسرتي التي تتكون من 2 اولاد وثلاث بنات وأمي بعد ان فقدنا والدنا قبل ثلاث سنوات فاضطريت لترك الدراسه التي وصلت فيها إلى الصف الخامس وكنت من الأوائل على مستوى فصلي الدراسي لكن ظروفنا المعيشية أجبرتنا على ترك الدراسة والبحث عن عمل يسد رمق اسرتي واحتياجاتنا اليومية.
ويجوب مئات الأطفال أزقة المحافظة ومديرياتها يومياً للعمل مقابل مردود يومي لا يتجاوز 500 ريال، وغالباً ما يكون ذلك المبلغ الصغير، المختلط بألم الطفولة الضائعة، من نصيب الأسرة التي تنتظر عودة الأب الصغير مساء كل يوم.
ورغم عدم وجود إحصائية رسمية لعمالة الأطفال، إلا أن الاحصائيات غير الرسمية تشير الى وجود نحو 50 ألف طفل في شوارع المدن اليمنية من بينها محافظة الحديدة، العدد الأكبر منهم يعمل في بيع البضائع الرخيصة بحثاً عن لقمة العيش له ولأفراد اسرته خصوصاً بعد ان اصبح مردود رب الاسرة بمفرده لا يتناسب مع متطلبات اسرته من الاحتياجات اليومية بعد ارتفاع الاسعار وتوقف الكثير من الشركات الكبيرة التي تستوعب مئات العمال, الذين اصبحوا في طوابير البطالة.
لا شيء متاح من أحلام الطفولة في اليمن، فكل شيى أصبح في قطيعة مع الحياة ولا ذنب لهم سوى أنهم ابناء بلد انهكه الحرب والعدوان وأصبح غالبية سكانه طوابير على عتبة الفقر، ينتظرون آمالا واحلاما ذهبت في مهب الريح ولم تعد بعد.