لماذا يتعامى العالم عما يجري في البحرين؟؛ هذا هو السؤال الأكبر الذي يُطرح من قبل جميع النشطاء في العالم والعديد من وسائل الاعلام العالمية دون الحصول على اي اجابة أو حتى دون اي تحرك لحماية المدنيين الذين يتم تعذيبهم واختطافهم، ناهيك عن التمييز الديني والتحرش الجنسي الذي يتعرض لها السجناء وفقا لشهادات من قبع في هذه السجون المظلمة، ومؤخرا تناولت صحيفة إندبندنت البريطانية في تقرير لمراسلتها مايا أوبنهايم ظروف الاعتقال في سجن “مدينة عيسى”.
تقرير أوبنهايم كان صادماً لقساوة المشهد الذي وصفه هذا التقرير داخل سجن النساء في “مدينة عيسى” وحجم اللانسانية التي يتعاطى بها نظام البحرين مع المعتقلين من ابناء بلاده، وسلطت الكاتبة الضوء على قضية المعتقلة البحرينية هاجر منصور وظروف احتجازها التي وصفتها بغير الإنسانية. ونشرت الصحيفة كذلك شهادة مدينة علي، وهي معتقلَة سابقة أفرجت عنها السلطات البحرينية حديثا، وقالت إن تجربة السجن كانت قاسية ومأساوية.
وروت الكاتبة قصة هاجر البالغة من العمر 51 عاما والموقوفة منذ نحو ثلاث سنوات في سجن مدينة عيسى سيئ السمعة بسبب النشاط السياسي لصهرها في الخارج. وتنقل عن منصور كيف أنها تظل محتجزة في زنزانتها لمدة تقارب 24 ساعة في اليوم، وتمنع عنها زيارة أطفالها أو الحديث مع السجناء الآخرين. حتى ان الحرس رفضوا لعدة أشهر أن يخبروها إذا كانت نتائج فحصها للثدي تظهر أنها مصابة بالسرطان أم لا.
وتفصِّل الصحيفة مأساة النزيلات المريضات في رواية هاجر التي تقول: إنها عندما وجدت الورم في صدرها في أغسطس (آب) 2018، رفض ضباط السجن في البداية نقلها إلى المستشفى، ولم تتمكن من إجراء الاختبارات، بما فيها تصوير الثدي بالأشعة السينية، إلا بعد نداء من منظمة العفو الدولية.
وأبلغت السيدة هاجر بأن الورم ليس سرطانيًا، على حد قولها، غير أنهم رفضوا أن يعطوها نسخة من النتائج، ثم رفضت السلطات منحها المتابعة المطلوبة لإجراء اختبارات على الرغم من توصية الطبيب.
الحماية والدور البريطاني
في مدينة عيسى يجرى تدريب المسؤولين المكلفين بالإشراف على هذه الظروف باستخدام الملايين من أموال دافعي الضرائب البريطانيين، على الرغم من مزاعم بأنهم قاموا بالتستر على التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان. حالات مثل هاجر هي التي دفعت النشطاء إلى المطالبة بإنهاء التمويل في المملكة المتحدة.
تتسم مدينة عيسى، وهي منشأة الاحتجاز الوحيدة للنساء في البحرين، بشكلها الخارجي الخرساني الأبيض والأملس. داخل أسوارها يتحدث السجناء عن ظروف معيشية غير صحية وأطعمة تنتشر فيها الحشرات.
معاملة غير انسانية وحرمان من العلاج
تقول هاجر، وهي أم لخمسة أطفال: “هذه معاملة غير إنسانية بالمرة. أنا أظل داخل الغرفة لمدة 24 ساعة تقريبًا. إذا غادرت غرفتي، يكون هناك ضابط دائمًا يسير ورائي خطوة بخطوة ولا يتركني وحدي”. وتضيف: “يحبسوني في الغرفة طوال اليوم تقريبًا بدون أي شيء على الإطلاق لأشغل نفسي به. لا أستطيع استقبال زيارات من أولادي. أنا حتى ممنوعة من التحدث إلى السجينات البحرينيات الأخريات”.
والبحرين هي واحدة من أقدم حلفاء المملكة المتحدة في المنطقة الخليجية على الرغم من كونها “واحدة من أكثر دول الشرق الأوسط قمعا” وفقًا لمنظمة فريدوم هاوس الأمريكية غير الحكومية. وتقول وزارة الخارجية إنها تراقب الوضع عن كثب، وأثارت قضية هاجر مع الحكومة البحرينية.
وتعد الناشطة النسائية “مدينة علي” من بين الأشخاص الذين يطالبون باتخاذ المزيد من الإجراءات، وكانت تتقاسم زنزانة أثناء الاعتقال مع هاجر، وأفرج عنها في نهاية العام الماضي بعد أكثر من عامين في مدينة عيسى.
في حديثها إلى الإندبندنت في أول مقابلة لها منذ مغادرتها السجن، قالت مدينة: إنها عانت من “معاملة قاسية للغاية” طوال فترة عقوبتها. وتضيف أن الحرس، بقيادة الرائد المسؤول عن المنشأة، اعتدوا جسديًا عليها هي وزميلتها في الزنزانة، هاجر، في سبتمبر (أيلول) 2018.
وتنقل الصحيفة عن مدينة قولها : “بعد حرماننا من المشاركة في الشعائر الدينية، تعرضنا للعقاب والضرب. لكمني رئيس السجن ظهري وظل الألم الناتج عن ذلك لعدة أيام. كنت في حالة من الصدمة والألم. لأسباب غير ذات صلة، كنت قد أصبت بنزيف في الرحم استمر لأكثر من شهر، وعلى الرغم من الطلبات المتكررة لعرض حالتي على طبيب أو طبيب متخصص، رفضوا طلبي وكان على أن أتعايش مع معاناتي وبؤسي”.
وتقول إنها مُنعت أيضًا من التحدث إلى سجناء آخرين ومنع أقاربها من زيارتها مرات متعددة خلال فترة وجودها في السجن.
كانت مدينة، التي شاركت في الاحتجاجات السلمية الداعية إلى المساواة في الحقوق والتغيير الديمقراطي في البحرين، تقود سيارتها للعمل في اليوم الذي أخذت فيه إلى سجن مدينة عيسى في عام 2017.
وفي الشهر الماضي أثارت الأمم المتحدة مخاوف جدية بشأن الوضع في سجون البحرين ومعاملة هاجر ومدينة، في خطاب وقعه ثمانية خبراء من الأمم المتحدة.
يقول حسين عبد الله، المدير التنفيذي لمنظمة الأمريكيين من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين إن هاجر لا تزال “قيد الاعتقال التعسفي” وأنها “تخضع لمعاملة قد ترقى إلى مستوى التعذيب”.
تُركت هاجر مصابة بكدمات في كل أنحاء جسدها، وأدخلت المستشفى بعد تعرضها للاعتداء على أيدي حراس السجن في سبتمبر (أيلول) 2018. وقع الاعتداء بعد أيام قليلة من قيام صهرها بإطلاع نواب البرلمان في المملكة المتحدة على سوء معاملة السجينات في البحرين، بحسب التقرير.
وسبق لمنظمة العفو الدولية أن حثت السلطات في مدينة عيسى وجميع مرافق الاحتجاز الأخرى في البحرين على الالتزام بالقانون الدولي لحقوق الإنسان في طريقة تعاملهم مع المعتقلين والسجناء.