العملية التعليمية في اليمن.. بين المشكلة والمهمة الوطنية

العدوان والحصار الجائر تسبب في تعطيل طباعة الكتاب المدرسي وتدمير التجهيزات والمباني المدرسية
المعلّم محور العملية التعليميَّة ودوره يجب أن يتعدى التلقين
عدم تطوير وتحديث المناهج وأساليب التدريس أصاب العملية التعليمية بحالة من الجمود
التعليم هو الاستثمار الحقيقي والرافد الأساسي لأي نهوض حضاري
الزواج المبكر سبب رئيسي لتسرب الفتيات من مراحل التعليم المتقدمة
الاستعانة بمتطوعين في التعليم ضرورة مؤقتة لتستمر العملية التعليمية

يعدّ التعليم من أهم عوامل رقي المجتمعات وتقدمها، وهو رمز لتقدم الأمم، فإذا أردت أن تعرف مدى تقدم أمّة من الأمم فانظر إلى مدى اهتمامها بالتعليم.
بالتعليم نشأت الحضارات وتقدمت الحياة في جميع المجالات والتعليم ضرورة من ضروريات الحياة التي لا غنى عنها، فهو الدواء لداء الجهل والأمية فلا سبيل لتقدم أي مجتمع ورقيه إلا بالعلم.
في جولة استطلاعية للرأي عن العملية التعليمية في اليمن المشكلة والحل.. خرجت “الثورة” بحصيلة من الآراء والمقترحات أُجملت وبتصرف فيما يلي:

الثورة / يحيى محمد الربيعي

مناهج ملائمة
شخصيات اجتماعية وسياسية اعتبرت – وفي تناولات مختلفة – أن مسببات تأخر وفشل العملية التعليمية في اليمن متعددة منها الفساد الموجود في أجهزة الدولة منها الوزارات المتعلقة بذات الصلة والمعايير الحزبية والمذهبية والمناطقية الضيقة، علاوة على الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المجتمع اليمني.. كما أن عدم تطوير وتحديث المناهج وأساليب التدريس المستخدمة في المدارس والجامعات قد أصاب العملية التعليمية بحالة من الجمود بل حوَّل التعليم إلى مجرد عملية روتينية أو إسقاط واجب على مستوى الجهات المعنية بإدارة العملية التعليمية رسميا وأهليا ناهيك عن المعلم والطالب.
وأكدت التناولات ضرورة أن تتضافر الجهود لحل مشكلة التعليم في اليمن الذي يعد التحدي الأكبر من خلال تعاون المجتمع ابتداء بالتعريف بأهمية التعليم ودوره في نهوض المجتمعات، إلى جانب تعاون القطاعين العام والخاص للنظر في المناهج التي تدرس في المدارس والجامعات والمعاهد والعمل على إنشاء لجان مشتركة من قبل مختصين وباحثين للنظر في كيفية الوصول إلى مناهج ملائمة تفيد في الحاضر والمستقبل.
الاستثمار الحقيقي
وتناول فريق آخر من المهتمين والناشطين العملية التعليمية من الناحية الإدارية بالإشارة إلى ما تحتاجه العملية التعليمية من إدارة حكيمة تستطيع أن تنتشلها من الوضع الذي آلت إليه كون التعليم هو الاستثمار الحقيقي والداعم والرافد الأساسي لأي نهوض حضاري على مر التاريخ الانساني، وليس من الخسارة أن يتم تقديم دعم العملية التعليمية على باقي الاستثمارات أن التعليم يعد خطوة أولى لأي نجاح وفي أي مجال.
محذرين من أنه إذا استمر الحال على ما هو عليه لا يوجد مدرس منتظم ولا إدارة ناجحة ولا كتاب متوفر ولا مبان مجهزة ولا متابعة ولا تفتيش ولا رقابة ولا اهتمام ولا ولي امر متابع ولا طالب مهتم، فإن كل تلك الأسباب هي التي ستجعل التعليم عملية فاشلة.
الطابع التقليدي
ناشطون في مجال المرأة والطفل بدورهم رأوا أن المجتمع يلعب دوراً سلبياً في التعامل مع قضية التعليم، وتعليم الفتاة خاصة، فعلى سبيل المثال نجد في مناطق يغلب عليها الطابع التقليدي والقبلي أن تعليم الفتاة غير مرحب به.. وفي مناطق أخرى نلاحظ أن تسرب الفتيات يزداد كلما اتجهنا من الصفوف الدنيا إلى الصفوف العليا بسبب مشكلة الزواج المبكر.. وهناك الظروف الاقتصادية المتدنية التي تواجهها الكثير من الأسر.. الأمر الذي يجعلها تدفع بأبنائهم الذكور للعمل وكسب الرزق وهذا واحد من أسباب تسرب الذكور من التعليم.
فراغ مطبق
كما أن المعلمين يعانون من أزمة معيشية حادة بسبب كارثة انقطاع صرف الرواتب التي تسبب فيها العدوان، وعجز كثيرون منهم عن توفير بدل مواصلات للحضور إلى مدارسهم، الأمر الذي اضطر حكومة الانقاذ إلى الاستعانة بمتطوعين لا خبرة لهم في التعليم، فقط لتستمر العملية التعليمية، وإن توفرت فإنها في الواقع مختلة بقوة، ولا يحصل التلاميذ في أغلب المدارس إلّا على أقل من نصف الحصص اليومية، ويقضون ما تبقى من الوقت في حالة فراغ مطبق، وهو ما يدفع باتجاه التسجيل في مدارس التعليم الأهلي (الخاص) المستقر نسبياً مقارنة بالمدارس الحكومية.
وهناك سعي لمعالجة التحديات التي تواجه العملية التعليمية من خلال حشد جهود كافة الجهات المعنية الرسمية والشعبية خاصة في ظل استمرار العدوان والحصار الجائر وانعكاسات ذلك على العملية التعليمية والمتمثلة في: عدم “صرف مرتب المعلم، طباعة الكتاب المدرسي، التجهيزات وتدمير المباني المدرسية”.
خارج الخدمة
وعن واقع التعليم بالأرقام تفيد تقارير حديثة لوزارة التخطيط في صنعاء ومنظمة “يونيسف” عن وجود مليوني طفل خارج المدارس من إجمالي 7.3 مليون طفل في سن التعليم، وأن 513 ألف طفل من هؤلاء في عداد النازحين الذين يعتبرون أقل الفئات قدرة على الحصول على فرصة تعليم. وأن 2.3 مليون طفل يحتاجون إلى المساعدة للحصول على التعليم.. الأمر الذي اضطر بعض الأطفال لممارسة العمل لمساعدة أسرهم في توفير متطلبات المعيشة الضرورية.
المسح الوطني لرصد الحماية الاجتماعية 2013م (أي قبل انقطاع الرواتب الحكومية عن 1.25 مليون موظف)، قال: منع الفقر 37% من إجمالي الأطفال خارج المدارس من مواصلة التعليم.
وبحسب تقرير منظمة اليونسكو حول التعليم للجميع 2017، فإنّ 2 في المائة فقط من تلاميذ الشريحة الأفقر في اليمن واصلوا تعليمهم بعد الثانوية، مقابل 20% من تلاميذ الشريحة الأغنى.. وبلغت نسبة الأمية في البلاد 34% ، بينما ترتفع في أوساط الإناث إلى 74%.
ويقول تقرير لمنظمة اليونيسف بعنوان “أطفال اليمن… السقوط في دائرة النسيان”: أنّ 350 ألف طفل يمني فقدوا فرصهم التعليمية بسبب الحرب, وأن 1812 مدرسة خارج الخدمة بسبب التدمير الكلي لـ246 منها، والجزئي لـ1396 مدرسة، واستخدام 147 مدرسة لإيواء النازحين في بعض المناطق.. ووصل عدد المدارس التي تعرضت لقصف التحالف إلى 2621 مدرسة، منها 260 مدرسة دمرت كلياً.
تقرير اليونيسف يذكر أيضاً أنّ هناك 1.6 مليون طفل نازح من إجمالي 3 ملايين نازح بسبب الحرب، وأنّ أكثر من 1246 طفلاً قتلوا جراء العدوان والحرب الظالمة.
هذا ويشير تقرير صادر عن وزارة التخطيط في صنعاء إلى أنّ متوسط نصيب الفرد داخل أسر المعلمين من الدخل وصل إلى 1.2 دولار أميركي في اليوم الواحد، وهو أدنى من مستوى خط الفقر (1.9 دولار). ومع انقطاع الرواتب طوال هذه الفترة أصبح هذا الدخل المتدني غير متاح، فلجأ كثير من المعلمين إلى ممارسة أعمال يدوية لكسب لقمة العيش لأطفالهم، كالعمل في البناء بأجر يومي، أو باتوا باعة متجولين، بعدما نفدت مدخراتهم، مع العلم أنّ ضعف الراتب الحكومي لا يسمح بالادخار أساساً.
مهمة وطنية
إن تفعيل الدور التربوي والتعليمي للدولة هو إنعاش لدور المواطنة في كافة مجالات التفاعل الحياتي.. وإعداد وتطوير الاستراتيجية التربوية مهمة وطنية وضرورة مُلحة غايتها الوصول إلى نقطة التوازن التنموي الحقيقي.
والاضطلاع بهكذا مهمة أمر يتطلب تغييرات داخلية حقيقية في النظام السياسي والاقتصادي، واستغلال الموارد من خلال تطوير الآليات الإدارية وبناء نسيج اجتماعي داخلي متناغم ديمقراطي حر وملتزم بقيم وثقافة قومية متكاملة يتواصل عبر وسائل نقدية وإعلامية وتوعوية محترفة.
وسائل تستخدم لغة مقبولة تعبِّر عن رؤية مستقبلية جذابة تحترم المصالح المشروعة وتعمل على رعاية الكفاءات ذات الطموح العلمي الذي ينطلق من قاعدة بيانات واضحة تحدد طرق التداخل وحدودها في التفاعلات وتحمي وتعزز روح التعاون عبر تفعيل عوامل وحدة الدين، والحضارة، والتراث، واللغة، والتاريخ، من أجل خلق أجواء التعايش التي تتحقق معها فرص الازدهار والاستقرار العام والحفاظ على هوية اليمن الموحد.
لغة تصقل شخصية الأفراد وتربيهم على محاسن الأخلاق.. لغة تمضي بالمجتمعات قدماً نحو التقدم ومواكبة كل ما يستجد من تطورات، لأن تحقيق الرفاهية والحياة الكريمة للأفراد والأسر والمجتمعات هدف لا يتحقق بدون التخلص من براثن الجهل والتعصب والقضاء عليهما.
الحديث عن العملية التعليمية والتربوية في اليمن يضعنا أمام حقيقة مفادها: لم تستطع السياسات التعليمية المتتالية الاستفادة – على مدار عقود الثورة اليمنية سبتمبر واكتوبر، من وضع تصور موحد لأهداف التعليم، أو الاتفاق على أولويات تحقيق هذه الأهداف، بل ولم تحاول السياسات التالية استكمالها والبناء على ما قبلها، وكأنها تبدأ من الصفر.
كما أن ضعف المشاركة الشعبية والمحلية وذوي الخبرة وأصحاب الرأي في وضع السياسة التعليمية قد نتج عنه عدم وجود مناخ مناسب يعمل على صياغة سياسة تعليمية تربوية سليمة.
إضافة إلى ذلك عدم الربط بين سياسة التعليم والسياسة العامة للدول، حيث أن معظم قوانين التعليم ترتبط بمزاج فئة حاكمة أو بشخص حاكم مستبد يجعل العملية التربوية ملغمة بثقافة الكراهية.
علاوة على ذلك نلاحظ أن كثرة المواد الدراسية التي يتضمنها المنهج الدراسي الحالي ترهق الطالب وتقتل روح الإبداع لديه، ان لم تؤد إلى نفوره من التعليم بشكل عام، فضلا عن أن هذا النوع من المناهج يحصر دور المعلم التعليمي والتربوي على التلقين بل إن ما يظهر الجمود في المنهج والطريقة هو غياب وجهات نظر المعلمين، وأولياء الأمور، والطالب الذي يعتبر الطرف والمحور المهم في العملية التعليميَّة.
إنّ دور المعلّم يجب أن يتعدى التلقين بكثير، فهو ينبغي أن يكون المشرف والمتابع والمربي، والصديق للطالب، فنجاح الطالب هو نجاح للمعلّم.
صحيح أن تطوير العملية التربوية من خلال المناهج عمل متشابك الأزمنة والجهود والمجالات، فتطوير المنهج ليس وقفاً على زمان أو مكان، ولا على إنسان دون آخر، كما أن تنفيذه قد يختلف من مكان إلى آخر، بحسب مقتضيات الواقع المحيط بهذا المكان أو ذاك، طبيعياً واجتماعياً واقتصادياً.
ما يعني أن غاية تطوير المناهج هدف يستدعي وجود إطار ضابط وموجه، يشكل قاعدة محلية للإشراف والرقابة والمتابعة.. إطار يتألف من كافة جزئيات المكون العقائدي الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وفي كل الاتجاهات.. إطار وطني عام يوجه كل المدخلات المتعددة صوب غاية مشتركة واحدة وموحدة الهدف.. إطار له استراتيجية تمتاز بالمرونة والتنوع واستيعاب كل ما يتطلبه تفاعل الإنسان اليمني مع عصر السرعة، وبما يتوافق مع العالم الذي يصغر كل يوم.. إن المنطلقات العامة لتطوير مناهج التعليم العام يجب أن تستوعب هذه المفاهيم كمرجعية لكل العاملين في تطوير المناهج وفي تنفيذها، وللقائمين على متابعة ومراقبة العملية التعليمية وتقييم الأداء.
وتطوير المناهج بالانتقال إلى طرق حديثة للتعليم يتطلب التركيز على وضع تدابير علمية وموضوعية من شأنها تشجيع الطالب على الإبداع من خلال تكثيف الأنشطة البحثيَّة التي يقوم بها منفردا، وتلك التي تأخذ جانباً تنافسياً بين الطلاب.
ذلك أن إكساب الطالب قدرة عالية على التعبير عن رأيه في الأمور الأكاديمية والحياتيَّة التي تواجهه شخصيا وتواجه محيطه، ومن ثماره بلورة وصياغة شخصيّة الطالب بشكل شمولي يشمل الجانب العقلي، والنفسي، والانفعالي.. كما أن إحداث التقدم والتطوّر في طرق التعليم يتيح للطالب المشاركة الفاعلة في العملية التنموية من خلال ما يتهيأ له من ظروف وفرص للبحث والابداع والابتكار والاستكشاف.

قد يعجبك ايضا