الأوبئة.. حصان العدوان السريع والرابح

بمعية العدوان تتناوب عدد من الأوبئة على قتل اليمنيين، كالكوليرا والدفتيريا وإنفلونزا الخنازير والضنك، وأخرى مجهولة لم تعرفها البلاد سابقا ولم يعرف لها الأطباء في اليمن اسماً، وربما يتكفل الأهالي بالتسمية كما هو الحال مع الوباء الغريب المتفشي في عدن والحديدة، والذي يطلق عليه «المكرفس».

كل وباء يبشر بخليفة من بعده

الغريب والمثير للشك في هذه الأوبئة الفتاكة أنها تنشط فجأة وتختفي تارة ثم تعاود ظهورها في مناطق أخرى أو في المنطقة نفسها لاحقاً، وكلما تخلصنا من وباء قاتل جاء أخر، وكل وباء تتم محاصرته أو السيطرة عليه يبشر بخليفة من بعده، والبديل دائما جاهز، وباء فيروسي أو بكتيري معروف أو غير معروف، يتم ابتكار اسم له، وتصنيفه شبيه سارس أو ابن عم إنفلونزا الخنازير أو المكرفس أو شبيه فيروس غرب النيل.

تحول اليمن إلى بيئة للأمراض والأوبئة، ولا توجد إحصائيات دقيقة وشاملة لضحايا الأوبئة في 2019م، وهو انعكاس للوضع العام الذي يعيشه البلد نتيجة العدوان الذي تسبب بتعطيل وشلل 50% من المنشآت الطبية.

أبرز الأوبئة التي انضمت إلى العدوان في حصد أرواح اليمنيين كانت الكوليرا وحمى الضنك والدفتيريا وإنفلونزا الخنازير والحمى الفيروسية.

أرقام متناقضة

رحل العام 2019 مخلفا في اليمن ضحايا وأرقاماً متناقضة في عدد الوفيات، فإحصائيات وزارة الصحة لا تتوافق مع إحصائيات الصليب الأحمر، وهو الآخر لديه إحصائية لاتتطابق مع منظمة الصحة العالمية التي لديها إحصائيات تتناقض مع منظمة أطباء بلا حدود، ومكاتب الصحة في المحافظات لديها إحصائيات مغايرة، أما المحافظات المحتلة فهي بلا إحصائياتـ والجهات المسؤولة هناك لا تمتلك معلومات وسط غياب كلي لمؤسسات الدولة، والوفيات هناك مجرد أرقام ترجيحية لمصادر طبية.

الكوليرا:

تعد القاتل الأول لليمنيين في 2019، وهي وباء يسبب إسهالاً حاداً يمكن أن يودي بحياة المريض خلال ساعات إذا لم يتلق الرعاية الصحية اللازمة، وتعد الموجة الثالثة من الوباء التي ضربت اليمن في العام المنصرم، هي الأسوأ في التاريخ.

ورصدت وزارة الصحة في حكومة الإنقاذ بصنعاء، 872 حالة وفاة بالكوليرا، و654747 حالة يشتبه إصابتها بالوباء، منذ مطلع 2019م وحتى نهاية سبتمبر الماضي.

وبالنسبة لإحصاءات منظمة الصحة العالمية، فقد بلغ عدد المصابين بالمرض والمشتبه في إصابتهم، منذ مطلع العام المنصرم وحتى سبتمبر الماضي، 696 ألفا و537 شخصا، وعدد الوفيات 913.

الضنك:

الوباء الثاني القاتل في اليمن خلال 2019م، هو حمى الضنك، التي تنتقل إلى الإنسان عبر البعوض المتكاثر في المياه الراكدة، وهو مرض فيروسي.

وقالت منظمة «سيف ذا شيلدرن»، الثلاثاء الماضي، إن «78 طفلاً، تحت سن 16 عاما، لقوا حتفهم بسبب انتشار مرض مرتبط بحمى الضنك، في العام 2019م، كما تم تسجيل أكثر من 52 ألف حالة اشتباه بالإصابة بالمرض في أنحاء البلاد».

وذكرت المنظمة أن 192 شخصاً لقوا حتفهم في اليمن، العام الماضي، بسبب أمراض مرتبطة بحمى الضنك، وكانت معظم الحالات في مدينتي الحديدة وعدن، وسجلت الحديدة ثاني أعلى عدد وفيات في البلاد، إذ توفي فيها 62 بالغا وطفلا في 2019.

سبق أن أعلنت السلطات الصحية، في المناطق الخاضعة لسيطرة القوى الوطنية في منتصف نوفمبر الماضي، حالة الطوارئ الصحية لمواجهة تفشي حمى الضنك في محافظات (الحديدة، حجة، ريمة، المحويت، تعز، إب، وصعدة).

وقبل أيام، قالت وزارة الصحة بصنعاء بأن حالات الاشتباه بحمى الضنك خلال 2019م، بلغت 65 ألفا و747 حالة، توفيت منها 245 حالة، خلال الأشهر الثلاثة الماضية (أكتوبر ونوفمبر وديسمبر).

وكانت السلطات الصحية في محافظة الحديدة، أعلنت مؤخرا، عن وفاة 33 شخصاً بحمى الضنك وإصابة أكثر من 3000 آخرين، منذ مطلع أكتوبر وحتى 18 نوفمبر الماضيين.

فيما أعلنت منظمة أطباء بلا حدود، في أكتوبر الماضي، في بيان لها، عن ارتفاع عدد الحالات المشتبه بإصابتها بحمى الضنك في مدينة عبس بمحافظة حجة، حيث تم تسجيل 900 حالة خلال 6 أسابيع.

ومطلع الشهر المنصرم، أعلنت السلطة المحلية بمديرية ناطع في محافظة البيضاء، حالة الطوارئ بعد تسجيل 30 إصابة بحمى الضنك وحالة وفاة واحدة خلال أسبوعين.

في نوفمبر الماضي، قال رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر روبير مارديني، إن هناك تقارير عن إصابة أكثر من 3500 شخص.

وأضاف: «يعتقد أن 50 شخصاً في مدينة الحديدة قضوا بهذا المرض بين أواخر أكتوبر وأوائل نوفمبر، وأكثر من 2000 شخص مصاب»، وتابع: «إن السيطرة على هذا الوباء تشكل تحدياً كبيراً».

أما بالنسبة للمحافظات المحتلة، فلم يكن هناك إحصائيات دقيقة بسبب ما تشهده من غياب كامل لمؤسسات الدولة، وكان نصيب الأسد من حمى الضنك لمحافظة تعز، التي انتشرت فيها بشكل كبير، وسط انفلات أمني وسيطرة العصابات المسلحة على وسط المدينة التي تفتقر إلى أبسط الإمكانات والمستلزمات الطبية.

فقد بلغ عدد المصابين بحمى الضنك في تعز، منذ مطلع يناير وحتى نوفمبر الماضيين، 7990 شخصاً، توفي منهم 10 أشخاص، بحسب مصادر طبية.

وفي عدن المحتلة قال مصدر طبي إن 11 شخصا توفوا بسبب حمى الضنك، وأكد أن هذا الرقم هو مجرد ترجيح، لأن وزارة الصحة في حكومة المرتزقة هناك لا تملــك معلومات ولا إحصائيات.

ومطلع نوفمبر الماضي، قال مصدر في مكتب الصحة بمديرية الجوبة، التابعة لمحافظة مأرب، إنه تم تسجيل 486 حالة إصابة مشتبه بها بحمى الضنك في المديرية منذ مطلع 2019م.

وفي منتصف ديسمبر الماضي، قال مصدر طبي في محافظة شبوة، إن عدد الوفيات بسبب حمى الضنك في مديرية بيحان ارتفع إلى 8 حالات، بينهم 3 أطفال، خلال أسبوعين.

وأشار إلى أن عدد الحالات التي رصدها مكتب الصحة بالمديرية خلال الأشهر الثلاثة الماضية، بلغ أكثر من 224 حالة مصابة بالضنك، وتم تأكيد 81 حالة منها عبر فحوصات في محافظة حضرموت.

إنفلونزا الخنازير (H1N1):

توالت الأوبئة والأمراض في 2019م، ومنها وباء إنفلونزا الخنازير (H1N1)، الذي يصيب الجهاز التنفسي، وتزداد خطورته في موسم الشتاء، وهو فيروس سريع الانتشار.

قال ناطق وزارة الصحة بصنعاء يوسف الحاضري، نهاية الشهر المنصرم، إن عدد حالات الوفاة بهذا الوباء 42 حالة خلال الشهرين الماضيين.

ولم تنشر إحصائيات عن عدد ضحايا هذا الوباء في المناطق المحتلة، باستثناء ما كشفه مصدر طبي، عن تسجيل 5 وفيات خلال الأسبوع الأول من الشهر المنصرم، ويعد رقماً صغيراً جداً بالوباء المستفحل في محافظة تعز، والذي مازال حتى اليوم يفتك بأبناء مديريات المحافظة.

«المكرفس» وفيروسات جديدة

خلال العام 2019م، تم تسجيل ظهور فيروسات غريبة لم يعرفها البلد من قبل، كالذي ظهر مؤخرا في محافظتي عدن والحديدة.

وباء فيروسي ينتقل عن طريق البعوض، ويجعل المصاب به يشعر بفتور وحمى شديدة وآلام في المفاصل، ويعيقه عن الحركة، وهو وباء غريب لم يعرف الأطباء له اسما، فتكفل الأهالي بتسميته بـ«المكرفس»، حيث يتسبب بتشنج الأرجل وكرمشتها، وينتشر الوباء حاليا في مدينة عدن، ولا توجد إحصائية هناك بعدد الوفيات، فيما عشرات الحالات استقبلها مستشفى السعيدي في السيلة بعدن، خلال الأسبوع الماضي.

ويذكر أن المرض ظهر لأول مرة في محافظة الحديدة التي اجتاحها بشكل كبير، وارتفع عدد الوفيات بسببه إلى 14 حالة.

محافظة تعز هي الأخرى ظهر فيها وباء غريب يسمى فيروس «غرب النيل»، الذي ينتقل عن طريق لدغات البعوض، وقد يتسبب بمرض عصبي.

ففي ديسمبر المنصرم، تم رصد أكثر من 300 حالة يشتبه بإصابتها بهذا الفيروس في تعز، بينها 24 حالة مؤكدة مخبريا، بحسب مصادر طبية في المحافظة.

وإلى جانب هذه الفيروسات والأوبئة، فقد تفشى مرض الدفتيريا في اليمن بإصابة 1600 مواطن يمني، ووفاة 95 آخرين منذ بداية 2019 وحتى 27 أكتوبر الماضي، بحسب منظمة الصحة العالمية.

حقل تجارب

شبح انتشار الأمراض الوبائية القاتلة في اليمن أثار الذعر في نفوس المواطنين الذين باتوا كما لو أنهم يعيشون في حقل تجارب للأوبئة وأشبه بفئران المعامل التي يتم حقنها بالفيروسات والأمراض، ولكن بهدف الإبادة، وليس بهدف الدراسة والأبحاث الطبية كما هو الحاصل مع الفئران. فهل بات اليمنيون بديلا للفئران؟

التجارب الطبية على الفئران ليست بسبب ما يشاع من أنها أقرب للإنسان من حيث التشريح، ففي السابق كانت تجرى التجارب على الحيوانات، وبالذات القردة، كونها الأقرب الى الإنسان، وبسبب ضغوط واعتراض جمعيات حقوق الحيوانات تم اللجوء إلى فصيلة القوارض وبعض البشر. 

وسبق أن قامت دول كبريطانيا وأمريكا بشراء سجناء محكومين بالإعدام أو المؤبد من دول أفريقية وآسيوية، لإجراء التجارب والأبحاث عليهم، وتخليق أمراض فيروسية جديدة. 

الحقيقة التي تم إثباتها مؤخرا هي أن كل الفيروسات التي اجتاحت العالم مؤخرا مصنعة بأسلوب تقنية النانو، منها الجمرة الخبيثة، إنفلونزا الخنازير والطيور، جنون البقر، وغيرها، وأنها نتاج الأبحاث البيولوجية العسكرية الأمريكية. 

والاستخدام المتعمد للأسلحة البيولوجية في الحروب قديم جدا، إذ كثيرا ما لجأ المحاربون القدامى إلى تسميم مياه الشرب والنبيذ والمأكولات، وإلقاء جثث المصابين بالأوبئة في معسكرات أعدائهم. وقد استمر اللجوء إلى هذه الأساليب حتى القرن العشرين، حيث استخدمها البريطانيون والأمريكيون في جنوب شرقي آسيا لتدمير المحاصيل والغابات التي توفر ملجأ للقوات المحاربة لهم.

حرب بيولوجية

هناك 3 طرق أساسية لإيصال العدوى بالعوامل البيولوجية، وهي العدوى من خلال الجلد، والعدوى بواسطة المأكولات والمشروبات الملوثة، والعدوى بواسطة الهواء. وتعتبر الطريقة الأخيرة أكثر الطرق فاعلية. ويمكن استخدام الطائرات والسفن والقنابل والمدافع والصواريخ كوسائط لنشر هذه العوامل.

وكان وزير الصحة في حكومة الإنقاذ بصنعاء الدكتور طه المتوكل، حمل دول العدوان المسؤولية الكاملة في انتشار هذه الأوبئة التي تفتك باليمنيين، ولم يستبعد انتشار بعض الأوبئة عبر الأسلحة التي يستخدمها العدوان، كما اتهم الغزاة والمرتزقة والجنجويد بنشر فيروس غرب النيل في المناطق الساحلية.

وسبق أن اتهم ناشطون منظمات الإغاثة بنشر وباء الكوليرا في اليمن عبر موادها الإغاثية.

تقارير أجنبية تؤكد

ومما عزز نظرية استخدام العدوان السعودي الأسلحة القذرة في اليمن، ما نشرته وكالات أنباء غربية مثل موقع «ترانسند ميديا سيرفس» و»جلوبال ريسيرش» من تقارير أكدت فيها أن الولايات المتحدة لا تكتفي بالمشاركة في العمليات السعودية ضد اليمن فحسب، بل تدير العمليات بنفسها.

وجاء في تقرير «جلوبال ريسيرش» أن الأوبئة أصابت حوالي 400 ألف شخص في اليمن بالكوليرا وغيرها من الأمراض القاتلة، لافتا إلى أن هذه الأمراض التي تسببها بكتيريا تستخدم في أسلحة تصنعها الولايات المتحدة، سبق وانتشرت في اليابان خلال الحرب العالمية الثانية، وأفريقيا الجنوبية والعراق في عهد صدام، ودول أخرى. 

ومن جهتها، نشرت صحيفة «الغارديان» البريطانية مقالا اعتبرت فيه أن اليمن يشهد أسوأ موجة تفش لوباء الكوليرا في العالم، والنظام السعودي يعد المسؤول الأول عن هذه الكارثة، إذ إنه يستهدف المدنيين في عدوانه المتواصل منذ عام 2015. 

التاريخ الأسود لأمريكا

خلال القرون الماضية أقدمت الولايات المتحدة الأمريكية على استخدام الكثير من الأسلحة الكيميائية والبيولوجية في فترة استعمارها للمناطق الشمالية من القارة الأمريكية، وذلك بعدما أيقنت بأن الأسلحة التقليدية لم تجد نفعاً، ولم تساعدهم على هزيمة السكان الأصليين، ولهذا فلقد نسجت الكثير من المؤامرات، وقررت توزيع الكثير من الهدايا والملابس المليئة بالفيروسات السامة والقاتلة التي تحمل الكثير من الأمراض كالكوليرا والتيفوئيد والسل، على عشرات الآلاف من السكان الأصليين (الهنود الحمر) من أجل القضاء عليهم.

وفي العام 1956 قامت الحكومة الأمريكية بإجراء تجربة بيولوجية في المناطق التي يقطن فيها السود، وذلك بنشر بكتيريا «الجمرة الخبيثة»، ما أدى إلى مقتل الكثير من أصحاب البشرة السوداء.

كما قام الجيش الأمريكي باستخدام أسلحة بيولوجية في العديد من حروبه مثل حرب كوريا وحرب فيتنام، والعديد من الهجمات الجرثومية السرية ضد كوبا عن طريق بث ميكروبات مهلكة للمحاصيل الزراعية التي يعتمد عليها الاقتصاد الكوبي، وهذا الأمر أشارت إليه صحيفة «الواشنطن بوست» خطأً عام 1979م، وفي 1981 أعلنت الحكومة الكوبية رسميا أنه تم تشخيص 300 ألف من مواطنيها مصابين بمرض «حمى الضنك»، عقب الهجوم البيولوجي الذي شنه الجيش الأمريكي على مناطق متفرقة من كوبا.

كما استخدمت الولايات المتحدة الأسلحة البيولوجية والكيميائية خلال حربها مع فيتنام، وخلال الحرب التي شنتها أمريكا لاحتلال العراق وأفغانستان، وهنالك الكثير من الدلائل التي تؤكد استمرار أمريكا في استخدام الأسلحة البيولوجية ضد كل من يهدد مصالحها.

(تقرير – مارش الحسام)

قد يعجبك ايضا