المبعوث الاممي “غريفيث” ورهاناته الخاسرة
عبدالرحمن الاهنومي
يتحدث المبعوث عن الحل السياسي الشامل ويعلن سعيه الدائم إليه ، اللغة التي يكررها هي نفسها التي يتحدث بها المتشاركون في العدوان على اليمن وهم يعرضون السلام في أحاديثهم المكررة ، لكنهم ولا مرة سعوا إلى سلام حقيقي… ولا مرة كانوا صادقين في جولة مفاوضات ، إلا على خلفية عمليات وضربات عسكرية مؤثرة تُحْدِثُ أثراً كبيراً لديهم ، ومثل تلك العمليات هو ما يضع اليمن في مسار حقيقي للسلام.
المعركة ليس لها إلا أن تستمر بعدما وضحت النيات الخبيثة من اتفاق السويد ومتعلقاته الاقتصادية والإنسانية الذي لم تنفذ دول العدوان منه ولا خطوة واحدة ، ومن اللافت أن يشير المبعوث الأممي “مارتن غريفيث” في حديث علني إلى أن سفن الوقود والسلع تصل إلى ميناء الحديدة بانسيابية ، والحديث ورد في إحاطته لمجلس الأمن.. وقد امتن فيها لتحالف العدوان لأنه أوقف الغارات، وسمح لسفن المشتقات النفطية بالوصول إلى ميناء الحديدة دون اعتراض)..يمكن الرد على المبعوث بقول المثل “كذاب كذب الإبل” والمثل يقال في حق من يواصل بيع الأوهام والأكاذيب دون توقف ، فالغارات مستمرة ، والسفن ما تزال محتجزة عرض البحر وتصل بصعوبة بالغة وبعد حجز تعسفي لأسابيع).
لا ممكنات لنجاح المفاوضات والتوصل إلى الحل السياسي بإعادة تدوير الأوهام ، يمكن أن يعمل المبعوث على إثراء مبادرة الأخ الرئيس المشاط المعلنة ليلة 21 سبتمبر ،فهي أساس قوي وراسخ يمكن للمبعوث أن ينطلق منها ويضعها إطارا لتحركاته لو كان المُراد هو السلام، ففيها ممكنات ومداخل عديدة تؤدي إلى اتفاق سلام حقيقي ثابت ومتماسك ، أما شخصياً فأعتقد أن المبعوث إنما يعلن عن نفسه ومهمته بقوة التبجح ، وبفائض الكذب الدبلوماسي على صحة التوصيف ، وقد كان من الممكن له بدلاً من التذاكي في إدارة ملف المفاوضات أن يبني على إنجازه لاتفاق السويد ويركز مهمته على تنفيذ بنوده ، بدلاً من التذاكي المعوم ، والتفصيل المجزأ للقضايا!
هي نفس الحالة السائدة لدى قادة دول العدوان بالأخص “بن سلمان وبن زايد” يعتقدون أن بإمكانهما الحديث عن السلام ، وحتى إعلان القبول به.. دون الالتزام بأي خطوات عملية ، يعتقدان أيضاً بأن المناورة بتهدئة هشة ستمنحهما فرصة الانصراف إلى تنظيم مؤتمرات اقتصادية دولية ، أعقب إحاطة المبعوث الخميس الفائت زحوفات مكثفة لمرتزقة العدوان في مديرية نهم مترافقاً معها غارات عديدة للطيران الحربي.. هو تكرار لما سبق، فحين تنشط أحاديث الحل السياسي والسلام وتأخذ مدى واسعاً ، يقومون بتحركات عسكرية وتحشيدية في جبهات شتى ، حصل ذلك أكثر من مرة وانتهى غالباً إلى الفشل..
إنه السلام الذي يشكل مطية لاستمرار العدوان وحالة الحصار الغاشم على اليمن ، هذا الذي يقصده المبعوث الأممي وتريده دول العدوان ، سلام يمنح الإمارات فرصة لتنظيم معرض أكسبو الدولي ، وللنظام السعودي فرصة تنظيم قمة العشرين نهاية العام الحالي ، ويبقى الحصار البحري والجوي والبري شاملا وغاشماً على اليمن ، وتبقى الغارات والعدوان قائماً والتحشيد الميداني مستمراً وبإرادة سعودية وأمريكية وإماراتية..
بتقديري أن مساعي السلام لن تصح في بلادنا وحتى مع وجود الجهود الدولية التي بذلتها دول عديدة ، ما لم تتصاعد كتل النار مرات أخرى في منشآت أرامكو والطاقة ، ومطارات أبو ظبي ودبي والمصالح الاقتصادية ، ويمكنني التأكيد أيضا بأنه لا مخرج إلا بحل سياسي ، لكنني لا أتوقع أن سلاماً سيتحقق قبل مرحلة الوجع الكبير التي أشار إليها قائد الثورة في أكثر من مناسبة ، خصوصاً وأن دول العدوان “السعودية والإمارات” تؤدي دوراً وظائفياً لأمريكيا في المنطقة ، وما زالت تتجرع خديعة الوهم وتعيد تدوير الأوهام ، رغم أنها تسمع وتشاهد يومياً الإخفاقات والفشل الأمريكي في المنطقة ، إنْ على مستوى فرض الأجندات بالقوة الغاشمة ، أو الفشل في حماية المصالح والمنشآت من الصواريخ والمسيّرات، وهي تسمع يومياً ترامب يتحدث بأن جيوشه هي لأجل حقول النفط والحصول على مليارات الدولارات ، وبشكل مؤكد لهدف آخر لم يعلنه، وهو إبقاء حالة الفوضى لتثبيت كيان الاحتلال الإسرائيلي.
ليست الحرب على اليمن إلا حلقة من مسلسل الاستنزاف الأمريكي للموارد المالية والطبيعية والبشرية في المنطقة، وجزءاً من استراتيجية الفوضى والصراعات والحروب الخلاقة بهدف حماية الكيان الصهيوني وتثبيته في المنطقة ، على أن مملكة العدوان السعودية ودويلة الإمارات قد تعجلتا في شن الحرب على اليمن ، وبنتا حساباتهما على حسم عسكري عبر الضربات الجوية ، ثم تبين لهما خطأ حساباتهما ، وقد أصبحت الحرب التي تشن على اليمن مستنقعاً لاستنزافهما ، وإن كانت حرباً تحالفية بإرادة “أمريكية الدوافع والأجندات والمصالح” ، لكن تمويلها سعودي وإماراتي ، قد يكون من الصعب الوصول إلى الكلفة الحقيقية التي تحمّلها النظامان السعودي والإماراتي على وجه الدقة، لكن تقديرات سرّبتها مجلة فوريس الأمريكية في الشهور الستة الأولى للعدوان ، قدرت الإنفاق على العدوان بنحو 725 مليار دولار، أي أن التكلفة الشهرية تصل إلى 120 مليار دولار!
رهان الإمارات في تنظيم المعرض الدولي إكسبو العام 2020 ، رهان خاسر بكل المعايير مع استمرار الإمارات في العدوان على اليمن ، إضافة إلى أن التستر وراء الأقنعة والمسميات والكيانات التي تنشأها لن يعفيها من التبعات القاسية ، فدورُها في إثارة الفوضى والنزاعات والسيطرة والنفوذ وخلق وإنشاء كيانات وجيوش ومرتزقة محليين أيضاً يُبقي الخطورة عليها وعلى أكسبو قائماً ، والأمر ذاته بالنسبة للسعودية التي تنظم لقمّة العشرين نهاية العام، فضلاً عن أن استمرار العدوان يضع المنطقة على خريطة المناطق غير المستقرة ، والتي لا تقدم عليها الاستثمارات الأجنبية، أو حتى الاستثمارات المحلية ، التي تبحث عن الاستقرار والأمن، وهو ما لا يتوفر في ظل حرب ستكون مفتوحة ، وهي الآن في مرحلة الوجع الكبير!
في الخلاصة؛ استمرار العدوان على اليمن يقضي على جميع المشاركين فيه على الصعيد الاقتصادي ، ويقوض الدور الإقليمي من خلال استنزافها وتدفيعها أثمان وكلف الحرب باهظاً!
وأخيراً..فإن رهان المبعوث الأممي على إنجاز حل سياسي وفق سلوكه الحالي متذاكيا على الواقع القائم؛ رهان خاسر ، فحيناً يبدي قلقه من التصعيد عندما يتعلق الأمر بالعمليات العسكرية لبلادنا التي تأتي في إطار الرد على العدوان ، ويلتزم الصمت حين يتعلق الأمر بتصعيد العدوان ومرتزقته علينا .. فإننا أمام مبعوث غير نزيه ولا محايد…أما إذا كان الهدف من تفاؤله المكرر في إنجاز حل سياسي ، طلب المزيد من التنازلات…فالهدف الذي يسعى إليه أبعد عن التحقق.. ولنحذر “الغفلة”.