السيدة صفية: عالقه قسراً… وزوجه على ورق من ينصفها؟
” كل ما لدي من هذا الرجل الملقب بزوجي، هو عقد الزواج الذي يثبت انه لازال زوجي ” هكذا تفتتح صفية حديثها ” بعبارة تلخص معاناتها ومعاناة ملايين النساء امثالها ، صفية الخظمي سيدة تبلغ من العمر40 عام من قرية خظم بمحافظة ريمة لكن بمجرد النظر اليها تستطيع ان تخمن من تلك التجاعيد التي ترتسم على وجهها والهالات السوداء اسفل عينيها، والكلف الذي طغى على لون بشرتها ان عمرها يتجاوز الخامسة والخمسين عام أو أكثر، تروي صفية بتفاصيلها تلك قصة درامية مؤلمة عاشتها طيلة سنوات عمرها، وكلها أمل بالوصول إلى يوم تنتهي فيه معاناتها ومعاناة كل امرأة تعاني من الاضطهاد والعنف الاسري على وجه الارض..
” ايام من الذاكرة “
نساء كثيرات في اليمن يتعرّضن للاعتداء والعنف، وقلة فقط يفصحن عن تلك الحوادث فالعادات والتقاليد اليمنية تكبل المرأة وتجعلها غير قادرة على الحديث عن هذه الممارسات ، ولم تكن السيدة صفية تختلف بوضعها عن غيرها من النساء اللواتي يتعرضن للتعنيف من قبل أزواجهن ، حيث تقول ” إن زوجها لم يكن عنيفاً من قبل، ولكنه تغير مؤخراً ليصبح أكثر عدوانية، وعندما سألتها حول بداية حياتها الزوجية قالت بعد الزواج عشنا أنا وزوجي حياة سعيدة مليئ بالحب ودلال ، لم أكن أتوقع حينها أن أتعرض لذاك العنف والظلم أبداً ، ولا أزال أذكر جيدا عندما أعتدى علي زوجي للمرة الأولى في حياتنا ، في ذلك اليوم ذهبنا لزيارة أحد اقربائه في الحديدة، وحين وصولنا أردت الذهاب الى الحمام، فلحقني زوجي واخبرني انه يريد الاختلاء بي حينها، فشعرت بالحرج فلم يكن المكان ولا الوقت مناسبين خاصة أننا وصلنا لتو ، فكان خجلي كفيلا بانهياله علي بثلاث صفعات قوي ، ما سبب لي صدمة استمرت عدة أيام ، وتتابع السيدة صفية قائلة ” اضطررت إلى التزام الصمت، مقابل وعده لي بعدم تكرار ذلك مرة أخرى ” ولكن للأسف كان ذاك اليوم بداية لحياة مليئة بالأسى، استمرت مدة تجاوزت 14عام حيث مضت سنوات وسنوات ورزقت بست اطفال اثنان اسقاط واربعة عائشين قبل أن ابلغ 25عام ، كنت دائمة المرض، فبنيتي الجسدية ضعفت ، وصحتي النفسية تدهورت ، خاصة أن زوجي لم يشعرني بالأمان والاحتواء، كل ما يهمه إشباع غرائزه مما سبب لي المزيد من الالم النفسي والجسدي..
” زوجة ولكن …..! “
مسؤوليات مضاعفة حاولت السيدة صفية حملها، لكنها لم تكن مُعدة بما فيه الكفاية فقد كانت مجرد “طفلة”، تعرضت خلال حياتها لمواقف مؤلمة جسدياً ونفسياً فتقول: “خلال سنوات زواجي تعرضت لشتم والاهانة كثيراً، وعندما كنت أخبر أهلي بما يجري كانت كلماتهم دائما تحملني المسؤولية “أنت السبب، لا تردي عليه، ما تخالفي كلامه، أقعدي بأولادك واسكتي وتحملي، ليكون تشتي تطلقي؟؟، ويقولوا بنت فلان مطلقة”
ما قالته السيدة صفية يعد امرا رائج في مجتمعنا اليمني فالأهل حلقة مهمة من فصول عذابات المرأة، فالخوف من لقب مجحف “مطلقة”، اجبر ” صفية ” التحمل والبقاء تحت عذابات وقهر زوجها وعائلته .
“الاحداث الفاصلة ” توقفت السيدة صفية لبرهة عند إتمام هذه الجملة ، ثم تابعت سرد قصتها لنا ولكن ليس بنفس النبرة السابقة ، إذ تتحشرج الكلمات فتخرج مثقله كثقل ذلك الايام فتقول” نشب شجار بين أهل زوجي واخي على قطعة ارض ، بعد فترة حسم أمر الارض لصالح اخي ، فلم يرق الأمر لزوجي ، وقام بتعدي علي اخي بسحق ،سيارته وترويعه هو وأطفاله وزوجته برصاص ، بالاضافة الى الشتم والقذف أمام الناس ، لم يستطع أخي الرد على زوجي ورمي أطفاله برصاص خوفاً علي ، فتوسلت لزوجي أن يكف عن أفعاله ، فهو زوجي وذاك أخي ولا أريد أن نُفجع بأحدهم ، ليترك هذا الظلم وليدعنا نعش بسلام ، لكنه استمر في السب والشتم ، وقال لي “سأهدر دمه مثل دم الكلاب ” وصعد الى السقف وبدأ يطلق النار بطريقة جنونية ، فما كان مني إلا أن أغادر المنزل لعله يرتدع فخرجت بثوبي الذي أرتديه فقط أنا وطفلي الرضيع الذي لم يتجاوز الشهر بعد ومن يومها لم أعد “
“الحرمان من حقوقها و من رؤية أطفالها”
وتواصل “صفية” حديثها أن بعد فترة علمت أن زوجها تزوج عليها ،وتعدى على حقها ببيع كل ما تملك من المجوهرات التي حصلت عليه من والدها ، وكذلك قامت بشرائه من خلال بيع الغنم ، وتضيف بحسرة “ترك أطفالنا لدى امه العجوز اربع بنات وثلاث اولاد اكبرهم في سن 11عام واصغرهم الرضيع الذي اخذته معي حاولت أن أطلب الطلاق فرفض بسبب حقوقي الذي عنده فذهبي الذي تركته يقدر بحوالي ثلاثة ملايين واكثر حالياً أخبرته اني سأتنازل عن كل شي ومع ذلك رفض وانا لأملك المال للمطالبة بالخلع فما كان من والدي واخي ألا إرسالي الى مدينة الحديدة للعيش مع اختي الارملة وخلال هذه التسع سنوات الماضية لم أرى بها أطفالي السبعة ، فلا أنا مسموح لي النزول للقرية ، ولا هم مسموح لهم يتكلموا معي”
وتتعدد صور حرمان المرأة وتعنيفها حيث أن “السيدة صفية” تخنقها غصة هجران زوجها لمدة 9 سنوات والتهرب من إعطائها حقوقها من مصاريف شهرية وكذلك ممتلكاتها من المجوهرات ، ويرفض أن يطلقها بالاضافة الى ذلك لم يعترف بطفلها محمد ايضاً وعدم إرسال مصاريف شهرية فتواصل قائلة ” طفلي محمد محروم من الدراسة بسبب شهادة الميلاد الذي تتطلب بطاقة والده، فاضطررت لدراسة محو الامية لأجله كي اصطحبه معي ، فالمدراس الحكومية والخاصة تأبى تدريسه لعدم وجود شهادة الميلاد ، كما علمت أن اطفالي الاخرين لا يملكون شهائد ميلاد ايضاً ومع ذلك يدرسون، فالوضع بالقرية يختلف عن المدينة فلا يوجد هذا التشديد والتعقيد الذي في المدينة وتختتم السيدة صفية حديثها للحديدة نيوز بقولها “انا وأطفالي عالقين قسراً “
” للواقع كلمته “
وتعد الحرب الدائرة في اليمن منذ العام 2015، أحد الاسباب التي فاقمت من انتشار مشاكل اجتماعية عدة في محافظات يمنية عدة، ومنها محافظة الحديدة ما عاد بالضرر المادي والنفسي والاجتماعي ، على سكانها، ولجأ الكثير من الأهالي لأساليب مختلفة لمواجهة ظروف الحياة، فمنهم من سلك عملاً آخر، ومنهم من وجد يد العون، ومنهم من جندوا أطفالهم، وكثيرون من زوجوا بناتهم القاصرات، ومنهم من تركو عائلتهم ، ومنهم تركو نسائهم وأطفالهم قسراً، وكلهم لديه حجج مختلفة..
ويشير ا/فؤاد ابكر احد الأخصائيين النفسيين للحديدة نيوز ان الأشخاص الذين يمارسون العنف ينقسمون الى مضطربين نفسياً أو غير مضطربين، وفي الشق الأول يكون مريض وأفعاله غير محسوبة، وهناك بعض الاشخاص تنعكس ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية على طريقة تعاملهم مع زوجاتهم أو بناتهم أو حتى أخواتهم، ناهيك عن اشخاص يكونون تحت تأثير الكحول او المخدرات”
تعد السيدة صفية نموذج لعديد من النساء العالقات في المنتصف قسراً ، فلا هنا متزوجات وهنا مطلقات، برغم من انتشار هذا النوع من المشاكل الاجتماعية في المجتمع اليمني إلا انه لا توجد إحصائيات رسمية دقيقة توثق عدد النساء في هذا الجانب..