لماذا تسعى واشنطن حالياً لضرب الحوار السوري – السوري؟
تقوم السياسة الأمريكية في المنطقة على مبدأ “الاضعاف والتفكيك”، بحيث تتدخل على وجه السرعة في دولة شرق أوسطية تشهد نوعاً من الاستقرار أو تبدأ تحالفات حقيقة مع دولة جارة لها، وفي حال فشلت في ذلك لا تدخر جهدا لتتدخل بشكل سافر وتعتدي على سيادة الدول، كما هو الحال بالنسبة لسوريا حالياً، ورغم كل اجرامها اتهمت وزارة خارجيتها مطلع هذا الاسبوع وفد الحكومة السورية باللجنة الدستورية، التي تعقد اجتماعاتها في جنيف، بمحاولة تعطيل عمل اللجنة.
وقالت وزارة الخارجية في بيان: “طرح شروط مسبقة.. ينتهك بوضوح القواعد الإجرائية للجنة الدستورية، وهو محاولة صارخة لتعطيل الجهود المبذولة التي تدعمها كل من المجموعة المصغرة (حول سوريا) ومجموعة أستانا”.
ليأتي الرد من دمشق عبر وزارة الخارجية التي أكدت أن “بيان الخارجية الأمريكية حول جلسات لجنة مناقشة الدستور المنعقدة في جنيف، محاولة من واشنطن للتدخل مجدداً في شؤون الدول وفرض أجنداتها الخاصة”، مشددة على أن “أي آراء من أمريكا أو غيرها لا قيمة لها ولن تؤثر على عمل اللجنة وطبيعة حواراتها”.
وقال مصدر مسؤول في الخارجية في تصريح لـ”سانا” الأحد إن “حكومة الجمهورية العربية السورية تؤكد أن هذا الحوار هو سوري/سوري ولا يحق لأي أحد التدخل فيه أو دعم أي جهة فيه تحت أي ذريعة، وأن دور الأمم المتحدة ممثلة بمبعوثها الخاص غير بيدرسون ينحصر في تسهيل مناقشات اللجنة وتيسير شؤونها فقط، وبالتالي فإن أي آراء أو بيانات من أمريكا أو غيرها لا قيمة لها ولن تؤثر على عمل اللجنة وطبيعة حواراتها”.
لعبة الاضعاف والتفكيك
السؤال الاول هل حقا أمريكا تهتم بمستقبل سوريا وبنشر الديمقراطية فيها، هل بقي أحد في هذا العالم يصدق نفاق واشنطن، تجربة العراق لا تزال حاضرة في هذا الخصوص، وهل ما تفعله واشنطن في سوريا يدل على انها تريد الخير لهذا البلد؟.
كل ما تسعى له واشنطن في هذه المنطقة هو بث التفرقة والتفرقة فقط، لتغيير خارطة المنطقة بما يتناسب مع مصالحها ومصالح العدو الصهيوني، ولتحقيق ذلك بدأت تتدخل بالشأن السوري منذ العام 2014 تحت ذريعة محاربة “داعش”، حيث شنت أمريكا أولى ضرباتها في سوريا في 23 أيلول/سبتمبر 2014 بمساعدة حلفائها، لتكون أول خطوة لواشنطن على الأرض في النزاع الذي تفجر في 2011. ثم نشرت واشنطن 2000 جندي في سوريا، معظمهم من القوات الخاصة.
وفي 7 أبريل 2017 قامت أمريكا بهجوم صاروخي على قاعدة الشعيرات الجوية، وكانت المرة الأولى التي تكون فيها أمريكا مقاتلًا مباشرًا متعمدًا ضد الحكومة السورية، وكانت بمثابة بداية لسلسلة الحراك العسكري المباشر من الجيش الأمريكي ضد الحكومة السورية والقوات الموالية لها في مايو-يونيو 2017 وفبراير 2018. تبعاً لتقرير صادر عن منظمة العفو الدولية، فإن التحالف الذي تقوده أمريكا قدّم بيانات زائفة لإخفاء العدد الفعلي للوفيات المدنية الناجمة عن حملات القصف، وهو “ينكر بشدة” الخسائر في صفوف المدنيين في الرقة. بعد تحقيق قامت به منظمة العفو الدولية في يونيو 2018، فقد أصبح من المؤكد أن غارات التحالف الذي تقوده أمريكا “أسفرت عن مقتل 70 مدنياً، معظمهم من النساء والأطفال- من بينهم 39 من عائلة واحدة.
وما ان انسحبت من سوريا خلال الاشهر القليلة الماضية وطعنت حلفاءها الاكراد في الظهر، حتى عادت لتقول بكل وقاحة انها عادت لتسرق النفط السوري، بعد ان ساعدت تركيا في تحديد منطقة آمنة في شمال سوريا، وكانت الغاية الاهم بالنسبة لها هي منع حدوث اي خط ربط بين العراق وسوريا، لان واشنطن تتبع استراتيجية الحفاظ على أمن و تفوق إسرائيل في المنطقة، و في كل زمان ، ولتحقيق ذلك يجب الحيلولة دون ايّ مشروع تواصل وحدوي عربي أو إسلامي. ربما تتعدد حجج و مبررات التدخل الأمريكي السافر و الغليظ في شؤون دول المنطقة، تارةً بحجّة بناء الديمقراطية في سوريا، و تارةً بحجّة منع تدهور الأمن و الاستقرار في العراق ، و أخرى بحجّة نفوذ إيران في المنطقة ،ولكن السبب الحقيقي وراء السياسة الأمريكية في المنطقة، هو أمن و تفوق وهيمنة إسرائيل في المنطقة .
اصبح واضحاً للجميع أن أهداف واشنطن تتناقض مع قِيم الديمقراطية و حقوق الإنسان و القانون الدولي و سيادة الدول و ميثاق الأمم المتحدة و مع وحدة أراضي دولة.
غاية واشنطن الاساسية في سوريا
1- ضمان استمرار الصراع لأطول فترة ممكنة، بما يؤدي إلى ضرب النسيج الاجتماعي السوري.
2. استمرار الصراع بشكل مدمر، بما يؤدي إلى تدمير الاقتصاد والبنى التحتية ووسائل الإنتاج.
3. استمرار الصراع بما يدمر الدولة المركزية والجيش المركزي، دون أن تحل مكانه قوة ثورية مركزية فاعلة، وبما يسمح بنشوء مليشيات وقوى طائفية وعرقية تسيطر على مساحات جغرافية محددة في ظلّ سلطة مركزية ضعيفة.
4. ضمان أمن واستقرار الكيان الصهيوني في أي ترتيبات مستقبلية متعلقة بالمنطقة.
وحول ما تقوم به واشنطن في شمال سوريا قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إن أمريكا تسعى لفصل مناطق في شرق الفرات عن سوريا، وإقامة شبه دولة عليها.
وأضاف لافروف خلال منتدى السلام في باريس: “تطلب أمريكا من الدول الخليجية توظيف استثمارات كبيرة هناك، لإقامة إدارة محلية عمادها “قوات سوريا الديمقراطية”، وقوات حماية الشعب الكردية وآخرون، فيما لا تخفي نيتها السيطرة على حقول النفط هناك”.
وأشار لافروف، إلى أن أمريكا تمنع حلفاءها من الاستثمار في مشاريع إعادة إعمار سوريا، وقال: “نحن والحكومة السورية نؤيد دعوة الجميع إلى تهيئة الظروف لتحديث البنية التحتية وتسهيل عودة اللاجئين، وعودة الحياة الطبيعية إلى سوريا”.
وفي وقت سابق بالأمس، اعتبر وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن محاولة أمريكا السيطرة على حقول النفط السورية، تعادل سرقتها، واصفاً الأنشطة الأمريكية في سوريا، بـ “غير القانونية”.
ولفت إلى أن الأنشطة الأمريكية في سوريا زادت من سوء الأوضاع الراهنة هناك، لافتا إلى أن هذه الأنشطة تشكل تهديدا حقيقيا، مؤكداً أن “سنصر على أن يسيطر الجيش السوري على كامل التراب الوطني وأراضي بلاده، بما فيها مناطق حقول النفط التي يسيطر عليها الأمريكيون.”
وفي وقت سابق، قال رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، مارك ميلي، إن بلاده تعتزم إبقاء ما بين 500 إلى 600 عسكري من جنودها في سوريا ضمن مسعاها لمكافحة وهزيمة تنظيم “داعش”، لافتاً إلى أن البنتاغون لا يرغب في الكشف عن العدد الدقيق لجنوده في سوريا، لأنه “لم يكمل بعد تحليل الموضوع”.
وكانت وكالة “أسوشيتد برس” أفادت في وقت سابق من هذا الأسبوع، بأن الرئيس الأمريكي أقر خطة تقضي بأن يكون العدد الإجمالي للعسكريين الأمريكيين في سوريا 800 شخص على الأقل، 200 منهم في قاعدة التنف الأمريكية، عند مثلث الحدود السورية العراقية الأردنية، وذلك بغية حماية حقول النفط بشمال شرق البلاد.
وكانت وصلت تعزيزات عسكرية أمريكية خلال اليومين الماضيين، إلى منطقة شمال شرق سوريا، حيث تحافظ واشنطن على قواتها في مناطق الثروة النفطية بريفي دير الزور والحسكة، من ضمنها دبابات من نوع “أبرامز” التي تدخل سوريا لأول مرة.
المصدر: الوقت