تتحدث وسائل إعلام سعودية عن مشكلة خطيرة يشهدها المجتمع تتعلق بالأطفال المولودين عن طريق زواج المسيار ومستقبلهم، حيث يرفض أزواج الاعتراف بأبنائهم من هذا الزواج.
هذا النوع من الزواج الذي يحتّم على المقترنين به السرية لظرف ما، يجعل المولود من جرائه في وضع صعب؛ فربما لن يلتقي بوالده مطلقاً ولن يتعرف على أشقائه من والده، وقد يرى نفسه أقل درجة من الآخرين.
المعلومات تفيد بأن الإقبال من السعوديين على زواج المسيار كبير جداً، ونظراً لكونه زواجاً سرياً فالزوجة تتحمل ثمن تداعياته مستقبلاً، ومنها إبقاء الزواج سراً وإن انتهى، وعدم إشهار نسب المولود من هذه الزيجة.
مشاكل مؤلمة
لكن المشاكل العديدة التي تنجم عن هذه الزيجات ليس بمقدور بعض النساء تحملها، حيث تذكر صحيفة عكاظ، في عددها الصادر الأحد (1 ديسمبر الجاري)، أن جمعية حقوق الإنسان في جدة تتابع حالة مواطنة تقدمت بشكوى أفادت فيها عن زواجها من مواطن سراً (مسيار)، وإنجابها منه طفلاً يبلغ اليوم الخامسة من عمره، ويرفض الأب الاعتراف بابنه.
الصحيفة تقول إن مدير جمعية حقوق الإنسان، صالح سرحان الغامدي، أكد أن مثل هذه الحالات موجودة بكثرة، وربما توجد حالات غير معلنة.
الغامدي أشار إلى أن الجمعية باشرت ثلاث حالات مماثلة تتعلق بإثبات النسب للأب خلال ثلاث سنوات؛ منها حالة مواطنة تقدمت قبل أيام بشكوى سرية وتواصلت الجمعية مع قسم الشرطة المختص لاستكمال الإجراءات النظامية لمساعدة المرأة وإثبات زواجها ونسب ابنها.
وأوضح أن الشاكية تعيش مع زوجها للآن في منزل واحد، وأنها نقلت في شكواها أن زوجها لم يستخرج أي أوراق ثبوتية لزواجهما أو لابنهما، ما جعلها في حيرة من أمرها، في الوقت الذي بلغ فيه الطفل العام الخامس من عمره.
طبقاً لرواية الزوجة فإن زوجها أدخلها المستشفى عند الولادة باسم وهوية زوجته الأولى؛ فبات ابنها يحمل اسم والده (زوج المسيار) واسم زوجته الأولى، وهو الأمر الذي يعد تحايلاً على النظام وتزويراً.
وبحسب تحقيقات جمعية حقوق الإنسان الأولية فإن الطفل حصل على التطعيمات على أنه ابن للزوجة الأولى.
وأكد مدير جمعية حقوق الإنسان في جدة أنهم “ماضون في دعم الحالة، والتواصل مع الإمارة وإحالة السيدة للقضاء في حال رفض الأب الاعتراف بابنه”.
في السياق ذاته تقول صحيفة عكاظ إنها اطلعت على حكم نهائي مكتسب القطعية، صدر عن محكمة الأحوال، يثبت نسب فتاة إلى والدها بعدما ظل يرفض الاعتراف بها رغم زواجه من والدتها خارج المملكة دون موافقة الجهات المختصة، قبل 20 عاماً، بعقد شرعي، وأنجب منها ابناً وابنة، وقضى الحكم بإلزام الأب باستخراج هوية وطنية لابنته.
وفي خبر ذي صلة ذكرت الصحيفة أن مصدراً عدلياً -لم تسمه- علّق على حالات عدم الاعتراف بالأبناء بالقول: إن “مثل هذه القضايا تعتمد على أمور عدة؛ أولها وجود عقد الزواج ومتى تم، هل للزواج ولي ومهر وشاهدان؟ هل الزوجة مواطنة؟ كيف ولدت الزوجة وأين ولدت؟ لماذا ينكر الزوج الابن”.
وأضاف المصدر: إن “الأصل شرعاً أنه طالما هناك زواج ورزق بمولود فالابن للفراش إلا أن ينكره الأب، فهنا يكون اللعان أمام المحكمة، والقضاء له سلطته التقديرية في ذلك، إذ قد يرى الإحالة لتحليل الحمض النووي للابن وقد لا يرى ذلك”.
وتابع: “إذا أصرّ الأب على نفي الولد والأم تقول إنه من مائه فهنا قد يرى القاضي إحالتهم للتحليل، وإن جاءت إيجابية يحدث الإشكال، وإذا أصرّ الأب على الرفض هل تكون الملاعنة أم لا؟ لأن الملاعنة تكون في حال نفي الأب أن الابن هذا من مائه”.
واستطرد يقول: “من خلال ما يتم تداوله في المحاكم فإنه إذا كان هناك زواج وتحليل إيجابي وإصرار من الأب على النفي يقضي القاضي بقاعدة الولد للفراش، ويلزم الأب بإجراءات الابن من إضافته ونفقته وجميع ما يتعلق بذلك، وأما إذا رفض الأب نسب ابنه وكان هناك زواج وتحليل سلبي وإصرار من الأب على النفي تقضي المحكمة بالملاعنة وينسب الولد لأمه التي لاعنت عليه”.
إقبال على المسيار
عملية بحث بسيطة على الشبكة العنكبوتية ستكشف عن وجود عدد كبير من الصفحات القائمة على مثل هذا النوع من الزواج؛ إذ تروجه وتشجع عليه وتقدم له التسهيلات، وكأنه بات أمراً طبيعياً في بيئة يفترض أنها تتعامل بحساسية شديدة مع العلاقات الزوجية تحديداً.
ويقبل السعوديون على هذه التطبيقات بهدف الحصول على زواج من هذا النوع، والغايات كثيرة، ويعتبر تطبيق “مسياركم” أحد أبرز هذه المواقع.
ويعرف العلماء زواج المسيار على أنه عقد الرجل على امرأة عقداً شرعيّاً مستوفياً جميع الأركان والشروط، لكن تتنازل فيه المرأة عن بعض حقوقها؛ كالسكن أو النفقة أو المبيت.
ويُقبل السعوديون وبعض مواطني دول الخليج بشراهة على علاقة تحت اسم “زواج المسيار”.
وصدرت عدة فتاوى شرعية أجازته، وبرّره مشرّعوه بـ”رغبة الزوج في إخفاء أمر هذا الزواج عن أهله وأولاده درءاً للمشاكل المحتملة منهم إذا علموا بذلك”، بحسب قولهم.
بيد أن أغلب العلماء أفتوا بكراهته وإن لم يخرج عن الجواز من حيث الشروط والأركان، وهو الأمر الذي يدفع إلى البحث عن أسباب هذا الزواج وعيوبه ومميزاته، الذي يصفه البعض بأنه “دعارة مقنّعة”.
ويعزو العلماء السعوديون أسباب انتشار هذا النوع من الزواج إلى ارتفاع نسبة العنوسة، وانصراف الشباب عن الزواج، وغلاء المهور، وتكاليف الزواج، وكثرة الطلاق، وتكرار السفر لبلدان أخرى، ما يؤدّي إلى انتشار هذه الزيجات؛ والهدف منها حفظ النفس من المحرّمات، وتلجأ بعض العوائل إليه لحماية بناتها من العلاقات المحرّمة.
ويأتي أيضاً من باب رغبة بعض الرجال في التنوّع والمتعة المباحة، دون التأثير على بيته الأول وأولاده، ويكون أحياناً بشكل سرّي لكيلا يفسد العشرة بين الزوج وزوجته الأولى.
ورغم انتشار الظاهرة في المجتمع أقرّت وزارة العدل السعودية بأن زواج المسيار غالباً ما ينتهي سريعاً في مدة تتراوح بين 14 – 60 يوماً.
وتؤكّد أن نسبة نجاح هذا النوع من الزيجات لا تتجاوز 20% من مجموع العقود التي تنفّذ في المحاكم، في حين أن معظم زيجات المسيار الناجحة تتحوّل إلى عادية يعلَن عنها من الطرفين أو تنتهي ولا يُكتب لها الاستمرار، بحسب ما ذكرت في وقت سابق صحيفة “الوطن” السعودية نقلاً عن مصادر خاصة.
الحل في تثقيف النساء
الحل الأمثل لتلافي خطر هذه الزيجات هو في تثقيف النساء لكي يتلافينها أو يحسنَّ التصرف حين يقعن في ظرف يجبرهن على هذا الزواج، بحسب ما ترى الاستشارية التربوية نورا نحاس، التي تؤكد أهمية تكوين مؤسسات قوية تعنى بالدفاع عن المرأة وحقوقها، ومن ثم تمنع وجود أطفال يعانون من عدم اعتراف آبائهم بهم.
وفي حديثها لـ”الخليج أونلاين” تقول نورا نحاس: إن “مخاطر هذا النوع من الزواج تبدأ من أول ساعة الحمل؛ حيث يدب القلق بين جنبي الأم لعلمها أن مخلوقاً آخر سيضاف إلى مأساتها (المسيار)”.
وتوضح أن تلك المأساة سببها أن الزوجة تكون على يقين بأن زوجها لن يعترف بهذا الطفل كما جرى في شرط الزواج غالباً.
وتضيف: “تزداد القضية تعقيداً حين يكبر الطفل ويبدأ بطرح تلك الأسئلة التي تعترك في رأسه حول الهوية والنسب والكنية ولا تجد الأم أجوبة مقنعة”، مستدركة بالقول: “بإمكانك أن تتخيل حجم القلق والحيرة التي تصيب الأم وولدها”.
ووفق رأيها فإن “الحل يكمن في زيادة وعي السيدات لحقوقهن، وتعريفهن بمصير علاقات كهذه بأمثلة حقيقية مسجلة”.
الاستشارية التربوية تجد أن “للقانون يداً في انتشار هذه الظاهرة، ولا سيما في بيئات الحرب ولجوء السيدات إلى دول أخرى، بهذا يصبحن عرضة للصيد السهل؛ وبسبب قلة ذات اليد وعدم الاستقرار وضغط الأهل أحياناً يرضين بهذا النوع غير السوي من الزواج”.
وتشدد نحاس على ضرورة “وجود مؤسسات حقيقية تعنى بشأن الأسر الواقعة تحت تأثير مثل هذه الزيجات التي أسميها مجحفة بحق المرأة”.
ومن الضروري أيضاً بحسب قولها أن “تُنظم ورشات تدريبية لتوعية المرأة، لا سيما الفتيات بعمر الزواج، ومن ثم إلحاق هذه المؤسسات بحقوقيين وخبراء نفسيين واجتماعيين لعلاج ما يمكن علاجه إن وقع الأمر لنخفف من وطأته”.
ويرى القائمون على المؤسسة الدينية في السعودية أن “زواج المسيار جاء ليكون حلاً لمشاكل العنوسة والترمّل والحالات التي تكون فيها المرأة على استعداد للتنازل عن الكثير من متطلّبات الزواج”، معتبرين أن “هذه الحالات تستحق زواج المسيار لتحقّق المصلحة للجميع”، رغم أنها حذرت من أن “زواج المسيار يحمل الكثير من المخاطر؛ منها امتهان بعض الرجال والنساء لهذه الظاهرة وتحويلها إلى تجارة”، بحسب رأيهم.