“الثورة” تفتح ملفات فساد المنظمات الإنسانية في اليمن وثائق سرية تكشف تجاوزات غير قانونية أدت إلى عرقلة بعض التحركات
تزايد الحديث مؤخراً في وسائل الإعلام العالمية والعربية والمحلية عن المساعدات الإنسانية في اليمن، بين من يتهم “السلطات اليمنية” بعرقلتها من جهة، ومن يتهم المنظمات العاملة في البلاد بإهدار أموال تلك المساعدات على نفقاتها الخاصة، وحصول الشعب اليمني -الذي يعاني من أسوأ أزمة إنسانية في العالم، نتيجة التحالف والحصار – على الفتات من جهة أخرى.
جاء تزايد الحديث عن المساعدات عقب إحاطة مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، أورسولا مولر، لمجلس الأمن، الجمعة الماضي، والتي اتهمت فيها السلطات اليمنية “بمنع تنفيذ نصف مشاريع المنظمات غير الحكومية العاملة في المجال الإنساني وطرد بعض موظفي تلك المنظمات وموظفي الأمم المتحدة بدون أي أسباب، والتدخل في العمليات الإنسانية ومحاولاتها التأثير باختيار المستفيدين من تلك المساعدات والشركاء المنفذين، ومحاولة إلزام المنظمات الإنسانية بالعمل في ظروف تتناقض مع المبادئ الإنسانية، ما سيتسبب في حال القبول بها في فقدان التمويل اللازم للمشاريع الإنسانية وإغلاقها”.
تناقض أممي
لكن تلك الاتهامات تتنافى كليًا مع تصريحات وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، منسق الإغاثة في حالات الطوارئ، مارك لوكوك، الذي أكد “تسلم 95% من المستفيدين المساعدات الإنسانية الخاصة بهم”، مشيرًا إلى أن لدى المنظمة وسائل مختلفة للتيقن من وصول المساعدات لمستحقيها من خلال أطراف مستقلة تقوم بالمراقبة والرصد والتواصل مع المستفيدين”.
رد بالمثل
على رغم هذا التناقض شكلت تصريحات مولر استفزازاً للسلطات اليمنية، دفع بها إلى الرد باتهام تلك المنظمات بـ “التلاعب الكبير بأموال المانحين وعدم القبول بتخصيصها لما يخدم المواطن”، كما جاء في تغريدة لعضو المجلس السياسي الأعلى محمد علي الحوثي.
تغريدة الحوثي ليست وحدها؛ إذ يقول عبد المحسن الطاووس – رئيس المجلس الأعلى، لتنسيق الشؤون الإنسانية في تصريحات سابقة له – أمس الأول – إن “أغلب المشاريع التي تقدمها المنظمات تُنهَبُ وتَذهَبُ إلى جيوب العاملين في تلك المنظمات” – داعياً المانحين في الأمم المتحدة إلى التحقيق في أماكن التمويل التي تُصرَفُ في اليمن.
وأكد الطاووس أنَّ “المنظمات الإنسانية تريد العمل في صنعاء دون التقيّد بالقوانين لمواصلة فسادِها وَتلاعبها بالمساعدات”، سارداً بعض الأرقام والتفاصيل عن فساد تلك المنظمات.
وثائق سرية
في إطار الحديث عن عرقلة وصول المساعدات إلى المواطنين وإهدار أموالها، حصلت “الثورة” على وثائق سرية عن تجاوزات غير قانونية أدت إلى عرقلة بعض التحركات لموظفي المنظمات وبعض أنشطتها بحسب اللوائح المتفق عليها بين السلطات اليمنية وتلك المكونات.
ففي الـ 29 من سبتمبر الماضي بعثت منظمة “الإغاثة الدولية” مذكرة رسمية إلى رئيس المجلس الأعلى (الهيئة الوطنية لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية سابقاً)، تؤكد “تحرك سيارة تابعة للمنظمة من حجة إلى صنعاء، وفي حوزتها وثائق مشروع اليونيسف المنتهي، دون تصريح، ما أدى إلى احتجازها”، وبحسب الوثيقة المتضمنة اعتذار المنظمة، فإن المجلس الأعلى قد منع موظفي المنظمة من التحرك واحتجز السيارة”.
في وثيقة اعتذار أخرى، فإن توقيف أحد موظفي “المؤسسة الوطنية للتنمية والاستجابة الإنسانية” في نقطة الأزرقين بصنعاء في أكتوبر المنصرم ومصادرة الوثائق التي بحوزته، كان ناتجاً عن عبوره دون أخذ تصريح بالعودة إلى صنعاء.
واجب أمني
يقول مصدر مسؤول في وزارة الداخلية لـ “الثورة” إن “من واجب الأجهزة الأمنية اتخاذ الإجراءات اللازمة إزاء ذلك، كون البلاد في حالة عدوان وبحاجة إلى التنبه لكافة عمليات الاختراق التي يدبر لها العدو”، مضيفاً “أي شخص سنجد بحوزته أي وثائق تابعة للمنظمات دون أن يكون حاملاً تصريحات العبور من الجهة المختصة سيتم اتخاذ القرار المناسب بشأنه حتى إن كان موظفاً في المجلس الأعلى”.
شحنة اليونيسف
ضمن وثائق تجاوزات خطوط السير، اطلعت “الثورة” على وثيقة بعثتها اليونيسف في 13 أكتوبر الماضي إلى مدير عام الإمداد الدوائي في وزارة الصحة العامة والسكان، محمد الغيلي، متضمنة اعتذاراً عن وصول قاطرة تابعة للمنظمة على متنها 1706 كراتين من الأدوية إلى مخازن الوزارة في منطقة عفّار بحجة ما أدى إلى إيقافها، فيما مسارها الصحيح، بحسب الوثيقة “كان من المقرر وصولها إلى المراكز الصحية في المحافظة”.
لا تقتصر تجاوزات المنظمات على خطوط السير، إذ تؤكد الوثائق قيام المنظمات بالتخاطب مع المؤسسات والمكاتب الحكومية بشكل مباشر دون العودة إلى المجلس الأعلى لتنسيق الشؤون الإنسانية لتنسيق إجراءاتها باعتباره الجهة المسؤولة عن ذلك بموجب الاتفاقيات المبرمة بين المجلس والمنظمات.
بيانات غير قانونية
مطلع نوفمبر الجاري، قامت منظمة “كير العالمية” بنقل “بيانات جوازات الموظفين الأجانب عبر مصلحة الهجرة والجوازات” – بحسب وثيقة صادرة عن المنظمة – تتضمن اعتذاراً للمجلس الأعلى عن ذلك، مشيرة إلى أن العملية تمت “بدون قصد”، فيما الجهة المسؤولة عن ذلك هو المجلس وليس المصلحة.
وفي الـ 25 مارس من العام الجاري، بعثت “المؤسسة الوطنية للتنمية والاستجابة الإنسانية” مذكرة رسمية إلى مدير عام مكتب التربية والتعليم في محافظة صعدة تخاطبه بشأن الفصول النظامية المقرر إنشاؤها في المديرية.
تقول الوثيقة إن “المانح (صندوق اليمن الإنساني) وكتلة التعليم الرئيسية لم يوافقا على إنشاء فصول نظامية؛ تحت مبرر أن الحرب مستمرة، وأن التدخلات الحالية تدخلات طارئة”، وتضيف أن “المؤسسة لا تستطيع تجاوز شروط المانح ومواصفات كتلة التعليم، وملزمة بتنفيذ النشاط وفقا لخطة المشروع بإنشاء فصول شبه نظامية”، وهذا التخاطب جرى دون الرجوع إلى المجلس الأعلى للتخاطب معه، وهو تجاوز يتطلب إيقاف التنفيذ حتى يتم التنسيق وفق الطرق المتفق عليها بين المنظمة والسلطات اليمنية.
فعاليات سرية
وتصل بعض تجاوزات المنظمات إلى إقامة فعاليات وأنشطة سرية دون التصريح بها من قبل المجلس، ما يؤدي إلى إيقاف النشاط من قبل الأجهزة الأمنية، بحسب مصادر خاصة لـ “الثورة”، أكدت أن تلك التجاوزات قد تصل إلى إيقاف عمل المنظمة والتحقيق في نشاطها حتى يسلك مسؤولوها الطريق المتفق عليه لاستئناف العمل.
وكشفت وثيقة – حصلت “الثورة” على نسخة منها – تجاوزات شركة “جرانت ثورنتون للاستشارات المحدودة”، من خلال إقامة دورة تدريبية عن مشروع المتابعة والتقييم لمشاريع الأتشا، في يوليو الماضي، دون التنسيق لها مع المجلس، وقبل موافقته على المشاريع أيضاً.
أما “الشركة الدولية للاستشارات الفنية والأعمال”، فقدمت اعتذاراً في سبتمبر الماضي للمجلس الأعلى عن تجاوزاتها خلال الفترة الماضية وعدم اتباعها الإجراءات الصحيحة، داعية إلى إصدار اتفاقية التعاون الأساسية بينهما، ما يعني أن عملها خلال الفترة الماضية جرى بشكل عشوائي ودون إذن الجهة المسؤولة عن إدارة وتنسيق عملها.
وبحسب المصدر الأمني، فإن بعض المنظمات تستغل فرصة عملها الإنساني لتنفيذ مشاريع تخدم قوى العدوان؛ من خلال العمل ضمن إطار الحرب الناعمة والحرب النفسية، كما تستغل معاناة المواطنين لجني المال أو تحقيق اختراق أمني أو استخباراتي أو مجتمعي.