أسرة بين شظف العيش وخيارات التسول بالحديدة ” تفاصيل القصة “
كتب / نبيل العامري
خلف هذا الواقع الذي نعيش فيه ونراه واقعًا مترديًا للغاية؛ ثمة عالم مأساوي يتستر عن واقعنا بجدران متهشمة تحجبه عنا.
منزلٌ واحدٌ يضمُ ثمانية أشخاص، وفي الواقع، هي غرفتان فقط تؤوي عائلة (علي على الله أزيب) وعائلة ابنه المكفوف، غرفتان لا تقيهم حرارة الصيف ولا برد الشتاء؛ ولأن الجدران لم يكتمل بناءها فقد استخدم (الحاج علي) الأغطية القماشية ليخفي بها عيوب غرفتيه، كما أن سقف المنزل عبارة عن طربال بلاستيكي، والجزء الأمامي للبيت مكانٌ صغير مغطى بالزنك لطهي الطعام، إن هطلت الأمطار تمرُ مياهها من خلال الأغطية فيصبح المنزل مبتلا بالكامل.
يستلقي (الحاج علي -71عاما) على بساط التقشف يتلوى من شدة الجوع، بعد أن باع كل ما يملك للعلاج من مرض (الغرغرينا) التي ظلت تنهش قدمه اليسرى حتى قرر الأطباء بترها، فيقول “أصيبت قدمي اليسرى بجرح طفيف، ثم تفشى الجرح في سائر قدمي، لم تكن بيدي حيلة للعلاج من هذا المرض سوى بيع منزلي، وفي نهاية المطاف لم يجد الأطباء بدا من بترها”.
تقدم (الحاج علي) في العمر، فضلا عن الأزمات التي مرت بها البلاد في السنوات الأخيرة، جعلته يترك مهنته السابقة كصياد، ليصبح حمل مصروفات الأسرة ملقيا على كاهل ابنه حسن، خصوصا ووأن أكبر أبنائه (يحيى) مكفوفا، وهو متزوج وله ولد.
# عن مصدر عيش انتهى#
لم تكن تلك مأساة(علي) فقط، فتكاليف علاج ما بعد العملية جعلتهم يبيعون مصدر العيش الوحيد لأفراد الأسرة “ما بئناش امبيت بس، بئنا حتى امتر اللي نتأيش من دخله” (لم نبع البيت فقط، بعنا حتى الدراجة النارية التي نقتات من أجور إيصالاتها)، حيث كان ابنه الأوسط (حسن 26عاما) يعمل على تلك الدراجة ليوفر ما يسد به جوع أسرته وأسرة أخيه يحيى، إلا أن مرض أبيه جعله مضطرا لبيعها، سيما في الأوضاع المتردية التي تعيشها الأسرة.
حسن، الذي صار المعيل الوحيد لأبويه وأخواته وأسرة أخيه، بات بعد مرض أبيه وبيع الدراجة يبحث عمن يعوله هو الآخر، يقول حسن”ليس لدي ما أحكيه، سوى أن أغلب أوقاتنا تمر بدون طعام، إن تغدينا ما نتعشى، وإن تعشينا لا نفطر”.
كلمات (حسن) الموجعة لن تمحوها ذاكرة الإنسانية ووجدانها.
على هامش الحرب في اليمن، يعاني أكثر من 18مليون من الجوع (من أصل 27 مليونا)، أو ما يقرب من ثلثي عدد السكان، لا يعرفون من أين سيحصلون على وجبتهم التالية، وفق تقرير الأمم المتحدة للعام 2017م.
#انعدام خيارات العيش#
يجوب(حسن) كل صباح شوارع الحديدة مشيا على قدميه، يبحث عن عمل، ولكن دون جدوى “اخرج كل يوم من الصباح حتى بعد الظهر، أبحث عن عمل، وفي كل مرة يخيب أملي حتى مللت من ذلك”.
حاولت أسرة (الحاج علي) اللجوء إلى المساعدات الانسانية من خلال المنظمات، ولكن بلاجدوى، ففي كل مرة يعودون خائبين؛ فالتسجيل لدى تلك المنظمات أصبح أمراً صعبا، برغم الحاجة الماسة لأغلب الأسر المحرومة.
ازدادت معاناة أسرة (الحاج علي) وقلت الخيارات المتاحة أمامهم، وتلاشى أملهم في عيش حياة كريمة، حيث قصدوا كل السبل من أجل ذلك؛ ولم يعد سوى منفذ واحد للخروج من تلك المأساة هو منفذ التسول.
المنفذ الذي جعل الكفيف (يحيى) يمد يديه للآخرين، يقصد الأسواق والمساجد ليتسول لقمة العيش هنا وهناك، يبحث عما يشبع جوع أسرته وأخواته “لم يبق لنا أي خيار سوى أن نجعل هذا المسكين (يقصد يحيى) يتسول في الطرقات والبيوت والمساجد، ليوفر لنا لقمة العيش” قالها (الحاج علي) ومرارة العبارات تخنقه؛ فمن عاش كريما يرى مد يده للآخرين إهانة ما بعدها إهانة.
أسرة (علي على الله) نموذج واحد من آلاف القصص التي خبأتها عنا الجدران، ولم تصل إليها كاميرات الإعلام، ولم تدونها سجلات المنظمات الإنسانية، نموذج لواقع مأساوي يعيشه سكان الحديدة جراء حصار اقتصادي وأزمات متتالية نكأت جروح التهاميين،