الطبيعة: واحدة من “أكثر الطرق فعالية” لمكافحة تغير المناخ
ينبغي أن تكون “الطبيعة” جزءا من استراتيجية العمل المناخي في كل بلدان العالم، وفقا للمديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، التي تعتبر أن “الطبيعة واحدة من أكثر الطرق فعالية” لمكافحة تغير المناخ.
قادة العالم سيجتمعون في نيويورك مطلع الأسبوع المقبل للمشاركة في قمة العمل المناخي التي دعا إليها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش. وستكون المديرة التنفيذية، السيدة إنغر أندرسن، حاضرة بين القادة والزعماء لتروج الفكرة “الحلول المستندة على الطبيعة” لمكافحة تغير المناخ.
برنامج الأمم المتحدة للبيئة الذي تديره السيدة أندرسن يدعم واحدا من مسارات العمل المناخي التسعة لهذه القمة، والتي حددها الأمين العام تحت قيادة حكومتي الصين ونيوزيلندا. أخبار الأمم المتحدة سألت السيدة أندرسن كيف يمكن أن تساعد الطبيعة في عكس الاتجاه الذي يأخذه تغير المناخ.
كيف يؤثر تغير المناخ على العالم الطبيعي؟
مناخ العالم يتغير بسرعة وهذه التغييرات واضحة للعيان بشكل يومي. درجات الحرارة العالمية آخذة في الارتفاع، وأنماط هطول الأمطار تتغير، والطقس في أجزاء كثيرة من العالم صار متقلبا للغاية، أكثر من أي وقت مضى، ولا يمكن التنبؤ به. الآثار أصبحت واسعة النطاق؛ الموائل الطبيعية تتغير، والتنوع البيولوجي يتعرض للفقدان، بينما تقطعَّت دورات الزراعة وأصبحت صعوبة الحصول على الماء أكثر شيوعا.
الأخطار الطبيعية، مثل الفيضانات والجفاف والأعاصير وموجات الحرارة، تزداد تطرفا الآن، وتكلّف الدول مليارات الدولارات وتدمّر المنازل والبنية التحتية وسبل العيش. أزمة المناخ تهدد رفاهية حياة الناس وأمنهم الغذائي وتفاقم من الفقر.
في حزيران/يونيو من هذا العام، الأمين العام للأمم المتحدة قال إن العالم بحاجة إلى تهيئة الظروف “للتناغم بين البشرية والطبيعة”.
ما المقصود بالحلول المستندة على الطبيعة؟
الحلول المستندة على الطبيعة هي إجراءات تقوم بحماية النظم الإيكولوجية الطبيعية، أو تلك المعدلة، وتديرها بشكل مستدام. وهي أيضا وتتصدى للتحديات المجتمعية. وبالتالي فإن الحلول المستندة على الطبيعة توفر، في وقت واحد، فوائد لرفاهية الإنسان وللتنوع البيولوجي أيضا. لذلك، سواء كنا نتعامل مع الأمن الغذائي أو تغير المناخ أو الأمن المائي أو مع صحة الإنسان أو مخاطر الكوارث أو التنمية الاقتصادية، فإن الطبيعة يمكن أن تساعدنا في إيجاد السبيل إلى حل.
وتغير المناخ هو جزء مهم جدا من الحلول التي نبحث عنها. فهناك طرق عديدة للتصدي لتغير المناخ، غير أن واحدة من الطرق الأكثر فاعلية وفورية هي أن نستخدم ما هو في متناول اليد: الطبيعة نفسها.
على سبيل المثال، يمكن أن تركز الحلول المستندة إلى الطبيعة على تقليل الانبعاثات الناتجة عن إزالة الغابات والممارسات الزراعية، وبالتالي تعزز قدرة النظم الإيكولوجية الطبيعية على إزالة ثاني أكسيد الكربون من الجو.
علينا أن تذكر أن ثاني أكسيد الكربون هو الذي يساهم في الغازات الدفيئة، والتي تؤدي إلى الاحتباس الحراري.
قمة العمل المناخي التي يعقدها الأمين العام للأمم المتحدة تهيئ لنا لحظة مناسبة لندفع بشكل عاجل بالحلول القائمة على الطبيعة إلى مقدمة العمل المناخي.
ما هي مجموعة الحلول المتاحة؟
معظم حلول تغير المناخ القائمة على الطبيعة تأتي من تقوية أو استعادة النظم الإيكولوجية الطبيعية القائمة أساسا. على سبيل المثال، الغابات لا تمتص الكربون فحسب، بل إنها تحمينا أيضا من أكثر آثاره تدميراً. يمكن أن تعمل أنواع محددة من الأشجار المزروعة بعناية كمصدّات للحريق، ويمكن لزرع الأشجار قبالة الأراضي الزراعية أن تحمي المحاصيل من قوى التآكل التي تسببها الأمطار الغزيرة. كما يمكن للغابات أن تخفف من الفيضانات الداخلية بطريقتها شبة الإسفنجية التي تمتص بها المياه.
وأشجار المانغروف توفر حواجز طبيعية فعالة ورخيصة ضد الفيضانات الساحلية وضد تآكل الخط الساحلي. ويمكن لتغيير ممارساتنا الزراعية على الأرض وحده أن يؤدي إلى 30% من تخفيض الانبعاثات الذي نسعى له لتحقيق أهداف اتـفاق باريس بشأن العمل المناخي، بحلول عام 2030.
استعادتنا لأراضي الخث والنظم الإيكولوجية الطبيعية الأخرى تعد أيضا حلولا فعالة قائمة على الطبيعة.
ما مدى فعالية هذه الحلول وبأي تكلفة مالية؟
الطبيعة متاحة أمامنا الآن وعلينا استخدامها. وليس هناك حلول تكنولوجية سريعة لمعالجة تغير المناخ، بذات القدر من التأثير الذي تقدمه لنا الحلول القائمة على الطبيعة. في الواقع، يمكن أن تقدم هذه الحلول أكثر من ثلث تخفيضات الانبعاثات المطلوبة عالميا، بحلول عام 2030.
الأهم من ذلك، المطلوب بشكل عاجل هو زيادة الاستثمار لفتح إمكانات الطبيعة. فهذه الحلول تتلقى حاليا أقل من 3% من تمويل العمل المناخي المتاح، رغم أنها فعالة للغاية من حيث التكلفة. وهي توفر عائدا مرتفعا جدا على الاستثمار يمكن أن يضيف تريليونات الدولارات إلى الاقتصاد العالمي. على سبيل المثال، يمكن لبناء الجدار الأخضر الكبير – وهو مشروع طموح لوقف التصحر في منطقة الساحل في أفريقيا – أن يخلق 10 ملايين وظيفة في المنطقة بحلول عام 2030، ويمكن أن تكون له فوائد أخرى، بما في ذلك الإبطاء من الهجرات.
ينبغي دمج هذه الحلول في جهود التكيف والتخفيف من آثار المناخ. على الصعيد العالمي، يجب على الحكومات أن تنسق جهودها وأن تلتزم بالاستثمار في هذه الحلول كجزء من سياساتها الوطنية.
ما مدى أهمية الحلول القائمة على الطبيعة في الحرب الشاملة ضد تغير المناخ؟
خلاصة القول هي إنه لا يمكننا الحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى مستوى 1.5 درجة مئوية (أو درجتين مئويتين) دون الحلول المناخية الطبيعية. الحلول القائمة على الطبيعة لديها القدرة على تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بمقدار 12 “غيغاتون” كل عام. هذا يساوي تقريبا الانبعاثات الصادرة من جميع محطات الفحم العاملة في العالم. في الوقت نفسه، من المهم أن نأخذ في الاعتبار أولاً، أن الطموح المتزايد يتطلب منا أن نلتزم بالتحول إلى الطاقة المتجددة وبزيادة الاستثمارات في الطبيعة في آن واحد. ثانيا، إذا لم نعمل على الطبيعة من الآن، فإن قدرتها على حماية الإنسانية ستقل أكثر. إن الطبيعة وحلولها مطروحة كحل للعمل المناخي، ولكن ليس بالقدر الكافي، وعلينا اغتنام الفرصة. الخبر السار هو أن الطبيعة تسامح، وقد حان الوقت لمنحها الفرصة التي تستحقها.
هل هناك مشاريع كافية جارية الآن على مستوى العالم لإحداث تغيير؟
نحن في حالة طوارئ عالمية الآن، ولكننا أيضا نعيش فترة من الزخم لم يسبق له مثيل. إن الشباب يراقبوننا الآن، وفي كل أسبوع نرى حكومة من حكومات العالم تعلن التزامها بالعمل المناخي. الحلول القائمة على الطبيعة متاحة في متناول اليد للاستخدام، وهي فعالة من حيث التكلفة ويمكن زيادتها حسب الحاجة. يمكن لكل دولة في العالم أن تبدأ باتخاذ الإجراءات.
أيضا لدينا العديد من أمثلة النجاح. فعند اكتمال سور الصين الأخضر العظيم في عام 2030، سوف تمتص الأرض المستعادة قدرا من ثاني أكسيد الكربون يعادل وقف محركات كل سيارات كاليفورنيا عن العمل لمدة 3 سنوات ونصف. في النيجر، أدى التحريج وإعادة التشجير الذي يقوده المزارعون إلى تحسين غطاء الأشجار، مما يقلل من وقت النساء في جمع الحطب، من ثلاث ساعات إلى 30 دقيقة. وخفضت مدينة ميدلين في كولومبيا من درجات الحرارة فيها بأكثر من درجتين مئويتين، عبر تحويل أدغالها الخرسانية إلى غابات حضرية.