بالوثائق .. أرواح اليمنيين للبيع في واشنطن
“التعاون الأمني الأميركي مع السعودية ليس شيكا على بياض” هكذا علق نيد برايس المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي في عهد الرئيس باراك أوباما، على مقتل 140 يمنياً بغارة جوية على مجلس عزاء يمني في إبريل/نيسان من عام 2016، وقتها اعتقد بعضهم أن معارضة أميركا للحرب ما هي إلا مسألة وقت، لكن بعد وصول دونالد ترامب إلى الرئاسة في يناير/كانون الثاني 2017 تكرر الأمر، إذ قصفت الطائرات السعودية مرة أخرى عشرات المدنيين في حفل زفاف بمحافظة حجة، مما أسفر عن مقتل 33 شخصًا بينهم 12 طفلا و10 نساء، وجرح أكثر من 55 آخرين.
وبالفعل خرج التحالف السعودي-الإماراتي منتصرا من جديد على منظمات دولية وازنة ضغطت لوقف العمليات العسكرية في اليمن في مسار ممتد، يعتمد على شراء الماكينة السعودية-الإماراتية للدعم الأميركي من أجل تحدي الضغوط الدولية والرأي العام الداخلي لمواصلة الحرب في اليمن، وفق ما تكشف عنه “العربي الجديد” عبر وثائق تُنشر لأول مرة تكشف جانبا من التأثير السعودي الإماراتي على جماعات الضغط في واشنطن.
استراتيجيات الإمارات
من أجل تسهيل مهمة التواصل مع اللوبيات في العاصمة الأميركية، أنشأت الإمارات شركة تحمل اسم “استراتيجيات الإمارات العربية المتحدة” UAE STRATEGIES، وكلّفت مديرة شؤون الكونغرس سابقا في سفارتها بواشنطن، هجير العواض، برئاسة هذه الشركة، وهي التي توقّع العقود نيابة عن دولة الإمارات.
ونشر موقع “العربي الجديد” صورة عقد جديد يجمع “استراتيجيات الإمارات العربية المتحدة” التي تمثل سفارة دولة الإمارات من جهة، وشركة اللوبيات الشهيرة “أميريكان ديفينس إنترناشيونال” American Defense International من جهة أخرى.
الوثيقة وُضعت بيد وزارة العدل الأميركية بتاريخ الثالث من يوليو/تموز 2019. ويُجبر القانون الأميركي المعروف بـ “قانون تسجيل الوكلاء الأجانب” (فارا)، جماعات الضغط على التسجيل لدى وزارة العدل، وجاءت الوثيقة في ست صفحات، وهي عبارة عن عقد يمتد من يوليو/تموز 2019 إلى مايو/أيار 2020.
وينص العقد، الذي وقعته نيابة عن الإمارات هجير العواض، وعن شركة “أميريكان ديفينس إنترناشيونال” كبيرة موظفيها وتُدعى بوني شيندلمان، على أنه “اعتبارا من الأول من يوليو/ تموز 2019 (…) تواصل شركة “استراتيجيات الإمارات العربية المتحدة” التعاقد مع “أميريكان ديفينس إنترناشيونال” لمساعدتها في تقديم الاستشارات الاستراتيجية والعلاقات الحكومية في مجال الدفاع والأمن لفائدة سفارة دولة الإمارات في واشنطن العاصمة ووكلائها وممثليها”.
ويضيف العقد أن جماعة الضغط “أميريكان ديفينس إنترناشيونال” ستقوم بالتسويق للمصالح والسياسات الإماراتية “بما في ذلك التعامل مع صانعي القرار الأميركيين لترويج مصالح وكيلها (الإمارات)، مع التركيز على تعزيز العلاقات الأمنية والدفاعية الثنائية والأمن الإقليمي لدولة الإمارات العربية المتحدة”.
لكن النقطة الأبرز في الوثيقة، التي لا تحمل أي عبارة غامضة أو كلام فضفاض، هو حديث العقد عما سماه “جذب صانعي القرار الأميركيين” لمحاولة إقناعهم بوجهة نظر وسياسات الإمارات. وأكد العقد مرارا ضرورة أن “تُبقي شركة أميريكان ديفينس إنترناشيونال تحت السرية التامة كل معلومة سرية تم الحصول عليها” من الإمارات.
ومقابل هذه الخدمات، ينص العقد على أن الإمارات ستدفع شهريا مبلغ 45 ألف دولار أميركي للشركة، بالإضافة إلى تحمّل “مسؤولية التكاليف اللوجستية والإقامة ورحلات السفر الدولية المطلوبة (لموظفي الشركة)، على أن يكون الحجز في درجة رجال الأعمال”.
وثيقة أخرى موقعة بتاريخ الأول من مارس/آذار 2019 تكشف بشكل أكثر وضوحا طبيعة الخدمات التي تقدمها شركات اللوبيات للإمارات، إذ دفعت الأخيرة أموالا كثيرة مقابل قيام “أميريكان ديفينس إنترناشيونال” بالتواصل مع مشرعين أميركيين وسياسيين لمحاولة إقناعهم بتبني وجهة نظر الإمارات حيال ما يقع في حرب اليمن.
وتكشف الوثيقة لقاءات واتصالات هاتفية أو عبر البريد الإلكتروني بين الشركة وعشرات السياسيين والمشرعين في الكونغرس، دار معظمها حول الوضع في اليمن ودور الإمارات في هذا النزاع، بالإضافة إلى محاولة إقناع المشرعين الأميركيين لتمرير صفقات أسلحة موجهة إلى حرب اليمن. وجرت كل هذه الأنشطة في الفترة ما بين 5 يوليو/تموز 2018 و31 يناير/كانون الثاني 2019.
وعلى سبيل المثال، كشفت هذه الوثيقة التي جاءت في 17 صفحة أن شركة “أميريكان ديفينس إنترناشيونال” اتصلت نيابة عن سفارة دولة الإمارات العربية المتحدة في واشنطن، في السابع من سبتمبر/ أيلول 2018، بمكتب السيناتور الديمقراطي عن ولاية نيو مكسيكو مارتن هاينريش، وهو أيضا عضو لجنة القوات المسلحة في الكونغرس، وركز الاتصال حسب الوثيقة، على “الوضع في اليمن” و”صفقة شراء الإمارات للقنابل الموجهة بالليزر، المعروفة بـ”بيفواي Paveway”.
وهذا النوع من القنابل الذي تُصنّعه شركة ريثيون Raytheon استُخدم لاستهداف حفل الزفاف في محافظة حجة اليمنية في إبريل 2018، بحسب تقرير لمفوضية الأمم المتحدة بتاريخ 28 آب/ أغسطس 2018. وجاء الاتصال بهذا السيناتور في وقت تنادي أصوات بحظر تصدير هذه الأسلحة إلى الإمارات والسعودية حتى يتوقف استهداف المدنيين في اليمن.
وتظهر الوثيقة أيضا أن الأشهر التي أعقبت هذا الحادث شهدت نشاطا كبيرا لشركة “أميريكان ديفينس إنترناشيونال” من أجل إقناع المشرعين الأميركيين بعدم إقرار قانون وقف الدعم العسكري الذي تقدمه الولايات المتحدة للتحالف بقيادة السعودية في اليمن. وقد جاء هذا إثر توالي استهداف المدنيين وتعالي الأصوات المنددة باستمرار هذه الحرب داخل الكونغرس والإعلام الأميركيين.
وتواصلت الشركة مع عضو مجلس الشيوخ عن ولاية ميريلاند، بن كاردان، في الـ 24 من أكتوبر 2018، لمناقشة الوضع السياسي في اليمن، وهو ما تم بالفعل، دون تحديد نتيجة هذه الاتصالات. كما تواصلت الشركة نيابة عن الإمارات، في الـ 30 من يناير/كانون الثاني، مع عضو مجلس النواب عن الحزب الديمقراطي، إليوت إنغل، للحديث أيضا عن دور الإمارات في اليمن.
وتكشف الوثيقة عن اتصالات بين هجير العواض وبعض كبار السياسيين داخل الكونغرس على غرار آدم شيف، رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس النواب الأميركي، لترتيب لقاء بينه وبين السفير الإماراتي يوسف العتيبة في واشنطن.
وبين أكتوبر 2018 ويناير 2019، طلبت الإمارات لقاءات بالجملة لسفيرها في واشنطن مع عدد كبير من المشرعين الأميركيين لمناقشة حرب اليمن، وصفقات الأسلحة، بالإضافة إلى الضغط على المشرعين الأميركيين لمعارضة مشروع قرار في الكونغرس لوقف الدعم الأميركي للتحالف بقيادة السعودية.
وخلال هذه الفترة طلب يوسف العتيبة لقاءات مع السيناتور الديمقراطية جين شاهين، والسيناتور بوب مينينديز، والنائبين عن الحزب الجمهوري ستيف سكاليز وآدم سميث، بالإضافة إلى النائبين عن الحزب الديمقراطي بيت فيسكلوسكي ودونالد نوركروس.
وتظهر الوثيقة أن الإمارات دفعت للشركة مقابل هذه الخدمات 270 ألف دولار في فترة زمنية وجيزة ما بين الـ 20 من أغسطس/آب 2018 إلى الـ 30 من يناير/كانون الثاني 2019، وهو ما يعني أن الإمارات تدفع لهذه الشركة 45 ألف دولار شهريا كأجر صاف، بالإضافة إلى الامتيازات الأخرى المذكورة في العقد (مثل تغطية التكاليف اللوجستية والإقامة ورحلات سفر موظفي الشركة).
وتكشف الوثيقة أيضا أن الشركة دفعت إلى مجموعة من المشرعين داخل الكونغرس تبرعات مالية خلال الفترة التي تعاقدت فيها مع الإمارات، وهو ما يشبه مكافآت مالية للمشرعين على مواقفهم المؤيدة للإمارات. ووصلت المبالغ التي دفعتها الشركة إلى بعض هؤلاء السياسيين إلى 10 آلاف دولار، كما دفعت الشركة ما يزيد على 30 ألف دولار كتبرعات للحملات الانتخابية لأزيد من 30 مشرعا – جمهوريين وديمقراطيين- في الكونغرس.
ويقول الخبير في اللوبيات بن فريمان، صاحب كتاب “مزاد السياسة الخارجية” The Foreign Policy Auction، لـ “العربي الجديد” إن “الإمارات تشتري المشرعين بطريقة لا تخالف القانون الأميركي، لكنها مؤسفة لنظامنا السياسي”.
ويضيف أن التبرعات المكشوفة في سجلات وزارة العدل ليست سوى غيض من فيض، “فأنت تعرف بأن الحملات الانتخابية أصبحت جد باهظة في أميركا. لكي تفهم لماذا تقوم شركات اللوبيات بالتبرع بألف أو ألفي دولار لفائدة الحملات الانتخابية لبعض المشرعين، وهي مبالغ قليلة جدا مقارنة بما تكلّفه هذه الحملات أقول لك ما يلي: هذه التبرعات هي رأس جبل الجليد، لكن هناك الكثير من المال الذي يتدفق على المشرعين المؤيدين للسعودية والإمارات والذي لا نستطيع تتبعه، لأنه يأخذ شكل “لجان العمل السياسي” أو سوبر باكس Super PACs”.
ويؤكد بن فريمان، ويعمل حاليا مديرا لمبادرة “الشفافية والتأثير الأجنبي”، وهي منظمة تعمل على كشف كيفية تأثير الحكومات الأجنبية على السياسة العامة والانتخابات في الولايات المتحدة، أن “الطريقة الثانية التي تستخدمها شركات اللوبيات لإخفاء حجم الأموال التي تدفعها للسياسيين هي ما يسمى “تجميع التبرعات” Bundling Campaign Contributions، أي أن تقوم شركات اللوبيات باستضافة حفل عشاء لجمع التبرعات لسيناتور أو نائب بالكونغرس داعم للسياسة الإماراتية. هنا يمكن أن تجمع شركة اللوبيات ما يزيد عن نصف مليون دولار في الليلة الواحدة. ومع الأسف، لا نعرف حجم هذه التبرعات بالضبط، لقصور قانوني في هذا المجال”.
ويتفق موظف اللوبيات السابق والخبير في جماعات الضغط، سانجاف بيري، ويعمل حاليا مديرا تنفيذيا لمنظمة “فريدوم فوروارد”، التي تعارض تعاقد اللوبيات في واشنطن مع الأنظمة الديكتاتورية في العالم الثالث، مع بن فريمان إذ يقول “جماعات الضغط تدفع مبالغ مالية كبيرة بطرق ملتوية عبر أصدقائهم، بمعنى أنهم يدفعون المال عبر جهة ثالثة، وهذا النوع من التبرعات لا يتم تسجيله لدى وزارة العدل، وهنا يكمن المشكل الكبير، لأن الملايين الحقيقية يتم دفعها بهذه الطريقة المشبوهة”.
“جماعات الضغط تتلقى الأموال بشكل مباشر في صيغة عقود كما هو مبين في الوثائق التي بين يديك. لكن ما يجب الإشارة إليه هو أن الإمارات تتعاقد مع الكثير من الشركات لممارسة الضغط من كل الجوانب”، يوضح بيري قائلا لـ”العربي الجديد” إن “هناك ترابطا مصلحيا شديدا بين المال والسياسة في واشنطن. وقد ظهر بشكل واضح في حرب اليمن، فاللوبيات تحاول إخفاء ما تقوم به المملكة العربية السعودية والإمارات في اليمن مقابل الملايين من الدولارات”.
واتصلت “العربي الجديد” بسفارة الإمارات في واشنطن، لكنها لم تتلق أي رد، كما اتصلنا أيضا بهجير العواض، رئيسة شركة “استراتيجيات الإمارات العربية المتحدة”، لكنها لم ترد هي الأخرى على الاتصالات الهاتفية ورسائل البريد الإلكتروني.
وإلى جانب الاتصالات السابقة تواصلت “العربي الجديد” مع شركة “أميريكان ديفينس إنترناشيونال”، لكنها رفضت الخوض في تفاصيل العقد مع الإمارات، معتبرة أنها تعمل وفق القانون الأميركي، وتحترم أيضا سرية العقود التي تربطها بالزبائن.
لوبي السعودية
تكشف الوثائق التي حصلت عليها “العربي الجديد” أن المملكة العربية السعودية تعاقدت مع شركة لوبيات اسمها “مكيون غروب” McKeon Group لمدة ستة أشهر.
ووضعت “مكيون غروب” الوثيقة بيد وزارة العدل الأميركية بتاريخ الـ 29 من يونيو/ حزيران 2018، كما يؤكد ذلك “قانون تسجيل الوكلاء الأجانب” (فارا).
وجاءت الوثيقة في سبع صفحات، وهي عبارة عن عقد ينتهي في 31 مايو/أيار 2020. ووقع على العقد سفير المملكة العربية السعودية لدى الولايات المتحدة، الأمير خالد بن سلمان من جهة، ومن جهة أخرى هوارد مكيون، المدير العام لشركة “مكيون غروب”.
وينص العقد على أن “مكيون غروب” ستمثل السعودية من خلال “العمل مع أعضاء الكونغرس وموظفيهم للحفاظ على العلاقات الأمنية المتبادلة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، بالإضافة إلى الدفاع عن مصالح السعودية وتمثيل سفارتها”.
ومقابل هذه الخدمات تدفع السعودية لـ “مكيون غروب” شهريا مبلغ 50 ألف دولار، بدون النفقات والمصاريف الأخرى عندما تتعدى قيمتها 500 دولار، إذ يتم إدراجها في الفاتورة الشهرية للسعودية.
وتتعهد “مكيون غروب” بالحفاظ على السرية التامة لكل المعلومات التي تحصل عليها من سفارة السعودية، كما تتعهد بأن تستخدم هذه المعلومات لغرض واحد وهي خدمة أجندة السعودية وفق العقد الموقع بين الطرفين، كما يمنح العقد السعودية حق خرق العقد في حال تسريب معلومة سرية من قبل أحد موظفي الشركة.
وفي هذا الصدد، يقول الخبير في جماعات الضغط، جيمس آلان الباحث في مبادرة التأثير الأجنبي بمركز السياسة الدولية (تقدمي)، إن “السعودية تعاقدت مع شركة أسسها أحد السياسيين الجمهوريين البارزين، وتشتغل بهذه الطريقة: السعودية تدفع للشركة، وهذه الأخيرة تدفع للسياسيين. إنها طريقة قريبة من دفع الرشوة”.
ويضيف “في حالات كثيرة يقوم المشرعون في الكونغرس باعتزال السياسة والاشتغال في شركات اللوبيات، والمثال واضح أمامك وهو هوارد باك مكيون، فالرجل كان رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب. كان يتعامل مع لوبيات الأسلحة ودول مثل السعودية، واليوم أصبح هو نفسه رئيس أكبر لوبي قوي ويمثل شركات الأسلحة الكبرى، بالإضافة إلى بلدان مستبدة، مثل السعودية”.
وتابع :”لقد حصد الرجل تبرعات اللوبيات عندما كان سياسيا، واليوم يجمع الأموال مجددا من تعاقد شركته مع النظام السعودي الذي يقتل الأبرياء في اليمن”.
وتنص وثيقة أخرى، وعدد صفحاتها 12، على طبيعة الخدمات التي تقدمها هذه الشركة للسعودية، منها ممارسة ضغوط سياسية في الكونغرس ضد مشاريع القوانين التي من شأنها أن تؤثر سلبا على صفقات الأسلحة الأميركية للسعودية. وقد تلقت الشركة نظير هذه الخدمات مبلغ 420.148.21 في ستة أشهر.
وفي الفترة التي قدم فيها السيناتور الاشتراكي، بيرني ساندرز، والجمهوري، مايك لي، مشروع قانون لإنهاء التدخل الأميركي في حرب اليمن، تشير الوثيقة التي حصلنا عليها إلى أن الشركة أجرت العديد من المكالمات الهاتفية وأرسلت رسائل بريد إلكتروني متعددة إلى أعضاء مجلس الشيوخ ومجلس النواب مع اقتراب التصويت على مشروع القرار.
وجرت أبرز هذه الاتصالات قبل أسبوعين بالضبط من التصويت على القرار. فقد اتصلت “مكيون غروب” نيابة عن الرياض في الـ 14 من نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 بالسيناتور الجمهوري في أوكلاهوما جيم إينهوف، الرئيس الحالي للجنة القوات المسلحة.
تم الاتصال بمكتب إينهوف مرة أخرى في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني، أي يوما واحدا قبل التصويت على مشروع قانون إنهاء الدعم العسكري الأميركي للحرب التي تقودها السعودية في اليمن.
وكما تفعل شركة “أميريكان ديفينس إنترناشيونال” لمكافأة المشرعين الذين يساعدون الإمارات في واشنطن، قدمت شركة “مكيون غروب” مبلغا قيمته ألف دولار إلى السيناتور إينهوف. في النهاية، صوّت إينهوف مؤيدا استمرار الدعم العسكري للسعوديين. وفي هذا الصدد، يؤكد بن فريمان أن “تبرعات من حجم ألف أو ألفي دولار تستخدم لشراء بطاقة الدخول واللقاء بأحد المشرعين. فنحن نعرف بشكل لا يشوبه الشك اليوم أن سيناتورا أو نائبا في الكونغرس أكثر ميلا لعقد لقاء مع شخص تبرّع لحملته الانتخابية من شخص لم يقدم أي تبرعات. إنها الطريقة التي يعمل بها النظام السياسي الأميركي”.
ويضيف “عندما تقابل شركة لوبيات أحد المشرعين وتقنعه بتأييد السعودية، حينئذ تستطيع أن تجمع له تبرعات قد تتجاوز نصف مليون دولار، بطرق لا تخضع لسجلات وزارة العدل، مثل لجان العمل السياسي”.
واتصلت “العربي الجديد” بشركة “مكيون غروب”، لكن أحد ممثليها رفض الرد على الأسئلة. ووفق سجلات وزارة العدل، فقد دفعت شركة “مكيون غروب” حوالي 50 ألف دولار تبرعات للحملات الانتخابية لأزيد من 47 مشرعا في الكونغرس وهيئات سياسية أخرى في مدة تقل عن ستة أشهر. وكل تبرعات هذه الشركة ذهبت إلى المشرعين الجمهوريين وهيئاتهم السياسية.
ومن أبرز المستفيدين من تبرعات هذا اللوبي: حملة السيناتور جيم إينهوف (جمهوري) وحملة النائب السابقة كلوديا تيني (جمهوري) وحملة السيناتور روجر ويكر (جمهوري) وحملة السيناتور بن ساسي (جمهوري) وحملة النائب روي بلانت (جمهوري) وحملة النائب دنكان هنتر (جمهوري).
ويعتبر تيم لابيرا أستاذ العلوم السياسية بجامعة جيمس ماديسون وخبير في جماعات الضغط، أنه “سواء استفاد المشرعون في الكونغرس من دولار واحد أو آلاف الدولارات، فهذه مسألة جد مزعجة بالنسبة للذين يرفضون أن يتدخل حكام دول أخرى في السياسة الأميركية عبر شراء الولاءات”.
ويضيف صاحب كتاب “اللوبيات: الخدمة العامة، والمصالح الخاصة، والتمثيل غير المتكافئ للمصالح”، أن “الطريقة التي تأخذ بها شركات اللوبيات الأموال من دول أخرى ثم لاحقا تقوم بدفع أموال للحملات الانتخابية لبعض المشرعين في الكونغرس مسألة جد مزعجة. إنها باختصار تعني أن مشرعين في الكونغرس لا يمثلون الشعب الأميركي إنما السعودية أو الإمارات، وهكذا يتلاعب المال الأجنبي بالسياسة الأميركية”.
ويوافق بن فريمان لابيزا، إذ يرى أن “السياسة الأميركية في عهد ترامب صارت مخترقة من السعوديين والإماراتيين. فقد دمر هذا التحالف بتواطؤ من اللوبيات، اليمن. كما صنعوا صورة مختلفة في الإعلام ولدى الأميركيين لما يجري هناك”.
ويضيف لـ “العربي الجديد”: “سواء اعتبرتَ ما يقع بين اللوبيات والمشرعين رشوة أم لا، فإن هذا يقودنا إلى سؤال عميق عما يقوم به صانعو القرار في أميركا لقاء التبرعات التي يحصلون عليها، هل يمنحون أصواتهم للسعودية والإمارات مقابل هذه التبرعات؟ هل يخففون لهجتهم حيال التحالف السعودي في اليمن؟ هل يقايضون مواقفهم في مقابل المال؟”.
للرد على ما سبق اتصلت “العربي الجديد” بالسفارة السعودية في واشنطن للحصول على رأيها، لكن لم نتوصل إلى أي تعقيب، كما حاولنا أيضا الحصول على رد من سلمان الأنصاري، رئيس لجنة العلاقات العامة الأميركية السعودية، لكن لم نتوصل إلى أي رد منه.
مصلحة متبادلة
أكثر ما يثير الانتباه في شركات اللوبيات التي تتعامل معها السعودية والإمارات، هي أنها تمثل أيضا أقوى شركات تصنيع الأسلحة في الولايات المتحدة، فشركة “أميركان ديفينس إنترناشيونال” و”مكيون غروب” تتعاقدان مع زبائن لهم الأجندة نفسها، إذ تضغط حينا لصالح دول تسعى إلى تأمين صفقات الأسلحة وأحيانا أخرى تمثّل تجار الأسلحة الكبار على مستوى العالم. ويسمح هذا النموذج بإرضاء كل العملاء، وفي الوقت ذاته يجبر السياسيين الأميركيين على مقايضة مواقفهم مقابل المال، وفي النهاية يستفيد الجميع وتبقى الولايات المتحدة متورطة في نزاع اليمن ضدا عن إرادة الرأي العام الأميركي.
وتعد “أميركان ديفينس إنترناشيونال” American Defense International، التي تتعاقد معها الإمارات، ضمن أكبر شركات اللوبيات في واشنطن ولديها قاعدة عملاء في جميع أنحاء العالم، إذ تمثل أكثر من 100 منظمة في 11 دولة مختلفة. موظفوها يتمتعون بشبكة علاقات كبيرة، فمعظمهم إما كبار المسؤولين الحكوميين السابقين أو ضباط الجيش أو مساعدون في الكونغرس، وفق ما يظهر على موقعها الإلكتروني.
ويترأس هذه الشركة مايكل هيرسون وهو جمهوري، موظف سابق في البنتاغون، كما اشتغل أيضا في البيت الأبيض.
وتمثل “أميريكان ديفينس إنترناشيونال” أربعة من عمالقة صناعة السلاح في العالم:”ريثون” و”جنرال دايناميكس” و”نورثروب غرومان “وجنرال أتوميكس”.
أما “مكيون غروب” McKeon Group، فيقودها عضو الكونغرس الجمهوري السابق ورئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب سابقا، هاورد مكيون. أمضى مكيون حوالي 25 عاما نائباً في الكونغرس ممثلا للدائرة الخامسة في ولاية كاليفورنيا. نسج خلالها شبكة علاقات هائلة مع السياسيين وشركات بيع الأسلحة. وبالعودة إلى الأرشيف يظهر أن أكبر المساهمين في حملاته الانتخابية هما شركتا “لوكهيد مارتن”، و”نورثروب غرومان”. وحسب “مركز السياسات المستجيبة” وهي مجموعة بحثية غير هادفة للربح مقرها واشنطن العاصمة- فقد تبرعت “لوكهيد مارتن” بـ192,900 دولار للسيناتور هاورد مكيون، وتلقى من “نورثروب غرومان” مبلغ 190,200 دولار، كما تبرعت شركة “أيروسبيس ديفانس” لحملته بـ813,700 دولار خلال الفترة عام 1991 وحتى عام 2014 أي منذ دخل إلى الكونغرس وحتى خرج.
منذ ثلاث سنوات وهذه الشركة تمثل السعودية في واشنطن، بالإضافة إلى شركات الأسلحة خاصة “لوكهيد مارتن”، و”نورثروب غرومان”، و “إل3 تكنولوجيز”، و “إم بي دي إيه” المتخصصة في صناعة الصواريخ. وتمثل “مكيون غروب” السعودية وتجار الأسلحة في الوقت نفسه لزيادة الضغط على المشرعين في الكونغرس من أجل تمرير صفقات الأسلحة واستمرار أميركا في دعم التحالف بقيادة السعودية في اليمن.