ما سر الامعان الإماراتي السعودي بسفك دماء المدنيين في اليمن؟
نشر موقع “بيلنغكات” الاستقصائي تقريرا، يقول فيه إنه أجرى تحليلا لعشرين حادثة ناتجة عن غارات جوية سعودية إماراتية منذ بدء الحملة في 25 آذار/ مارس 2015.
ويشير التقرير، إلى أنه تم تطوير الأسلوب الذي يتبعه المحققون، بالتعاون مع محامين في شبكة Global Legal Action Network، التي أوجدت لزيادة مصداقية المعلومات في حال استخدامها أدلة أمام القضاء، مشيرا إلى أنها تتضمن استخداما للتكنولوجيا يسجل الخطوات التي اعتمد عليها المحققون، ويحتفظ بالأدلة التي اعتمد عليها في التقارير.
الغارات المزدوجة على الأسواق
ويقول الموقع إنه من بين العشرين غارة على الأسواق التي قام فريق “بيلنغكات” بالتحقيق فيها، وقعت سبع غارات منها في النهار، حيث تكون الأسواق في الغالب مكتظة، مشيرا إلى أنه من خلال استخدام المعلومات المتوفرة من المصادر العامة لم يستطع الباحثون التعرف على الأهداف العسكرية لكثير من الغارات في المجموعة التي تم التحقيق فيها، ما يشكك في شرعية تلك الهجمات.
ويستدرك التقرير بأنه حتى في ضوء التعرف على أهداف عسكرية محددة، فإن الهجوم على مثل هذه الأماكن يتسبب بقتل وجرح عدد أكبر مما يجب من المدنيين، مشيرا إلى أن الأذى الفاضح للمدنيين كان في بعض الحالات ممكن التوقع، ما يشير إلى أن أعضاء التحالف قاموا متعمدين بهجمات عشوائية وغير متكافئة.
ويذكر الموقع أنه في صباح 6 تموز/ يوليو 2015 تسببت غارة جوية على سوق في محافظة لحج في جنوب اليمن في مقتل 40 شخصا، بحسب منظمة العفو الدولية، لافتا إلى أنه من خلال صور الأقمار الصناعية استطاع موقع “بيلنغكات” أن يستنتج أن موقع الهجوم كان سوقا مزدحمة للمواشي بالقرب من محطة وقود وغيرها من الخدمات، مثل سوق قات ومطعم، وكانت طاولات الباعة واضحة في منتصف الشارع في صور الأقمار الصناعية من “غوغل إيرث برو”، التي حصل عليها في 2015 و2016.
ويلفت التقرير إلى أن صحافيي “بيلنغكات” قاموا بتفحص الصور والفيديوهات التي نشرها الصحافيون المحليون بعيد وقوع الهجوم، وتعرفوا على حفرتين كبيرتين تسبب فيهما الهجوم، وهو ما قد يشير إلى هجوم مزدوج، وهو أسلوب مستخدم تتبع فيه الضربة الأولى ضربة ثانية تصيب الأشخاص الذين يتجمعون بعد الضربة الأولى، وعادة ما تقتل هذه الضربة أعضاء فرق الإنقاذ الذين يهرعون إلى مكان الهجوم.
وينوه الموقع إلى أنه بشكل مشابه في 12 أيار/ مايو 2015 في حوالي الساعة 16:15 في بلدة الزبيد الساحلية في محافظة الحديدة، أصابت أكثر من قذيفة بناية تم التعرف عليها من “بيلنغكات” على أنها مطعم، وكانت البناية بالقرب من سوق، مشيرا إلى أنه بحسب منظمة “هيومان رايتس ووتش”، فإن الهجوم تسبب في مقتل 60 شخصا، بما في ذلك 13 امرأة و8 أطفال.
ويبين التقرير أنه من خلال تحليل فيديو تم تحميله على الإنترنت من شهود عيان، فإنه يمكن رؤية غمامتين متميزتين ناتجتين عن ضربتين للبناية، فيما أظهرت مواد أخرى متوفرة الأضرار التي لحقت بالبناية والجرحى والقتلى، مشيرا إلى أن إلقاء قنبلة ثانية وثالثة هو دليل إضافي على أن التحالف لا يهتم بحياة المدنيين كما يقتضي القانون الدولي.
المسؤولية
ويؤكد الموقع أنه بالإضافة إلى الأسواق، فإن التحالف أظهر استخفافا مخيفا بحياة المدنيين من خلال الاستهداف المتكرر لمناطق مكتظة بالناس، مثل قصف أعراس وبيوت عزاء في أنحاء اليمن، ولم تستثن حتى مراكز الاحتجاز، ما تسبب في مقتل عشرات المعتقلين، لافتا إلى أنه تم قصف بناية في 12 أيار/ مايو 2015 في حجة، تم التعرف عليها من باحثي “بيلنغكات” من خلال استخدام فيديوهات تعود إلى الفترة 2009 و2013، بأنها مركز اعتقال، وشكل ذلك الهجوم أول ضربة قام بها التحالف في سلسلة ضربات استهدفت السجون التي لا تزال تعمل.
ويشير التقرير إلى أنه تم شجب الفريق المشترك لتقييم الحوادث (JIAT)، الذي تم إنشاؤه من التحالف السعودي الإماراتي ردا على الادعاءات باحتمال خرق القانون الإنساني الدولي، باعتباره غير فعال، من “هيومان رايتس ووتش” ومجموعة خبراء الأمم المتحدة، مشيرا إلى أن تحقيقات “بيلنغكات” تدعم ذلك الشجب، فمثلا بالنسبة لقصف سجن عبس، قال الفريق المشترك إن الضربة استهدفت مخزنين للأسلحة في عبس في 13-5-2015، ادعى أنهما كانا يستخدمان من الحوثيين، وادعى الفريق أنه لم يتم استهداف سجن عبس، وأن البنايات المستهدفة كانت تبعد 900 و1300 متر من السجن، كما أن الفريق توصل إلى أن الهجومين على سوقي الزبيد والفيوش لم يقعا نهائيا.
ويقول الموقع إن “إنكار الفريق للهجمات التي حقق فيها موقع (بيلنغكات) لم يكن الوحيد ولا الفريد في طبيعته، لكنه يمثل نمطا من انعدام المساءلة الذي ميز عمل الفريق في اليمن، ولم يقم فريق (JIAT) إلا بالتحقيق في 10 حوادث من المجموعة، وفي سبعة من التقارير توصل الفريق إلى عدم وقوع هجمات، أو اكتشف حقائق تبدو غير صحيحة لإعفاء التحالف من المسؤولية”.
ويلفت التقرير إلى أن فريق (JIAT) اعترف فقط بالضربة في هجوم 9 آب/ أغسطس 2018 على حافلة الأطفال في محافظة صعدة، وأعرب عن نيته محاسبة المسؤولين عن التخطيط والتنفيذ، مستدركا بأن شجب الفريق لتلك الضربة اقتصر على ضرب الباص، في الوقت الذي كان فيه موجودا في سوق، “ما تسبب بأضرار غير متكافئة للمدنيين ما يعد مخالفا للقانون الدولي”، ولم يعترف بأن ركاب الحافلة كانوا أطفالا.
ويقول الموقع إنه “حتى لو كان على الحافلة عسكريون ذوو قيمة عالية بالإضافة إلى الأطفال، فإنه يجب على جهاز محاسبة، مثل فريق (JIAT)، أن يتعامل مع موت الأطفال، ويشرح لماذا يمكن اعتبار موتهم أضرارا جانبية مشروعة”.
ويفيد التقرير بأن “الغارات الجوية التي تسببت بأضرار للمدنيين استمرت حتى في عام 2019، فمثلا، حققنا في غارة جوية وقعت في 16 أيار/ مايو 2019، أصابت منطقة مكتظة بالسكان في العاصمة اليمنية، ودمرت عددا من الممتلكات، وقتلت أطفالا، وفي أمس فقط ظهرت تقارير بأن مرفق احتجاز حوثيا ضرب في غارة جوية قتل فيها 100 شخص، وكان الصليب الأحمر الدولي قد قام بزيارة هذا المرفق، وتمت مناقشة ما توصل إليه (بسرية مع السلطات المعنية)”.
مسؤولية الحلفاء
وينوه الموقع إلى أن حليفتي تحالف العدوان السعودي على اليمن، أمريكا والمملكة المتحدة، التزمتا منذ بداية العدوان بإمداد السعودية والإمارات بما تقدر قيمته بالمليارات من الأسلحة، ما يساعد على بقاء الصراع مشتعلا، مستدركا بأنه بالرغم من تقديم هذا الدعم العسكري الضخم، فإن كلا من أمريكا والمملكة المتحدة أهملتا ادعاءات خرق التحالف للقانون الإنساني الدولي، واحتمال ارتكاب جرائم حرب، التي جرت فيها تحقيقات مستقلة، حتى عندما تم ربط ذلك بالأسلحة المقدمة منهما بشكل مباشر.
ويجد التقرير أن “هذا التجاهل للمساءلة له آثار مدمرة على الشعب في اليمن، وسمح استمرار المجتمع الدولي بإمداد السعودية والإمارات بالأسلحة دون شروط للتحالف بالفشل المتكرر للدفع نحو المساءلة لانتهاكات القانون الدولي، وبالنتيجة أدى الفشل في الاعتراف بالأضرار المدنية خلال الصراع إلى استمرار الغارات الجوية في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية.”
ويشير الموقع إلى أن الحملة ضد الاتجار بالسلاح (CAAT) في المملكة المتحدة تحدت قرار الحكومة بترخيص تصدير المعدات العسكرية للسعودية، وفي 20 حزيران/ يونيو 2019 حكمت محكمة الاستئناف بأن بيع المملكة المتحدة الأسلحة للسعودية للاستخدام في اليمن غير قانوني، مستدركا بانه بالرغم من الأدلة على خطورة استخدام الأسلحة البريطانية في غارات غير قانونية، فإن الحكومة البريطانية استأنفت قرار المحكمة، ولم تتخذ قرارا بعد عما إذا كانت ستمنح رخص تصدير لمزيد من الأسلحة للسعودية.
ويختم “بيلنغكات” تقريره بالقول إن “من المهم للحكومة أن تعرف الخطوات التي اتخذها التحالف للتعامل مع الانتهاكات، وبناء على تحقيقات (بيلنغكات) يبدو أن تلك الخطوات لم تكن إلا رمزية، ولم تتم إلا رد فعل للغضب الدولي العارم”.