الأمين العام يثني على مرونة شعب موزامبيق مؤكدا استمرار دعم الأمم المتحدة للمناطق التي ضربها الإعصار

 أطفال عازمون على التعلم في فصول دراسية بلا أسطح، ونساء صامدات يزرعن بدون توفر أدوات أو أراض مناسبة، وأشخاص ممتنون لأنهم نجوا من إعصار دمر سبل عيشهم، من بين ما شهده اليوم الثاني والأخير لزيارة الأمين العام أنطونيو غوتيريش إلى موزامبيق. هؤلاء يجسدون مرونة وتصميم شعب على المضي قدما بالرغم من الصعاب الهائلة التي تكبدها نتيجة كوارث لا يد له فيها…

 

شيء رائع حدث في وقت مبكر من يوم الجمعة، أثناء زيارة الأمين العام للمناطق المتأثرة بإعصار إيداي، عندما سأل السيد غوتيريش مجموعة طلاب: “من منكم دمر منازله بسبب الإعصار؟”

 

في ذلك الفصل الدراسي المزدحم وتحت أشعة الشمس الحارقة حيث لم يتبق شيء يذكر من السقف بعدما ضربته رياح بلغت سرعتها 195 كيلومترا في الساعة خلال الإعصار، رُفعت تقريبا جميع الأيادي الصغيرة ردا على السؤال الذي طرحه الأمين العام.

 

وتقع المدرسة، التي تسمى “إسكويلا دي 25 خونيو” في بيرا، وهي ثاني أكبر مدن موزامبيق وحيث تضررت 90٪ من مجمل البنية التحتية فيها خلال إعصار إداي الذي ضرب يومي 14 و15 مارس / آذار. وبينما يكافح الناس لاستعادة حياتهم وإعادة بناء منازلهم، تستضيف المدرسة ما يقرب من 5 آلاف طفل، مقسمين على ثلاث فترات دراسية في صفوف تستقبل في كل فترة حوالي 90 طالبا.

 

الأمم المتحدة مكان تجتمع فيه الدول لمحاولة حل مشاكل العالم. في بعض الأحيان تكون الدول قادرة على إيجاد حل، وفي أحيان أخرى… لا تفلح- الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش.

 

جال الأمين العام على المدرسة، برفقة مديرها فريدريكو فرانسيسكو. وبالانتقال من فصل إلى فصل، كان المدير يقدم السيد غوتيريش إلى التلاميذ ويذكّرهم بـ “الزيارة الخاصة جدا” التي تحدثوا عنها، مضيفا أن أمين عام الأمم المتحدة “جاء من بعيد جدا لأنه سمع عما حدث هنا”.

 

عندما أخذ المدير فرانسيسكو أمين عام الأمم المتحدة إلى فصل مؤقت يتم تنظيمه في وسط باحة، بسبب نقص المساحة، قال له السيد غوتيريش واعدا: “ستحصل على مدرسة جميلة”.

 

وفي فصل دراسي آخر، حث الأمين العام الأطفال على “الاستمرار في الدراسة، وتعلم موادهم جيدا، حتى يصبحوا مهندسين وأطباء” ليساعدوا منطقتهم على التعافي.

 

وفي صف آخر، شرح الأمين العام ما تمثله الأمم المتحدة، قائلا “إنها مكان تجتمع فيه الدول كلها لمحاولة حل مشاكل العالم. في بعض الأحيان تكون الدول قادرة على إيجاد حل، وفي أحيان أخرى… لا تفلح”.

 

من بين الأجنحة الخمسة في هذه المدرسة المتضررة، بقي هيكل واحد صامدا. وكانت المدرسة قد افتتحت أبوابها في شباط/فبراير من هذا العام، قبل كارثة الإعصارين. تم بناؤها بدعم من برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية أو الموئل كمثال على كيفية بناء مبان مقاومة للأحداث المناخية القاسية. “هذا مثال رائع على ثقافة المرونة، وكيف يمكن أن تصمد المباني عندما يتم تشيدها بالطريقة الصحيحة”، أشار السيد غوتيريش. في جميع أنحاء موزامبيق، دعمت نفس المبادرة التي وفرها برنامج الموئل بناء ثلاثة آلاف فصل دراسي مرن.

 

الأمين العام يتعهد بدعم الأمم المتحدة للأكثر ضعفا
في أحد تلك الصفوف التي دعمها الموئل، التقى الأمين العام بمجموعة من الأشخاص ذوي الإعاقة وبشخص مصاب بالمهق، بالإضافة إلى بعض الأشخاص الأكثر ضعفا المتأثرين بالكارثة.

 

الأمم المتحدة ملزمة ببذل كل ما في وسعها لتقديم المساعدة، وخاصة للأشخاص الأكثر ضعفا، الذين عانوا أكثر من غيرهم  جراء هذه المأساة- الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.

 

أورلاندو ماتشبيسا، البالغ من العمر أربعة وأربعين عاما، أخبر غوتيريش أن “الأشخاص ذوي الإعاقة يعانون أكثر بضعفين” من بقية السكان. يعاني ماتشبيسا من المهق ويفقد بصره تدريجيا. قال للأمين الأعام إن الليلة التي ضرب فيها الإعصار هي “ليلة من المستحيل تذكرها”، مضيفا أن بعض الناس “لديهم الشجاعة لاسترجاع الأشياء التي أخذتها منهم الرياح، لكن أولئك المعوقين بصريا لم يتمكنوا من رؤية المكان الذي تتجه إليه أشياؤهم.”

 

والتقى غوتيريش أيضا بأنطونيا بيريبيري البالغة من العمر 37 عاما. وهي منسقة منتدى رابطات موزامبيق للأشخاص ذوي الإعاقة. تعاني أنطونيا من إعاقة في حاسة السمع. ومن خلال مترجم خاص، أوضحت للأمين العام أنه في بلد يتلقى فيه معظم الناس أخبارهم من الراديو، فإن أشخاصا مثلها يعانون من “نقص في المعلومات” أثناء حالات الطوارئ.

 

“فجأة، حدث ذلك. دون سابق إنذار. خرجوا وشاهدوا جميع المنازل تسقط”، كما شرحت أنطونيا.

 

من ناحيته أكد غوتيريش  “إن الأمم المتحدة ملزمة ببذل كل ما في وسعها لتقديم المساعدة، وخاصة للأشخاص الأكثر ضعفا، الذين عانوا أكثر من غيرهم  جراء هذه المأساة.”

 

الأمين العام مع تلاميذ الصف الأول في مدرسة تدعمها اليونيسف في مخيم ماندروزي، موزامبيق.
على بعد ثلاثين دقيقة بالسيارة من بييرا ، قام السيد غوتيريش بزيارة مخيم ماندروزي، حيث تمت إعادة توطين 480 أسرة بشكل مؤقت. وقد منحتهم الحكومة قطع أراض غير أنهم ما زالوا يعيشون في خيام توفرها مفوضية شؤون اللاجئين، والمنظمة الدولية للهجرة وغيرها من الشركاء في المجال الإنساني.

 

في معسكر ماندروزي تلقى الأمين العام ترحيبا حارا في مدرسة تدعمها اليونيسف، بهتافات من الطلاب، وقد أمضى غوتيريش وقتا ممتعا مع تلاميذ الصف الأول عندما اختبرهم على تسميع أعدادهم، من 1 إلى 4.

 

ثم قام الأمين العام بجولة سريعة في المخيم، حيث قابل العديد من العائلات وتفاعل مع السكان، من بينهم سيدتان وصبي صغير، مستطلعا آراءهم عن الحياة في المخيم. وقد سألهم السيد غوتيريش أكثر من مرة عما إذا كانوا يحبون مكانهم الجديد، وكانت الإجابة في كل مرة “نعم”، لأنهم صاروا يشعرون بالأمان.

 

في وقت لاحق من اليوم، تحدث غوتيريش في مناسبة إعلامية عن تحديات إعادة التوطين في موزامبيق، وقال إن المواد التموينية في المآوي المؤقتة في البلاد قد نفدت، وأن 46 ألف شخص – ممن يعيشون في المخيمات – لم يرجعوا بعد إلى أحيائهم وقراهم القديمة.

 

وقال غوتيريش للصحفيين “أنا متأكد من أن الاستثمار سيتم تدريجيا، وسندعم هذا الاستثمار في التعليم والصحة وغيرها من الأمور الضرورية لرفاهية هؤلاء السكان”. وأشاد الأمين العام بعزيمة وتصميم الشعب، بالقول كنت معجبا بحق بما رأيته. ما رأيته كان شجاعة وتصميم هؤلاء الناس. رأيت الناس يقومون بالغرس والزرع بالفعل. ما زالوا بلا منازل بعد، لكنهم يزرعون، شرعوا في الزراعة بالفعل. إنهم يريدون حقا أن يبنوا مستقبلهم “.

 

الاحتياجات

قبل مغادرته، حظي الأمين العام بمعاملة استثنائية لزيارة ملجأ آمن خصص للأطفال والنساء، ولا يسمح للرجال بدخوله، إذ رحب به سكان الملجأ. وقد جلس الأمين العام، خارج الخيمة التي تبرع بها صندوق الأمم المتحدة للسكان، على كرسي على مدخل المخيم، كتعبير عن احترام خصوصية المكان.

 

نحن فقط بحاجة إلى الأدوات اللازمة لاستئناف العمل وكسب رزقنا.  نريد أن نشعر بأن بوسعنا كسب العيش بأنفسنا- نساء من موزامبيق

 

واستمع الأمين العام غوتيريش لبعض مخاوف النساء، حول المسافة البعيدة للمدرسة بالنسبة للأطفال الأكبر سنا، وافتقارهن للمواد اللازمة للبدء في بناء البيوت، وعن مدى صعوبة تربية الأطفال كأمهات وحيدات دون عائل. ولكن استمع غوتيريش لكلمات أكثر منهن عن عدم رغبتهن في الاعتماد على المساعدات.

 

“نحن فقط بحاجة إلى الأدوات اللازمة لاستئناف العمل وكسب رزقنا” قالت إحدى النساء، مضيفة أن بعضهن كن يوما ما من الخياطات أو المزارعات، وأن أخريات يرغبن في تعلم القراءة والكتابة، أو تعلم صنع السلال والأواني فخارية: “نريد أن نشعر بأن بوسعنا كسب العيش بأنفسنا”.

 

وبعد زيارة المخيم، التقى السيد غوتيريش بكبار مسؤولي الفريق الإنساني في موزامبيق واطلع على آخر المستجدات حول حالة الطوارئ. كما زار مستودع تخزين لبرنامج الأغذية العالمي، حيث التقى أكثر من مائة من العاملين في المجال الإنساني المشاركين في عملية الاستجابة الإنسانية. وأشار الأمين العام للأمم المتحدة بشكل خاص إلى عاملي الإغاثة الموزامبيقيين، قائلا إنه يعرف أن بعضهم “كانوا من الضحايا، لكنهم استمروا في العمل لمساعدة الآخرين”.

 

كما زار الأمين العام منشآت لبنى تحتية من قنوات وسدود وأحواض مائية تم بناؤها بدعم من مجموعة من الشركاء الإنسانيين، بما في ذلك البنك الدولي. وقد نجح الاستثمار في منع حدوث أضرار أكبر خلال الإعصار، ويتم توسيع العمل عليه الآن. في مبنى مكتب عمدة المدينة، استطلع الأمين العام من السطوح المشهد البانورامي   للأضرار الناجمة من الإعصار.

 

ووجد الأمين العام برجا في زاوية المبنى وقرر الصعود إليه، مستغلا سلما حديديا قديما وآخر إلى أن استقر على سطح المبنى في منصة مستديرة صغيرة: ومن هناك أطل غوتيريش ناحية الشمال، حيث ضرب إعصار كينيث الساحل، بعد ستة أسابيع بعد إعصار إيداي، مما أثر على حياة 400 ألف شخص.  ومن زاوية جهة الغرب، استطلع غوتيرش جهات تطل على مناطق بوزي ودوندو، حيث فقدت الغالبية العظمى من مجموع 648 شخصا حياتهم، جراء الكارثة.
سيغادر الأمين العام للأمم المتحدة موزامبيق، بصور عزم واستقلال شعبها مطبوعة في ذهنه.
قد يعجبك ايضا