اجتمع سكان “المهرة” اليمنية على إنهاء الوجود السعودي في هذه المحافظة التي بقيت آمنة هي وسكانها حتى دخول القوات السعودية إليها في شهر نوفمبر لعام 2017، وانتفض الشعب مجدداً عبر مظاهرات عمّت شوارع المهرة يوم الجمعة الماضية تطالب بخروج القوات السعودية من المحافظة فوراً، وإقالة المحافظ، في حين لوح أحد قادة الحراك بخيارات أخرى تصعيدية لإجبار القوات السعودية على الرحيل.
المتظاهرين رفعوا لافتات مكتوب عليها “المهرة ترفض الاحتلال السعودي الإماراتي”، وعبّر المتظاهرون عن تضامنهم مع أبناء محافظة سقطرى، ورفعوا شعارات تطالب بإنهاء الوجود الإماراتي فيها.
أهالي “المهرة” لم يعودوا قادرين على تحمل جرائم قوات التحالف في محافظتهم، لدرجة أن ما يسمى بالحكومة الشرعية والتي تتلقى دعمها من السعودة مباشرة، لم تعد تريد بقاء القوات السعودية في محافظة المهرة التي دخلتها بحجة مكافحة تهريب السلاح والمخدرات، وضبط الأمن في المحافظة، الأمر الذي رفضه الأهالي حينها، وهذا الامر كان واضحاً في كلام وزير الداخلية في حكومة ما يسمى “الشرعية” أحمد الميسري الذي وجّه ضربةً قاضية للتحالف السعودي.
وقال الوزير الميسري حينها، أعتقد أن برنامجنا في الحكومة والتحالف الزحف باتجاه الشمال (لانتزاعه من أنصار الله)، وليس “الزحف باتجاه الشرق”، إلى محافظتي المهرة وسقطرى، حيث تبرز الأطماع الخاصة لكلٍ من الرياض وأبوظبي.
وقال مصدر مطّلع: إن القيادة الشرعية بدأت تسيطر عليها حالة التململ من عدم اكتراث السعودية، قائدة التحالف العسكري، والإمارات، القوة الثانية فيه، لمواقفهما وسياساتهما التي تقوّض عمل سلطاتها، بدءاً بمحافظات الجنوب، وصولاً إلى شرق البلاد.
وبحسب المصدر ذاته، فإن خروج وزير الداخلية أحمد الميسري، الذي يشغل أيضاً نائب رئيس الحكومة، بتلك التصريحات التي قرأت على أنها موجّهة بشكل خاص إلى الرياض، بعد أيام من تحرّكاتها المثيرة في المهرة، “جاء بإيعاز من الرئاسة“.
هذا ودعت ثلاثة أحزاب سياسية في المهرة، إلى طرد القوات السعودية، في تناغم مع مطالب الحراك الشعبي الرافض لوجودها في مدينتهم.
وبالعودة إلى المظاهرات التي خرجت قبل يومين، فقد طالب بيان صادر عن الوقفة الاحتجاجية، بإقالة محافظ المهرة راجح باكريت، متهمين إياه بتمرير وتنفيذ أطماع السعودية في السيطرة على المحافظة والعبث بالمال العام.
وأكد البيان “تمسك المحتجين بالمطالب المتمثلة برحيل القوات السعودية، وتسليم المنافذ البرية والبحرية وخروج كل القوات من مطار الغيضة”، داعياً المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومجلس الأمن إلى التدخل وإنهاء الحرب التي أعلنتها السعودية.
لم تتمكن السعودية بأي شكل من الأشكال بأن تكسب سكان “المهرة” إلى جانبها، وفشلت في هذا الأمر كما فشلت في إجبار الشعب على الرضوخ للسياسة التي كانت تسعى السعودية لفرضها في اليمن، وبينما حصدت الإمارات بعض المزايا جنوب اليمن حاولت السعودية أن تحظى بنفس الأمر، وأن تتقاسم خيرات اليمن مع آل زايد عبر الدخول إلى محافظة “المهرة” الاستراتيجية والحصول على مزايا هذه المحافظة برّاً وبحراً وجوّاً، إلا أن سكان “المهرة” قضوا على أحلام السعودية، حيث رفضوا الوجود السعودي وطالبوا بخروج القوات السعودية من المهرة على الفور.
مطالبات سكان المهرة بإنهاء الوجود السعودي فيها ليست بالأمر الجديد، ففي نهاية العام 2017 وبالتزامن مع دخول قوات سعودية إلى “المهرة” تحت ذريعة محاربة التهريب والإرهاب في المحافظة، إلا أن المحافظة كانت هادئة طوال سنوات الحرب ولم يتعكّر صفوها حتى جاءت القوات السعودية وعاثت فساداً فيها .
المظاهرات التي خرجت سابقاً وخرجت اليوم، غايتها الأساسية إنهاء وجود القوات السعودية وسيطرتها على المطارات والمنافذ في محافظة المهرة الاستراتيجية شرقي اليمن، وخروج المدرعات والآليات العسكرية السعودية والمليشيات التي تتبعها من منافذ صرفيت، وتسليمه إلى القوات الشرعية من مؤسسة الجيش والأمن، وإقالة المحافظ راجح باكريت، وفتح تحقيق شفاف في قضايا الكسب غير المشروع والعبث بالمقدرات والأموال العامة، التي يتهم المحتجون المحافظ بالتورط فيها.
ماذا تريد السعودية من “المهرة”؟
أولاً: تتمتع محافظة المهرة بموقع استراتيجي مهم شرق اليمن وتربطها مع سلطنة عمان حدود مشتركة، فضلاً عن كونها تطلّ على المحيط الهندي، ولم ينخرط سكان هذه المحافظة في الحرب ولم يحملوا السلاح في وجه أحد لذلك جاءت قوات آل سعود لإجبارهم على الدخول في هذه المعارك وإحداث بلبلة في هذه المدينة بعد أن فشلت في إحراز أي تقدّم في أي مكان آخر.
ثانياً: السعودية تريد مدّ أنابيب نفطية عبر محافظة “المهرة” ولذلك فإن السيطرة عليها والتحكم بمنافذها البحرية يعتبر أمراً مهمّاً، وفي حال تمكّنت من مدّ أنبوب نفطي عبر المهرة سيسمح لها هذا الأمر بالوصول إلى المحيط الهندي دون المرور بمضيق هرمز.
ثالثاً: بعد فشل التحالف السعودي في تحقيق أي نصر عسكري وجدت السعودية أن “المهرة” مكان جيد لإحراز انتصار على المستوى السياسي أو العسكري أو الاقتصادي إلا أنه لم ينجح أي من هذه الخيارات، بفضل وعي الشعب هناك، والذي يرفض أي وجود لأي قوات عسكرية بالإكراه.