الجمعيات الخيرية: ربع قرن من استغلال الفقراء

ظل العمل الخيري في اليمن خادماً سياسياً لأحزاب معينة، ومصدر ثراء فاحش لشخصيات انتهازية، كما انه اتسم بالعشوائية، وبعد مرور قرابة الربع قرن لم تساهم تلك الجمعيات في التخفيف من مشكلة الفقر في اليمن بل تزايد أعداد الفقراء بصورة لافتة.

ودائماً ما تدور نقاشات وجميعها تطرح سؤالاً مهماً مفاده :ماذا لو أن الجمعيات الخيرية الكثيرة جداً جداً في بلادنا عملت بصدق على مكافحة الفقر المستشري والمتزايد بشكل مخيف؟!.

كان الأمر بحاجة إلى أن تنشط تلك الجمعيات ليس في رمضان والأعياد فقط، وإنما طيلة العام، وأن تقدم نفسها بأعمال خيرية فاعلة تدفع بالكثيرين من الفقراء إلى بداية طريق الاعتماد على النفس من خلال تبني مشاريع صغيرة توفر فرص عمل لشباب وشابات الأسر الفقيرة وتكون بذلك قد وفرت لهم مردودا ودخلا ماليا يقها ذل السؤال وشر الحاجة، ويخرجها من دائرة الفقر إلى رحابة الطموح.

تبرعات سخية
كان واضحاً  أن دور الجمعيات الخيرية لم يكن فاعلاً بالرغم من أنها  كانت تحصل على تبرعات ضخمة من الداخل ومن الخارج أيضاً ومع ذلك فإنها حصرت نفسها في أعمال لا يمكن إطلاقاً أن تساهم ولو قليلاً في مكافحة مشكلة الفقر في البلد كاهتمامها بشكل كبير بقضايا الزواج الجماعي وإفطار الصائمين والحقيبة المدرسية.

ويعرف عالم الاجتماع الأستاذ الدكتور فؤاد محمد الجمعيات الخيرية بأنها سند اجتماعي لتحسين واقع الفقراء وإشباع احتياجاتهم وحل مشكلاتهم والدفاع عن مصالحهم والتعبير عن آرائهم وتسعى لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة وخلق أنشطة اجتماعية سياسية واقتصادية وثقافية فعالة في المجتمع وتعليم وتدريب الأفراد على الممارسات الديمقراطية.

 

أين دور الدولة؟

إذاً فقد بات ضرورياً أن تشدد الدولة على الجمعيات الخيرية سواء عند منحها تراخيص مزاولة أعمالها وحتى تلك التي تمارس عملها منذ سنوات طويلة؛ إذ إن أنشطة تلك الجمعيات تستدعي مراقبتها ومحاسبتها وإلغاءها إن استدعى الأمر…فقد فاحت روائح فسادها واستغلالها لحاجة الفقراء فحققت من ورائهم مكاسب مالية خيالية، فيما اتسعت رقعة الفقر…ثم كلما تزايدت أعداد الجمعيات الخيرية تزايد أعداد الفقراء وزادت أحوالهم سوءاً.

أين الشفافية؟!

ويؤكد الكثير من المواطنين أنه ليس ثمة أي دور فاعل للجمعيات الخيرية القائمة في معالجة مشكلتي الفقر
والبطالة، خاصة وأنها تتركز في المدن وتتكرر خدماتها لنفس الفئات الاجتماعية ولا تمتد إلى الريف حيث يتواجد غالبية الفقراء، ولا تعتمد الشفافية وعدم وضوح هيكليتها التنظيمية وتقسيم العمل وغالبيتها متكئ على بعض الأفراد في الحصول على التمويل والارتزاق بمعنى أنهم يستهدفون تحقيق مصالح شخصية، وشخصنة الجمعيات، فرئيس الجمعية هو المدير والمركز والمسئول وكل شيء وإذا غاب غابت الجمعية.

 

نفقات مريبة
وكم هي العادة في بلادنا وفي مختلف المجالات لا تعتمد الجمعيات الخيرية الشفافية عن أدائها ومصادر تمويلها وفيما أنفقت وهذه مسألة هامة يجب أن لا تغفلها وزارة الشئون الاجتماعية؛ كونها المسئول الأول عن ذلك…ويشدد الباحث الاجتماعي زيد عبدالله على ضرورة أن تقوم وزارة الشئون الاجتماعية بعمل تقييم شهري أو نصف سنوي أو حتى سنوي للجمعيات الخيرية بدلاً من أن تظل تعمل بصورة تقليدية وغير واضحة.

إن العشوائية المسيطرة على أداء الجمعيات الخيرية وغياب الشفافية في أدائها، ثم إن تزايد أعداد الفقراء
الذين تتذكرهم الجمعيات موسمياً يجعلنا نشك في صدقية أعمالها ومدى أرباحها التي تجنيها من خلال تسللها
بأسماء الفقراء والمساكين إلى جيوب الخيرين واستدرار عواطفهم وعواطف محدودي الدخل الذين يساهمون بما يستطيعون لكن أي أثر إيجابي من ذلك إنما هو مقتصر على رؤساء تلك الجمعيات.


تشويه للأعمال الخيرية
وكم هو معيب استغلال حاجات الناس وعوزهم وكم هو مخجل صمت الجهات المسئولة في الدولة عن كل ذلك!.. لقد تشوه فعل الخير في بلادنا منذ أكثر من 25 عاماً، وأصبح نشاط الجمعيات الخيرية الموسمي الغرض منه خدمة جماعات معينة أو أحزاب؛ ولذلك فإن ما يتم تقديمه من معونات غذائية يكون بصورة انتقائية للمستفيدين منها بناء على تبعيتهم، لكن ماذا عن الفقراء والمحتاجين الذين اختاروا البقاء مستقلين غير خاضعين لأوامر “ قيادات” الأحزاب الانتهازية التي لا يعنيها مدى استفادة الناس من ذاك الخير ولا يهمها أن توجد مكافحة حقيقية للفقر؛ كون مكافحة الفقر على أسس علمية مدروسة، يعني انتهاء دورهم أو انتهاء فرصهم الانتهازية، كما وأنهم قد اعتادوا على أكل السحت والشحاذة بأسلوب لا يختلف عن أولئك المتناثرين بالمئات على قارعة الطرق والأسواق، إلا من المظهر الخادع وعبارات الاستجداء المقرفة.

 

أرقام سرية

لا توجد أرقاماً حقيقية عن حجم النشاط الخيري في اليمن غير أن رمضان يعد الموسم الأكثر رواجاً لهذا السوق وهو ما تكشفه أحجام الاعلانات المنتشرة للجمعيات الخيرية.

وحاولت وكالة الصحافة اليمنية استفسار بعض مسئولين في جمعيات خيرية عن حجم التبرعات التي تصلهم فرفضوا الإفصاح عن حجم التبرعات التي تحصل جمعياتهم عليها بزعم أنه لا توجد إحصائية بذلك كونها أمورًا سرية لا يجوز لأحد الاصطلاع عليها، فيما أوضح مسؤول داخل إحدى المؤسسات الخيرية الأخرى أن حجم التبرعات لا يعلمها سوى أمين صندوق المؤسسة لأن الإدارة ترى أنها أرقام خاصة وسرية للغاية، موضحًا أن الجمعية لا تعلن سوى عن الخدمات التي تقدمها للمحتاجين.

كيفية الصرف
ويطرح دائمًا تساؤل مهم: كيف تصرف أموال الصدقات والزكاة والتبرعات ولصالح من توزع؟ ولماذا لا تنجح الجمعيات الخيرية في القضاء على الفقر المنتشر في البلد؟!.

والجواب هو أن الأموال في أفضل الأحوال تذهب لمستحقيها من الفقراء والمساكين وتوزع لهم وفق الحاجة، إلا أن المشكلة أن الأسرة الفقيرة تبقى فقيرة ولا تصبح منتجة بفضل ما تقدمه لها الجمعية من أموال، وهو التحدي الذي تواجهه الجمعية ومن المفترض أن تصرف عليه جل جهدها ووقتها في انتشال الأسرة من الفقر لتصبح منتجة ومفيدة في محيطها خصوصًا في ظل تطور الحياة وتسارعها وبروز صعوبات كبيرة أمام الأسرة الفقيرة في الحياة العامة.

التطوير ضرورة ملحة
تحتاج الأنشطة والأعمال الخيرية إلى تطوير في عملها وابتكار، يقول خبير الموادر البشرية جلال أحمد: تطوير عمل الجمعيات يكون من خلال الانتقال نحو حضانة الأعمال الناشئة بتزويدها بمجموعة من موارد الدعم والخدمات المصممة والمدارة من قبل إدارة مؤسسة الحاضنة أصبح أمرًا بالغ الأهمية ومطلوب على مستوى كل الجمعيات العاملة في مختلف الظروف في جميع المجتمعات، فالانتقال نحو دعم الشركات الناشئة يسهم بشكل فعال في استيعاب الكثير من الفرص الخلاقة والرائدة في الاقتصاد وخلق المزيد من فرص العمل للتخفي من حدة معدلات البطالة.

وأضاف :” حيث تسهم الحاضنة بتقديم الخدمات الأساسية التي تؤدي إلى نجاح الشركة من التواصل وبناء العلاقات في السوق إلى المساعدة في الحسابات المالية وتسهيل عمليات الاقتراض والتواصل مع الشركات الأكبر والمستثمرين وتقديم برامج تدريبية للعاملين وتقديم الاستشارة والتعريف بكيفية العمل في ظل وجود التكنولوجيا والتقنية العالية في العالم”.

وقال : “تتعدد الطرق والوسائل لتحقيق تلك الغاية ويمكن اختصارها بالتنمية المستدامة، وعلى الجمعيات أن
تضع ما يردها من أموال لتشغيلها في قنوات استثمارية تدر عليها أموالاً تقي نفسها الفاقة والعجز في الأموال، ومن جهة أخرى تخلق فرص عمل تمنحها للفقراء الذين يملكون الخبرات اللازمة ويعانون من البطالة، وبهذا تتحول الجمعية من دور رعوي يقتصر على المنح المالي للأسرة الفقيرة إلى دور تنموي يبني الإنسان والمجتمع وتصل من خلالها لخيار التنمية المستدامة القائم على تطوير الإنسان والمجتمع فتسعى إلى الوفاء بالكثير من الأهداف في إطار التنمية المستدامة التي تسعى لتطوير المجتمع كالقضاء على الفقر والجوع وتحقيق الرفاه والصحة لجميع الأسر والاهتمام بالتعليم والمساواة والنظافة وتنمية الاقتصاد الوطني فضلاً عن أهداف أخرى”.

قد يعجبك ايضا